الإخباري المؤرخ الشيخ إبراهيم بن راشد الصقير

الإخباري المؤرخ الشيخ إبراهيم بن راشد الصقير رحمه الله

الشيخ محمد أمين الشنقيطي مؤسس مدرسة النجاة الأهلية

على قول أهل علم الحديث في تصنيفهم للرجال في ميزان القدر والمكانة والصلاح والدين والعلم في أي علم كان في العلوم شرعية كانت أم غير شرعية فأقول في الشيخ إبراهيم ما عرفته فيه رحمه الله فهو ثبت صادق صالح عالم بأحوال العباد والبلاد فهو مؤرخ إخباري ثبت صدوق صالح فيما يفيد سائله فيه وخاصة ما كان في علم التاريخ فهو لا يفيد ولا يجيب في مسألة تاريخية وإن كان يعلمها إلا بعد الرجوع إلى الكتب كي يتحقق منها.

من صفاته النبل وطيب الخلق وبشاشة الوجه عندما يلتقي بمعارفه وإخوانه فالابتسامة لا تفارق ثغره رحمه الله وكاتب هذه الترجمة عبدالكريم إبراهيم السمك تربطني بالشيخ إبراهيم الصقير صداقة وأخوة ربع قرن أو تزيد فطيلة هذه المدة التي عرفته فيها كنت ألتقي فيه في المكتبات العامة جالسًا على طاولة وأمامه عشرات الكتب يتصفحها بحثًا عن موضوع أو مسألة يريد أن يوثق ما يعلمه عنها من خلال الرجوع إلى بطون الكتب فجميع أمناء المكتبات العامة في مدينة الرياض يعرفونه بديمومة زياراته لها وقد حملوا عنه أجمل الصور وأطيب الذكريات.

فقد كان يقضي نهاره متنقلًا بين هذه المكتبات خدمة لطالب من طلبة علم التاريخ كان هذا الطالب قد سأله عن مسألة أو خبر تاريخي عجز عن توثيقه فلجأ إليه سائلًا إياه ولذلك فحتى يجيبه الجواب العلمي الصحيح يمضي الشيخ لزيارة المكتبات قارئًا وباحثًا في بطون الكتب سعيا ًمنه إلى الوصول إلى الحقيقة وبعد ذلك يقدمها لصاحبها الذي سأله عنها لا يبتغي من عمله جزاءًا ولا شكورًا إلا خدمة العلم وطلبته وأجره في ذلك من عند الله سبحانه وتعالى.

نسبه وأسرته:

يعود الشيخ إبراهيم في نسبه إلى قبيلة عنزة أرومة وإلى المجمعة موطنًا وبلدًا وإلى الزبير دار هجرة وولادة ونشأة فقد هاجر جده الأعلى الشيخ عبدالله الصقير إلى الزبير وذلك سنة (1287هـ-1870م) بقصد طلب الرزق وقد عمل في التجارة واتسعت أعماله فطلب ابنه حمد أن يوافيه في الزبير وذلك سنة (1297هـ- 1879م) وجد في ابنه حمد الأهلية في إدارة العمل عاد إلى المجمعة تاركًا ابنه حمد في الزبير وبعد ذلك استدعى حمد أخاه إبراهيم الذي وافاه بعائلته ليستوطن فيها الزبير وكان ذلك سنة (1302هـ-1885م) حيث كان عمر ابنه راشد سنتان عند قدومه وتوفى حمد رحمه الله وهو ابن اثنين وسبعين سنة وله من الأولاد واحد كان هو عبدالرزاق وقد عاش في كنف عمه إبراهيم وبالنسبة لراشد ابن إبراهيم فقد تزوج ورزق بولدين هما محمد وإبراهيم صاحب الترجمة أو المترجم له إبراهيم هذا هو ابن راشد ابن إبراهيم بن عبدالله الصقير رحم الله الجميع فقد ولد وعاش زبيريًا وكانت سنة مولده هي السنة التي تم فيها للشيخ محمد أمين الشنقيطي افتتاح مدرسة النجاة وذلك سنة (1339هـ-1920م) أحوال العراق السياسية واضطربت فيه الأوضاع عاد الشيخ إبراهيم بأسرته إلى المملكة العربية السعودية شأنه في ذلك شأن الكثير من الأسر التي اتخذت من الزبير دار هجرة وهم من أبناء نجد.

طلبه للعلم:

التحق الشيخ إبراهيم بمدرسة النجاة في بداية طلبه للعلم فتتلمذ على الكثير من أساتذتها وشيوخها ومنهم الشيخ ناصر الأحمد رحمه الله (1311-1382هـ) (1893م - 1962م) وقد تولى الشيخ ناصر إدارة المدرسة بعد وفاة مديرها ومؤسسها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وذلك سنة (1351هـ - 1932م) الشيخ إبراهيم ميالًا إلى طلب العلم فدرس المرحلة الثانوية حتى حصل على شهادتها وقد عمل في التجارة ومع عمله هذا فقد كان كثير القراءة والذي بدا لي من أحاديثه معي بأن والده راشد رحمه الله كان يحب القراءة ويطالع المجلات والصحف لمتابعة أخبار العالم فكان هذا مما دفعه لحب التاريخ والعناية فيه إضافة إلى اهتمامه بعلوم اللغة العربية وفنونها وفي تاريخ بلدة الزبير وتراجم أهلها وأبنيتها ومساجدها فقد كان صاحب علم في تاريخها فهو عالم بدقائق أحوالها وأخبارها إضافة لما كان له صلة بتاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي أقامها الملك عبدالعزيز رحمه الله ففيما هو معني بهذه التواريخ فقد كان رحمه الله مرجعًا لطلبة البحث التاريخي.

آثاره العلمية:

لم يكن الشيخ إبراهيم الصقير من أهل الكتابة فيما يحمله من علوم ومعارف ولذلك فهو يصنف عند علماء المنهج التاريخي على أنه إخباري يؤخذ منه وهو صدوق في مروياته مستندًا بذلك إلى ما توثقه الكتب مما يأتي على لسانه لما عرف عنه من صلاح ودين وهو بهذا يكون بعيدًا عن الكذب والتدليس وعلى الرغم من قلة عطائه بالتأليف فقد صاغ كتابًا من تأليفه عنونه بـ(الإفصاح عن أحاديث مختار الصحاح) وكتاب آخر هو تاريخ ابن ضويان الذي وافاه الأجل ولم يشهد طباعته فقد أخرجه ونشره الشيخ إبراهيم رحمه الله وثمة مخطوط حققه الدكتور قاسم السامرائي وعنوانه (مساجد الزبير) لمؤلفه محمد بن حمد العسافي فقد توجه الدكتور السامرائي في تحقيق نص المخطوط إلى التوثيق الشفوي الإخباري من لسان الشيخ إبراهيم الصقير وألحق ذيل المخطوط بمساجد لم يأتي على ذكرها العسافي فجاءت في نهاية المخطوط تحت عنوان مذيلًا إياه بها (إضافات الشيخ إبراهيم بن راشد الصقير).

وهذه المساجد هي (المنتفك - الحقيري - علي- البسام - مسجد ابن فرج).

لكن والحق يقال فقد كان الشيخ إبراهيم بشخصه الذي هو عليه مكتبة متنقلة حمل في صدره أدق الأخبار وأوثقها لهذا فهو فلا غرو أن يكون ملجئًا لطلبة العلم في توجيه الأسئلة إليه فقد كان طلبة الدراسات العليا والبحث العلمي هم أهل التواصل معه وذلك لما يختزنه في صدره من علم بتاريخ العراق والزبير والتاريخ السعودي بكافة أدواره وعصوره فقد كان في هذه العلوم صاحب سعة وعلم بها.

وفاته رحمه الله:

وبعد أن صلى الجمعة في اليوم الأول من عشر رمضان الأخير لسنة 1426هـ أدركته المنية رحمه الله وقد أفضى إلى ربه رحمه الله تاركًا ورائه الذكرى والثناء عليه من دماثة أخلاقة وبشاشة وجهه وسمو علمه وقد أعقب بستة من الأبناء وبنتان فنسأل الله أن يكونوا خلفًا كريمًا لسلف عظيم أورثهم بعد مماته الثناء والذكرى الكريمة في قلوب من عرفه رحمه الله.

ومن باب الوفاء لقدر هذا الرجل مضيت في كتابة هذه الترجمة له رحمه الله آملًا أن أكون قد أوفيته شيء من حقه علي.