• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد مسرعا

قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد مسرعا
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/10/2014 ميلادي - 25/12/1435 هجري

الزيارات: 41571

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد مسرعًا


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أمَّا بعدُ:

فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في الدين بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.

 

أيها الأخوة الكرام، مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم نحيا، ونقتفي آثاره، ونسير على سُنته، فمن اقتفى آثاره عليه الصلاة والسلام، سعِد وأفلَح في الآخرة والأولى، وأنتقِل بكم إلى إحدى الصلوات التي صلى بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالصحابة، حيث صلاة العصر، ووقع في ذلك اليوم أمرٌ مستغربٌ من الصحابة رضي الله عنهم، استغربوا هذا الأمر؛ لأنهم يرقبون حياة النبي صلى الله عليه وسلم لحظةً بلحظة، ودقيقةً بدقيقة، فكل ما يصدُر عنه عليه الصلاة والسلام - من الأقوال والأفعال والحركات - يرقبونه ويرصدونه، وقد نقلوه للأمة بكل أمانةٍ ووضوحٍ ودقة، يُحدثنا عن ذلك الصحابي الجليل أبو سِرْوعة عقبة بن الحارث رضي الله عنه، يقول: صليتُ وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ولك أن تتوقف عند قوله هنا: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الناس يذكرون في مذكراتهم وفي تاريخهم، وفي خبراتهم الحياتية - أنهم التقوا يومًا من الدهر بعظيمٍ من العظماء، أو سيدٍ من السادة، أو أميرٍ أو ملكٍ، أو رئيس، فلك أن تتصور إذا كان هذا الملتقي قد التقى وشاهَد وحضر مع أفضل الخلق على وجْه الإطلاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا غَرْوَ حينئذٍ أن تتوقف مع قول أحد الصحابة: سمعتُ رسول الله، أو صليتُ وراء رسول الله، أو قال لي رسول الله، ونحو ذلك؛ يقول عقبة رضي الله عنه: صليتُ وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلَّم، ثم قام مسرعًا، فتخطَّى رقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزِع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجِبوا من سرعته؛ قال صلى الله عليه وسلم؛ ليُبدد هذه المخاوف، وليُزيل آثار الدهشة التي ارتَسمت في أذهان الصحابة رضي الله عنهم، قال، ولك أن تتوقف عند هذا الأمر المهم الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على أن يُخالف عادته، عادة الهدوء والسكينة في مَشيه وذَهابه وإيابه، وعادته في تعبُّده لربه جل وعلا ببقائه للذكر عقيب الصلاة، فيا تُرى ما الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم لتَوِّه من الصلاة مباشرةً إلى حجرات نسائه؟!

 

وهذا الأمر بالتأكيد قد شغل النبي صلى الله عليه وسلم حالَ صلاته، فإن تفكُّره فيه لم يأتِ من حين سلَّم، ولكن كان بعض التفكير في جزءٍ من الصلاة، فما هو هذا الأمر المهم الذي شغل الخاطر الشريف، وفي عبادةٍ عظيمة هو أخشع الخلق فيها صلى الله عليه وآله وسلم؛ يقول عليه الصلاة والسلام مزيلًا آثار الدهشة التي ارتسمت في أذهان صحابته رضي الله عنهم: ((ذكرت شيئًا من تِبرٍ عندنا - والتبر هو الذهب قبل أن يُصفَّى ويُهيَّأ - فكرِهت أن يَحبسني، فأمرتُ بقسمته))؛ رواه البخاري.

 

وفي روايةٍ قال صلى الله عليه وسلم: ((كنت خلَّفت في البيت تِبرًا من الصدقة، فكرِهت أن أُبَيِّتَه))، الله أكبر، هذا هو الذي شغل الخاطر الشريف، خاطر محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وفي هذه الواقعة فوائد وعظاتٌ، وعِبَر غير الذي تقدَّم، ومن ذلك:

ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد في هذه الحياة الدنيا، وحرصه على التقلُّل منها، وألا يتعلق بشيءٍ إلا ما يقيم به أوجه، وتتحقق به ضروراته، فالنبي صلى الله عليه وسلم هذا التبر الذي كان في بيته، هذا الذهب لم يكن ملكه، ولكنه كان من أموال الصدقة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها أن تُنفق في وجوهها التي أمر الله جل وعلا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُرد أن يتأخَّر هذا المال عنده، فيتحمل مسؤوليته ومساءلته بين يدي الله جل وعلا، كيف وهو صلى الله عليه وآله وسلم الذي مَن دخل بيته، ورأى أثاثه وما فيه، أدرك أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن متمسكًا ولا آخذًا من هذه الحياة الدنيا، إلا ما يُقيم به ضروراته، ولك أن تتأمل في ذلك الدخول الذي دخله عمر رضي الله عنه مرةً في مكانٍ يجلس فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بمسجده، والأثاث الذي فيه، فكان قد اضطجع على حصيرٍ أثَّر في جنْبه الشريف، وقلَّب عمر رضي الله عنه ناظِرَيه في هذه الحجرة، فإذا كل الذي فيها من الأثاث قِربةٌ من جلدٍ معلقة لطول ما استُخْدِمت ولطول مُكثها، كانت تتكسَّر في بعض أنحائها.

 

هذا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي كان أثاثه على هذه الحال، وهو أفضل الخلق، ولذا بكى عمر رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر فيما هم فيه من النعيم، وأنت رسول الله على هذه الحال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب، أولئك أقوامٌ عُجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا؟!)).

 

إن هذه الحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم لشبيهةٌ بحال أشد الناس فقرًا في زماننا اليوم، ومع ذلك كان أغنى الخلق بالله جل وعلا؛ بإيمانه بربه، وثقته به سبحانه، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشة، إني قد خُيِّرتُ، ولو شئتُ لسارتْ جبال الدنيا معي ذهبًا)).

 

محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي خيَّره ربُّه أن يكون في هذه الحياة الدنيا ملكًا رسولاً، أو عبدًا رسولاً، فاختار أن يكون عبدًا رسولاً، وفي هذه الواقعة التي نقلها عقبة رضي الله عنه من الفوائد أيضًا ما ينبغي من المبادرة إلى الخير، والإسراع بإنفاذ الحقوق والواجبات، ومأخذ هذه الفائدة من سرعة النبي صلى الله عليه وسلم في خروجه من المسجد، فلم يمكُث مثلًا حتى يقضي أذكاره ودعواته التي كان يُعلِّمها الناس، ويعتاد عملها وقولها بعد الصلاة، ولم يكن في مشيته عليه الصلاة والسلام لدى خروجه مشية اعتيادية التي كان يَمشيها، ولكنه مُسرعٌ، حتى إنه تخطَّى رقاب الناس في الصفوف، وعجِبوا من هذه السرعة، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا يريد إنفاذ الخير، وتنفيذ الواجب في هذا المال الذي كان في بيته عليه الصلاة والسلام، كُنت خلَّفت في البيت تبرًا من الصدقة، فكرِهت أن أُبَيِّتَه.

 

وفي هذه الواقعة من الفوائد أيضًا:

عناية الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما تقدَّمت الإشارة إليه، فقد نقلوا رضي الله عنهم كل دقيقةٍ وجليلة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إنهم نقلوا اضطراب لِحيته في صلاته لدى قراءته في الصلاة السرية، وعرَفوا بذلك قراءته، ونقلوا عنه صلى الله عليه وسلم أمورًا ربما لا يتوقف عندها مَن يشاهدها من غيرهم من الناس، لكنهم رضي الله عنهم كانوا حريصين على أن يرقُبوا سيِّد الخلق محمدٍ صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدُر عنه.

 

وفي هذه الواقعة من الفوائد أيضًا:

الاهتمام بالصلاة وأذكارها؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم حفظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلى قعد في مجلسه، فيقول عقيب السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تبارَكت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إليهم موجهًا وجهه الشريف إليهم، ثم يأتي بأذكاره ودعواته عليه الصلاة والسلام، فحفِظوا عنه هذه السُّنة، وحافظ عليها عليه الصلاة والسلام، ولم يتخلف عنها إلا في مثل هذه الواقعة في مراتٍ معدودةٍ ومحدودة، ولذلك لَمَّا خالف النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة التي اعتادها، استغرب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

 

وفي هذه الواقعة من الفوائد أيضًا:

عناية الإنسان بمشاعر مَن حوله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى دهشة الناس، واستغرابهم من فعْله، لم يدعهم في أمرٍ مُعتمٍ غير واضحٍ ولا بيِّن، وإنما بيَّن لهم حِكمة فِعله، وسبب تصرُّفه الذي شاهدوه واستغربوه، وهذا حَرِيٌّ من الإنسان أن يُبادر به إلى كل من يختلط به؛ رعايةً لمشاعره، وإظهارًا لوده وحبِّه، فإن بعض الناس يُحيط حياته بنوعٍ من الأسرار، ونوعٍ من القتامة وعدم الإظهار، حتى مع مَن يختلط به من زوجةٍ، أو والدَين وولد، أو صديقٍ وزميل، وهذا يخالف اللباقة والأدب؛ إذ الإنسان ينبغي أن يُذِهب كل ما قد يتعلق بالخاطر ممن حوله؛ حتى يكون في وضوحٍ من أمره، ولأجْل أن يُحقق الودَّ والحب في قلوب مَن يختلط بهم، فإن الإنسان إذا أوضح وأبانَ ما هو فيه من الأمور، كان هذا أقرب إلى ودِّ مَن يختلط بهم.

 

هذه أيها الأخوة الكرام جملةٌ من الفوائد التي تتعلق بهذه الواقعة التي رصدها الصحابي الجليل عقبة بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه.

 

أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

♦ ♦ ♦ ♦


الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

ففي هذه الواقعة فوائد أُخَر غير الذي تقدَّم، وأذكِّر بها كما رواه البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح؛ حيث روى عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: "صليتُ وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة العصر، فسلَّم، ثم قام مسرعًا، فتخطَّى رِقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزِع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجِبوا من سرعته، قال صلى الله عليه وسلم: ((ذكرت شيئًا من تِبرٍ عندنا، فكرِهت أن يَحبسني، فأمرت بقسمته، وجاء في رواية عند البخاري أيضًا: كنت خلَّفت في البيت تبرًا من الصدقة، فكرِهت أن أُبَيِّتَه)).

 

ففي ذلك من الفوائد غير ما تقدم أيضًا، ما يتعلق بالأموال، وأنها قد تُسبب الحبس للإنسان، الحبس في هذه الحياة الدنيا، والحبس في الآخرة، وهذا ما أشار إليه الإمام الحافظ ابن بطال الأندلسي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث، فقال: "إن في هذا ما يدل على أن حبس الصدقات يحبس الإنسان يوم القيامة، وجاء ما يدل على ما هو أعم من هذا، من أن الأموال واستبقاءها، وعدم تصريفها في أمر الله تعالى، يُسبب للإنسان الحبس عن دخول الجنة يوم القيامة، وتأخيره عن ذلك؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يومٍ - يوم القيامة - والله تعالى يقول: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47].

 

فيُحبس أغنياء المسلمين عن دخول الجنة، ويَسبقهم الفقراء بهذا العدد بخمسمائة عامٍ يسبقونهم إلى الجنة، والسبب في ذلك والله أعلم هو السؤال عن هذا المال الذي يكون في يد الإنسان؛ كما دل عليه ما رواه الإمام الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لن تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربع: عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمِل به؟

 

السؤال لا بد حاصلٌ عن هذا المال، وبطبيعة الحال كلما زاد هذا المال، كانت الزيادة في المسألة، والتدقيق قد يكون على بعض الخلق، فيُسألون عن هذه الأموال سؤالًا دقيقًا، أشد من مساءلة الشريك لشريكه، وهذا يحمل الإنسان على أن يحتاط في اكتسابه للمال، وأن ينظر من أي أوجه الحِل يأخذه، وأن يحتاط أيضًا في أي أبواب الحلال يُنفقه، وهذا يُبين أيضًا أن المال واستكثاره ليس في ذلك حفاوةٌ وفرح به على مطلق الحال، فإنه كلما كثُر، كانت المؤونة فيه أشد وأكثرَ، وكثيرٌ من أهل الأموال يشغلون في أذهانهم وأفكارهم في كيفية تحصيله وجمعه، ثم في كيفية حيازته وحِفظه، والتحرُّز في أنواع إنفاقه، وغير ذلك، ولذا فهم يكونون في أذهانٍ مكدودةٍ مشغولة بسبب هذه الأموال الكثيرة، ولذلك ربما عاش بعض الناس الذين هم على حالٍ من الكفاف حياةً في طُمَأْنينةٍ أكثر من كثيرٍ من الناس الذين استطالوا في الأموال واستكثروها، ولا يعني ذلك الانصراف عن المال وحيازته بالمرة، ولكنما المقصود أن ينظر الإنسان للمال على أنه وسيلةٌ وأداةٌ لأن يتعبد الله تعالى فيه؛ إذ ليس المقصود هو حيازة المال والاستكثار بحد ذاته، وإنما المقصود ما وراء ذلك، وإلا فإن العلماء رحمهم الله قد بحثوا مبحثًا مهمًّا، وهو أيهما أفضل: الغني الشاكر، أم الفقير الصابر؟ وبطبيعة الحال، فإن الغني الشاكر الذي أدَّى لله حقَّه في المال، أنه أعلى رُتبةً ودرجة من الفقير الصابر؛ لأن الفقير الصابر ليس له من عملٍ يعمله إلا هذا، فهذا خياره الأوحد، أما الغني الشاكر، فإنه إن شكر الله جل وعلا، وأدى حقَّه في المال، فإن هذا فيه مزيةٌ ومنزلةٌ ورُتبة لا تكون في شأن الفقير الصابر.

 

وبكل الأحوال أيها الأخوة الكرام، فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أنه كان يقول: ((اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتًا))، وكان يقول: ((بل أعيش عيشة الفقراء، أشبع يومًا وأجوع يومًا))، وهذا الهدي النبوي العظيم فيه سَلوةٌ لكل من قصرت عليه أنعم هذه الحياة الدنيا، وزهرتها، فمحمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم خير الخلق وأفضلهم، كانت عيشته كفافًا، كان عليه الصلاة والسلام ربما مرت عليه أيامٌ وهو طاوٍ من الجوع، وربما مرت عليه أسابيع لا يوقد في بيتٍ من بيوته نار، هذا محمدٌ أفضل الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ففي ذلك سلوةٌ لكل من عانى من قصور هذه الحياة الدنيا وقلَّتها، فإن العبرة ليست في هذا الأمر، وإنما بالصلة بالله جل وعلا، وتحقيق مراده في كل أحوال الإنسان؛ صحةً ومرضًا، غنًى وفقرًا، خوفًا وأمنًا، وفي غير ذلك من أحوال الحياة الدنيا.

 

ألا وصلوا وسلموا على نبينا محمدٍ، فقد أمرنا الله بذلك، وقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت إبراهيم على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمَع شمْلهم على الحق يا ربَّ العالمين.

 

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم أصلح أئمَّتنا ووُلاة أمورنا يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احقِن دماء المسلمين، اللهم اجمَعهم على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم اجمع شمْل إخواننا في ليبيا وسوريا واليمن، وفي غيرها من البلاد.

 

اللهم أكْفهم شرارهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين، وحقِّق لنا ولهم الخير، وأبعِد عنا وعنهم الفتنَ، ما ظهَر منها وما بطَن.

 

اللهم عليك باليهود المعتدين المحتلين لبلاد المسلمين.

 

اللهم أذلَّهم وأخْرِجهم من فلسطين أذِلةً وهم صاغرين يا قوي يا عزيز.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّونا صغارًا.

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.

 

اللهم إنا نسألك يا حي يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، أن تُعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.

 

اللهم لا تَدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفَرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كَرْبًا إلا نفَّسته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفَيْتَه، ولا سائلًا إلا أعطيتَه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحقيق تخريج مسألة ( مقاربة النبي بين الخطى إلى المسجد )
  • الخروج من المسجد لمن لا يرى الجمع في المطر
  • هل اشتقت للنبي صلى الله عليه وسلم؟

مختارات من الشبكة

  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص الأنبياء: قصة محمد صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • قصص الأنبياء: قصة عيسى عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص الأنبياء: قصة سليمان عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص الأنبياء: قصة داود عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص الأنبياء: قصة يونس عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص الأنبياء: قصة أيوب عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص الأنبياء: قصة شعيب عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب