• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

العلامة عبدالعزيز بن باز

محمد زياد التكلة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/5/2007 ميلادي - 17/4/1428 هجري

الزيارات: 53603

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
تمهيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه سلسلة مقالات في تراجم أعلام السنَّة في العصور المتأخرة، أسأل الله تعالى أن يعينني على إكمالها، وأن يرزقني الإخلاص والتوفيق والنفع والقبول، إنه خير مسؤول.
ولا أرى المقام يناسب التطويل، فأهمية الموضوع وضرورته لا تخفى على ذوي العرفان، وقد توخيت في التراجم التوسط مع الشمول قدر الإمكان.
وأفتتح بأحد الأئمة الأعيان، بل شيخ الإسلام في هذا الزمان، إنه:

سماحة الشيخ العلامة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
رحمه الله تعالى (1330-1420هـ)


اسمه ونسبه:
هو أبو عبد الله، عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن حسين آل باز.

وفي بعض المصادر بدل (سعد بن حسين): (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز)؛ اعتماداً على مصدر شفوي قريب في الأسرة، لكن ما ذكرتُه اعتمدت فيه على تصحيح الباحثين في الأسرة؛ اعتماداً على مخطوطة - عُثر عليها بأَخَرَة - بخط الشيخ محمد آل باز (الجد الثاني لسماحة الشيخ) ورفع نسبه كما أثبتُّه.

ويذكر أعيان الأسرة القدماء وباحثوها أنهم يرجعون للأشراف في الحجاز، وأن أجدادهم نزحوا من المدينة النبوية إلى الدِّرعية أيام الدولة السعودية الأولى، ثم صار للأسرة فرعان رئيسان في بلدتَي الحلوة والرياض، وسماحةُ الشيخ من فرع الرياض.

أسرته:
ظهر في أسرته عدد من العلماء والقضاة والأعيان، وعمل غالب أفرادها في الزراعة والتجارة.
أما والد الشيخ فتوفي في ذي القعدة سنة 1333هـ، وأمُّه (أم الوالد): هي منيرة بنت حمد بن عبد الرحمن بن قاسم، من آل قاسم أهل الدِّرعيَّة ثم الرياض.
وأما والدته فهي: هيا بنت عثمان بن عبد الله بن حُزَيم، توفيت سنة 1356هـ.
وللشيخ أخ من الأب اسمه عبد الرحمن (وُلد قبل 1320- وتوفي 1384هـ)، وشقيق اسمه محمد (1325-1426هـ)، وأخ من الأم، وهو: إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سيف، وأخت من الأم، وهي: منيرة بنت فهد بن مضحي، وكلهم أكبر سنًّا من سماحته.

مولده ونشأته:
وُلد سماحة الشيخ في مدينة الرياض، في الثاني عشر من ذي الحجة سنة1330هـ.
ونشأ ضعيف الجسم، لا تكاد تحمله رجلاه، ولم يستطع المشي إلا بعد بلوغه الثالثة من عمره، وفي هذه السن المبكرة توفي أبوه، فنشأ يتيماً في كنف والدته الصالحة.

وحدثنا الشيخ الصالح المعمَّر محمد بن أحمد بن سعيد رحمه الله - وهو يكبر سماحة الشيخ قرابة عشر سنوات- أن الأولاد الصغار كانوا يبتعدون عنه في صغره ولا يخالطونه، فكانت أمُّه ترحمُه، وتغسِّله في طست، وتعتني به، وتُكثر الدعاء له جدًّا.

وهكذا كانت بداية سماحته في ظروف صعبة، وكان أخواه إبراهيم ومحمد يقومان بشؤون البيت ورعاية والدتهم الصالحة، التي دفعته وهو في حدود العاشرة لحفظ القرآن وطلب العلم الشرعي، فدخل كتّاب الشيخ عبد الله بن ناصر بن مفيريج رحمه الله (1267-1350هـ)، وأتم الحفظ مبكراً، وسيأتي الحديث عن طلبه للعلم.

فقده البصر:
ولما بلغ سماحته السادسة عشرة أصيب بضعف في البصر، وأخذ يزداد تدريجياً، إلى أن فقد البصرَ تماماً مستهل سنة 1350هـ، وحزنت والدته لذلك أشد الحزن.

حدثنا الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز، قال: حدثني الشيخ المعمَّر سعد بن عبد المحسن بن باز، قال: كان لوالدة الشيخ عبد العزيز جارة صالحة، ولما أُصيبت عيناه شَقَّ ذلك على والدته، فقالت هذه الجارة الصالحة: لا تحزني، ولكن ادعي الله له بعد كفِّ بصره أن يعوِّضه البصيرة، فدعت له، وأخذت تلحُّ في الدعاء له.

وأخبرني بتفصيل أكثر الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، قال: حدثنا الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن جابر رحمه الله، أن جارة بيت سماحة الشيخ بحي دُخنة -واسمها نورة بنت عبد العزيز آل مبدّل وهي زوج الأمير عبد العزيز بن تركي آل سعود- دخلت على أم الشيخ وهي تبكي على ابنها، وهو جالس إلى جوارها، فسألتها: لماذا تبكين؟ فأجابتها أن عبد العزيز فقد بصره، فمَن يقوم بشؤونه؟ فقالت لها: البكاء ما يرد شيئاً، ولكن استعيني بالله وتوضئي وصلي، واسألي الله كما أخذ بصره أن يعطيه علماً ينفعه وينفع المسلمين.

قلت: لعل دعاء هذه الوالدة الصالحة المشفقة استُجيب في هذا الغلام اليتيم الضعيف، فصار عالم الأمة ومجدد العصر، فلا يعجزن أحد عن الدعاء.
وكان سماحة الشيخ أول نشأته يعمل مع شقيقه محمد في سوق الحراج، يبيع العباءات و المشالح (البشوت) الرجالية ونحوها تجولاً في السوق، مع تردده على الكتَّاب لحفظ القرآن، ثم ترك العمل وتفرغ كليًّا للطلب.

طلبه للعلم وأشياخه:
نشأ سماحة الشيخ في عبادة الله وطاعته، يقول قريبه المعمَّر الشيخ سعد بن عبد المحسن آل باز: إن سماحةَ الشيخ منذ نعومة أظفاره كان سبَّاقاً إلى أفعال الخير، وإن مكانه دائماً في روضة المسجد، وعمره ثلاثةَ عشرَ عاماً.
وأتم حفظ القرآن الكريم مبكراً كما سبق، وصلى بالناس التراويح سنة 1345هـ، وشرع في طلب العلم قبل البلوغ، في همة عالية، وذكاء وحافظة واستعداد وتوفيق، وقد تلقى العلم على عدد من العلماء والأشياخ منهم:
1- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حُسين بن محمد بن عبد الوهَّاب (ت1372هـ)، قاضي الرياض، وكان إمامَ الجامع القريب من بيت سماحته (مسجد ابن شلوان)، فكان أول أشياخه، يقرأ عليه في بيته بعد الظهر كتبَ جدِّه الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، مثل: ثلاثة الأصول، والتوحيد، وكشف الشبهات، وقرأ عليه الأربعين النووية، وعمدة الحديث، والواسطية، وزاد المستقنع، وغيرها، ومدة قراءته عليه ثلاثَ عشرةَ سنة تقريبا، وكان لهذا الشيخ أثر كبير فيه، وحصلت بينهما قصة قال سماحة الشيخ إنه بسببها لم يَفُته الصف الأول بعدها أبداً، رحمهما الله تعالى.

2- الشيخ حمد بن فارس (ت1345هـ)، وكيل بيت المال، قرأ عليه قبيل وفاته في الآجُرُّوميَّة في النحو، وكان سماحة الشيخ ما يزال مبصراً، وقال إنه كتب بعض التعليقات في حاشية نسخته.

3- الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق (ت1349هـ)، قاضي الرياض للبادية، وإمام الجامع الكبير، قرأ عليه في جامعه أبواباً من كتاب التوحيد، ولم يكمل لمرض الشيخ وضعف صوته، وحدثنا الشيخ المعمَّر محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ أنه كان يذهبُ مع سماحة الشيخ وهو ما يزال مبصراً، ومع الشيخ ابن حميد للقراءة على الشيخ سعد في بيته وهو مريض.

4- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهَّاب (ت1367هـ): قرأ عليه في بيته في العقيدة كتاب التوحيد وغيرَه من الكتب.

5- سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهَّاب (ت1389)، مفتي الديار السعودية، وكبير علمائها، لازمه الشيخ ابن باز ملازمة تامة من سنة 1347 - أو قبلها بسنة - إلى سنة 1357هـ، وهو شيخُ تخرُّجِه، فقرأ وسمع عليه من جميع العلوم الدينية، ومن الكتب التي حضرها عنده: التوحيد، وثلاثة الأصول، وكشف الشبهات، ومختصر السيرة، وأصول الإيمان والإسلام، والواسطية، وبلوغ المرام، وزاد المستقنع، والرحبية، والكتب الستة، والآجُرُّوميَّة، وقطر الندى، وألفية ابن مالك، وبعض المطولات، وجملة من مدارج السالكين، ومن معالم السنن للخطابي، وعمدة الحديث، وشرح نخبة الفكر، والورقات، والحموية، وملحة الإعراب، وغيرها.
وقال سماحته إنه لازم شيخه في جميع أوقات دروسه، سواء في المسجد أو البيت، حتى توليه قضاء الخرج سنة 1357هـ.
ولم تنقطع استفادته من شيخه ورجوعه إليه حتى وفاته سنة 1389هـ، وكان كثير الإشادة به، ويصرح أنه أعلم مشايخه وأفضلهم، وما أكثر ما كان يبكي عند تذكره، رحمهما الله تعالى.

6- الشيخ سعد وقاص البخاري، أحد علماء مكة المكرمة، ممن وقَّع البيان الشهير بين علماء مكة وعلماء نجد في الاتفاق على أصول العقائد، قرأ عليه سوراً كثيرة من القرآن، وتلقى عنه التجويد في دكانه بمكة، في شوال وذي القعدة سنة 1355هـ.

فهؤلاء هم أبرز شيوخه ممن تلقى عنهم العلم، وإلا فقد كان له استفادة من الشيخ سليمان بن سحمان (1349هـ) – على ما حدثنا شيخُنا ابن جبرين - وكذا من بعض أقرانه كمحمد الأمين الشنقيطي (1393هـ)، وعبد الرزاق العفيفي (1415هـ)، رحم الله الجميع.

وأما في الرواية فله شيخان:
أولهما: الشيخ العلامة عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي الهندي ثم المكي (1302-1392هـ)، محدِّث الحجاز، كانت بينهما صلة ومحبة، وسمع عليه أطرافاً من كتب السنة في الصحيحين وغيرهما، وطلب منه الإجازة في الرواية، فأجازه بخطِّه إجازة حافلة بتاريخ 25/12/1375هـ.

وثانيهما: الشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي (1314-1396هـ)، استجازه سماحة الشيخ في المدينة النبوية بعد الحج، أوائل سنة 1384هـ، فأجازه إجازة عامة، وقد حققتُ (بالمشاركة) إجازة كلٍّ منهما لسماحة الشيخ ، ولعلهما يُطبعان قريباً.
ولم تمض سنوات على طلبه للعلم في الرياض حتى ذاع صيتُه، واشتُهر بالعلم والفضل، فكلَّفه شيخه سماحة المفتي بمساعدته في التدريس بمسجده، ورأيتُ وثيقة أملاها الشيخ عبد العزيز بن بشر (ت1359هـ) قاضي الرياض بتاريخ 9/4/1357هـ جاء فيها: "وقد وكَّلنا عبد العزيز بن عبد الله آل باز على تعمير الأوقاف وتأجيرها، الموجب: أن الأخ عبد العزيز من مستحقي الأوقاف، وفيما أتحققه أنا وغيري أنه أحقُّ بالوكالة لعدالته باطناً وظاهراً".
وفي تلك السنة رشَّحه شيخه المفتي محمد بن إبراهيم لتولي القضاء، لما تميَّز به من علم وعمل، فصدر أمر الملك عبد العزيز رحمه الله أن يتولى قضاء الدِّلَم.

عملُه في القضاء في الدِّلَم (1357-1371هـ):
تقع الدِّلَم جنوبي شرق الرياض على مسافة 95 كيلاً، وصلها سماحة الشيخ يوم الخميس، في شعبان سنة 1357هـ، وخطب خُطبة بيَّن فيها أنه لا يحبُّ القضاء، وأنه ما تولاه إلا سمعاً وطاعة لولي الأمر، وذكَّر الناس ونصحهم.
وكانت أيام سماحته في الدلم أيام نهضة دينية ودنيوية معاً، فالتفَّ أهلها حوله وأحبوه لما عاينوا من ديانته وفضله، وأنشأ للمحكمة مبنى خاصاً، ونظَّم أمورها وسجلاتها، وكان قويًّا في أحكامه، وينفِّذها بنفسه، حتى على أمراء القرى والوجهاء والأثرياء، وكانت له هيبة عند الجميع.

كما قام سماحته بمصالح الناس العامَّة خير قيام، وشاركهم في أمورهم وهمومهم، فعايشهم، وأفادهم، حتى قال تلميذه وكاتبه في الدِّلَم الشيخ راشد بن خنين:
ليالٍٍ قد مَضَت والشيخُ  فينا        يَبثُّ  العلمَ   ينهَضُ   بالحياةِ
فيَرعى الدِّينَ والدُّنيا  جَميعاً        ويَسعى جاهِداً في المكرُماتِ
 
وكان سماحته كالحاكم في البلد؛ بتأييد من الملك، نظراً لصعوبة المواصلات والاتصالات آنذاك.

ومن أعماله هناك: بناء المساجد، ولا سيما إعادة بناء الجامع الكبير القديم في الدلم، وإنشاء المدارس، فأُسِّست بتوجيهه وإشرافه وتشجيعه خمسُ مدارس في منطقته من أصل 35 مدرسة في سائر نجد ذلك الوقت، ومن أعماله شقُّ الطرق وتوسيعها، ومشاركته الناس في مكافحة آثار السيول غير مرَّة، ومكافحة الجراد سنة 1364هـ، ومساعدة المزارعين وجلب المكائن لهم، فضلاً عن الاحتساب في السوق والشوارع، والشفاعة للمحتاجين، والسعي للفقراء، وزيارة المرضى، وحضور الجنائز، وإكرام الضيوف، وحل مشاكل الناس، فلا عجب أن تعلق به الناس وأحبوه، ومن أدلَّة ذلك: لما افتُتح المعهد العلمي في الرياض سنة 1370هـ وطلب سماحةُ المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم من الملك عبد العزيز نقلَ الشيخ ابن باز للتدريس فيه لينتفع أكبر عدد من الطلاب، ما إن علم أهالي الدِّلَم بالخبر حتى أوفدوا أعيانهم للملك مطالبين ببقاء الشيخ عندهم، فقال لهم الملك: كلكم تحبونه؟ قالوا: نعم، نحبه في الله، فوعدهم خيراً، وأبقاه أزيد على سنة.

عوداً إلى أعمال سماحته: فمن أهم ذلك التدريس، حيث خصص غرفاًَ خاصة لطلبة العلم في الجامع، وتوافد إليه الطلبة من أنحاء نجد، بل من خارجها، كفلسطين واليمن والعراق ومصر والسودان، وسعى سماحته في مساعدتهم شهرياً من الحكومة ومن المحسنين، وكان يدرِّس من بعد الفجر إلى أواسط الضحى في المسجد ثم البيت، وكذلك بعد العصر إلى منتصفه، وبعد المغرب إلى العشاء، كل ذلك في المسجد، وبعد العشاء يحضِّر لدروس الغد مع بعض طلبته.
فأخذ عنه هناك جماعةٌ من العلماء، كالشيخ راشد بن خنين، والشيخ صالح الهليِّل، والشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ محدم بن سليمان، والشيخ عبد الرحمن بن جلّال، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ صالح العلي العراقي، والشيخ محمد بن سليمان الأشقر، وغيرهم كثير.

وكان سماحته حريصاًُ على تربية طلابه إلى جانب تعليمهم، ويأخذهم إلى البَرِّ للنزهة والمسابقة بينهم في الجري والرمي والسباحة.
وفي هذه المرحلة ابتدأ سماحته في التأليف والكتابة في الصحف والمجلات داخل المملكة وخارجها، وكان له اتصال بالعلماء لقاءً ومكاتبة، ولا سيما مشايخ الرياض والواردين إليها، أو في الحجِّ، فممَّن لقي من علماء ومشايخ البلدان: مسعود عالم الندوي الهندي، ومحمد بهجة البَيطار، وحامد التقي الدمشقي، ومحمد حامد الفقي المصري، وحسن البنا، وغيرهم.
وكان بعض العلماء يقصد زيارته في الدلم، مثل الشيخ فيصل المبارك، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله العقيل، وغيرهم.
كما كان الناس يفدون إلى الدلم من أجل الفتوى، ولا سيما في مسائل الطلاق التي اشتُهر بها سماحة الشيخ، وحدثني شيخي العلامة عبد الله العقيل قال: لم تكن فنادقُ في الدلم، فكان سماحة الشيخ يفتيهم ويضيفهم.

ولسماحة الشيخ أخبار عجيبة في الدلم، لا تفي بها هذه العجالة، وأحيل من أراد التوسع على ثلاثة مصادر رئيسة، وهي: لقاء مع الشيخ عبد الرحمن بن جلّال، ولقاء مع أعيان الدلم، وهما شريطان من إصدار تسجيلات التقوى بالرياض، وكتاب: ابن باز في الدلم قاضياً ومعلِّماً، لعبد العزيز بن ناصر البرَّاك، وهو كتابٌ قُرئت طبعته الأولى على سماحته وأقرَّه.

عمله في التدريس والتعليم:
1- في الرياض (1371-1381هـ):  
في نهاية سنة 1371هـ وبإلحاح من سماحة المفتي محمد بن إبراهيم نُقِل الشيخ ابن باز إلى الرياض بأمر ملكي، وخيَّم الحزن على أهالي الدِّلَم الذين فاجأهم الخبر، وأنشؤوا القصائدَ الحزينة في ذلك.

ومع بداية سنة 1372هـ تولى الشيخ ابن باز تدريسَ العقيدة في المعهد العلمي، ثم انتقل إلى كلية الشريعة لدى افتتاحها سنة 1373هـ، وبقي يدرِّس فيها علومَ التوحيد والحديث والفقه إلى نهاية سنة 1380هـ، كما درَّس في كلية اللغة العربية أول افتتاحها سنة 1384هـ.
وعُرف سماحتُه بعدم الاكتفاء بالمناهج المقرَّرة بالكلية، وأخبرنا الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز: كان سماحة الشيخ ابن باز وفضيلة الشيخ الشنقيطي يتوسعان ويفيدان أكثر من المقرر بكثير.

ولما توفي قاضي الرياض وإمام الفروض في جامعها الكبير الشيخُ عبد الرحمن بن عودان رحمه الله في 12/3/1374هـ كلَّف سماحة المفتي ابن إبراهيم الشيخَ ابن باز بإمامة الجامع عقبه.

وإلى جانب التدريس في الكلية، كان الشيخ يدرس في الجامع الكبير، وفي المسجد القريب من بيته، وفي البيت، ويلقي المحاضرات الكثيرة، والكلمات المتنوعة في المناسبات المختلفة، إضافة إلى بعض الدروس الخاصة، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه كان يخرج معه بعض الأحيان إلى نخيل يقال له: نخيل الريِّس، فقرأ عليه إحدى الرسائل، وذلك سنة 1373هـ.
ولما تولى سماحته الجامع الكبير طبَّق السنَّة في صلاة التراويح بأدائها إحدى عشرة ركعة - وكان سبق تطبيقه لذلك في الدِّلَم - وكان السائدَ في نجد أداؤها عشرين ركعة، وانتشرت هذه السنَّة على يد سماحة الشيخ حتى أضحَت الغالبة على البلاد.

وكان لسماحته صلات واجتماعات كثيرة مع العلماء، وكانت الرياض وقتها منارةَ علم متميزة، سواء من أهلها، أو الواردين إليها للتدريس وغيره، فأخبرني شيخي العلامة عبد الله العقيل: أنه كانت للمشايخ اجتماعات ومجالس دائمة، من أبرز مَن يحضرها: محمد الأمين الشنقيطي، وعبد الرزاق عفيفي، وحماد الأنصاري، وعبد العزيز أبو حبيب الشثري، وعبد الله بن صالح الخليفي، وصالح بن هليل، ويحصل فيها قراءة، وغالباً ما يتولى التعليقَ الشيخ ابن باز.

وحدثنا شيخنا عبد الله بن جبرين أن المشايخ رتبوا كل ليلة جمعة مجلساً عند الشيخ الشثري، وكان يفد إليه الشيخ ابن باز، ومحمد مختار الشنقيطي، وعبد الرزاق عفيفي، فكنت أقرأ عليهم حديثاً من صحيح البخاري، فتارة يشرحه الشيخ ابن باز، وتارة الشيخ العفيفي، وكان شرح سماحة الشيخ عجباً ولا سيما في الاهتمام بأسماء الرجال والرواة وضبطها.

وتعدى اتصال سماحته بالعلماء إلى المكاتبة والمراسلة، فالناظر في مراسلاته مع العلماء يجد تواصلاً وتباحثاً علمياً رفيعاً مع بعضهم تلك المدة، كالشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني، وغيره.
وفي هذه المرحلة أخذ عنه جماعة كبيرة، صاروا فيما بعد كبار العلماء في البلاد، ومنهم المشايخ: ابن عثيمين، وسماحة المفتي الحالي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وابن جبرين، وابن غديان، والفريان، واللحيدان، وابن منيع، وابن قعود، والفوزان، والعباد، والسدلان، وغيرهم.

وأخبرنا شيخنا عبد الله العقيل أن المفتي كلفه سنة 1379هـ مع الشيخين ابن باز وعبد اللطيف بن إبراهيم باستعراض مناهج التعليم في وزارة المعارف وأنظمتها وقراءتها قراءة دقيقة، ورفع تقرير بالملاحظات عليها مادة مادة، فتم ذلك بعد اجتماعات عديدة، ونفع الله بذلك نفعاً عظيماً.
وفي هذه المرحلة أيضا ظهرت لسماحة الشيخ عدةُ رسائل وردود ومشاركات في الصحف والمجلات الداخلية والخارجية، ولعل من أهم أعماله إشرافه وتعليقه على قطعة كبيرة من أوائل فتح الباري للحافظ ابن حجر، تلك الطبعة التي أخرجتها المكتبة السلفية لمحب الدين الخطيب سنة 1380هـ وذاعت وشاعت في العالم الإسلامي، ومن رأى كتاب الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء رأى عجباً من اهتمام الشيخ بهذا الكتاب، حتى عرض العمل فيه على الشيخين المعلمي والألباني وغيرهما، وانظر للاستزادة: (ص77 و91-127 و155-159 و195-197 و469 و623).
ثم بسببٍ مباشر من سماحة الشيخ أُسِّست الجامعة الإسلامية في المدينة، لتبدأ مرحلة جديدة.

2- في المدينة (1381-1395هـ):
طلب سماحته من الملك سعود فتح جامعة علمية مخصصة لأبناء المسلمين في شتى بلدان العالم، تتكفَّل باستقدامهم وتعليمهم والإنفاق عليهم خلال الدراسة، فلبَّى الملك طلبه، وفُتحت الجامعة سنة 1381هـ، وعُهدت رئاستها إلى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم، وعين المترجَمَ نائباً له، وكان ابتداء عمله فيها في العاشر من ربيع الأول من السنة المذكورة.

باشر ابن باز أعمال الجامعة بهمَّة عظيمة، وكان من أهم أعماله استقدام كبار العلماء للجامعة، سواء من المدرسين في الرياض، أو من خارج المملكة، فكان من أشهر المدرسين في الجامعة في عهده المشايخ العلماء: محمد الأمين الشنقيطي، ومحمد ناصر الدين الألباني، ومحمد تقي الدين الهلالي، ومحمد الجوندلوي، وعبد الغفار الرحماني، ومحمد المختار الشنقيطي، وحماد الأنصاري، وعبد المحسن العباد، وعمر فلاته، وعبد الله الغنيمان، وعبد الفتاح القاضي، ومحمد أمين المصري، ومحمد سعيد المولوي، وعبدالعزيز رباح، وآخرون.

واستُقدم الطلبة من جميع أنحاء العالم، ونفع الله بهذه الجامعة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث صار أولئك المتخرجون فيها منارات لنشر السنَّة والعلم، وبعضهم صار ممن يُشار إليه بالبنان، ومن أشهر الطلبة في تلك المرحلة: إحسان إلهي ظهير، وثناء الله بن عيسى خان الكلسوي، وعلي بن ناصر فقيهي، ومحمد لقمان السلفي، وربيع بن هادي المدخلي، وعبد الرحمن عبد الخالق، ووصي الله عباس، وغيرهم.

وقد أحسن الشيخ محمد المجذوب رحمه الله في وصف جهود نشاطات سماحة الشيخ ابن باز في الجامعة وخارجها، وذلك في ترجمته له في كتابه القيم "علماء ومفكرون عرفتهم"، فليراجعه من أراد التوسع.

من مناشِطه وأعماله:
وعدا تدريسه في الجامعة والدعوة فيها، كانت له دروس دائمة في المسجد النبوي بين المغرب والعشاء إلا ليلة الثلاثاء، إضافة إلى المحاضرات والكلمات، والكتابة في الصحف والمجلات، ولقاءات الطلاب.
ومن ذلك الجلوس للناس، فقد كان بابه مفتوحاً كل يوم بعد العصر، يجلس للطلاب، والمستفتين، وذوي الحاجات، وغيرهم.

وكان له أثر كبير في محاربة الشركيات وإزالة البدع في المدينة، وقد حدثنا الشيخ نعمان الزبير - أحد مرافقي سماحته هناك - عن مواقفَ قوية جريئة من سماحته في هذا، وكان يُعينه أمير المدينة عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، والشيخ عبد العزيز بن صالح رحم الله الجميع.

وكان سماحته يسافر إلى الرياض بالطائرة ليلقي المحاضرات في المعهد العالي للقضاء عند افتتاحه سنة 1386هـ، حيث كان أستاذ الفقه فيه، وكان حال وجوده في الرياض يؤمُّ الناس في الجامع الكبير، ويُلقي المحاضرات والكلمات في الجامع، وفي دار العلم، وغيرهما.
كما تولى سماحته الإشراف على أوقاف الجامع الكبير بعد وفاة شيخه المفتي محمد بن إبراهيم، إلى أن طلب تحويل الإشراف إلى وزارة الحج والأوقاف سنة 1391هـ.

وكان للشيخ نشاط في وسائل الإعلام المختلفة، وألَّف وطبع عدة رسائل، وكان بدء برنامجه الشهير (نور على الدرب) سنة 1392هـ، واستمر حتى وفاته.
ومن نشاطاته بناء المساجد، وإرسال الدعاة إلى المناطق النائية وبلدان العالم، ومتابعة أحوال المسلمين في أنحاء العالم، ومناصحة حكام المسلمين لتحكيم الشريعة.
ومن ذلك الاجتماع بعلماء المسلمين الواردين إلى المدينة أو للحج، والسعي في نشر كتب السلف.
ومن نشاطاته مساعدة الفقراء والمحتاجين والشفاعة الحسنة، وله قصص عطرة في هذا الباب، ومن ذلك ما حدثناه الشيخ نعمان الزبير، قال: كان بيت الشيخ مفتوحاً على عادته، وحضر الغداء وعنده جماعة من الفقراء الأفارقة، فأتوا على اللحم، حتى تخاطفوه من الصحفة التي أمام الشيخ، فكان الشيخ يتلمس بيده ولا يجد شيئاً، ونحن نراه، وهنا هبَّ أحد مَن في البيت ونهرهم بصوت مرتفع: ما تركتونا حتى في بيتنا وعلى مائدتنا؟! فقال الشيخ: مَن المتكلم؟ قلنا: فلان، فقال له: هؤلاء ضيوفي وليسوا ضيوفك، ولا تتغدَّ معنا ثانية!

ومن قصصه في المدينة ما حدثناه الشيخ نعمان قال: لما عرف الملك فيصل أن على سماحة الشيخ ديوناً من كثرة إنفاقه ومساعداته أرسل إليه مع وزير المالية مئةَ ألف ريال، فلما جاءه الوزير اعتذر سماحتُه عن رفضها بشدة، فأصرَّ الوزير، وأعلم سماحته بما سيصيبه من حَرَج أمام الملك إن ردَّها، ومع الإلحاح اشترط سماحته أن تكون دَيناً، فيُحسم من راتبه ألفا ريال شهريًّا، فراجع الوزير الملك بذلك، فوافق، وعندها أخذ المبلغ.

بقي الشيخ في المدينة كالأب الرحيم للطلبة والمحتاجين، حتى أصدر الملك خالد أمره بتعيينه رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في 14 من شوال 1395هـ، وكان قرار الفراق مفاجئاً لمحبِّيه وطلابه في المدينة، وقد صوَّره الشيخ محمد المجذوب بقلمه البليغ في كتابه تحت عنوان: مشهد لا يُنسى، فذكر فيه مدى التأثر الذي أصاب مَن في الجامعة، وبكاء الجميع عند وداع الشيخ لهم وهذا يدل على مدى الترابط الروحي الصادق، والأخوة المتينة، والعاطفة الإسلامية الجيَّاشة، رحم الله الجميع.

الاستقرار في الرياض، والمنزلة التي تبوَّأها (1395-1420هـ):
كان سماحة الشيخ في المدينة قد برز على مستوى العالم الإسلامي واشتُهر، ولما استقر في الرياض أضحى بما حباه الله من علم وفضل وإخلاص - نحسبه على ذلك والله حسيبه - المرجع الأول للمسلمين فيها، في النواحي العلمية، وفي الهيئات والمجامع الدولية، وفي الملمات والنوازل، وغيرها.

تولى سماحة الشيخ أعمالاً كثيرة، من أبرزها:
1- الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد منذ 14 من شوال 1395هـ.
2- وفي 14 من المحرم 1414هـ صدر الأمر الملكي رقم (أ/4) بتعيينه مفتياً عامًّا للمملكة، ورئيساً لهيئة كبار العلماء، ورئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
3- عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وكان سماحته يرأس اجتماعاتها عند غياب رئيسها الأعلى خادم الحرمين الشريفين.
4- عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة. 
5- رئاسة المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة منذ عام 1405هـ.
6- إمامة الجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبد الله) في الرياض، دون الخطابة، وذلك منذ استقراره فيها إلى هدم الجامع لغرض توسعته سنة 1408هـ، ثم اعتذر سماحته عن الإمامة، ورشح لها فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله.
7- رئاسة جمعية إعانة المتزوجين منذ تأسيسها سنة 1401هـ.
فضلاً عن مشاركاته الكثيرة بمختلف المؤتمرات والمناسبات ووسائل الإعلام وسائر أعمال الخير.

هذا على الصعيد الداخلي في البلاد، أما على مستوى العالم الإسلامي فقد كان سماحته:
8- رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
9- رئيس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع للرابطة.
10- رئيس المجلس الأعلى العالمي للمساجد.
11- عضو المجلس الاستشاري للندوة العالمية للشباب الإسلامي.
12- عضو الصندوق الإسلامي للتنمية الشبابية.

هذه أبرز الأعمال الوظيفية، ومن أعماله الكثيرة: التعاون مع أهل العلم في كل مكان في سبيل نشر الدين الصافي، والتحذير من البدع والخرافات، والسعي في طباعة الكتب النافعة باللغة العربية وبغيرها، وإرسال الدعاة إلى شتى البلدان وكفالتهم، ودعم الجهاد الإسلامي في شتى صوره بكل مكان، والتدريس، ونشر العلم والردود في وسائل الإعلام، والتصدي لمشاكل الناس ومساعدتهم والشفاعة لهم، وإصلاح ذات البين، وإعمار المساجد، ودعم المراكز والمدارس والجمعيات الإسلامية في كل مكان، وغير ذلك، مما يأتي بعضه مفصَّلاً.

وكان ينهض بكل ذلك بهمَّة عظيمة، ونفعٍ واضحٍ ملموس، وإن بعض ذلك لا يقوى عليه الأشداء من الرجال، في حين يتولى ذلك كله وهو في سنٍّ متقدمة، وما ذاك إلا ببركة عظيمة وهبه الله إياها، والله ذو الفضل العظيم.

أما الدروس العلمية فقد كان سماحته متصدياً لها، حتى تخرَّج به جماعة من العلماء، واستفاد منه جمع كبير، إضافة إلى المحاضرات العامة، والندوات والمؤتمرات، والتعليق على الندوة الأسبوعية في الجامع الكبير ثم جامع الملك خالد، والإجابة عن الأسئلة.
وأوقات دروسه في آخر أيامه رحمه الله: بعد الفجر إلى ما بعد الإشراق أيام الأحد والإثنين والأربعاء والخميس، وذلك في الجامع الكبير.
وبعد العصر طَوال الأسبوع في مسجد اليحيى.
وبعد المغرب يومي الأحد والأربعاء في جامع سارة.
وبعد المغرب يوم الخميس يحضر ندوة الجامع الكبير للتعليق عليها.
وبين أذاني صلاة العشاء أيام السبت والإثنين والثلاثاء والجمعة في مسجد اليحيى.
وبعد صلاة الجمعة في المنزل. 

وكان يعتني بهذه الدروس عناية شديدة في التحضير وغيره، وإذا سافر في الصيف إلى الطائف تتوقف دروسه في الرياض ويستأنف دروساً أخرى في الطائف، وكذلك الحال عندما يكون في الحج، ولا تتوقف دروس سماحته الرئيسة إلا في رمضان، وفيه تكون قراءة بعد صلاة العصر وبعد أذان العشاء في أحكام رمضان ومسائله.

وكانت دروسه تشتمل على العلم المحرَّر المقترن بالدليل الصحيح والترجيح دائماً، إضافة إلى المواقف التربوية، وما أكثر ما تتحدر دموع سماحته في أثناء الدروس، ولا سيما في دروس السيرة النبوية الشريفة.
وأما وسائل الإعلام فقد أولاها سماحته اهتماماً ووقتاً، واستغلها في الدعوة والفتوى والنصح، وكان برنامجه (نور على الدرب) من أشهر البرامج الإذاعية التي يتابعها الملايين في أنحاء العالم، إضافة إلى برنامجه في شرح (منتقى الأخبار) آخر حياته، ولم يكمل شرح الكتاب.
وأما الصحف والمجلات المحلية والخارجية فقد كانت تزخر بفتاويه ونصائحه، وأحصى بعض تلامذته أكثرَ من ثلاثين مجلة وصحيفة كان سماحته ينشر فيها إفاداته.

وانتشرت فتاويه ورسائله في الدنيا، ولقيت قبولا عظيماً، وغني عن القول أن سماحته كان لا يتقاضى على كل ذلك أجراً، بل يحتسب في جميع ذلك، وإذا جاءه شيء ردَّه.

ولعل قائلاً يقول: أنَّى لرجل -كائناً من كان- أن يجمع كل هذه الأعباء والمسؤوليات، ويقوم بها جميعاً، مع شؤونه الخاصة؟ والجواب: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقد كان الشيخ عظيم التوكل والالتجاء إلى الله، مع صدق نية، فبارك الله في أوقاته، ومن أراد التوسع ومعرفة جدول الشيخ اليومي التفصيلي وما فيه من عجائب فليرجع إلى كتاب "جوانب من سيرة الإمام" للموسى (ص61-64)، إضافة إلى ترتيب مجلسه (65-68)، وأعماله في المكتب (69-71).

أيامه الأخيرة، ووفاته:
وفي شعبان سنة 1419هـ بدأ الوهن والضعف يظهران على سماحة الشيخ، وبدأت صحته تتراجع باستمرار، حتى اضطر إلى الغياب عن الحج تلك السنة - وهو الذي حج 47 حجة متتالية، ومجموع حجاته 52 حجة- ومع ذلك لم يخفف من أعماله! والجدير بالذكر أنه لم يطلب إجازة ولا ليوم واحد منذ توليه القضاء سنة 1357هـ إلى قبيل وفاته.

غادر سماحته بلده الرياض في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 1419هـ إلى مكة المكرمة للعمرة، ثم توجه في نهاية الشهر إلى الطائف، واستأنف دروسه المعهودة، وكان آخرها يوم الإثنين 17/1/1420هـ لمدة ثلاث ساعات، وكان يوم الثلاثاء التالي آخر أيام دوامه الرسمي.
وفي الأربعاء 19 من المحرم شعر سماحته بالإرهاق الشديد، ودخل المستشفى، وبقي إلى الثلاثاء 25 المحرم، وكانت المعاملات تُقرأ عليه وهو في المستشفى، والاتصالات والاستفتاءات لا تتوقف.
ويوم الثلاثاء طلب الخروج من المستشفى، وهو في غاية الإعياء، ويومها أخرج بيانه الشهير مع اللجنة الدائمة للإفتاء في الرد على المنادين بتغريب المرأة السعودية وإخراجها من بيتها، وقيادتها السيارة، وإثبات صورتها في البطاقة الشخصية، وغيرها من خطوات التغريب والفتنة، فكان بياناً قمع أولئك المنادين وقتها، ودفع الله به شراً عظيماً.

وفي يوم الأربعاء - آخر أيامه - قُرئت عليه 25 معاملة، منها معاملات طلاق، ومنها اعتماد بناء عدة مساجد، ومنها معاملة من هولندا بشأن تزكية الشيخ عدنان العُرعور وإنجاح لقاء إسلامي كبير، ثم تغدى الضيوف عنده على عادته، وبعد المغرب تزاحم الناس للسلام عليه في مجلسه، وبدأ باستعراض المعاملات كالمعتاد، ثم وعظ الحاضرين ودعا لهم، وأطال الدعاء، وأوصى الناس بالكتاب والسنة والتمسك بهما، وكانت هذا آخرَ وصاياه العامة، وفي هذا المجلس جاءه سائل فأعطاه، ثم استمر المجلس مع إجابة المتصلين، وخرج من المجلس بعد أذان العشاء، ليجلس مع أسرته وأقاربه القادمين من الرياض، إلى نحو الثانية عشرة، ثم انصرفوا لينام.

وذكرت زوجه وابنه الشيخ أحمد أنه أخذ يسبِّح الله ويذكره، وصلى ما شاء الله له، ثم نام، واستيقظ نحو الثانية والنصف أو الثالثة ليتوضأ دون مساعدة، ثم صلى واضطجع، ثم جلس، وتلفت يميناً وشمالاً، ثم ضحك، فاضطجع مرة أخرى وله نَفَس متزايد مسموع، عند ذلك جاء أبناؤه، وطلبوا الإسعاف، وحُمل سماحته إلى المستشفى، وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها.

توفي سماحة الشيخ قبيل فجر الخميس 27 من المحرم 1420هـ بعد أن خُتم عمله بما سبق ذكره من التسبيح والذِّكر، وقيام الليل، والنوم على طهارة، وصلة الرحم، والوصية بالكتاب والسنة وتقوى الله، وفتيا الناس، وحلّ مشاكل المسلمين، وبناء المساجد، والصدقة، والاستبشار، فسبحان من جمع له كل ذلك في الساعات الأخيرة من عمره، كما أنه حديث عهد بعُمرة، ثم كان ما كان من جنازته العظيمة.

نُقل جثمان الشيخ إلى منزله بمكة لغسله وتكفينه، ورئي وقد اكتسى وجهه بعلامات من الضياء والنور الساطع، وكان بياضه شديداً كما يقول من شارك في الغسل، نسأل الله حسن الخاتمة، كما نسأله الرحمة والغفران للشيخ، وأن يُخلف في الأمة أمثاله. 
وبعد وقت قصير من وفاته انتشر خبره في أقطار الدنيا، وأصيب المسلمون بحزن وأسى لا يعلمه إلا الله، وصدر بيان من الديوان الملكي بخبر وفاته وتحديد الصلاة عليه بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، مع التوجيه بإقامة صلاة الغائب عليه في المسجد النبوي وسائر جوامع المملكة، وما إن عُلم مكان الجنازة ووقتها حتى توجَّه الناس - وكاتبُه منهم - من داخل البلاد وخارجها إلى مكة للصلاة عليه، واجتمع عدد عظيم في وقت قصير، قُدِّر بين المليون والمليونين، امتلأ بهم المسجد الحرام في مشهد لا يُنسى، وسُمع البكاء والنشيج من أرجاء المسجد الحرام.

وصلى على الجنازة الشيخ محمد السبيِّل، ودُفن في مقبرة العدل بمكة، وكُتب بعدها في سماحة الشيخ آلاف الكلمات والمقالات في شتى البلدان، ورُثي بمراثٍ كثيرة، قال شيخنا ابن جبرين: إن بعض المشايخ أحصى منها أكثر من ثمان مئة، ورُئيت فيه رؤى كثيرة مبشرة، رحمه الله تعالى.

وبعد!
فقد توفي سماحة الشيخ، وترك بعده من العلم النافع والحسنات الجارية الشيء الكثير، وإن كنا تكلمنا فيما مضى عن تأريخ حياته باختصار شديد، فما عسانا نكتب عن الجانب العملي من شخصيته الفريدة وقصصه العجيبة في شتى الأمور؟ حتى قال جماعة فيه: إنه كابن المبارك جُمعت فيه خصال الخير، وإنه كان قدوة ومدرسة سلفية علمية سلوكية متكاملة، وإنه كان كلمة إجماع عند الموافق والمخالف؟ حتى قال الشيخ القرضاوي: "لا أعرف أحداً يكره الشيخ ابن باز من أبناء الإسلام إلا أن يكون مدخولاً في دينه، أو مطعوناً في عقيدته، أو ملبوساً عليه".

ماذا نتحدث عن سخائه وكرمه منذ صغره، وبيته مفتوح يومياً للفقراء قبل غيرهم، حتى قال شيخنا محمد بن لطفي الصباغ وغيره: إن ابن باز أكرم دون شك من حاتم الطائي. وقال بعض المقربين منه: إنه لم يره يأكل وحده.
ماذا نتحدث عن مواقفه في الشفاعة وسد حاجات الناس وخدمتهم وكفالته وإنفاقه على بيوت كثيرة، فضلاً عن نحو ألفَي داعية في العالم، وكفالته نحو 800 حاج سنوياً من الطلبة والفقراء.
أم ماذا أكتب عن قصصه العجيبة في العبادة ومداومته قيام الليل إلى ليلة وفاته، وكثرة دعائه والتجائه لله تعالى، وكثرة بكائه ورقة قلبه.

وماذا عن أخلاقه العجيبة في التواضع واللين مع الناس وترك حظ النفس بالكلية، ومن ذلك ما أخبرني الشيخ عبد الرحمن الهرفي أنه سمع رجلاً يقول له: قد اغتبتك فحللني! فقال: ظهري حلال لكل مسلم.
وحدثني السيد الوجيه سعد آل تميم الدوسري - أمير القيصومة سابقاً، ووالد زميلنا الشيخ عايض الدوسري - قال: شهدت الشيخ ابن باز ورجلٌ يقول له: إن فلاناً يكفِّرك! فيجيبُه: الله يهديه.. الله يهديه. فيقول الرجل: هو يلعنك لعناً! فما زاد على قول: الله يهديه.. الله يهديه.
وقال: رأيتُه مرة خارجاً من الجامع الكبير قبل تجديده، وركب السيارة، فجاءته امرأة تريده في موضوع، فنبهه مَن معه، فنزل سماحته من السيارة، وجلس على الأرض (الإسفلت) ليسمع منها شكواها. 

وماذا نتكلم عن زهده في الدنيا مع إقبالها إليه؟
بل ماذا نقول عن دعمه ونصرته لقضايا المسلمين، وقوته في ذلك، وإنكاره وعدم هيبته لبعض الزعماء الذين خالفوا الشريعة، ومناصحته الدائمة للحكام، وسعيه المتواصل والمثمر في تفريج كربات بعض العلماء والدعاة في شتى البلدان، ودعمه للجهاد والمجاهدين في كل مكان.
ثم هناك نقولات طويلة في ثناء العلماء الرفيع عليه من شتى البلدان من الموافق والمخالف، حتى استفاض إطلاق شيخ الإسلام عليه، وأنه إمام أهل السنة والجماعة في هذا العصر.

وكذلك الحديث عن منهجه العلمي والحديثي وحافظته النادرة أمرٌ يطول.
كل ذلك يُمكن إفاضة الكلام عليه بما لا تحتمله هذه المقالة المختصرة، فما علمتُ معاصراً جمع من المناقب وحب الناس مثله، وقد توسعتُ في ترجمة سماحته وذكر اخباره وأحواله في مجلد بالمشاركة، ولما يُطبع، ولم أُخلِ هذه المقالة ببعض زيادات عليها من الأخبار والمشافهات.

وأختم بكلمة لأحد كبار أصحاب سماحته، وهو معالي الشيخ عبد الله الزايد حفظه الله، إذ يقول عن شيخه: "هو أشهر من أن يعرَّف؛ سواء داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها، وإذا ما أراد أحد أن يكتب عن هذا العالم إنما يستطيع أن يكتب نبذة بسيطة لا تعدو أن تكون محاولة متواضعة للتعريف ببعض جوانب حياته".

رحم الله الإمام ابن باز، وجمعنا به في دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشيخ ابن باز رحمه الله في جزيرة نيوكالدونيا
  • اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة
  • الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله نموذج من الرعيل الأول
  • ترجلت في التسعين (قصيدة)
  • وقفات في وفاة الشيخ ابن باز
  • ترجمة الشيخ العلامة المحدث عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
  • درس العربية ستين سنة .. العلامة أحمد بن محمد الحناوي (763 – 848 هـ)
  • العلامة محمد أمين السويدي دفين بريدة
  • ضبط نسب العلامة ابن عراق
  • تأمل أدب الخلاف بين الألباني وابن باز

مختارات من الشبكة

  • ديوان العلامة محمد البشير الإبراهيمي المسمى: المورد العذب النمير من أشعار العلامة محمد البشير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقروءات العلامة ابن الشماع على العلامة السيوطي من ثبته الكبير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقروءات العلامة السيوطي على العلامة ابن فهد المكي بمنى والمسجد الحرام(مقالة - ملفات خاصة)
  • كلام العلامة الكتاني عن العلامة السيوطي وكتبه في (الإفادات والإنشادات)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كلام العلامة عمر الشماع الحلبي عن العلامة جلال الدين السيوطي في عيون الأخبار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أنواع العلامات في النظام النحوي(مقالة - موقع الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن)
  • إجازة منظومة من العلامة جمال الدين القاسمي للعلامة محمد عبد الحي الكتاني وأولاده (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من علامات الترقيم: علامة التأثر وعلامة الاعتراض(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الجزء الثاني من شرح العلامة الشرقاوي على مختصر البخاري للعلامة الزبيدي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رثاء العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز(مقالة - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)

 


تعليقات الزوار
3- رحمَ الله علاّمة المسلمين بزمانه : ابنُ باز
عبدالعزيز بن سلطان الدرعان - سكاكا الجوف - السعودية 11-12-2015 02:24 PM

اللهمّ عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله. اللهمّ أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النّار. اللهمّ اجزه عن الإحسان إحساناً وعن الإساءة عفواً وغفراناً. اللهمّ إن كان محسناً فزد من حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته. اللهمّ أدخله الجنّة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب. اللهمّ آنسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته. اللهمّ أنزله منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين. اللهمّ أنزله منازل الصدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقاً. اللهمّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنّة، ولا تجعله حفرةً من حفر النّار. اللهمّ افسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنّة. اللهمّ أعذه من عذاب القبر، وجفاف ِالأرض عن جنبيها. اللهمّ املأ قبره بالرّضا والنّور والفسحة والسّرور. اللهمّ إنّه في ذمّتك وحبل جوارك، فقِهِ فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه إنّك أنت الغفور الرّحيم. اللهمّ إنّه عبدك وابن عبدك خرج من الدّنيا وسعتها ومحبوبها وأحبّائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه. اللهمّ إنّه كان يشهد أنّك لا إله إلّا أنت وأنّ محمّداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهمّ إنّا نتوسّل بك إليك، ونقسم بك عليك أن ترحمه ولا تعذّبه، وأن تثبّته عند السؤال. اللهمّ إنّه نَزَل بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غنيٌّ عن عذابه. اللهمّ آته برحمتك ورضاك، وقهِ فتنة القبر وعذابه، وآته برحمتك الأمن من عذابك حتّى تبعثه إلى جنّتك يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ انقله من مواطن الدّود وضيق اللحود إلى جنّات الخلود. اللهمّ احمه تحت الأرض، واستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون "يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم". اللهمّ يمّن كتابه، ويسّر حسابه، وثقّل بالحسنات ميزانه، وثبّت على الصّراط أقدامه، وأسكنه في أعلى الجنّات بجوار حبيبك ومصطفاك (صلّى الله عليه وسلّم). اللهمّ أمّنه من فزع يوم القيامة، ومن هول يوم القيامة، واجعل نفسه آمنة مطمئنّة، ولقّنه حجّته. اللهمّ اجعله في بطن القبر مطمئنّاً وعند قيام الإشهاد آمن، وبجود رضوانك واثق، وإلى أعلى درجاتك سابق. اللهم اجعل عن يمينه نوراً حتّى تبعثه آمناً مطمئنّاً في نورٍ من نورك. اللهمّ انظر إليه نظرة رضا، فإنّ من تنظر إليه نظرة رضا لا تعذّبه أبداً. اللهمّ أسكنه فسيح الجنان، واغفر له يا رحمن، وارحمه يا رحيم، وتجاوز عمّا تعلم يا عليم. اللهمّ اعف عنه فإنّك القائل "ويعفو عن كثير". اللهمّ إنّ رحمتك وسعت كلّ شيء فارحمه رحمةً تطمئنّ بها نفسه، وتقرّ بها عينه. اللهمّ احشره مع المتّقين إلى الرّحمن وفداً. اللهمّ احشره مع أصحاب اليمين، واجعل تحيّته سلامٌ لك من أصحاب اليمين. اللهمّ بشّره بقولك "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية". اللهمّ اجعله من الّذين سعدوا في الجنّة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض. اللهمّ لا نزكّيه عليك، ولكنّا نحسبه أنّه أمن وعمل صالحاً، فاجعل له جنّتين ذواتي أفنان بحقّ قولك: "ولمن خاف مقام ربّه جنّتان" اللهمّ شفع فيه نبيّنا ومصطفاك، واحشره تحت لوائه، واسقه من يده الشّريفة شربةً هنيئةً لا يظمأ بعدها أبداً اللهمّ اجعله في جنّة الخلد (الّتي وُعد المتقون كانت جزاءً ومصيراً لهم ما يشاؤون وكان على ربّك وعداً مسؤولاً). اللهمّ إنّه صبر على البلاء فلم يجزع، فامنحه درجة الصّابرين الّذين يوفون أجورهم بغير حساب فإنّك القائل " إنّما يوفي الصّابرون أجرهم بغير حساب " اللهمّ إنّه كان مصلٍّ لك، فثبّته على الصّراط يوم تزال الأقدام. اللهمّ إنّه كان صائماً لك، فأدخله الجنّة من باب الريّان اللهمّ إنّه كان لكتابك تالٍ وسامع، فشفّع فيه القرآن، وارحمه من النّيران، واجعله يا رحمن يرتقي في الجنّة إلى آخر آية قرأها أو سمعها، وآخر حرفٍ تلاه اللهمّ ارزقه بكلّ حرفٍ في القرآن حلاوة، وبكلّ كلمة كرامة، وبكلّ اّية سعادة، وبكلّ سورة سلامة، وبكل جْزءٍ جزاء. اللهمّ ارحمه فإنّه كان مسلماً، واغفر له فإنّه كان مؤمناً، وأدخله الجنّة فإنّه كان بنبيّك مصدّقاً، وسامحه فإنّه كان لكتابك مرتّلاً. اللهمّ اغفر لحيّنا وميّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكرنَا وأنثانا. اللهمّ من أحييته منّا فأحيه على الإسلام، ومن توفّيته منّا فتوفّه على الإيمان. اللهمّ لا تحرمنا أجره ولا تضللنا بعده. اللهمّ ارحمنا إذا أتانا اليقين، وعرق منّا الجبين، وكثر الأنين والحنين. اللهمّ ارحمنا إذا يئس منّا الطبيب، وبكى علينا الحبيب، وتخلّى عنّا القريب والغريب، وارتفع النّشيج والنّحيب. اللهمّ ارحمنا إذا اشتدّت الكربات، وتوالت الحسرات، وأطبقت الرّوعات، وفاضت العبرات، وتكشّفت العورات، وتعطّلت القوى والقدرات اللّهم ارحمنا إذا حُمِلنا على الأعناقِ، وبلغتِ التراقِ، وقيل من راق وظنّ أنّه الفراق والتفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ، إليك يا ربَّنا يومئذٍ المساق. اللهمّ ارحمنا إذا ورينا التّراب، وغلقت القبور والأبواب، وانقضّ الأهل والأحباب، فإذا الوحشة والوحدة وهول الحساب. اللهمّ ارحمنا إذا فارقنا النّعيم، وانقطع النّسيم، وقيل ما غرّك بربّك الكريم. اللهمّ ارحمنا إذا أقمنا للسؤال، وخاننا المقال، ولم ينفع جاهٌ ولا مال ولا عيال، وقد حال الحال، وليس إلّا فضل الكبير المتعال. اللهمّ ارحمنا إذا نَسي اسمنا، ودَرس رسمنا، وأحاط بنا قسمنا ووسعنا. اللهمّ ارحمنا إذا أهملنا فلم يزرنا زائر، ولم يذكرنا ذاكر، وما لنا من قوّة ولا ناصر، فلا أمل إلّا في القاهر القادر الغافر، يا من إذا وعد أوفى، وإذا توعّد عفا، وشفّع يا ربّ فينا حبيبنا المصطفى، واجعلنا ممّن صفا ووفا، وبالله اكتفى، يا أرحم الرّاحمين، يا حيّ يا قيّوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام. اللهمّ إنّه عبدك وابن عبدك وابن أمتك مات وهو يشهد لك بالوحدانيّة ولرسولك بالشّهادة فاغفر له إنّك أنت الغفّار. اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله، واجمعنا معه في جنّات النّعيم يا ربّ العالمين. اللهمّ أنزل على أهله الصّبر والسلوان وارضهم بقضائك. اللهمّ ثبّتهم على القول الثّابت في الحياة الدّنيا، وفي الآخرة، ويوم يقوم الإشهاد. اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم إلى يوم الدّين.

2- رحمه الله ونفع المسلمين بعلمه وعمله
م.أ.م.ص - السعودية 02-01-2009 02:18 AM
نسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة وأن يغفر له ويجزيه خيرا
ويرزق العلماء والدعاة الان اتباع الحق حيثما كان
وأن يرد المسلمين اليه ردا جميلا اللهم رد المسلمين اليك اللهم اهد ضالنا واشف مرضانا وفك أسرانا وعاف مبتلانا اللهم أنصر المسلمين في أطار الأرض اللهم أنصر المسلمين اللهم أنصر المسلمين اللهم أرزقنا العودة ألى العلم والعمل به والإيمان المخلص والتصديق الكامل
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات

اللهم اهدنا اليك اللهم ردنا اليك لا حول ولا قوة إلا بك

اللهم أعن اخواننا في غزة و افغانستان والشيشان والعراق وكشمير وغيرها مما لا نعلم حالهم

الهم أنصرهم على من عاداهم اللهم واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم وفك أسراهم

وارحم موتاهم اكس عاريهم أطعم جائعهم وصبر ثكالهم و أيتامهم وأراملهم


اللهم عليك بمن عاداهم أو عاون أعدءئهم اللهم أقتلهم بددا وأحصهم عددا ولا تترك

منهم أحدا اللهم أجعل بأسهم بينهم آمين آمين


++++

جزاك الله خيرا أيها الأخ محمد زياد بن عمر التكلة ووفقك وأحسن إليك

ادع لنا
1- جزاك الله خيرا
سالم العامري - الامارات 08-05-2007 01:33 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا يا شيخ محمد زياد بن عمر التكلة على هذه الترجمة الحافلة لشيخ الإسلام الإمام عبدالعزيز بن باز

نسال الله ان يرحمه و يغفر له
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب