محرض الشباب أبو إسحاق السبيعي

محرض الشباب أبو إسحاق السبيعي

قال أبو نعيم - رحمه الله -: ومنهم المعمَّر الثابت، المشمر القانت، تبصَّر فعقل، وتصبَّر ففعل... أبو إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي.

وهو أبو إسحاق السبيعي، عمرو بن عبدالله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبدالله بن علي الهمداني، الكوفي الحافظ، شيخ الكوفة وعالمها ومحدِّثها.

متَّصل إلى السبيع، وهو من ذريَّة سبيع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جُشَم بن حاشد بن جُشَم بن خيران بن نوف بن همدان.

وُلِد أبو إسحاق سنة ثلاث وثلاثين.

بعض أخباره عن الصحابة:

قال: وُلِدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت عليَّ بن أبي طالب يخطب، وكان يصلِّي الجمعة إذا زالت الشمس.

وقال شريك: وُلِد أبو إسحاق لثلاث سنين بقين من سلطان عثمان.

وعن أبي إسحاق قال: قال أبي: قُمْ فانظر إلى أمير المؤمنين، فإذا هو على المنبر شيخ أبيض الرأس واللحية، أجلح، ضخم البطن، ربعة، عليه إزار ورداء ليس عليه قميص، ولم يرفع يده.

فقال رجل: يا أبا إسحاق، أقَنَتْ؟ قال: لا.

وقال أبو إسحاق: ضربَنِي علي - رضِي الله عنه - بالدرة عند الميضأة.

وعن أبي إسحاق قال: رأيت عِدَّةً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: أسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، والبَراء بن عازِب، وابن عمر، يَتَّزِرون إلى أنصاف سُوقِهم.

وعنه قال: كنت كثير المجالسة لرافِع بن خَدِيج، وكنت أُجالِس عبدالله بن عمر، ورأيت نِساء النبي -صلى الله عليه وسلم- حجَجنَ في زمن المُغِيرة في هَوادِج عليها الطَّيالِسة.

قال أبو بكر بن عَيَّاش: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: سألني معاوية، كم كان عطاء أبيك؟ قلت: ثلاثمائة، ففرض لي ثلاثمائة.

قال الذهبي: وكذلك كانوا يَفرِضون للرجل في مثل عطاء أبيه، ثم قال أبو بكر: فأدركت أبا إسحاق، وقد بلغ عطاؤه ألف درهم من الزيادة.

طلبه للعلم:

كان - رحمه الله - من العُلَماء العامِلين، ومن جلَّة التابِعين، قال الحسن بن ثابت: سمعت الأعمش يَعجَب من حفظ أبي إسحاق لرجالِه الذين يروي عنهم.

روى أبو إسحاق عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبَراء بن عازِب، وزيد بن أَرْقَم، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي جحيفة السوائي، وسليمان بن صُرَد، وعمارة بن رويبة الثقفي، وعبدالله بن يزيد الأنصاري، وعمرو بن الحارث الخزاعي، وغيرهم من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ورأى أيضًا أسامة بن زيد، وقرأ القرآن على الأسود بن يزيد، وأبي عبدالرحمن السلمي، وكان طَلاَّبة للعلم، كبير القدر، ثقة حجَّة بلا نِزاع.

وروى أيضًا عن خلقٍ كثيرٍ من التابِعين، من أشهرهم: علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، والضحَّاك بن قيس الفهري، وعمرو بن شرحبيل الهمداني، والحارث الأعور، وهبيرة بن يريم، وشمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد الزهري، وعَبِيدة بن عمرو السلماني، وعاصم بن ضمرة، وعبدالله بن عتبة بن مسعود، وعمرو بن ميمون الأودي، وصلة بن زُفَر العبسي، وسعيد بن وهب الخيواني، وعبدالرحمن بن أبزى الخزاعي، وحارثة بن مضرب، وعبدالله بن معقل، وصلة بن زُفَر، وأبي الأحوص عوف بن مالك، ومسلم بن نذير، والأسود بن هلال، وشُرَيح القاضي، وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود الهذلي، وكميل بن زياد النخعي، والمهلب بن أبي صفرة الأمير، والأسود بن هلال المحاربي.

وتفرَّد بالأخذ عن عِدَّة منهم.

حدَّث عنه: محمد بن سيرين، وهو من شيوخه، والزهري، وقتادة، وصفوان بن سليم، وهم من أقرانه، ومنصور، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وزكريا بن أبي زائدة، ومسعر، وسفيان، ومالك بن مغول، وشعبة بن الحجاج، وولده يونس بن أبي إسحاق، وحفيده إسرائيل، وزائدة بن قدامة، وإسماعيل بن أبي خالد، وأشعث بن سوار، والمسعودي، وعمار بن زريق، والحسين بن واقد، والحسن بن صالح بن حي، وإبراهيم بن طهمان، وأبو وكيع الجراح بن مليح، وجرير بن حازم، وحمزة الزيَّات، وفطر بن خليفة، وورقاء بن عمر، وشعيب بن صفوان، وشعيب بن خالد، ورقبة بن مصقلة، وزهير بن معاوية، وأخوه حديج بن معاوية، وأبو عوانة الوضاح، وشريك القاضي، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو بكر بن عيَّاش، وسفيان بن عُيَينة وخلق كثير.

وقرأ عليه القرآن عرضًا حمزة بن حبيب، فهو أكبر شيخٍ له في كتاب الله - تعالى.

قال الحسن: وحدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: كان الأعمش إذا جاء إلى أبي، رحمتُه من طول جلوس الأعمش معه.

من أقواله:

قال سفيان: وقال أبو إسحاق: كانوا يرَوْن السَّعَة عَوْنًا على الدين.

قال فضيل بن مرزوق: سمعت أبا إسحاق يقول: وددت أنِّي أنجو من علمي كفافًا.

من مواقفه:

قال أبو بكر بن عيَّاش: ما سمعت أبا إسحاق يَعِيب أحدًا قط، وإذا ذكر رجلاً من الصحابة، فكأنه أفضلهم عنده.

وقال مفضل بن صدقة: شهدت أبا إسحاق السبيعي سمع رجلاً يحدِّث بحديث فيه قرصٌ لعثمان، فقال له: يا فاسق، قم من مجلسي، لا تدخل عليَّ أبدًا، وغضب غضبًا شديدًا.

وعن ابن فضيل قال: حدثني أبي قال: أتيت أبا إسحاق بعدما كفَّ بصره، قال: قلت: تعرفني؟

قال: فضيل؟

قلت: نعم.

قال: إني والله أحبُّك، لولا الحياء منك لقبَّلتك، فضمَّني إلى صدره، ثم قال: حدثني أبو الأحوص عن عبدالله: ﴿ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63] نزلتْ في المتحابين.

قال سفيان: واجتَمَع الشعبي وأبو إسحاق، فقال له الشعبي: أنت خيرٌ مِنِّي يا أبا إسحاق، قال: لا والله، بل أنت خير مِنِّي، وأسَنُّ مِنِّي.

قلت: قلَّ فينا مَن يرى في نفسه أنَّ أخاه خيرٌ منه، فضلاً عن أن يتفوَّه بذلك؛ بل ولو لوَّح أحدٌ أمامه بفضل أخيه ربما وجد في نفسه أشياء! لكن القوم كانوا صادِقين مع أنفسهم، قد زادَهم العلم تَواضُعًا وخشية.

وعن سفيان عن أبي إسحاق قال: إذا استيقظتُ بالليل لم أقِل عيني.

وقال له رجل: إن شعبة يَزعُم أنك رأيتَ علقمة ولم تسمع منه؟ قال: صدق.

عبادته:

قال يونس: كان أبي يقرأ كلَّ ليلة ألف آية.

وكان أبو إسحاق السبيعي يحرِّض الشباب فيقول لهم: ما أستَطِيع أن أستوي قائمًا حتى أعتَمِد على رجُلَيْن، وإذا اعتَدلتُ قائمًا قرأت بألف آية.

وقال أبو الأحوص: قال لنا أبو إسحاق: يا معشر الشباب، اغتَنِموا - يعني: قوتكم وشبابكم - قلَّما مرَّت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم، وثلاثة أيام من كلِّ شهر، والاثنين والخميس، ثم تلا: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

قال أحمد بن عمران: سمعت أبا بكر يقول: قال أبو إسحاق: ذهبت الصلاة منِّي وضعفت، وإني لأصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران.

قال الأخنسي: حدثنا العلاء بن سالم العبدي قال: ضعف أبو إسحاق قبل موته بسنتين، فما كان يقدر أن يقوم حتى يُقام، فإذا استَتَمَّ قائمًا قرأ وهو قائم ألف آية.

وقال أبو إسحاق: قد كبرت وضعفت ما أصوم إلا ثلاثةً من الشهر، والاثنين والخميس، وشهور الحرم.

وعن عيسى بن يونس عن أبيه قال: كان أبو إسحاق يقرأ كلَّ ليلة ألف آية.

وقال ابن عُيَينة: قال عون بن عبدالله لأبي إسحاق: ما بقي منك؟ قال: أقرأ البقرة في ركعة.

قال: بقي خيرُك، وذهب شرُّك.

وقال شريك: رأيت أبا إسحاق السبيعي وهو ابن تسعين سنة، وكان لا يقوم حتى ينام.

ثناء الناس عليه:

قال مغيرة: كنت إذا رأيت أبا إسحاق، ذكرت به الضرب الأوَّل.

وقال جرير بن عبدالحميد: كان يُقال: مَن جالَس أبا إسحاق، فقد جالَس عليًّا وعبدالله - رضي الله عنهما.

قال شعبة: عن أبي إسحاق قال: شهدت عند شريح في وصيَّة فأجاز شهادتي وحدي.

وقيل لشعبة: أسَمِع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يصنع به؟ هو أحسن حديثًا من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين.

قال علي بن المديني: حفِظ العلم على الأمَّة ستة: فلأهل الكوفة: أبو إسحاق والأعمش، ولأهل البصرة: قتادة ويحيى بن أبي كثير، ولأهل المدينة: الزهري، ولأهل مكة: عمرو بن دينار.

قال أحمد بن عبدة: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري، وقتادة، وأبو إسحاق، والأعمش.

قال الأعمش: كان أصحاب عبدالله - يعني: ابن مسعود - إذا رأوا أبا إسحاق قالوا: هذا عمرو القارئ، هذا عمرو الذي لا يلتَفِت.

وقد غزا أبو إسحاق الرُّوم في دولة معاوية، وقال: غزوت في زمن زياد - يعني: ابن أبيه - ست غزوات أو سبع غزوات.

وفاته:

قال يحيى بن سعيد القطَّان: توفي أبو إسحاق في سنة سبعٍ وعشرين ومائة يوم دخول الضحَّاك بن قيس غالبًا على الكوفة.

قال الذهبي: فيها وَرَّخَه الهيثم بن عدي، والواقدي، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وأحمد، وخليفة، وأبو حفص الفلاس وغيرهم، وقال أبو نعيم وأبو عبيد: سنة ثمانٍ وعشرين مات، والأوَّل أصحُّ، عاش ثلاثًا وتسعين سنة.

قال محمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عيَّاش يقول: دخل الضحَّاك الكوفة، فرأى الجنازة وكثرة ما فيها، فقال: كأنَّ هذا فيهم ربانيٌّ.

مصادر الترجمة:

• "سير أعلام النبلاء".

• "حلية الأولياء".

• "تاريخ دمشق".