• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

وقفات مع بعض العلماء (5)

وقفات مع بعض العلماء (5)
فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/3/2013 ميلادي - 14/5/1434 هجري

الزيارات: 6079

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات مع بعض العلماء (5)


نظرنا خلال المقالة السابقة في ترجماتٍ لبعض العلماء الأعلام، ونقف الآن مع الجزء الأخير من هذه الترجمات.


في ترجمة الفقيه المفتي القاضي الشيخ العلاَّمة جمال الدين، مفتي المسلمين محمد بن حسين بن محمد بن حسين القماط الزبيدي:

لم يخلف بعده مثله - رحمه الله - وكان مولده ببلدة زَبِيد في شهر صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، ونشأ بها واشتغل فيها بالعلم، ولازم القاضي العلامة الطيب الناشري صاحب الإيضاح، والعلامة عمر الفتى، والفقيه كمال الدين موسى الضجاعي، وغيرهم من علماء عصره، وبرع في الفقه، ودرس وأفتى، وكان لا يمل الأشغال والاشتغال، وحصل بيده كتبًا جمَّة، وولي قضاء عدن سنة ثلاث وثمانين، ولم يزل قاضيًا بها إلى سنة تسعة وتسعين، فعزل بالقاضي العلاَّمة شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد، ورجع إلى وطنه زَبِيد، وأقام بها على التدريس والفتوى ونشر العلم، وتخرَّج به جماعة من الفضلاء، وانتفع الناس بعلمه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفِّي، وكان كثير الاستحضار للفروع، جيد الاستنباط، ولم يكن له يدٌ في غير الفقه - رحمه الله"[1].


قيل في ترجمة ابن عَقِيل الحنبلي:

إنه كان دائم التشاغل بالعلم.

وقال عن نفسه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملتُ فكري في حالة راحتى وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.


وقال: أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المَضْغ، توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه.


قيل في ترجمة أحمد بن سليمان بن نصر الله البلقاسي الشافعي:

إنه كان إمامًا علاَّمة، قوي الحافظة، حسن الفاهمة، مشاركًا في فنون، طلق اللسان، محبًّا في العلم والمذاكرة والمباحثة، غير منفكٍّ عن التحصيل، بحيث إنه كان يطالع في مشيه، ويقرأ القراءات في حال أكله؛ خوفًا من ضياع وقته في غيره، أعجوبة في هذا المعنى، لا أعلم في وقته مَن يوازيه فيه، طارحًا للتكلف، كثير التواضع مع الفقراء، سهمًا على غيرهم، سريع القراءة جدًّا.


قيل في ترجمة محمد بن أحمد ابن محمد العمري الصغاني:

إنه كان لا يدخل عليه أحد في منزله إلا وهو يقرأ.


قيل في ترجمة الإمام اللغوي محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:

إنه اقتنى كتبًا نفيسة (حتى سمعه بعضهم يقول): (اشتريت بخمسين ألف مثقال ذهبًا كتبًا، وكان لا يسافر إلا وصحبته منها عدَّة أحمال، ويخرج أكثرها في كل منزلة فينظر فيها ثم يُعِيدها إذا ارتحل).


قيل في ترجمة السيد صلاح بن أحمد المؤيدي اليماني:

إنه صنَّف الكثير من الكتب المفيدة العظيمة، بالرغم من أنه مات وعمره تسع وعشرون سنة، وكان إذا سافر أول ما تضرب خيمة الكتب، وإذا ضربت دخل إليها، ونشر الكتب، والخدم يصلحون الخيم الأخرى، ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم.


في ترجمة الإمام الحافظ الحسن بن أحمد الهمذاني:

أنه كان عفيفًا من حب المال، مهينًا له، باع جميع ما ورثه - وكان من أبناء التجَّار - فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرَّات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره، ولما استقرَّ في بلده - بعد عودته من رحلته - عَمِل دارًا للكتب وخزانةً وقف جميع كتبه فيها، وكان قد حصل الأصول الكثيرة، والكتب الكبار الحسان بالخطوط المعتبرة.


قيل في ترجمة إسحاق بن منصور الكوسج:

إنه لما بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن تلك المسائل التي علَّقها عنه، فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب، وحملها على ظهره، وخرج راجلاً إلى بغداد وهي على ظهره، وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها، فأقرَّ له بها ثانيًا، وأعجب أحمد بذلك من شأنه.


يؤخذ من ذلك العزيمة القوية التي كان عليها العلماء؛ حيث خرج إسحاق ماشيًا على قدميه أيامًا لمعرفة هذه المسائل.


قيل في ترجمة اللغوي ابن الخطيب التبريزي:

إنه حصلت له نسخة لكتاب الأزهري (تهذيب اللغة) في عدة مجلدات لطاف، وأراد أخذها عن عالِم باللغة، فدُلَّ على أبي العلاء المعرِّي، فجعلها في مخلاة، وحملها على كتفِه من تِبْرِيز إلى المعرَّة - ولم يكن له ما يستأجر به مركوبًا - فنفذ العَرَقُ من ظهره إليها، وإن الجاهل بخبرِها إذا رآها يظن أنها غريقة، وليس الذي بها إلا عرق يحيى بن علي - رحمه الله.


قيل في ترجمة ابن المبارك:

إنه كان يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟!


قيل في ترجمة محمد بن يحيى الذهلي:

إن يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي قال: دخلتُ على أبي في الصيف الصائف وقت القائلة، وهو في بيت كتبه، وبين يديه السراج، وهو يصنف، فقلت: يا أبتِ هذا وقت الصلاة، ودخان هذا السراج بالنهار، فلو نفست عن نفسك، قال: يا بُنَي، تقول لي هذا وأنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين؟!


قيل في ترجمة ابن الاعرابي:

إن أحمد بن محمد بن شجاع بعث غلامًا من غلمانه يسأله المجيء إليه، فعاد إليه الغلام، فقال: قد سألتُه ذلك، فقال لي: عندي قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي منهم أتيت، قال الغلام: وما رأيتُ عنده أحدًا، إلا أن بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة وفي هذا مرة، ثم ما شعرنا حتى جاء، فقال له أبو أيوب: يا أبا عبدالله، سبحان الله العظيم، تخلفتَ عنا وحرمتنا الأنس بك، ولقد قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحدًا، وقلتَ: أنا مع قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي معهم أتيت، فقال ابن الأعرابي:

لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ
أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونَ غَيْبًا وَمَشْهَدَا
يُفِيدُونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عِلْمَ مَا مَضَى
وَعَقْلاً وَتَأْدِيبًا وَرَأْيًا مُسَدَّدَا
بِلا فِتْنَةٍ تُخْشَى ولا سُوءِ عِشْرَةٍ
ولا نَتَّقِي مِنْهُمْ لِسَانًا ولا يَدَا
فَإِنْ قُلْتَ: أَمْوَاتٌ، فما أَنْتَ كَاذِبٌ
وَإِنْ قُلْتَ: أَحْيَاءٌ، فَلَسْتَ مُفَنَّدَا

 

قيل في ترجمة الفقيه سليم بن أيوب الرازي:

إنه كان يحاسب نفسَه على الأنفاس، لا يدعُ وقتًا يمضي عليه بغير فائدة، إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ، وقال أبو الفرج الإسفراييني: إنه نزل يومًا إلى داره ورجع، فقال: قد قرأت جزءًا في طريقي.


في ترجمة أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبي مسعود الضبي الأصبهاني:

"قال أبو عمران الطرسوسي: ما تحت أديم السماء أحدٌ أحفظ لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي مسعود الرازي، وبه قال: أخبرنا أبي - رحمه الله - قال: قرأتُ في كتاب محمد بن إبراهيم الكناني الأصفهاني: حدَّثنا أبو مسعود الرازي، قال: وروى عنه عبدالرزاق، ورحل إليه أبو داود السجستاني، وذكره أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - بالحفظ وإظهار السنة بأصبهان.


وذكر العباس بن حمدان عن إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدنيا ثلاثة: محمد بن يحيى الذهلي بخراسان، وأبو مسعود بأصبهان، والحسن بن علي الحلواني بمكة، فأكثرهم حديثًا محمد بن يحيى، وأحسنهم حديثًا أبو مسعود، وأرفعهم حديثًا الحسن بن علي الحلواني.


قال ابن الأصفر: جالستُ أحمد وابن أبي شيبة وعليًّا ونعيمًا - وذكر عدة - فما رأيت رجالاً أحفظ لما ليس عنده من أبي مسعود"[2].


في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيميَّة:

قال أبو حفص عمر البزار: ولقد بلغني أنه شَرَع في جمع تفسير لو أتمه لبلغ خمسين مجلدًا.


ومن أعجب الأشياء في ذلك أنه في محنته الأولى بمصر - لما أُخِذ وسُجِن وحِيل بينه وبين كتبه - صنَّف عدَّة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار، وأقوال العلماء، وأسماء المحدثين والمؤلفين، ومؤلفاتهم، وعزا كلَّ شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها، وأي موضع هو منها؛ كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتابٌ يطالعه، ونقبت واختبرت واعتبرت، فلم يوجد فيها - بحمد الله - خلل، ولا تغيُّر، ومن جملتها: كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، وهذا من الفضل الذي خصه الله -تعالى- به.


ومنها ما منحه الله -تعالى- من معرفة اختلاف العلماء، ونصوصهم، وكثرة أقوالهم، واجتهادهم في المسائل، وما رُوِي عن كل منهم من راجح ومرجوح، ومقبول ومردود، في كل زمان ومكان، وبصره الصحيح الثاقب الصائب للحق مما قالوه ونقلوه، وعزوه ذلك إلى الأماكن التي بها أودعوه، حتى كان إذا سئل عن شيء من ذلك كأن جميع المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والعلماء فيه من الأولين والآخرين؛ متصور مسطور بإزائه، يقول منه ما شاء الله، ويذر ما يشاء، وهذا قد اتفق عليه كل مَن رآه، أو وقف على شيء من علمه ممن لا يغطي عقله الجهل والهوى.


وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبًا أحد؛ لأنها كثيرة جدًّا كبارًا وصغارًا، وهي منشورة في البلدان، فقلَّ بلد نزلتُه إلا ورأيتُ فيه من تصانيفه.


فمنها ما يبلغ اثني عشر مجلدًا؛ كتلخيص التلبيس على أساس التقديس، وغيره.


ومنها ما يبلغ سبع مجلدات؛ كالجمع بين العقل والنقل، ومنها ما يبلغ خمس مجلدات؛ ومنها: منهاج الاستقامة والاعتدال، ونحوه، ومنها ما يبلغ ثلاث مجلدات؛ كالرد على النصارى، وشبهه، ومنها مجلدان؛ كنكاح المحلل، وإبطال الحيل، وشرح العقيدة الأصبهانية، ومنها مجلد ودون ذلك، وهذان القسمان من مؤلفاته، فهي كثيرة جدًّا لا يمكنني استقصاؤها.


وأما فتاواه ونصوصه وأجوبته على المسائل، فهي أكثر من أن أَقدِر على إحصائها، لكن دوَّن بمصر منها على أبواب الفقه سبعة عشر مجلدًا، وهذا ظاهر مشهور، وجمع أصحابه أكثر من أربعين ألف مسألة، وقلَّ أن وقعت واقعة وسئل عنها، إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر، وصار ذلك الجواب كالمصنَّف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمن طويل، ومطالعة كتب، وقد لا يقدر مع ذلك على إبراز مثله.


أما تعبُّده - رضي الله عنه - فإنه قلَّ أن سُمِع بمثله؛ لأنه كان قد قطع جل وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله -تعالى- ما يراد له، لا من أهل ولا من مال.


وكان في ليله متفردًا عن الناس كلهم، خاليًا بربه - عز وجل - ضارعًا، مواظبًا على تلاوة القرآن العظيم، مكررًا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا ذهب الليل، وحضر مع الناس؛ بدأ بصلاة الفجر، يأتي بسنتها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة تكاد تتخلع القلوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعدُ أعضاؤه حتى يميله يمنة ويسرة، وكان إذا قرأ يمد قراءته مدًّا كما صح في قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ركوعه وسجوده وانتصابه عنهما من أكمل ما ورد في صلاة الفرض.


كان - رحمه الله عنه - في الغاية التي ينتهى إليها في الورع؛ لأن الله -تعالى- أجراه مدة عمره كلها عليه، فإنه ما خالط الناس في بيع ولا شراء، ولا معاملة ولا تجارة، ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة، ولا كان ناظرًا مباشرًا لمال وقف، ولم يكن يقبل جراية ولا صلة لنفسه من سلطان ولا أمير ولا تاجر، ولا كان مدخرًا دينارًا ولا درهمًا، ولا متاعًا ولا طعامًا، وإنما كانت بضاعته مدَّة حياته وميراثه بعد وفاته - رضي الله عنه - العلم؛ اقتداء بسيد المرسلين وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين؛ فإنه قال: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينًارا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر)).


أما زهده في الدنيا ومتاعها، فإن الله -تعالى- جعل ذلك له شعارًا من صغره؛ حدَّثني مَن أثق به عن شيخه الذي علَّمه القرآن المجيد، قال: قال لي أبوه وهو صبي - يعني الشيخ -: أحب إليك أن توصيه، وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كل شهر أربعين درهمًا، قال: ودفع إليَّ أربعين درهمًا، وقال: أعطِه إياها؛ فإنه صغير، وربما يفرح بها، فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه، وقلْ له: لك في كل شهر مثلها، فامتنع من قَبُولها، وقال: يا سيدي، إني عاهدتُ الله -تعالى- ألاَّ آخذ على القرآن أجرًا، ولم يأخذها، فرأيتُ أن هذا لا يقع من صبي إلا لما لله فيه من العناية.


كان - رضي الله عنه - مع شدة تركه للدنيا، ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها؛ مؤثرًا بما عساه يجده منها، قليلاً كان أو كثيرًا، جليلاً أو حقيرًا، لا يحتقر القليل، فيمنعه ذلك عن التصدق به، ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به؛ فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئًا نزع بعض ثيابه المحتاج إليه، فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين، فيؤثر بذلك على نفسه، وربما خبأهما في كمه، ويمضي ونحن معه لسماع الحديث، فيراه بعضنا وقد دفعه إلى الفقير مستخفيًا، يحرص ألاَّ يراه أحد.


وكان إذا ورد عليه فقير، وآثر المقام عنده يؤثره عند الأكل بأكثر قوته الذي جعل برسمه.


وأما تواضعه، فما رأيتُ ولا سمعت بأحدٍ من أهل عصره مثله في ذلك؛ كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يدني الفقير الصالح، ويكرمه، ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته؛ جبرًا لقلبه، وتقربًا بذلك إلى ربه.


وكان لا يسأم ممَّن يستفتيه أو يسأله، بل يُقبِل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة، ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه - كبيرًا كان أو صغيرًا، رجلاً أو امرأة، حرًّا أو عبدًا، عالمًا أو عاميًّا، حاضرًا أو باديًا - ولا يجبهه ولا يحرجه، ولا ينفره بكلام يوحشه، بل يجيبه ويفهمه، ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط.


وأخبر غير واحد أن الشيخ - رضي الله عنه - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقِيتَهم وقطبَ ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعًا أو رقة أو جبانة؛ شجَّعه، وثبته، وبشَّره، ووعده بالنصر والظَّفر والغنيمة، وبيَّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة.


وكان إذا رَكِب الخيل يتحنَّك، ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت.


وحدَّثوا أنهم رأوا منه في فتح عكا أمورًا من الشجاعة، يعجز الواصف عن وصفها، قالوا: ولقد كان السبب في تملُّك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره.


ولما ظهر السلطان "غازان" على دمشق المحروسة، جاءه ملك الكرج، وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكِّنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ، فقام من فوره وشجع المسلمين، ورغبهم في الشهادة، ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف؛ فانتُدِب منهم رجالٌ من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان "غازان"، فلما رآهم السلطان، قال: مَن هؤلاء؟ فقيل: هم رؤساء دمشق، فأَذِن لهم، فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ - رضي الله عنه - أولاً، فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذولملك "الكرج" على المسلمين، وضمن له أموالاً، وأخبره بحرمةِ دماء المسلمين، وذكَّره ووعظه؛ فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحقنتْ بسببه دماء المسلمين، وحميت ذَرَارِيهم، وصِين حريمهم.


وكانت مخايل النجابة عليه في صغره لائحة، ودلائل العناية فيه واضحة، أخبرني مَن أثق به عمَّن حدَّثه أن الشيخ - رضي الله عنه - في حالِ صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي - كان منزله بطريقه - بمسائل يسأله عنها لما كان يلوح عليه من الذكاء والفطنة، وكان يجيبه عنها سريعًا حتى تعجب منه، ثم إنه صار كلما اجتاز به يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه، فلم يلبث أن أسلم وحسن إسلامه، وكان ذلك ببركة الشيخ على صغر سنه"[3].


"وقيل عن شيخ الإسلام ابن تيمية:

إنه كان لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تملُّ من الاشتغال، ولا تكِل من البحث، وقلَّ أن يدخل في علم من العلوم في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله.


وكان لابن تيمية بصرٌ نافذ، ونفس طلعة، لا تكاد تشبع من العلم، ولا تكل من البحث، ولا تروى من المطالعة، مع التوفر على ذلك، وقطع النفس له، وصرف الهمة نحوه، حتى إنه لم ينقطع عن البحث والتأليف طيلة حياته في الشام أو في مصر، في السجن أو في البيت، بل إنه كان يتوجع ألمًا وحسرة حينما أخرجوا الكتب والأوراق من عنده في أخريات أيامه".


وقال الإمام ابن القيم:

وحدثني شيخنا - يعني ابن تيمية - قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليستِ النفسُ إذا فرحت وسرَّت وقويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تسرُّ بالعلم، فتقوى به الطبيعة، فأجد راحةً، فقال: هذا خارج عن علاجنا.


وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقةً قرأ فيه، فإذا غلب وضعه، فدخل عليه الطبيب يومًا وهو كذلك، فقال: إن هذا لا يحل لك؛ فإنك تعين على نفسك، وتكون سببًا لفوت مطلوبك"[4].



[1] النور السافر في أخبار القرن العاشر.

[2] طبقات الحنابلة.

[3] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية؛ للحافظ عمر بن علي البزار.

[4] المشوق إلى القراءة وطلب العلم للشيخ علي بن محمد العمران.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع بعض العلماء (1)
  • وقفات مع بعض العلماء (2)
  • وقفات مع بعض العلماء (3)
  • وقفات مع بعض العلماء (4)

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب