• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

محمد الطاهر بن عاشور

د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/6/2012 ميلادي - 5/8/1433 هجري

الزيارات: 53864

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم

محمد الطاهر بن عاشور

(1296هـ/1879م1393هـ/1973م)


كان جامع الزيتونة مصنعا لرجال أفذاذ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت اضطربت فيه معالم الحياة، فكانوا منارات للهدى وعلامات لطريق السداد. و«محمد الطاهر بن عاشور» هو أحد أعلام هذا الجامع، ومن عظمائهم المجددين، حياته المديدة التي زادت على تسعين عامًا كانت جهادًا في طلب العلم، وجهادا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد التي قيدت العقل المسلم عن التفاعل مع القرآن الكريم والحياة المعاصرة.

 

أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشريعة والتفسير والتربية والتعليم والإصلاح، وكان لها أثرها البالغ في استمرار «الزيتونة» في العطاء والريادة.

 

وإذا كان من عادة الشرق عدم احتفاظه بكنوزه، فهو غالبا ما ينسى عمالقته ورواده الذين كانوا ملء السمع والبصر، ويتطلع إلى أفكار مستوردة وتجارب سابقة التجهيز، وينسى مصلحيه ومجدديه، ونبت بيئته وغرس مبادئه!!

 

لم يلق الطاهر تمام حقه من الاهتمام به وباجتهاداته وأفكاره الإصلاحية؛ وربما رجع ذلك لأن اجتهاداته تحارب الجمود العقلي والتقليد من ناحية، وتصطدم بالاستبداد من ناحية أخرى، كما أن أفكاره تسعى للنهوض والتقدم وفق منهج عقلي إسلامي، ولعل هذا يبين لنا سبب نسيان الشرق في هذه الفترة لرواده وعمالقته!!

 

النشأة:

ولد محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (1296ه - 1879م) في أسرة علمية عريقة تمتد أصولها إلى بلاد الأندلس. وقد استقرت هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش التي تعرض لها مسلمو الأندلس.

 

وقد نبغ من هذه الأسرة عدد من العلماء الذين تعلموا بجامع الزيتونة، تلك المؤسسة العلمية الدينية العريقة التي كانت منارة للعلم والهداية في الشمال الأفريقي، كان منهم محمد الطاهر بن عاشور، وابنه الذي مات في حياته الفاضل بن عاشور.

 

وجاء مولد الطاهر في عصر يموج بالدعوات الإصلاحية التجديدية التي تريد الخروج بالدين وعلومه من حيز الجمود والتقليد إلى التجديد والإصلاح، والخروج بالوطن من مستنقع التخلف والاستعمار إلى ساحة التقدم والحرية والاستقلال، فكانت لهذه لأفكار صداها المدوي في تونس وفي جامعها العريق، حتى إن رجال الزيتونة بدءوا بإصلاح جامعهم من الناحية التعليمية قبل الجامع الأزهر، مما أثار إعجاب الشيخ محمد عبده الذي قال: «إن مسلمي الزيتونة سبقونا إلى إصلاح التعليم، حتى كان ما يجرون عليه في جامع الزيتونة خيرًا مما عليه أهل الأزهر».

 

وأثمرت جهود التجديد والإصلاح في تونس التي قامت في الأساس على الاهتمام بالتعليم وتطويره عن إنشاء مدرستين كان لهما أكبر الأثر في النهضة الفكرية في تونس، وهما: المدرسة الصادقية التي أنشأها الوزير النابهة خير الدين التونسي (1291هـ - 1874م) والتي احتوت على منهج متطور امتزجت فيه العلوم العربية باللغات الأجنبية، إضافة إلى تعليم الرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية. وقد أقيمت هذه المدرسة على أن تكون تعضيدًا وتكميلاً للزيتونة.

 

أما المدرسة الأخرى فهي المدرسة الخلدونية التي تأسست سنة (1314هـ - 1896م) والتي كانت مدرسة علمية تهتم بتكميل ما يحتاج إليه دارسو العلوم الإسلامية من علوم لم تدرج في برامجهم التعليمية، أو أدرجت ولكن لم يهتم بها وبمزاولتها فآلت إلى الإهمال.

 

وتواكبت هذه النهضة الإصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكانت أطروحات تلك الحقبة من التاريخ ذات صبغة إصلاحية تجديدية شاملة تنطلق من الدين نحو إصلاح الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس على تفكير ومنهج رواد الإصلاح في تلك الفترة التي تدعمت بتأسيس الصحافة، وصدور المجلات والصحف التي خلقت مناخًا ثقافيًا وفكريًا كبيرًا ينبض بالحياة والوعي والرغبة في التحرر والتقدم.

 

حفظ الطاهر بن عاشور القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفرنسية، والتحق بجامع الزيتونة سنة (1310هـ - 1892م) وهو في الرابعة عشرة من عمره، فدرس علوم الزيتونة ونبغ فيها، وأظهر همة عالية في التحصيل، وساعده على ذلك ذكاؤه النادر والبيئة العلمية الدينية التي نشأ فيها، وشيوخه العظام في الزيتونة الذين كان لهم باع كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وملك هاجس الإصلاح نفوسهم وعقولهم فبثوا هذه الروح الخلاقة التجديدية في نفس الطاهر، وكان منهجهم أن الإسلام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية.

 

سفير الدعوة:

تخرج الطاهر في الزيتونة عام (1317هـ - 1896م)، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق، ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى عين مدرسًا من الطبقة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (1324هـ - 1903م).

 

وكان الطاهر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ - 1900م)، وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة ذات المنهج التقليدي والصادقية ذات التعليم العصري المتطور أثرها في حياته، إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين ما زالا في طور التكوين، ويقبلان أن يكونا خطوط انقسام ثقافي وفكري في المجتمع التونسي، وهما: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودون آراءه هذه في كتابه النفيس «أليس الصبح بقريب؟» من خلال الرؤية الحضارية التاريخية الشاملة التي تدرك التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع الإسلامي والعالمي.

 

وفي سنة (1321هـ - 1903م) قام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثانية لتونس التي كانت حدثا ثقافيا دينيا كبيرا في الأوساط التونسية، والتقاه في تلك الزيارة الطاهر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسماه محمد عبده ب «سفير الدعوة» في جامع الزيتونة؛ إذ وجدت بين الشيخين صفات مشتركة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الذي صاغ ابن عاشور أهم ملامحه بعد ذلك في كتابه «أصول النظام الاجتماعي في الإسلام». وقد توطدت العلاقة بينه وبين رشيد رضا، وكتب ابن عاشور في مجلة المنار.

 

آراء.. ومناصب:

عين الطاهر بن عاشور نائبا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة (1325هـ - 1907م)؛ فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، وأدخل بعض الإصلاحات على الناحية التعليمية، وحرر لائحة في إصلاح التعليم وعرضها على الحكومة فنفذت بعض ما فيها، وسعى إلى إحياء بعض العلوم العربية؛ فأكثر من دروس الصرف في مراحل التعليم وكذلك دروس أدب اللغة، ودرس بنفسه شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.

 

وأدرك صاحبنا أن الإصلاح التعليمي يجب أن ينصرف بطاقته القصوى نحو إصلاح العلوم ذاتها؛ على اعتبار أن المعلم مهما بلغ به الجمود فلا يمكنه أن يحول بين الأفهام وما في التآليف؛ فإن الحق سلطان!!

 

ورأى أن تغيير نظام الحياة في أي من أنحاء العالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم العقلية، ويستدعي تغيير أساليب التعليم. وقد سعى الطاهر إلى إيجاد تعليم ابتدائي إسلامي في المدن الكبيرة في تونس على غرار ما يفعل الأزهر في مصر، ولكنه قوبل بعراقيل كبيرة.

 

أما سبب الخلل والفساد اللذين أصابا التعليم الإسلامي فترجع في نظره إلى فساد المعلم، وفساد التآليف، وفساد النظام العام؛ وأعطى أولوية لإصلاح العلوم والتآليف.

 

اختير ابن عاشور في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة في (صفر 1328هـ - 1910م)، وكذلك في لجنة الإصلاح الثانية (1342هـ - 1924م)، ثم اختير شيخا لجامع الزيتونة في (1351هـ - 1932م)، كما كان شيخ الإسلام المالكي؛ فكان أول شيوخ الزيتونة الذين جمعوا بين هذين المنصبين، ولكنه لم يلبث أن استقال من المشيخة بعد سنة ونصف بسبب العراقيل التي وضعت أمام خططه لإصلاح الزيتونة، وبسبب اصطدامه ببعض الشيوخ عندما عزم على إصلاح التعليم في الزيتونة.

 

أعيد تعينه شيخا لجامع الزيتونة سنة (1364هـ - 1945م)، وفي هذه المرة أدخل إصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني؛ فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين، وزادت عدد المعاهد التعليمية.

 

وشملت عناية الطاهر بن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم؛ فاستبدل كثيرا من الكتب القديمة التي كانت تدرس وصبغ عليها الزمان صبغة القداسة بدون مبرر، واهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات، كما راعى في المرحلة التعليمية العالية التبحر في أقسام التخصص، وبدأ التفكير في إدخال الوسائل التعليمية المتنوعة.

 

وحرص على أن يصطبغ التعليم الزيتوني بالصبغة الشرعية والعربية، حيث يدرس الطالب الزيتوني الكتب التي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من الغوص في المعاني؛ لذلك دعا إلى التقليل من الإلقاء والتلقين، وإلى الإكثار من التطبيق؛ لتنمية ملكة الفهم التي يستطيع من خلالها الطالب أن يعتمد على نفسه في تحصيل العلم.

 

ولدى استقلال تونس أسندت إليه رئاسة الجامعة الزيتونية سنة (1374 هـ - 1956م).

 

محنة التجنيس:

لم يكن الطاهر بن عاشور بعيدا عن سهام الاستعمار والحاقدين عليه والمخالفين لمنهجه الإصلاحي التجديدي، فتعرض الشيخ لمحنة قاسية استمرت ثلاثة عقود عرفت بمحنة التجنيس، وملخصها أن الاستعمار الفرنسي أصدر قانونا في (شوال 1328هـ - 1910م) عرف بقانون التجنيس، يتيح لمن يرغب من التونسيين التجنس بالجنسية الفرنسية؛ فتصدى الوطنيون التونسيون لهذا القانون ومنعوا المتجنسين من الدفن في المقابر الإسلامية؛ مما أربك الفرنسيين فلجأت السلطات الفرنسية إلى الحيلة لاستصدار فتوى تضمن للمتجنسين التوبة من خلال صيغة سؤال عامة لا تتعلق بالحالة التونسية توجه إلى المجلس الشرعي.

 

وكان الطاهر يتولى في ذلك الوقت سنة (1352هـ - 1933م) رئاسة المجلس الشرعي لعلماء المالكية فأفتى المجلس صراحة بأنه يتعين على المتجنس عند حضوره لدى القاضي أن ينطق بالشهادتين ويتخلى في نفس الوقت عن جنسيته التي اعتنقها، لكن الاستعمار حجب هذه الفتوى، وبدأت حملة لتلويث سمعة هذا العالم الجليل، وتكررت هذه الحملة الآثمة عدة مرات على الشيخ، وهو صابر محتسب.

 

صدق الله وكذب بورقيبة:

ومن المواقف المشهورة للطاهر بن عاشور رفضه القاطع استصدار فتوى تبيح الفطر في رمضان، وكان ذلك عام (1381هـ - 1961م) عندما دعا (الحبيب بورقيبة) الرئيس التونسي السابق العمالَ إلى الفطر في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج، وطلب من الشيخ أن يفتي في الإذاعة بما يوافق هذا، لكن الشيخ صرح في الإذاعة بما يريده الله تعالى، بعد أن قرأ آية الصيام، وقال بعدها: «صدق الله، وكذب بورقيبة»، فخمد هذا التطاول المقيت وهذه الدعوة الباطلة بفضل مقولة ابن عاشور.

 

مؤلفاته:

• التحرير والتنوير، تفسير للقرآن.


• أصول الإنشاء والخطابة.


• موجز علم البلاغة.


• أليس الصبح بقريب.


• أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.


• الوقف وآثاره في الإسلام.


• نقد لكتاب الإسلام ونظام الحكم.


• شرح لمقدمة المرزوقي لشرح ديوان الحماسة.


• شرح قصيدة الأعشى.


• ديوان بشار، مقدمة وتحقيق.


• الواضح في مشكلات شعر المتنبي.

 

مقتطفات طيبة من كتاب «أليس الصبح بقريب»:

1- قد كان حدا بي حادي الآمال، وأملَى عليّ ضميري، من عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، للتفكر في طرق إصلاح تعليمنا العربي الإسلامي الذي أشعرتني مدة مزاولته متعلِّماً ومعلِّماً بوافر حاجته إلى الإصلاح الواسع النطاق؛ فعقدت عزمي على تحرير كتاب في الدعوة إلى ذلك وبيان أسبابه، ولم أنشَبْ أن أزجيت بقلمي في ابتداء التحرير فإذا هو يسابقني كأنه من مطايا أبى العلاء القائل:

ولو أن المطي لها عقول
وجَدِّك لم نَشُدَ لها رحالا

 

2- وصادفتُ أيام عطلة التدريس الصيفية في ذلك العام، فقضيتُ هواجِرَها الطويلة، وبُكَرها الجميلة، في هذا العمل، مشتغلاً به عن محادثة الأحباب، وعن دَعة التنعم بمغتَسَلٍ بارد وشراب، حتى وقف بي القلم عند انتهاء الاستراحة في مدة شهرين إلى تحرير جملة كانت مشجّعتي على مراجعة عملي هذا في ثلاثة أصياف وعنونته «أليس الصبح بقريب».

 

وكان من العزم تهذيبه وإصداره، فحالت دون ذلك موانع جمة، لم تزل تطفو وتركد، وتغفو وتسهد، غير أني لم أدع فرصة إلا سعيت إلى إصلاح التعليم فيها بما ينطبق على كثير بحسب ما سمحت به الظروف، وما تيسر من مقاومة صانع منكر ومانع معروف، ما حرك سواكني إلى إبراز هاته الآراء التي كنت أمليتها، ونشر الأوراق التي خشيت عليها عواصف الأهواء فطويتها.ص5

 

3- وها أنذا متقدم إلى خوض بحر أرى هول أمواجه قد حاد بعقول كثير من ذوي الألباب فولوا عنه مدبرين، وتكلموا في إصلاحات نافعة من مصالح المسلمين، لكنها كلها كانت متوقفة على هذا المقصد الجليل المغفول عنه «مبدأ إصلاح التعليم».

 

ولطالما كنت أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، وأعلم أن نور عقلي هو دون إضاءة هاته المجاهل التي صفدت عليها منافذ الأنوار والأهوية الخالصة، فامتلأت بالحوامض الرديئة منذ أزمان.

 

وإذ قد كان من المعلومات المسلمة أن الله تعالى استخلفنا في الأرض ومنَّ علينا بنور العقول ونبهنا باختلاف النظام في الدنيا إلى أحوال الرقي والانحطاط، وقال: ﴿ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101] فما طَمَاعِيَتُنا من هذا السكوت الطويل، وما إغراقُنا في هذا السبات العميق؟ ص6

 

4- إذاً قد كان واجباً علينا خدمةً للملة، وتهيئة للنشأة العلمية التي تزيِّن مستقبلنا وتمجِّد ماضينا أن ندخل تلك المجاهل نرفع بإحدى يدينا مشاعل النور، ونقطع بالأخرى ما يمانع من حجرات العثور، فإن لم نصل بعدُ إلى غاياتها فعسى أن لا نبعد، وإن سلمنا من أن نشقى باللئام فما ضرنا أن لا نسعد، ولنا في ذلك كله معذرةُ العارفين، وشهادةُ أو تزكيةُ المنصفين. ص6

 

5- نحن نشتغل في هذا العالم لنحصل السعادة حيثما توجهنا وذلك بجلب المنافع واتقاء المضار. فنحن إذاً في أشد الاحتياج إلى العلم بوجوه استقامة الأشغال وهي المراد من التعليم؛ ليكون المتعلم بذلك راضياً عن نفسه واثقاً بحصول مبتغاه من عمله، ترى ذلك في كل العلوم، فكما ترى الرضا عن نفسك في معاشرتك بما اكتسبته من علم تهذيب الأخلاق، ترى الرضا عنها في صنائعك إن كنت تصنع وفي سائر أكوانك التي تدخل تحت سلطان إرادتك، فلا يسوء ظنك بشيء ما، ولا تكون مكدوداً من القصور عندما ترى نفوساً يسمو بها الارتقاء في أوج المعالي بل إما أن تسابق معها بجناح، أو تَعْلَم بالأقل أن للطيران فرصَ استكمالِ قوةٍ أو مساعدةِ رياح، كما قال الزمخشري:

يا من يحاول بالأماني رتبتي
كم بين منخفضٍ وآخرَ راقي
أأبيتُ ليلي ساهراً وتضيعه
نوماً وتأْملُ بعد ذاك لحاقي

 

ناهيك بما يجده المتعلم إن بلغ حدَّ أن يكون معلماً من الابتهاج بما يبيِّن للمتعلمين من الحقائق، وما يعالجه من إنشاء أمة مستقلة.

 

هاته منافع العلوم الحاجية التي تدعو إلى معرفتها حاجة الحياة الاجتماعية، وهي تختلف أعدادها باختلاف الحاجات الداعية ولا يَقْدر أن يحدد عددها أحد، لكن لا شك أن تقدم الحضارة يوفر كثرتها.

 

لأجل هذا كان من واجب كل داع إلى التعليم أن يوضح لطالبيه الغايات التي يحصلونها من مزاولة ذلك التعليم سواء كانت غاية دنيوية أو أخروية؛ لأن لكلتا الغايتين طُلاباً، فتلك الغاية هي التي يجتني منها المحصل على نهاية ذلك التعليم نفعاً لنفسه دنيوياً وأخروياً، ووراء هاتين غاية هي أسمى وأعظم مما يبدو منها وهي إنتاج قادةٍ للأمة في دينها ودنياها، وهداةٍ هم مصابيح إرشادها، ومحاصد قتادها، ومهدئوا نفوسِها إذا أقلقها اضطراب مِهاَدها. ص87

 

6- فالتعليم الصحيح إذاً يرمي إلى إنشاء أرقى أصناف الناس من كل من تمرس بالأشغال والأعمال، أو رزق المواهب الحسنة، ورغب في سلوك خير السبل وشغف بالمعرفة وامتاز بحب الواجب والتعقل. ص9

 

7- إني على يقين أنني لو أتيح لي في فجر الشباب التشبع من قواعد نظام التعليم والتوجيه لاقتصدت كثيراً من مواهبي ولاكتسبت جَمَّاً، من المعرفة ولسلمت من التطوح في طرائق تبين لي بَعدَ حينٍ الارتدادُ عنها، مع أني أشكر ما منحت به من إرشاد قيم من الوالد والجد ومن نصحاء الأساتذة، ولا غنى عن الاستزادة من الخير. ص9

 

8- نبحث عن تعليم يفيد ترقية المدارك البشرية، وصقل الفِطَر الطيبة لإضاءة الإنسانية، وإظهارها في أجمل مظاهرها فيخرج صاحبها عن وصف الحيوانية البسيط وهو الشعور بحاجة نفسه خاصة، إلى ما يفكر به في جلب مصلحته ومصلحة غيره بالتحرز من الخلل والخطأ بقدر الطاقة، وبحسب منتهى المدنية في وقته. ص12

9- كان العرب في الجاهلية يلقنون أبناءهم وبناتهم ما هم في احتياج إليه من المعارف يُعِدُّونهم بها إلى الكمال المعروف عندهم. ص17

 

10- وسبب اشتهار الشعراء هو أن الشعر ضرب مستحدث من الكلام وأسلوب من المعنى غريب، وهو بجودة وزنه، والتزام قوافيه يتنزل منزلة التوقيعات الموسيقية، فكان يستفز الحليم، ويجرئ الجبان. ص21

 

11- حفظ العرب لغتهم من التغيير؛ فعدُّوا الخطأ فيها عيباً يُتعيَّر به، وشهَّروا بأصحاب الفهاهة واللثغة، وأعلنوا بدائع شعرهم وخطبهم في أسواقهم المشهورة أيام مواسم الحج، فكان عِلْمُهُمُ الحقُّ هو أدبَ لُغتِهم، وهو علمهم العقلي الوحيد.

 

ولهم معارف وتقاليد حافظوا عليها كانوا يعدون العلم بها من صفات الكمال، أهمها معرفة أنسابهم واتصال قبائلهم بعضها ببعض. ص21

 

12- وكان لنسائهم عناية بتعليم البنات تدبيرَ البيت، وحسنَ التبعل للأزواج، والشفقةَ في تربية صغار إخوتهن. ص21

 

13- وأما علم البلاغة فلم يدوَّن ويُفْرُد بالتسمية والتأليف إلا في القرن الخامس؛ لأنه كان مندرجاً في جملة علم الأدب.

 

ويقول بعض الناس إن الجاحظَ أولُ من ألَّف فيه لكني أرى ما ألفه الجاحظ كان غير مصنف وإنما كانت مسائل البلاغة شعبةً من شعب النحو والأدب. ص32

 

14- ولكن الذي خص علم البلاغة بالتدوين هو الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت سنة 471ه) في كتابيه: كتاب دلائل الإعجاز، وكتاب أسرار البلاغة، فهو أعطى ألقاباً للمسائل، وأخرج الكلام في الإعجاز عن الصفة الجزئية إلى قواعد كلية مسهبة مبرهنة.

 

على أن علم البلاغة لم يصِر فَنَّاً مهذباً إلا منذ صنف فيه الإمام يوسف السَّكَّاكي (ت سنة 626هـ) القسم الثالث من كتابه مفتاح علوم العربية. ص33

 

15- وكان معاذ هذا يعني الهرَّاء يدَّعي أنه يرى الجن، وَوَضَعَ في أخبارهم كتباً أدبية أثبت فيها شعرهم ومُلَحَهم يريد بذلك الطريقة الروائية والمقامات غير أنه يظهره في صورة جد، فقال له الرشيد: "إن كنت رأيت ما ذكرت لقد رأيت عجباً، وإن كنت ما رأيت لقد وضعت أدب". ص33

 

التحرير والتنوير:

كان الطاهر بن عاشور عالما مصلحا مجددا، لا يستطيع الباحث في شخصيته وعلمه أن يقف على جانب واحد فقط، إلا أن القضية الجامعة في حياته وعلمه ومؤلفاته هي التجديد والإصلاح من خلال الإسلام وليس بعيدا عنه، ومن ثم جاءت آراؤه وكتاباته ثورة على التقليد والجمود وثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري.

 

يعد الطاهر بن عاشور من كبار مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، ولقد احتوى تفسيره «التحرير والتنوير» على خلاصة آرائه الاجتهادية والتجديدية؛ وأشار في بدايته إلى أن منهجه هو أن يقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين، تارة لها وأخرى عليها؛ «فالاقتصار على الحديث المعاد في التفسير هو تعطيل لفيض القرآن الكريم الذي ما له من نفاد»، ووصف تفسيره بأنه «احتوى أحسن ما في التفاسير، وأن فيه أحسن مما في التفاسير».

 

وتفسير التحرير والتنوير في حقيقته تفسير بلاغي، اهتم فيه بدقائق البلاغة في كل آية من آياته، وأورد فيه بعض الحقائق العلمية ولكن باعتدال ودون توسع أو إغراق في تفريعاتها ومسائلها.

 

كما أن تفسير الطاهر بن عاشور المعروف (بالتحرير والتنوير) بالرغم من شموله واستقصائه لما يفسره من آيات، إلا أن منهجه العقدي أشعري يؤول آيات الصفات. ولمزيد الإيضاح في هذا الأمر انظر الكتاب القيم (المفسرون والتأويل) للشيخ محمد المغراوي المغربي، من مطبوعات دار طيبة بالرياض.

 

وقد نقد ابن عاشور كثيرا من التفاسير والمفسرين، ونقد فهم الناس للتفسير، ورأى أن أحد أسباب تأخر علم التفسير هو الولع بالتوقف عند النقل حتى وإن كان ضعيفا أو فيه كذب، وكذلك اتقاء الرأي ولو كان صوابا حقيقيا، وقال: «لأنهم توهموا أن ما خالف النقل عن السابقين إخراج للقرآن عما أراد الله به»؛ فأصبحت كتب التفسير عالة على كلام الأقدمين، ولا همّ للمفسر إلا جمع الأقوال، وبهذه النظرة أصبح التفسير «تسجيلا يقيَّد به فهم القرآن ويضيَّق به معناه».

 

رأي آخر:

وقد فهم بعض العلماء أن من فسر بالأثر فإنه لا اجتهاد ولا رأي له بل هو مجرد ناقل، لا عمل له غير النقل، ويظهر أن هذا مبني على أن التفسير بالمأثور يقابله التفسير بالرأي.

 

ومن ذلك ما قاله الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله: (أما الذين جمدوا على القول بأن تفسير القرآن يجب ألا يعدو ما هو مأثور، فهم رموا هذه الكلمة على عواهنها، ولم يوضحوا مرادهم من المأثور عمن يؤثر...). ثم قال: (وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين لكنه لا يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها، وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وحسبه بذلك تجاوزاً لما حدده من الاقتصار على التفسير بالمأثور، وذلك طريق ليس بنهج، وقد سبقه إليه بقي بن مخلد، ولم نقف على تفسيره، وشاكل الطبري فيه معاصروه، مثل ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، فلله درّ الذين لم يحبسوا أنفسهم في تفسير القرآن على ما هو مأثور،مثل الفراء وأبي عبيدة من الأولين، والزجاج والرماني ممن بعدهم، ثم من سلكوا طريقهم، مثل الزمخشري وابن عطية). [1]

 

وها هنا وقفات ناقدة لهذا الكلام:

الأولى: لم يصرح الطاهر بن عاشور بأولئك الذين «جمدوا على القول بأن تفسير القرآن يجب ألا يعدو ما هو مأثور» وفي ظني أن هذا لم يُقَل به ولكنه تأوّلٌ لكلام من يرى وجوب الأخذ بما أثر عن السلف.

 

الثانية: لم يورد الشيخ دليلاً من كلام الطبري يدلّ على التزامه بما روي عن الصحابة والتابعين فقط، ولم يرد عن الطبري أنه يقتصر عليهم ولا يتعدى ذلك إلى الترجيح.

 

الثالثة: أنه جعل منهج الطبري كمنهج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، وشتان بين منهج الطبري الناقد المعتمد على روايات السلف ومنهج هؤلاء الذين اعتمدوا النقل فقط دون التعقيب والتعليق، وهذا المنهج الذي سلكوه لا يُعاب عليهم ؛ لأنهم لم يشترطوا التعليق على الآيات والتعقيب على المرويات، بل كانوا يوردون ما وصلهم من تفاسير السلف، وهم بهذا لا يُعدون مفسرين، بل هم ناقلو تفسير.

 

ومن هنا ترى أن الشيخ بن عاشور يرى أن من التزم بالمأثور فإنه لا يكون له رأي كالطبري. وأنّ من لم يلتزم بالمأثور فلله دره! كما قال.

 

لكن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اعتمدوا التفسير بالرأي وقالوا به، وإن من الأخطاء التي وقعت مقابلة أقوالهم التي هي من قبيل الرأي بأقوال أبي عبيدة والفراء وغيرهم، بل الأعجب من ذلك أن تفاسيرهم اللغوية تجعل من المأثور وتُقابل بتفاسير أبي عبيدة والفراء والزجاج اللغوية، وتجعل هذه لغوية.

 

كل هذه النتائج حصلت لعدم دقة مصطلح التفسير بالمأثور.

 

بعد هذا العرض، وتجلية مصطلح التفسير بالمأثور المعتمد في كتب بعض المعاصرين يتجه سؤال، وهو: هل يوجد تفسير يسمى مأثوراً؟


والجواب عن هذا (نعم)، ولكن لا يرتبط بحكم من حيث وجوب الاتباع وعدمه، بل له حكم غير هذا.

 

فالمأثور هو ما أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعن صحابته وعن التابعين وعن تابعيهم ممن عُرفوا بالتفسير، وكانت لهم آراء مستقلة مبنية على اجتهادهم.

 

وعلى هذا درج من ألف في التفسير المأثور؛ كبقي بن مخلد، وابن أبي حاتم والحاكم، وغيرهم.

 

وقد حاول السيوطي جمع المأثور في كتابه (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) وذكر الروايات الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته وتابعيهم وتابعي تابعيهم ومن بعدهم.

 

وهذا لا يبنى عليه حكم من حيث القبول والرد، ولكن يقال: إن هذه الطرق هي أحسن طرق التفسير، وإن من شروط المفسر معرفة هذه الطرق.

 

أما ما يجب اتباعه والأخذ به في التفسير فيمكن تقسيمه إلى أربعة أنواع:

الأول: ما صح من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: ما صح مما روي عن الصحابة مما له حكم المرفوع كأسباب النزول والغيبيات.

الثالث: ما أجمع عليه الصحابة أو التابعون ؛ لأن إجماعهم حجة يجب الأخذ به.

الرابع: ما ورد عن الصحابة خصوصاً أو عن التابعين ممن هم في عصر الاحتجاج اللغوي من تفسير لغوي، فإن كان مجمعاً عليه فلا إشكال في قبوله، وحجيته، وإن ورد عن واحد منهم ولم يعرف له مخالف فهو مقبول كما قال الزركشي: (ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم)[2].

 

وإن اختلفوا في معنى لفظة لاحتمالها أكثر من معنى، فهذا يعمد فيه إلى المرجحات.

 

أما ما رووه عن التابعي فهو أقل في الرتبة مما رووه عن الصحابي، ومع ذلك فإنه يعتمد ويقدم على غيره[3].

 

يذكر أن العلامة التونسي الشهير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قال في خاتمة كتابه (التحرير والتنوير) وهو من أهم المراجع المعاصرة في تفسير القرآن العظيم: وكان تمام هذا التفسير في عصر يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رجب عام ثمانين وثلاثمائة وألف؛ فكانت مدة تأليفه تسعاً وثلاثين سنة وستة أشهر؛ وهي حقبة لم تخل من أشغال صارفة ومؤلفات أخرى أفنانها وارفة....قلت: هذا ما قاله الطاهر بن عاشور أي أن هذا التفسير العظيم والمشهور بتنوعه وقوته في خدمة آيات القرآن الكريم أخذ من مؤلفه أربعة عقود كاملة، وفي ظني أن هذه رسالة لكثير من المؤلفين في هذه الأيام الذي لا تبتعد فكرة الكتاب لديه عن طبعه سوى أيام عديدة مما جعل الكثير من الكتب تخرج للناس وهي طافحة بالأغلاط العلمية والأخطاء المنهجية وغير ذلك من أوجه النقص وعيوب التأليف[4].

 

وكان لتفاعل الطاهر بن عاشور الإيجابي مع القرآن الكريم أثره البالغ في عقل الشيخ الذي اتسعت آفاقه فأدرك مقاصد الكتاب الحكيم وألم بأهدافه وأغراضه، مما كان سببا في فهمه لمقاصد الشريعة الإسلامية التي وضع فيها أهم كتبه بعد التحرير والتنوير وهو كتاب «مقاصد الشريعة».

 

مقاصد الشريعة:

كان الطاهر بن عاشور فقيها مجددا، يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه من أن باب الاجتهاد قد أغلق في أعقاب القرن الخامس الهجري، ولا سبيل لفتحه مرة ثانية، وكان يرى أن ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهم بالتكاسل وسيعطل إعمال العقل لإيجاد الحلول لقضاياهم التي تجد في حياتهم.

 

وإذا كان علم أصول الفقه هو المنهج الضابط لعملية الاجتهاد في فهم نصوص القرآن الكريم واستنباط الأحكام منه فإن الاختلال في هذا العلم هو السبب في تخلي العلماء عن الاجتهاد. ورأى أن هذا الاختلال يرجع إلى توسيع العلم بإدخال ما لا يحتاج إليه المجتهد، وأن قواعد الأصول دونت بعد أن دون الفقه، لذلك كان هناك بعض التعارض بين القواعد والفروع في الفقه، كذلك الغفلة عن مقاصد الشريعة؛ إذ لم يدون منها إلا القليل، وكان الأولى أن تكون الأصل الأول للأصول لأن بها يرتفع خلاف كبير.

 

ويعتبر كتاب «مقاصد الشريعة» من أفضل ما كتب في هذا الفن وضوحا في الفكر ودقة في التعبير وسلامة في المنهج واستقصاء للموضوع.

 

شهادات خير وبركة:

• يقول د. رامي محمد ديابي:

هذا الرجل لطالما كان قدوتي ونحسبه من أبطال أمتي ممن قيل فيهم (كلمة حق عند سلطان جائر) وقد تعلمت من الإسلام أن أتعلم ديني من مثل هؤلاء الأبطال.

 

• يقول الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الحمامي:

إن محمد الطاهر بن عاشور كان صاحب مشروع تنويريّ تميّز به عن سائر علماء عصره، نظرا إلى تسلّحه في كلّ أعماله بنزعة نقدية صريحة إلى جانب الإشادة بالعقل ودوره في الإصلاح والتنوير، وقد دعا في كل ما كتب إلى ضرورة الاجتهاد والاستنباط والنظر والاستدلال. فسعى إلى تنبيه المسلمين إلى ضرورة استعادة نهضتهم من خلال تحليل مقاصد الشريعة وأهدافها، وسلّط الضوء على النظام الاجتماعي في الإسلام وأصوله. وكان نزوعه التنويري مقترنا بدعوته إلى إصلاح العقيدة، وبناء إنسان جديد يتخذ التربية والتعليم وسيلة لتحقيق ذلك.

 

• ويقول أيضا:

إن مشروع ابن عاشور توسّل لتحقيق أهدافه بكل فروع العلوم الإنسانية، ومختلف مصادر المعرفة كعلم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ، والأدب، والاقتصاد، فكان أنموذجا للعالم المجتهد والمتنوّر في العصر الحديث.

 

• يقول الأستاذ جمال دراويل:

تصدّى ابن عاشور لمقولة التكفير التي اتخذت سلاحا في وجه المخالفين، وتبريرا لإشهار السيف في وجوههم استنادا إلى ذرائع ظاهرها ديني، وباطنها سياسيّ عشائري نفسيّ، ف«التكفير» في رأيه قولة ناشئة عن قلّة تأمّل وإحاطة بموارد الشريعة وإغضاء عن غرضها». وإنّ التوسّل بهذه المقالة لدليل قاطع على «ضعف حجة أصحابها وقصورهم عن إقامة الحق»، إذ تنطوي في حقيقتها وجوهرها على انتصار للذات لا للدّين. كما أنّها تسوّغ الاعتداء والظلم وتلبسه لبوس الدين، وتعطي للاستبداد طابع الشرعية وتحوّل مجال الحوار إلى مجال تنابز، وتنقل الاختلاف الفكري إلى صراع وتقاتل، وتصبح فئات المجتمع مشحونة ضدّ بعضها بعضا، فتنقلب قوى المجتمع وطاقاته إلى عوامل تآكل داخلي بدل أن تكون عامل قوّة ومنعة. وذلك أبرز عامل من عوامل الضعف والانهيار.

 

الرحيل:

وقد توفي الطاهر بن عاشور في (13رجب 1393ه - 12أغسطس 1973م) بعد حياة حافلة بالعلم والإصلاح والتجديد على مستوى تونس والعالم الإسلامي.

 

من روائع مقالاته:

• في مقال له بعنوان «احترام الأفكار» يقول – رحمه الله:

يقول المبتدؤون والمتوسطون من الكتَّاب «بنات الأفكار» إذا أرادوا أن يملِّحوا العبارة، ويدلوا على منزلهم في علم الاستعارة، وهم لا يشعرون عند لفظ هاته الكلمة من أفواههم إلا بتلك الاستعارة المطروقة المبذولة حدوث ذلك الشيء الذي ذكروه عن ازدواج المقدمات وتمخض الفكر.

 

وربما كان البعض ذاهلاً أو عاجزاً عن هذا المقدار؛ فلا عجب أنهم ذهلوا عن شيء أكبر منه أفادته العبارة وما أراده قائلها: وهو تمام التشابه بين الأفكار وبين انتساب البُنُوة من جميع أطرافه، حتى تجد مُبْتَكَرَ فكرك منك بمنزلة ابنك أو بنتك، وكأنهم اختاروا الثاني؛ قصداً للمبالغة في الحرمة والغيرة.

 

احترام النسب يقع على وجهين: احترامه قبل قوامه، أي أن يُتوخى كل ما يدفع اختلاطاً أو فساداً في النسب، وهو الذي سماه علماء الشريعة حفظ الأنساب، وناطوه مع الكليات التي كانت أساس قانون الشرع التفصيلي، واحترامه من الاعتداء عليه بعد وجوده أن لا يسبَّ أو ينبذ، أو يقابل بالطعن.

 

فإذا كانت الأفكار أنساباً أدبية فبغير شك يكون الاجتراء عليها بواحد من هذين الجرمين اللذين احترما بالاحترامين جنايةً عظيمةً في باب الأدب لو سنَّ له أهله حدوداً يُخزى بها المعتدون، ويخسأ بها المتكالبون.

 

وضع شيء في غير ما وضعته يد الزمان، وإن تقصى عن كلفة التصنع لا يفارق مفسدة الاجتراء على بعثرة نواميس الكون والاعتداء على نظامه، وإيهام غير الواقع فيه واقعاً.

 

وفي ذلك من قلب الحقيقة ما أوجب تحريم الكذب، وتكرير لعن صاحبه، فإذا كان الكذب الذي يذكرونه التمويه اللساني، فهذا التمويه الفعلي الذي يكون أشد متى كان الفعل أوقع من القول: لو عمدت إلى رجل من سوقة الناس، فأسندت إليه مسائل حققتها، أو رسائل نَمَّقتها، لكنت توحي إلى الأمة أن تسند إلى هذا الرجل منصب الرئاسة في علومها، أو أن تكل إليه قلمها الذي به تدافع عن نفسها.

 

وفي هذا ما يجر الفساد لنفسك ولصاحبك وللأمة، أما الثالثة فقد ضرب فيها الفساد منذ صارت بيد من لا يعرف كيف يدير، وحسبك من هاته الكلمة تشخيصاً لحالها.

 

وأما صاحبك فرجل ألقي إلى الأمة بذلك الوصف العظيم، فكيف تراه والمشاكل تتقاطر عليه، وعيون الحيرة تعشو إلى ضوء اهتدائه، وتنظر إليه، ثم لا يبوء لهم أمرهم إلا بضلال مبين، أو سكوت إن كان المسؤول من خُلَّص الجاهلين.

 

وأما نفسك فأنت إذن بها أعرف.

 

قضت سنة الله في الناس أن تخضع نفوسهم إلى الحق والواقع والثابت، ترى الرجل تُسند إليه الهِنةُ وهو بريء منها، فتصعد إلى دماغه دماء الغضب، ويدافع عن نفسه دفاع البريء المخلص، بلسان فصيح، وقلب صحيح، ثم تراه تسند إليه تلك السيئة إن كان قد اقترفها، فيطأطىء لها رأساً، ولا يجد منها مناصاً، مهما سترها بأطمار الجمود [لعلها الجحود] والمكابرة، حتى تفتضح حاله عند الفراسة الصادقة، أو يزلق لسانه عند البحث الشديد، أليس ذلك آية على أن النفس تخضع إلى الحق وإن لم يكن مشتهاها؟ وتبرأ من الباطل وإن كان هواها؟

 

كذلك الرجل يبلوه الله تعالى بنبات ذرية سوء، فيستسلم إلى ما قدر عليه، فلو كان ذلك الولد دَعِيَّه لقرع السن من ندم، ورضي أن لو باء من سعيه بالعدم.

 

هكذا حال الأفكار ومنشئاتها متى أسندت إلى غير أصلها قارنتها ندامة واغتباط، وفضيحة تلوح على أخواتها مِنْ تخالفِ شكل، وانحلال، ورباط.

 

لعل في هذا المقدار مَقْنَعاً من إيصال هذا الإحساس الحكمي إلى نفوسكم أيها النقاد، وتعريفاً بوجوب دعائنا الأفكار إلى آبائها؛ لنقوم بالقسط، فلن نكون كذي ذهن عاقر يُشَوِّه فضيلته بانتحال أفكار ما كان لينال أمثالها.

 

قد تغتفر الأمور الضرورية والإحساسات الفطرية العامة التي تشترك فيها أفراد الأمة متى تقاربت في الشعور، فلا يجب إسنادها، وربما استحال في البعض ذلك، إن الذي قالها بالأمس لم يصدر كلامه حتى قال مثلها، أو قاربها اليوم آخر.

 

أما احترام الفكر بالمعنى الثاني فحق على كل صاحب فكر أن يقابل فكر غيره بالاحترام دون السخرية والهزو؛ فإن الاسترسال على ذلك يُجْبِنُ الذين تخلقت فيهم مبادئ العقل النظري عن الإعلان بما وُهِبوه؛ خشية الاستهزاء والاستسخار، ولو كانت قد وصلت إلى التمكن والرسوخ لأَمَّنا عليها حتى إن تتستر كشمس تحت السحاب، أو كإدبار المحترف للقتال، أترون ذلك يرزونا المنفعة المقصودة؟ ولكننا لا نخشى عليها إلا أن تموت تحت أقفال الأسر في صباها، وما بلغت أَشُدَّاً تستطيع به مقاومةَ الزمان، ولَيَّ أيدي المضطهدين.

 

نحن نوقن أن أفكاراً ساقطة تنشأ في الأمة قد يجب الضغط أن لا تشيع؛ فتستهوي أقواماً غافلين بسطاء، فتصبح وباءاً في الأفكار المهزولة.

 

ولكنَّا لما وازنَّا بين هاته المصلحة النادرة، وبين المفسدة الكبرى التي كانت ولا زالت تتضاءل من اضطهاد الأفكار السامية، باسم التحقيق آونة وباسم .. أخرى؛ لأنها لا توافق الرغبات، ولا تجاري الشهوات حكمنا للأفكار باحترامها، وجعلنا البحث والنقد معياراً يُمَيِّز به خبيثها من طيبها، ولا يلبث الحق أن يهزم الباطل.

 

لو كنا نضطهد الأفكار لاشتبه الباطل منها بالحق، فيصرخ يستنصر لاهتضامه كما يستصرخ الحق شيعته، وربما وجد من السامعين قلوباً ترق للمضعوف وإن جار، فيصبح فتنة أشد مِنْ أَنْ لو ترك يتمارض بالنقد الصحيح والحجة الدامغة، حتى يموت حتف أنفه، ثم لا يثأر له أحد.

 

ليس يحول هذا دون الواجب من تقويم المخطئ، إنا نعني باحترام الفكر أن لا يُتَعرَّض لصاحبه الشخصي بالطعن والاستخفاف.

 

ولكن التقويم يكون بصفة كلية، وتعريض بسيط بين سقوط الرأي بوجه برهاني أو خطابي ينفر الغافلين.

 

وليس احترام الأفكار يأبى مناقشتها والحكم بضعفها، لكن تجب الأناة في الحكم على الفكر أن لا يتعرض له بالنقد، مادام فيه احتمال الصواب.

 

أليس في ارتياء مقاصد المتكلمين قبل التسارع إلى تغليطهم ببوادر الظنون، أو بشهوات نفس تخب خَبَبَ البازل الأمون ما نقتصد به زمان المراجعة إلى استئناف شيء جديد ونحفظ به كرامة الاتحاد، وسلامة الضمير، ونسلم به من افتضاح حب التشفي، والانتقام لإطفاء ثوائر الحسد والغل؟.

 

ما كان التقرير على الخطأ إلا خطأً وتضليلاً، ولكن نظيره في التضليل وأعظم منه فساداً التسارعُ إلى تغليط الصائبين لاسيما إن قارنه ما يقارن سفاهة الرأي، وضيق الصدر، وبالثاني غليل الجهل من تفويق سهامِ نقدٍ تخطىء الرمية، والأخذ بسلاح العاجزين من الغيبة والشتيمة التي تسترحم عن قصد صاحبها من غير غرض ترشقه، اللهم إلا رأي رجل اعتدت منه المكابرة والمسارعة إلى الزج بنفسه فيما لا يدبر منه مخرجاً ولا يجد لمثله فيه مولجاً، ثم قومته المرة والمرتين، فما زاده تقويمك إلا عناداً، ولا أكسبه اقتصادك إلاَّ سرافاً وازدياداً؛ فإنك إن رأيت منه ما يقتضي أن تسلك معه مسلك الخطابة من تقبيح انتحاله، وتشخيص مشوه حاله فلا ملام عليك إن كنت قد صادفت البلاغة في فعلك أو قاربت.

 

قد ترى قوماً أغرقوا في احترام أفكار الناس «وما كل الناس» إلى غور عميق، فغشيهم ظلام طمس على أعينهم حتى تلقوا كل قول بالتأييد، وحكموا في كلا المتناقضين بأنه سديد، واتسموا أكرمك الله بِسمَةِ البليد، ثم ترى رجلاً يخترق قلوبهم بنصائح تفتح لهم أعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً وهم في صمم عن تلقيها؛ أفتعذره إن رأيته يسلك معهم ذلك المسلك؟أم تعذره إن خالف ما تأصل من احترام الأفكار؟

 

لعلك تشعر ساعتئذٍ بأن أصول التهذيب دواليب تدور، وأنه تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور؟.

 

سيظن البسطاء من الناس أن احترام الأفكار، وحريتها يخولها حق الاجتراء بنحو الشتيمة، ولكنه ظن سريع التقشع متى وجدوا لساناً حكيماً يبين لهم أن الحرية والاحترام شيء، وأن الاجتراء شيء آخر؛ لأن الحرية إنما ينالها المرء بعد شعوره بوجوب مساواته مع غيره فيها، وإلا كانت الاستعباد الذي نفر منه، فإن طلبت أنفسهم زيادة البيان فإنا نحيلهم على كلام طويل في معنى الحرية، لو بسطناه لفصم عنا سلك الكلام في مرادنا من هذا المقال.

 

فإذا كانت الأفكار محترمة كما قلنا فالاجتراء عليها بما ذكرنا يتساهل عقوبة على خرق سياج هذا الاحترام حقاً؛ لأن ذلك يثير العصبيات ويجفي عن الحقيقة التي ما احترمت الأفكار إلا لأجل الوصول إليها.

 

من أكبر الأسباب في تقدم الأمة بعلومها وقبولها لرتبة التنوير وأهليتها للاختراع في معلوماتها أن تشب على احترام الآراء على الوجه الذي وصفنا من قبل، وعسى أن نصف من بعد.

 

وقد كان للمسلمين من ذلك الحظ الذي لم يكن لغيرهم يومئذٍ من التسامح مع الأفكار، شهد بذلك التاريخ وأهله إلا المتعصبين منهم مع ما كان بين أصناف أهل الآراء من التناظر والجدل، ولكنك لا تجد ذلك محفوظاً بتعصب ولا اضطهاد، كنت ترى الأشعري بين يدي المعتزلي لا يستنكف عن تلقي فوائده، والاعتراف له بحق التعليم، وترى السني يتعلم عن القدري وعن الفيلسوف الشاك ِّ، قد كان عمرو بن عبيد الزاهد الشهير من خاصة تلاميذ الحسن البصري رحمهما الله وهو الذي كان مكلفاً بكتابة ما يمليه الحسن من التفسير الذي يرد به على القدرية والمعتزلة، وما كان يمنعه ذلك من المجاهرة باتباعه مذهب المعتزلة، ومن التحاقه بدروس واصل بن عطاء الغزال الذي قال له الحسن لما كثرت مناقشته اعتزل مجلسنا، فكان عمرو بن عبيد يختلف إلى الدرسين جميعاً، وما كان ذلك يمنع الحسن من تكليفه بإملاء تفسيره، حتى استخدم اختلاف الآراء آلة للتشيع السياسي حين أذنت الدولة العربية والجامعة الإسلامية بالانحلال والافتراق اللذين تركا من الآثار ما نحن نتخبط في مصائبه ولأوائه حتى اليوم.

 

وكذلك الحَجْر على الرأي يكون منذراً بسوء مصير الأمة، ودليلاً على أنها قد أوجبت نفسها خفية من خلاف المخالفين، وجدل المجادلين، وذلك يكون قرين أحد أمرين، إما ضعف في الأفكار، وقصور عن إقامة الحق، وإما قيد الاستعباد الذي إذا خالط نفوس أمة كان سقوطها أسرع من هويّ الحجر الصلد.

 

حكى الجاحظ: أنَّ النظَّام دخل على شيخه أبي هذيل العلاَّف، فقال: يا أبا الهذيل! لم قررتم أن يكون الله تعالى جوهراً خشية أن يكون جسماً؟ فهلاَّ قررتم أن لا يكون جوهراً مخافة أن يكون عرضاً، والجوهر أضعف من العرض، فبصق أبو هذيل في وجهه فقال النظَّام: قبحك الله من شيخ ! فما أضعف حجتك!.

 

وكان الخليفة المأمون يقول لأهل ناديه إذا جاروه على كلام: هلاَّ سألتموني لماذا؟ فإنَّ العلم على المناظرة أثبت منه على المهابة.

 

دامت على ذلك الأمة الإسلامية متمتعة باحترام الأفكار، جرى كل واحد على أن يبوح برأيه، وجرى كل مستمع على تقويمه بالحق، وإن وقع في خلال ذلك حادثة صغيرة وقعت بالقدس بين الباطنية وأهل السنة؛ إلا أنهما لأسباب عالية، وغلط فاحش لا يسع ذكره اليوم.

 

لما استخدمت الآراء للسياسة، وشاعت المداهنة بين الناس، وضعفت الكبراء عن الحجة، يومئذٍ ساد اضطهاد الأفكار والضغط عليها؛ كي لا تسود على مخالفتها القاصرين الظاهرين في مظاهر العلماء المحققين.

 

نعني بالسياسة ما يقرن سياسة الدول في تصرفاتها وأغراضها بسياسة الأشخاص المسيطرين في هواهم، وربما كان القسم الثاني أشد على الأفكار لكثرة دواعيه، ووفرة منتحليه، وأنواع وجهتهم في هذا الغرض: منهم من يفعل ذلك إبقاءاً على منصبه، واستحفاظاً على وجاهته؛ لأنه يخال أن كل مخالفة له في الرأي تنذر بثَلِّ عرشه، وزلزال أركانِه، والمريضُ كثير الأوهام.

 

ومنهم الذي يسخط من مخالفة المعتاد، ويرى العادة ديناً أو شبه دين، يجب أن لا يتلاعب به الشخص، ومنهم الذي يتوهم أن الدين يخالف احترام الآراء، وهذا إن شئت أن تجعله فرعاً من سابقه وجدته لك أطوع من نعلك.

 

ومنهم الحاسد العاجز الذي يحب أن يظهر في مظاهر الكمال بكلمات يلفقها، ويحس في ذكر ذلك لذة ما دام منفرداً بها، فإن شاع ذلك بين الناس تميز من الغيظ.

 

كنت أعرف رجلاً ينادي بين الناس باسم النقد للحالة والطعن في الأوضاع المعتادة، وربما ترقى إلى بعض الشتيمة زمانَ كان يقول ذلك وحده يحب الشهرة وما يلقاها، ويترصد طريقها وما يقع بمرآها، كان يومئذٍ مستأثراً بورقات ينقل منها ما يغلط به، فلما امتدت الأيدي، وانبرت العيون إليها، واستوى مع غيره في معرفتها انصاع يُقبِّح ذلك الحال، ويرى خلفه ودعاءهم في ضلال.

 

مما يخص بالوصاية والاحترام أفكار المتقدمين الذين وصلوا بنا إلى حيث ابتدأنا من العلم والمدنية، عوضاً أن نكون في متحركهم الأول نبتدئ سيراً بطيئاً، كما قالوا: إن الإنسان ابن يومه لا ابن أمسه، فهو أيضا ليس بابنٍ لغده؛ فمقدار فضيلة الرجل ومكان شهرته لا ينظر فيه إلى غير يومه الذي كان فيه، فلا يغلط لنا كثير من الناس ينتقصون الأقدمين بمستدركات المتأخرين، فإنما تعرف مقادير الرجال بما أوجدوه، لا بما تركوه؛ ولكن طرق الشهرة لا تختلف، وهي قوة الفكر، ومرتبة العلم والعمل على تنوير آراء المتعلمين والقارئين في عقل صحيح، ونية قويمة، ونصح جهير.

 

قد استهوى هذا الغلط الشيخ أبا علي ابن سينا حين بالغ في ثنائه على أرسطو حتى قال: أما أفلاطون الإلهي فإن كانت غايته من الحكمة ما وصلنا من علومه فإن بضاعته إذن لمزجاة.

 

وكأنه نسي أنه لولا أفلاطون بكلماته القليلة خوّل لأرسطو أن يبني عليها كثيراً لكان أرسطو هو أفلاطون وبضاعته الوافرة كانت مزجاة.

 

هذا أيها الناشئون على النقد، الباحثون عن الحكمة نبراس مبين، أقمناه بين أيديكم؛ ليضيء لكم مستقبلاً نيّراً وعسى إن اهتديتم بضيائه، واحتفظتم عليه من عواطف الأهواء والشبهات أن تحمدوا غبَّه، وتسلكوا به طريق العقلاء، فتصبحوا سمراءَهم، والله يضيء آراءَكم بالحكمة.

 

• وفي مقال «اللذة مع الحكمة» [5] يقول :

سبرنا أغراض الإنسان، فوجدناه ظمئاً إلى ملائمات نفسه كيفما اتفق، ومتى اتفق، وأين اتفق، غير باحث عن ما يتبع ذلك من المضار، فأردنا أن نبين هنا حقيقة اللذة، ثم نبحث عن مواقعها، وننظر فيما إذا كانت لذة دائمة في هذا الكون الجثماني.

 

اضطربت آراء الناس حتى الفلاسفة في تشخيص معنى اللذة، وكلَّت أقلام الكتاب والشعراء دون ذلك، والذي نختار من بين كثرتها رأيان:

أولهما: يرى أن اللذة هي إدراك النفس ما يلائمها وتراه حسناً.

وثانيهما: أنها التخلص من آلام طبيعية أو عارضة.

 

ونحن إن نقدنا الأقوال، ولم نذهب مع تَشَبُّعها، لا يعترضنا شك في الحق أن اللذة إدراك النفس ما يلائمها على ما رأى أهل الرأي الأول، وأن من حصر اللذة في التخلص من الألم لم يستقرئ في حدها استقراء تاماً، كما يجب أن يكون التحديد للموجودات، إنما نظر إلى نحو النوم والأكل والشراب من كل لذة دعى إليها احتياج فطري، وضيق في دائرتها حتى كاد أن يخرج المعارف كلها عن اللذة.

 

نحن لا ننكر أن أكثر اللذات لا يفارقه الشعور بمبدأ ألم، ولو بالأقل ألم الشوق إلى نيل ما يلائم النفس، حتى ننكر على هذا القائل قوله كله، ولكنَّا نعلم أن من اللذات ما ينساق إلى المرء بدون فكر سابق، وربما وقع منه موقعاً لا يقعه لو كان مترقباً من قبل؛ فماذا ترون في هذا الإحساس؟!

 

انقسمت اللذات بحكم الطبيعة إلى ثلاثة أقسام:

حسية وعقلية ومركبة منهما.

 

والنظر في التقسيم إلى الداعي والحاصل جميعاً، فإن كان الداعي الحس وهو الذي تحصل به فهي الحسية، وإن كان العقل فهي العقلية، وإن كان الداعي العقل وتحصل بالحس فهي المركبة.

 

أما الحسية فأمرها خطير ومطالبها محدودة يسهل استيفاء ما تقتضيه في الإمكان، ومتى قضى الحس منها شيئاً كان الزائد عليه عنده ألماً.

 

وأما العقلية فهي حركة الفكر في المعقولات التي تطمح إليها النفس، وشعوره بالحقائق التي يجد عند الشعور بها مسرة لا يعدلها عنده شيء، وهذه يجدها العقل طوع [6] متى بالغ في البحث وجدها منطاعة لا تقف به عند حد.

 

أما إن أردتم التعب الشديد، والمشقة في السرور فاطلبوا قسمنا الثالث من أقسام اللذة، أعني ما تطلبه النفس، ويقتضيه البدن، تجدون خرط القتاد دونه سهلاً، وتفرضه في المحبة الحب العشقي؛  فإن الروح إن تعلقت به لقيت في سيرها من المكدرات ما يمرر حلاوة منالها منه، إذا كانت مطالب الروح غير واقفة عند مدى، فإن سلطان وهم المحبة يتسلط عليها فيناجيها أن تطمع باتحاد الروحين، وأن تروم المقارنة الدائمة، والرِّضا الأبدي، وهكذا يغادرها تستهتر بأماني لا يتناهى غرامها، ولا يبرد أوامها، ولكنها تجد طريق الاقتضاء هذا البدن القادر في مبدئه، العاجز في غايته، الذي تسمه المداومة، وتعوقه الموانع، فماذا عساه حقق من مطالب هاته الروح، وكم ذا يمكنها أن تقضي من استخدامه، لا شك أنها سيكون لهما مثلاً في هذه الحال قول أبي الطيب:

وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام

 

فإذا نظرنا يعد هذا إلى المقدار الذي يمكن الإنسان تناوله من غير القسم الثاني، نجد أن لا شيء من الملاذ الحسية بلذَّة حقيقية، وإن تموه على عقول جمهور الناس؛ فإن هاته الملاذَّ على ما فيها من توقف على تسويغات الدين والصحة والعادة والاحتياج إلى مكنة الفرض هي واقفة عند غاية.

 

ثم ماذا ترى عند البلوغ إلى غايتها؟ ترى الهيضة إن أَكَلتْ، والامتلاء إن شَرِبتْ، والندامة إن داعبتْ، والعجز إن استزادتْ، غير أن الذي يريد أن يغض عن هذا كله، ولا يعتبر من حال اللذات إلا أوقات اقتضائها، ويقول ما الإنسان إلاَّ ابن ساعته، وما هو بمفكر في التي تليها نقول له انظر إليك وأنت تزعم أنك في لذاتك الحالية، وجرد عقلك مما تسلط عليه من الوهم تجد نفسك في لذاتك كلها محتاجاً إلى معونة غيرك، وإن كنت عاجزاً عن تحضير أسباب لذاتك؛ فليتك تشعر أنك تفقد واحداً أو ينقبض لك آخراً، وفي الأقل تفكر في انتهاء اللذَّة ومفارقتها، وكيف تجدك في حالك هاته ألا تجدك كما قال الشاعر:

فأبكي إن نأَوا شوقاً إليهم
وأبكي إن دنوا خوف الفراق

 

حكي أن الناصر لدين الله ملك قرطبة، كتب بخطه أنه لم يَصْفُ له من زمان حكمه على ذلك البلد الطيب في ذلك السلطان القاهر الذي دام خمسين سنة إلا ساعات، تلفق من جميعها مقدار أربعة عشر يوماً، لذلك قال الأسطوانيون [7] من الفلاسفة: إن الدنيا دار شقاء وبلاء.

 

دعْ عنك هذا، وولِّ وجهك شطر اللذات الروحية والكمالات العقلية تجد المرء متى التذَّ بشيء منها لا يقف عند منتهى؛ فهو كل الزمان مبتهج بما يعلمه من العلوم ويستفيده من الآداب.

 

وهذا حال الحكيم؛ فهو دائماً ينظر نفسه، فيستفيد علوماً، ويلمح العالم، فيزداد تذكرة، وتزوى له الدنيا فلا تهزه  وهو مسرور بإقبالها، وتدبر عنه وهو مسرور بما يعلم من إخلافها، ربما نام ليلة وهو يرصد طلوع الصباح للرجوع إلى لذة التفكير التي قطعها عنه النوم، فإن حاول أمراً، أو أتم له فلا تسل عن لذته منه، وإن لم يتم فقد حَصَّل في الأقل معرفة طريق لا يهدي إليه، ومتى أَلَمَّ به ضرر من مصاب استهون به في فائدة التجربة، كما يرى العالم النحرير؛ فيسره مرآه؛ لما ينال من علمه، كذلك يرى الأحمق الجاهل؛ فيعلمه وبالأقل يأخذ الحكمة من حاله بطريق الحضارة، فرب خطأ جر إلى صواب.

 

إذن فالحكيم لا يتنكد أبداً وهو مسرور في كل وقت، سبب ذلك علمه بحقيقة كل شيء؛ لأنَّ هاته الدنيا وإن كانت خضرة حلوه، فإنها تعقب تفاهة أو مرارة في فم مجتنيها، ومن ثمَّ لا يوجد فيها سرور متساوي الأطراف، وقد كادت مصالحها أن لا تسلم من ضرر تخلفه.

 

وينبغي أن يكون هذا سبيل طائفة الابيكوريين من الفلاسفة الذين يرون الدنيا كلها لذَّات فإن رئيسهم لا يذهب عنه أن متاعبها كثيرة لغير الحكيم، ولكنه أراد اقتضاء لذاتها بقدار الاستطاعة.

 

جاءت شريعة الإسلام في آدابها على الحكمة الفطرية، فلذلك يكون حال المؤمن أشبه بحال الحكيم، ذلك أن الدين يأمره أن يأخذ من الدنيا ما يريد من الحلال، وأن لا يكون جازعاً عند فقدها، وبهاته التربية التي أصلها التسليم للقدر فيها لا حيلة فيه، فقدت المفاسد التي تنشأ عن آلام في الأمم الأخرى من انتحار وجنون ونحوهما، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص:77] .

 

إذا كانت النفس ميَّالة إلى لذاتها في كل حال، فالعاقل لا يسمح لنفسه باقتضاء لذتها الحسية، وربما وصل العقل إلى التفكر في حال اللذة ومآلها، فرأى أن لابدَّ من انقطاعها، فقطعها قبل أن تقطعه، وهو مبدأ عظيم من الحكمة، قال فيه فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري:

ضحكنا وكان الضحك منَّا سفاهة
وحقّ لِسُكَّان البسيطة أن يبكوا

 

وكما ترى من نفسك استنكافاً عن بعض اللذات، وترى غيرك يرغب فيها، بل ترى من نفسك الفرق في لذاتك بين حالتي الصبا والفتوة مثلاً، كذلك لا تشك أنَّ الحكمة إنْ أشرقت على قوم، ربما نزعت كل هوس من قلوبهم، فرأوا الدنيا كلها سفاسف وغروراً، كما ترى أنت اليوم الرقص مع الصبيان وتلقف الكرة جنوناً بعد أنْ كانا شغلك الوحيد، أُولئك هم السعداء الذين استوى عندهم الكدر والطرب، فعاشوا وقلوبهم ممتعة بإدراك الحقائق الذي وراءه للعاقل مطلب، وهذا قسم شريف فات أبي الطيب إذ يقول:

تصفو الحياة لجاهل أو غافل
عما مضى فيها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسَه
ويسومها طلب المحال فتطمع

 

وذكرني تشكي الناس من سوء معاملة الزمان عادة من عوائده، وهي انزواؤه لمن لا يقدر قدره أو من لا ينتفع به، وتزلُّفه لمن عَدِم العقل والفضيلة، وأنه لا وصل إلى مقاصده وأمانيه من الحكيم بما سهلت الدنيا بين يديه لولا أن يخونه الطريق، فيضله عن كنه مقاصده، وكما ترى الجمادات تنال بدون ارتقاب ما تشيب دون نيله رؤوس الشباب، وترى الزجاج ينال من الثغور ما تتلظي دونه أرباب الأساورة والقصور، فلا تتعجب ممن قرب إلى الجمادية أن تكون الدنيا أسوق إليه، وأنها لا تدين لمن يسخر منها، وإنما تقرب من تضحك عليه.

 

من مصادر الترجمة:

• محمد الطاهر بن عاشور - تفسير التحرير والتنوير - الشركة التونسية للتوزيع - تونس 1974.

• محمد الطاهر بن عاشور - مقاصد الشريعة الإسلامية تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي دار النفائس بيروت الطبعة الأولى 1999.

• بلقاسم الغالي محمد الطاهر بن عاشور.. حياته وآثاره دار ابن حزم - بيروت الطبعة الأولى 1996.

• محمد محفوظ تراجم المؤلفين التونسيين - دار الغرب الإسلامي - 1985.

• الطاهر بن عاشور: صدق الله وكذب بورقيبة، مصطفى عاشور / بتصرف.

• موقع دعوة الإسلام، للشيخ محمد الحمد.



[1] التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ، 1/32 ، 33.

[2] البرهان في علوم القرآن ، 2/172

[3] التفسير بالمأثور... نقد للمصطلح وتأصيل، مساعد سليمان الطيّار

[4] درس من الطاهر بن عاشور، يوسف بن محمد العتيق

[5] السعادة العظمى، العدد (19و20) ،(16) شوال 1322هـ، المجلد الأول (304-309).

[6] كأن فيه كلمة ساقطة، ولعلها: يديه.

[7] هم أصحاب زينون الفيلسوف اليوناني الزاهد المولود سنة 490 قبل المسيح، وهو الذي لما مات بأثينا، صاغوا له تاجاً من الذهب، وضعوه على قبره تنويهاً بقدره





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العلامة محمد الطاهر ابن عاشور
  • قراءة في كتاب: أليس الصبح بقريب؟
  • محمد الطاهر بن عاشور

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة فوائد أبي محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان أبي الشيخ(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جزء فيه حديث ابن حيوية أبي عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • لباب الإعراب لمؤلفه تاج الدين محمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني المتوفى سنة 684 هـ (PDF)(كتاب - موقع الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن)
  • مسلسل الأولية رواية الصدر محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (664-754)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة حديث أبي منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حسن السلوك الحافظ دولة الملوك للإمام محمد بن محمد بن عبدالكريم الشافعي(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • سيرة محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعليقات الكافية في ضبط الوافية نظم الشافية لقوام الدين محمد بن محمد السيفي القزويني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من مآثر الشيخ محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب