• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

صفحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في صباه وشبابه

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2017 ميلادي - 10/6/1438 هجري

الزيارات: 41357

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صفحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

في صباه وشبابه

(فوائد وحكم)


إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينه، ونَستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن الله جل وعلا قد أمرنا أن نقتدي بخير خلقه وأشرف رُسله وخاتمهم، محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي ذلك الخير والهدى، وفي ذلك النجاح والفلاح والسعادة في الدنيا والأخرى، ومصداق ذلك من كتاب ربنا تعالى وتقدَّس قوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54].

 

فكل خير في اتباع هذا النبي الكريم، وكل هدى في اتباع شرعه وما دعانا إليه، وكل فلاح وهناء وسعادة في طاعته، والاقتداء به عليه الصلاة والسلام.

 

وفي سيرته الشريفة وحياته الكريمة ومواقفه المنيفة، ما يدعو المسلم إلى اتباع هذا النبي الكريم والإعجاب بمسلكه وهَدْيه، كيف لا وهو المؤيَّد بالوحي من رب العزة والجلال؟!

 

وفي هذه الدقائق نتوقف وإياكم مع جانبٍ كريم من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما فيها من الدلالات العظيمة والدروس الشريفة.

 

نتوقف وإياكم مع سيرته إبَّان صباه وبَدء حياته - حياة العمل والجد والكفاح - فإنَّ هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره وهو على جانبٍ من الجِدِّ والهمَّةِ العالية.

 

ولكم أن تتوقفوا عند ذلك الملمح الكريم الذي لمحه سيد قريش عبدالمطلب جدُّ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، حينما كان هذا النبي الكريم في صِغره وطفولته يأتي إلى مجلس جَدِّه عبدالمطلب وبحضرة أعمامه، فيجلس في مجلسه قبل حضوره، وكانوا يأْنَفون من هذا، ويرون أنَّ من تقديرهم لسيدهم وأبيهم عبدالمطلب ألا يُقْرَب من مَقعده ومكان جلوسه، فإذا حضر عبدالمطلب وشاهد حفيدَه محمدًا صلى الله عليه وسلم قد جلس في مجلسه، فهبَّ أعمامُه ليُقيموه، فإذا به يقول: (دَعُوه؛ فإنَّ ابني يَأْنَس من نفسه مَلِكًا)، يقول عبدالمطلب: إنَّ الذي دفع هذا الصبي الصغير أنْ يجلس في هذا المجلس، ما يجده في نفسه من الهمَّةِ العالية وبلوغِ المنازلِ الشريفة السامية، إنَّه يَأْنَس في نفسه ملكًا ويريد الملك، ولكنَّ الأمر كان فوق ما تخيَّله عبدالمطلب، إنها الرعاية الربانية، إنَّه الاصطفاء الإلهي، إنَّه فوق ما ظنَّه من الملك، وهو النبوة التي هي أشرف المنازل وأعظمها، بل أعظم من ذلك، فهو أشرف الأنبياء وأفضلهم، وأعظمهم وأعظم الخلق قاطبةً!

 

حينما درَج هذا النبي الكريم في صغره، وانتقل إلى عمه أبي طالب، وذلك أنه كما تعلمون كان يتيمًا منذ وُلِد؛ حيث توفِّي أبوه عبدالله وهو حمل في بطن أمه: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ثم تتابعت الوفَيَات، فماتت أمه التي كانت ترعاه السيدة آمنة بنت وهب وهو طفل صغير، وكان بعد ذلك انتقاله إلى عمه أبي طالب الذي رعاه ولطف به، فبادر هذا الصبي الصغير كرمَ عمه بكرمٍ مثله، فلم يَقنع - وعمُّه أبو طالب قليلُ ذات اليد - أن يَجلسَ بلا عملٍ، ولذلك بادَر إلى العمل، وبادر إلى كسب الرزق؛ حتى يكون عونًا لعمه أبي طالب.

 

وكان أول ما اتَّجه إليه نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم في فترة صباه - وهو يدرج في هذه الحياة؛ ليأخذ مآخذ الجد فيها، والله يُربيه ويُهيئه للرسالة العظمى؛ ليكون كادحًا باذلاً، ويكون ساعيًا لا قاعدًا - كان من أول ما اتَّجه إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العمل رعيه الغنمَ، فكان في تلك الفترة الأولى في بني سعد لَمَّا اسْتُرْضِعَ هناك، فكان يلاحظ هذه الأغنام عند أمه من الرضاع وبصحبة أولادها، فكانت هذه البدايات التي يعرف فيها كيف يتعامل مع الحياة، ثم إنه لما انتقل إلى مكة واستقر به الحال عند عمه أبي طالب، كان أيضًا معينًا له كما تقدم.

 

وكان من جملة ما كان له: أنه رعى الغنم لأهل مكة في مقابل أجر يأخذه منهم، ولذلك لما سمع الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبره إذ قال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم)، فقالوا له مقولة المستغرب، وهم يدركون شرفه وعظمته عليه الصلاة والسلام، ويسبق إلى أنفسهم في الحين نفسِه أن رعي الغنم لا يتوافق مع هذه المكانة العظيمة للنبوة، فيقول عليه الصلاة والسلام لَما قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا)، وهذا الحديث رواه الإمام ابن ماجة، وصحَّحه العلامة الألباني.

 

ولَمَّا سُئِل عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري: أكنت ترعى الغنم؟ قال: (نعم، وهل من نبي إلا رعاها؟!)، وفي مقولة النبي الكريم هذه مخبرًا عن الأنبياء عليهم السلام، وعن نفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام أنه رعى الغنم - حاول العلماء رحمهم الله أن يسترشدوا إلى الدلالات التي جعلت رعي الغنم قاسمًا مشتركًا بين الأنبياء: (وهل من نبي إلا رعاها).

 

وفي هذا يقول العلامة ابن عبدالبر النمري: في هذا الحديث إباحة التحدث عن الماضين من الأنبياء والأمم لسيرهم وأخبارهم، وفيه أن التحرف في المعيشة ليس في شيء منها إذا لم تَنْهَ عنه الشريعة نقيصة، وفيه أن الأنبياء والمرسلين أحوالهم في تواضعهم غير أحوال الملوك والجبَّارين، وكذلك أحوال الصالحين.

 

فابن عبدالبر يشير هنا إلى هذا الملمح الكبير، وهو أن التحرف في المعيشة - بأن يكون لدى الإنسان حرفة ما لأجل المعيشة وطلب الرزق - ليس مما يُنْتَقَصُ به الإنسان، ما دام أنه ليس مما تَنهى عنه الشريعة، فلا عيب في الحرفة والوظيفة التي يتوجَّه إليها الإنسان، ويطلب في ذلك الرزق، إنما العيب في الإثم، وإسخاط الله جل وعلا.

 

ويتَّجه العلامة الطيبي رحمه الله إلى استنباط جانب آخر من خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن رعيه وإخوانه النبيين الغنم، فيقول: (يريد النبي عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى لم يضع النبوة في أبناء الدنيا وملوكها، لكن في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف، كما رُوِي أنَّ أيوب كان خياطًا وزكريا كان نجَّارًا، وقد قصَّ الله تعالى من نبأ موسى وكونه أجيرًا لشعيب في رعي الغنم ما قصَّ).

 

وقال العلامة ابن الجوزي رحمه الله: (كأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن الأنبياء لم يكونوا ملوكًا، وإنما كانت النبوة عند المتواضعين من أصحاب الحرف).

 

ويلحظ العلامة ابن حجر العسقلاني رحمه الله ملحظًا آخر، فيما هيَّأ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الحرفة، وهي رعي الغنم، وهكذا إخوانه من النبيين، قال: (قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة - أن يحصل لهم التمرُّن برعْيها على ما يُكلفونه من القيام بأمر أُمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم من الحلم والشفقة؛ لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمْعها بعد تفرُّقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوِّها من سَبُع وغيره كالسارق، وعلِموا خلاف طباعها وشدة تفرُّقها، مع ضَعْفها واحتياجها إلى المعاهدة - أَلِفُوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرَفوا اختلاف طباعها، وتفاوُت عقولها، فجبَروا كسرها، ورفَقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهُد لها، فيكون تحمُّلُهم لمشقة ذلك أسهلَ مما لو كُلِّفوا القيام بذلك من غيرها، ولأن تفرُّقها - الغنم - أكثر من تفرُّق الإبل والبقر، لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرُّقها فهي أسرع انقيادًا من غيرها، وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن عُلِم كونه أكرمَ الخلق على الله جل وعلا، ما كان من عظيم التواضع لربه، والتصريح بمنَّته عليه، وعلى إخوانه من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء).

 

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فهذا الخبر النبوي - وكما يشير هؤلاء العلماء - يلمح إلى أن الشرف ليس في المظاهر ولا في الادعاءات، ولكن الشرف كل الشرف في القرب من الله جل وعلا، ثم أيضًا جانب آخر، وهو أن يكون هذا الإنسان عضوًا نافعًا في مجتمعه، فالقعود عن العمل والاتكال على الغير، أمر منبوذ في الشريعة، فهذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم رغم صِغره وصباه، فإنه بادر لأن يعمل وأن يكد، ولو كان في شيء يُرى أنه ليس من حرفة الأكابر وأهل المناصب العالية، لكنه لم يأنف من ذلك، ولم يأنف أن يُحدث به؛ لأن بعض الناس ربما يصل إلى مرتبة أو منزلة، ثم يتناسى بداياته الأولى، ويتنصل منها، ويرى أنها عيب عليه، والواقع أن البذل والعطاء والجد والاجتهاد مفخرة للإنسان، ما لم يكن ذلك في شيء من مخالفة الشرع.

 

وفي جانبٍ آخر من هذه السيرة الشريفة لهذا النبي الكريم، ما كان أيضًا من انتقاله إلى البذل وإلى الاعتماد على النفس، وإلى حياة البذل والجد والاجتهاد، فإنه لَمَّا صار في ريعان شبابه، بادر إلى التجارة ولم يكن صاحب مال، ولم يرث من أبيه شيئًا من المال، ولكنه اجتهد بعمله بيده؛ حيث كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها - وهي بمكة ذات شرف ومال كثير، وكانت لكونها امرأة لا تستطيع السفر والترحال، ولا مباشرة الأعمال - تستأجر بمالها الرجال؛ ليتاجروا بمالها، فبلغها خبر هذا الشاب الأمين الصادق الذي طبَّقت شهرة أخلاقه وشرف تعامله الآفاق، وصارت حديث أهل مكة، فإذا بها تعرض على النبي عليه الصلاة والسلام أن يتاجر في مالها، وأن تعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار، فقَبِلَ عليه الصلاة والسلام، وبعثت هذه السيدة الكريمة العاقلة الشريفة أحدَ غِلمانها؛ ليَصْحَبَ هذا الرجل الذي استجدت التعامل معه، وأرادت أن تتحقق مما تسمع عنه، فبعثت غلامها (ميسرة)، وذهب بهذا المال إلى الشام، فباع النبي صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد من السلع في مقابل ذلك، فلما رجع إلى مكة ودخل على خديجة رضي الله عنها، وأخبرها بما كان من الربح الذي كان مضاعفًا عما كان من قبل، ببركة هذا النبي الكريم، فحينئذ لَمَّا رأت مضاعفة الربح، ضاعفت الأجْر للنبي صلى الله عليه وسلم، وزادت على ما اتفق عليه.

 

هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في صفحة من صفحات أعماله إبَّان صباه وشبابه، وبهذا التطبيق العملي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرسم خطة للشباب الذين هم عماد المجتمعات، ألا يتَّكلوا على غيرهم، وألا يأْنَفوا من عمل طالَما فيه رفْعهم عن سؤال الناس، أو الاتكال على الوالدين، أو نحو ذلك، ويوضِّح أن الرزق من عند الله، فلا يتكل على جهده، أو على رأي أحد من الناس، وأن الرزق في هذا دون غيره، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، والله جل وعلا يبارك لمن بذل وسعى، ولذلك كان من أفضل ما يطعمه الإنسان ما كان من كسب يده.

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون، إن الهدي النبوي واضح في تقرير ما ينبغي من السعي لطلب الرزق، هذه القضية التي تشغل كثيرًا من الناس، وحق لهم ذلك، لكن أكثرهم يضلون عن فَهْم حقيقتها والسر مما يكون من ورائها، فإن الرزق بيد الله جل وعلا لا بيد غيره، والرزق لا يؤثر فيه سعي حاذق، كما أنه لا ينقصه قعود إنسان قاعد، لكن الله تعالى أمر ببذل الأسباب، فلا يظن أن مزيد الرزق لحذق إنسان أو شيء من طرفه، ولا يظن أيضًا أن تخلُّف الرزق بسبب ضَعف الإنسان، وإنما هو أمر رباني يَهبه الله لمن يشاء من عباده، ولذلك تشاهدون أن من الناس مع خيرتهم، لم يكونوا ذوي سعة في المال، وآخرين كانوا مع طغيانهم عندهم من الكنوز ما هو شيء عظيم، فليست كثرة المال بميزان في سعادة الإنسان، ولا في رضاه، ولا في رضا الله عنه، ولكنها أمور يقدرها الله جل وعلا.

 

وأعظم ما اسْتُجْلِبَتْ به الأرزاق التوكل على الخلاق رب العزة سبحانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتعود بطانًا)، لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّله، لحصل الرزق، لو أن إنسانًا صدق الله في طلب الرزق، وكان في صدقه هذا موقنًا حقَّ اليقين أن الله بيده ملكوت كل شيء، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لو صدق في ذلك، لأتاه الرزق من حيث لا يَحتسب، ولكن المشكلة التي تدخل على كثير من الناس هو ظنُّهم أن ما يكسبونه من مال هو بجهدهم وبسعيهم، وبأسبابهم هم في ذواتهم، وهذا مما يُفوِّت على الإنسان خيرًا كثيرًا؛ لأن من اعتمد على نفسه واستقل عن ربه، وُكِل إلى نفسِه، وتخلى الله عنه، وماذا ينتظر مَن تركَه الله تعالى ولم يُؤيِّده؟!

 

وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا بالطير، هذه الضعيفة التي تصبح لا تدري إلى أي جهة تذهب، لكنها تغدو صباحًا خماصًا خاوية البطون، وتعود بطانًا قد امتلأت بطونها بهذا الرزق الذي هيَّأه الله جل وعلا.

 

وفيما عرضته من هذه السيرة الشريفة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في فترة صباه وشبابه - ما يبيِّن من خلال القول والعمل أهميةَ العمل والسعي والبذل، مسبوقًا بالتوكل على الله جل وعلا؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده)؛ رواه البخاري، وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يَحتطب أحدُكم حُزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدًا، فيُعطيه أو يَمنعه)؛ رواه البخاري، وبوَّب عليه باب: كسب الرجل وعمله بيده، وأسند فيه أيضًا قول عائشة رضي الله عنها: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَّالَ أنفسِهم).

 

وأيضًا روى البخاري رحمه الله عن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده).

 

وأيضًا روى البخاري رحمه الله في الصحيح عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بِحُزمة الحطب على ظهره، فيَبيعها، فيكف الله بها وجهه - خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).

 

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإن المقصود مما تقدم تقرير ما ينبغي من فَهْم هذا المسلك النبوي، وهو أن الإنسان لا يأنف من حرفة يحترفها يكسب بها رزقه، فهذا محبوب عند الله جل وعلا، والعبرة أيضًا ليس في كثرة المال، ولكن بالبركة التي يطرحها الله جل وعلا في هذا المال الذي يكسبه الإنسان، فكم من إنسان عنده من الأموال الطائلة ما الله به عليم، لكنها منزوعة البركة، اكْتُسِبَتْ بطريق حرام، أو رُؤِي فيها من قِبَل صاحبها غير ذلك، من أنه هو الذي استطاع أن يكسبها وليست رزقًا من عند الله؛ كما قال في هذا قارون: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، فالمؤمن يبذل ويسعى ويتوكل على ربه الأعلى، ويبذل الأسباب، ويعلم أن الرزق من عند الله؛ كما قال سبحانه: {﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].

 

وهذا الأمر يتأكد أيها الإخوة المؤمنون مع ما يشاهد من التحولات الاقتصادية والتغيُّرات المالية، التي قد تجعل بعض الناس يظن أنه لا مال إلا ما يسعى إليه، ولا رزق إلا ما يكد فيه هو، ويتناسى أن الرزق من عند الله، وأن استجلابه أعظم ما يكون بطاعته سبحانه، وبخاصة التوكل عليه، فإن من توكل على الله كفاه، ومن اعتمد على الله جل وعلا وفوَّض الأمور إليه، يسَّر له أموره؛ قال الله سبحانه في كتابه الكريم في شأن المتوكلين: ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 3].

 

ألا وصلوا وسلِّموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفِر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة واللأواء، ومن الشدة والبأساء، ومن تسلُّط الأعداء - ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يقدر على كشفه إلا أنت، ولا نشكوه إلا إليك، فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لكل مكروب من المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل بلدنا آمنًا مطمئنًا، واكْفِنا شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفِّقهم لما فيه خير العباد والبلاد، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم ثبِّت أقدام جنودنا المرابطين في الحدود وعلى الثغور.

اللهم احفظهم بحفظك، ورُدَّهم سالمين غانمين يا رب العالمين.

اللهم اغفِر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

ربنا أصلح لنا نيَّاتنا وذريَّاتنا، وأعِنَّا على ذِكرك وشكرك، وحُسن عبادتك.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِث عبادك وبهائمك وبلدك الميت.

اللهم أغِث عبادك وبهائمك وبلدك الميت.

اللهم أغِث عبادك وبهائمك وبلدك الميت.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالخيرات والأمطار برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربنا ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سيرة الرسول: من الهجرة إلى غزوة بدر
  • وقفات تربوية من سيرة الرسول في القرآن الكريم
  • تبصير أولي الألباب بسيرة الرسول في سؤال وجواب لمحمد محمد محمد شبانة
  • هل لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مصادر غير إسلامية؟

مختارات من الشبكة

  • صفحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في صباه وشبابه فوائد وحكم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الأعظمية وصفحة جديدة من صفحات الطائفية في العراق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحة الرسول عليه الصلاة والسلام الأكثر قراءة على "ويكيبيديا"(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • سؤال وجواب في (مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (28)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (27)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (26)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (25)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (24)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (23)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- لفتة رائعة
محمد 09-03-2017 03:05 PM

ما أجملها من لفتة:

هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في صفحة من صفحات أعماله إبَّان صباه وشبابه، وبهذا التطبيق العملي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرسم خطة للشباب الذين هم عماد المجتمعات، ألا يتَّكلوا على غيرهم، وألا يأْنَفوا من عمل طالَما فيه رفْعهم عن سؤال الناس، أو الاتكال على الوالدين، أو نحو ذلك، ويوضِّح أن الرزق من عند الله، فلا يتكل على جهده، أو على رأي أحد من الناس، وأن الرزق في هذا دون غيره، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، والله جل وعلا يبارك لمن بذل وسعى، ولذلك كان من أفضل ما يطعمه الإنسان ما كان من كسب يده.

شكراً جزيلا لكم...
ويا ليت شبابنا يأخذون العبرة...

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب