• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

الأمير الأسير (من أعلام العصر الحديث)

الأمير الأسير (من أعلام العصر الحديث)
عبدالله بن سعود آل معدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2021 ميلادي - 27/6/1442 هجري

الزيارات: 4305

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأمير الأسير

(من أعلام العصر الحديث)


لن آتي بجديد حين أكتب عن الأمير محمد عبدالكريم الخطابي -رحمه الله-... ولكن أحاول تجديد ذكر الأماجد في زمن الانبهار بأعلام الغرب.. والانكسار لمشاهير التواصل.. فلعلّ همة ترنو.. وعزة تسمو..

 

كرر عليَّ حديثَهم يا حادي *** فحديثُهم يجلو الفؤادَ الصادي


نشأته:

ولد الخطابي في بيت إيماني في الريف المغربي عام 1299هـ، ونشأ فيه نشأة صالحة، وحفظ القرآن مبكرًا، ولا زال يترقى في التعليم حتى درس بـمدينة (فاس) لما كبر، ثم عاد إلى مسقط رأسه قاضيًا.

 

كان والده ممن قاوم الاحتلال الإسباني للمغرب، ولما رأى الإسبان عجزهم عن والده انتقموا منه بسجن ابنه محمد مدة 4 أشهر عام 1920م.

 

الفرار من السجن:

حاول الخطابي الفرار من السجن، فتدلى بحبل أو خرقة من نافذة السجن، لكن الارتفاع كان شاهقًا، والحبل قصيرًا، فرمى بنفسه فسقط وانكسرت ساقه، وظل يتلوى من الألم حتى أُغمي عليه.

 

بحث عنه الجنود الإسبان لما افتقدوه، ثم عثروا عليه وأعادوه للسجن مرة أخرى!

ثم مكث في السجن مدة حتى أطلق سراحه بعد ذلك.

 

في أحد طرقات الريف المغربي:

ظل الخطابي حانقًا على الإسبان كونهم كافرين لدينه ومحتلين بلاده وناهبين ثرواته، كيف لهؤلاء النصارى يتخطون العدوة ليملكونا بعد أن ملكناهم أكثر من ثمانية قرون أندلسية؟! كان يتأمل ذلك الشرطي الإسباني في زقاق المغرب والتعليم الغربي في المدارس والحكومة المتسلطة المحتلة، إضافة إلى الخضوع والانكسار الذي عشعش في قلوب بعض المسلمين، وكما كان يتأمل كان يتذكر أيضًا، كان يتذكر خيول المسلمين على تخوم باريس، ورايات المجاهدين على مرتفعات إشبيلية، ومنارات المساجد في كل شوارع البرتغال، كان لسان حاله كما قال حافظ:

لم يبق شيء بأيدينا
إلا بقية دمع في مآقينا
كنا قلادة جيد الدهر وانفرطت
وفي يمين العلا كنا رياحينا
كانت منازلنا في العز شامخة
لا تشرق الشمس إلا في مغانينا
فلم نزل وصروف الدهر ترمقنا
شزرًا، وتخدعنا الدنيا وتلهينا
حتى غدونا ولا جاه ولا نسب
ولا صديق ولا خل يواسينا


مر الخطابي ذات يوم بأحد طرقات الريف، فصادف أن رأى مشهدًا ثارت له حميته الكامنة، كان مشهدًا يمثل الحلقة الأولى من مسلسل امتدت حلقاته سنين طوال، ثمنها جماجم المسلمين، وغايتها رفع راية الإسلام من جديد على شواهق المغرب.

 

رأى الخطابي شرطيًا إسبانيًا يضرب بكل فرعونيته رجلًا أعزلًا بسياط شديدة، وبكل ما أوتي من قوة! لم يصبر الخطابي، بل توجه للشرطي واستوقفه ثم كلمه في أمر هذا الأعزل، لكن الشرطي بعتوه لم يلق للخطابي باله، فانصرف الخطابي من عنده يحث خطاه نحو رئيس الشرطة الإسبانية هناك في إحدى ضواحي الريف، فلما وصل، دخل على الرئيس، دخل بعزة، دخل دخول رِبعي بن عامر على كسرى فارس، فلما حاذى مكتب الرئيس كلّمه في أمر الشرطي والأعزل، علّه أن يتخذ في حقه عقابًا، لكن العتو والتجبر جعلت رئيس الشرطة يتفوه بكلمة كانت وبالًا – بتقدير الله- على إسبانيا بعد ذلك، إذ قال للخطابي: "ألا تدري أن الإسباني – مهما كانت منزلته – هو سيد هذه البلاد؟!". فما كاد رئيس الشرطة يلتقط أنفاسه بعد كلمته تلك التي كان يحسبها الزلزلة حتى جاءته الطامة الخطّابية حين بهته الخطابي بردٍ جعل الرئيس يجمد في مكانه ويجف ريقه، إذ رد الخطابي قائلًا: "وألا تدري أن هذا السوط سيكلف إسبانيا ثمنًا باهضًا وعبئًا ثقيلًا؟!" – وكأني هنا أنظر للخطابي وهو يهوي بجسمه ويضرب بيديه طاولة الرئيس ويُخرج من فِيه تلك الشهب التي أحرقت بعد ذلك أوراق الشرطة بل وأوراق الدولة الإسبانية بعد ذلك!

 

زفرة المصدور:

خرج الخطابي من مكتب رئيس الشرطة، ثم توجه نحو قومه وعشيرته عجل الخطى ومتحشرج الصدر من الحنق والغيظ، فاجتمع بقبيلته وصاح فيهم صيحة النذير العريان، صيحة الإيادي حين حذر قومه قائلًا:

أبلغ إيادًا، وخلّل في سراتهم
إني أرى الرأي إن لم أعصَ قد نصعا
يا لهفَ نفسي إن كانت أموركم
شتى َّ، وأُحْكِمَ أمر الناس فاجتمعا
ألا تخافون قومًا لا أبا لكم
أمسوا إليكم كأمثال الدّبا سُرُعا
في كل يومٍ يسنّون الحراب لكم
لا يهجعونَ، إذا ما غافلٌ هجعا
مالي أراكم نيامًا في بلهنية
وقد ترونَ شِهابَ الحرب قد سطعا
فاشفوا غليلي برأيٍ منكمُ حَسَنٍ
يُضحي فؤادي له ريّان قد نقعا
صونوا جيادكم واجلوا سيوفكم
وجددوا للقسيّ النَّبل والشّرعا
لا تثمروا المالَ للأعداء إنهم
إن يظفروا يحتووكم والتّلاد معا
يا قومُ لا تأمنوا إن كنتمُ غُيُرًا
على نسائكمُ كسرى وما جمعا
هو الجلاء الذي تبقى مذلته
إن طار طائركم يومًا وإن وقعا
قوموا قيامًا على أمشاط أرجلكم
ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فزعا
فقلدوا أمركم -لله دركم-
رحبَ الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفًا إن رخاءُ العيش ساعده
ولا إذا عضَّ مكروهُ به خشعا
مُسهّدُ النوم تعنيه ثغوركم
يروم منها إلى الأعداء مُطّلعا
وليس يشغَله مالٌ يثمّرُهُ
عنكم، ولا ولد يبغى له الرفعا
لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل
فاستيقظوا إن خيرَ العلم ما نفعا
هذا كتابي إليكم والنذير لكم
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

 

فأشعل جذوة الغَيرة على الدين والعرض والبلد، فاشتعلت الصدور واحترقت غيظًا على الإسبان، واجتمع له الرجال ممن منّ الله عليهم من بينهم.

 

أنوال وما أدراك ما أنوال:

كان الخطابي ورجاله يعدون العدة لانطلاق الثورة وفق تاريخ محدد، إلا أن قدر الله كان أسبق ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42]، إذ إنه وبقدرة الله حدث ما حدث بين أحد رجالات الخطابي وبعض أفراد الشرطة الإسبانية مما استدعى إطلاق أول رصاصة تجاه الجيش الإسباني جعلت المعركة تبدأ قبل أوانها!


هنا..كشرت إسبانيا عن أنيابها، وأعدت العدة لسحق هذه النواة الجهادية في الريف المغربي، فكونت جيشًا ضخمًا مقداره 60 ألف نصراني – كما يقال - مدججين بأحدث أنواع الأسلحة، إضافة إلى أنواع الأسلحة الأخرى والذخائر والمؤن، كان جيشًا يزحف بالحصى والخطي حمرٌ ثعالبه، يقوده الجنرال (سلفستر) الذي كان يقول باستهزاء: "أنا ذاهب لأمسح حذائي بالريف!".

 

لم يكن مع الخطابي سوى 3000 مجاهد، يذودون عن دينهم، ويحامون عن شرفهم وعرضهم وأرضهم، فقط 3000 أمام 60 ألفًا! ومن كان منسوب يقينه يرتفع وينخفض قياسًا على الماديات فسيحسم المعركة نظريًا وهو يقرأ هذه الأعداد! لكن.. منذ متى غلبنا الكفر بالكثرة والمادة؟! دونك كتب التاريخ، فتش في صفحاتها، ودقق بين سطورها، واقرأ معارك المسلمين منذ فجر الإسلام إلى اليوم هل انتصرنا بالعدة والعتاد؟! هل اجتحنا النصرانية بغير اليقين بالوعد والأمل بالحسنى؟! بل حين تسللت هذه الماديات للحظة واحدة في تاريخ الدولة الإسلامية الأولى يوم حنين فقال القائل: (لن نغلب اليوم من قلة) وأعجبت البعض الكثرة الكاثرة جاء التأديب الرباني: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 25، 26]

 

كمُن الخطابي ورجاله في مكان يقال له: (أنوال)، وذلك عام 1339ه، ووزع الرجال في الخنادق، كل رجلين في خندق، وبين الخندق والآخر مسافة ليست باليسيرة لتقليل الخسائر في الأرواح إن كانت المعركة للعدو، وانتشر الأبطال هنا وهناك، واستعد الجميع.

 

وحضر العدو بقضه وقضيضه، فلما وطئت أقدامه أنوال ثارت بنادق الرجال، واندلعت المعركة، واشتبك الجيشان، وتطايرت الأجساد، وكثر القتلى، واجتاح الجيش المغربي العدو، وعصفت رياح النصر؛ فاقتلعت الخيام وكفأت القدور وأعمت العيون، ونزل النصر المؤزر في حادثة تاريخية غير متوازنة القوى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

 

وانتصر الخطابي، ومزقهم ورجالُه شر ممزق، وغنم المجاهدون الأسلحة المتنوعة والذخائر والمؤن الكثيرة، إضافة إلى نحو ألف أسير من مختلف الرتب العسكرية، وكبدهم 15 ألف جندي ما بين قتيل وجريح تناثروا على مساحة 5 أميال، ولم يسلم سوى القلة، وغنم 20 ألف بندقية و 400 رشاش ومئات الآلاف من الطلقات، وطائرتين!

 

ومع هذا السيناريو العجيب لخط سير المعركة، ومع ضخامة النتيجة، وزحام الغنائم هذا، إلا أن وسائل الإعلام المتنوعة اليوم لا تكاد تنطق ببنت شفه عنها! بل الأعجب أن كثيرين لا يعرفون شيئًا عن الخطابي نفسه!

 

تبعثرت أوراق الإسبان، وفُصِل كثير من القادة العسكريين في الحكومة، وتبادل المسؤولون التهم بينهم، وألقى الله الرعب في قلوبهم!

 

وبعد هذا الانتصار الساحق: تمددت ثورة الخطابي، وتوسعت الإمارة الإسلامية التي قام بإنشائها في الريف، وخشي الغرب أنها نواة للخلافة الإسلامية، فقامت حكومات الغرب ولم تقعد!

 

العدوان الثلاثي:

الفترة الزمنية التي حدثت فيها تلك الأحداث كانت فيها المغرب كعكة اقتسمتها إسبانيا وفرنسا، حصل خلالها وبعدها خلافات سياسية بين الدولتين، لكن إسبانيا لما رأت توسع الثورة الخطابية وازدياد المناوشات مع المجاهدين وحرب الشوارع التي لم يعهدوها عزمت على عقد مؤتمر تتوحد فيه الصفوف الغربية لعدوها المشترك الذي تتهاوى أمامه كل صروح الخلافات بينهم، فالأهم أن تبقى جياد الإسلام معقولة! فقط تأكل الأعلاف ثم تنام!

 

وفعلًا.. تصالحت الدولتان؛ لأن الهدف مشترك! دفعت الحكومتان بأعداد هائلة من الجنود بلغت مئات الآلاف، متدرعين بالعتاد الحربي المتطور، يطوون الأرض طيًا تجاه معاقل المسلمين، تجاه العزّل، تجاه 60 ألف مجاهد فقط! هذا الزحف كان برًا!

 

أما جوًا فقد انتظمت الطائرات الحربية في 44 سربًا في السماء! تحلق فوق الخنادق! فوق أصحاب البنادق!

 

وأما بحرًا فقد مخر البحر أسطولٌ بحري من أقوى الأساطيل البحرية آنذاك يمثل دورًا حربيًا لدولة ثالثة تنظم للحرب هي بريطانيا!

 

كم هو الإسلام مرعب للغرب! يهابونه ويخافونه!

 

والمسلمون في أعينهم ليسوا إلا أسدًا هصورًا مقفوصًا ينتظر لحظة الانقضاض وإن تطاول الزمن: ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].


وبعد صدمات متوالية وقعت بين الأمير الخطابي والفرنسيين وأوقع بهم خسائر فادحة كان للكثرة الكاثرة من القوى الاستعمارية دور فاعل في ميل الكفة لصالح الأعداء! فالاجتياح البري، والقذف الجوي بالقنابل الحارقة والغازات السامة، والحصار البحري، للمجاهدين والعزّل والمدنين الضعفاء، وكثرة القتلى كلها أسباب -بإذن الله- في انتصار الدول الثلاث الكافرة! ولولا خيانة الصوفية وتخذيلهم عن القتال مع الخطابي لربما حدث أمر آخر!

 

لكن الأمير محمد عبدالكريم الخطابي مع ذلك ظل قرابة العام الكامل يفَاوَض لأجل تسليم نفسه لكن كانت له طريقته الخاصة في هذا التفاوض! فلم يكن كأي أحد! لم يستسلم هكذا! ظل مقاوما ومناضلًا حتى قُتِل كثير من جيشه، ولم يبق معه سوى 200 مجاهد! أمام أعتى ثلاث دول غربية!

 

شاور الخطابي من بقي معه قبل تسليم نفسه – وهكذا العظماء لا يُرون الناس ما رأوا-، فأشاروا إليه بحقن الدماء، فقبِل، وظل – كما ذكرت - عامًا كاملًا تقريبًا يتفنن في طريقة التسليم، ويملي على فرنسا شروطه، هكذا ببساطة! تخيل رجل واحد يفعل هذا مع دولة!

 

وبعد ذلك المشوار الجهادي الطويل آن للفارس أن يترجل!

 

وسلم الخطابي نفسه.. وأُسِر الخطابي سنة 1344ه لدى فرنسا التي غدرت ونكثت عهودها والشروط، إنها جينات وراثية لا تتغير، يرثونها عن آبائهم، عن أجدادهم!

 

انظر أيها العالم.. فها هي الآن ترسف في القيود عزة ذلك الزمان!

 

كان الخطابي يسير رويدًا في قيوده، صوت القيود يقطع صمت الموقف، وكأني به مطرق الرأس لا لذل للنصارى ولكن لقدر الله، أما النفس فلم تزل شامخة متطاولة:

أُسِرت وما صحبي بعزُلْ ٍلدى الوغى
ولا فرسي مُهرٌ ولا رَبُّه غَمر
ولكن إذا حم القضاء على امرئ
فليس له بر يقيه ولا بحر
وقال أصيحابي: الفرار أو الردى
فقلت: هما أمران أحلاهما مر
ولكنني أمضي إلى ما لا يعيبني
وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر

 

وطُويت صفحة من تاريخ المغرب المجيد، بل من تاريخ الجهاد الإسلامي التليد.

 

في رينيون 1947م:

غُرِّب الأمير وأهله في رينيون، في شرق مدغشقر، في جزيرة هناك، جزيرة صغيرة كأنها شامة في جبين البحر، ظل هناك ما يلتفت إلى جهة إلا وأمواج البحر قبالته، يسامرها الليالي الطوال، يحاكيها عن بلادٍ وجهاد، عن ثورة ورجال، عن حرب وسجال، عن دولة وقتال، وعترة وأبطال، ثم غربة وسجن وإذلال!

 

ظل الأمير الأسير في عرض المحيط الهندي قرابة 21 عامًا غريبًا سجينًا كسيرًا.

 

شيء من قدرة الله:

إن كان من تعبير عن ما حدث بعد ذلك للأمير فلا أدلّ ولا أبلغ من تعبير النبي صلى الله عليه وسلم حين جلّى بوضوح تلك القدرة الربانية العظيمة؛ لئلا يبق في قلب المؤمن ذرة من يأس وقنوط من رحمة الله مهما تطاول ليله واسود جانبه، وليعلم أن الأمر كله لله - قال صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: "واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت على أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ" صححه الألباني.


ويشاء الله بعد تلك السنين أن يحدث أمر سياسي ما بين فرنسا والمغرب يستدعي من الحكومة الفرنسية ترحيل الأمير على متن باخرة عاجلة إلى سجنٍ داخل الدولة الفرنسية، وفعلًا يصعد الأمير على متن تلك السفينة، وتتحرك السفينة تجاه مصر التي لا بد للسفينة من الوقوف على ميناء فيها، لكن، وبقدرة الله ينتشر خبر اعتلاء الأمير المفقود متن الباخرة الفرنسية ممن رأى الخطابي إلى الناس، الذين لم تكد تحملهم أقدامهم من الفرح الذي لم يكتمل بعد، فتسامع الناس بخبر الخطابي، فأبرقوا من عدة دول إلى المكتب المغربي في مصر أنْ أنزِلوا الخطابي وفكوا قيود الشيخ، وفعلًا، لما رست السفينة على أحد موانئ مصر إبان حكم الملك فاروق صعد السفينة وفدٌ من جامعة الدول العربية وأخبروا قبطان السفينة بأن الملك فاروق يريد السلام على البطل المغربي محمد عبدالكريم الخطابي، فصدّق المسكين، وانطلت الحيلة على فرنسا، ونزل الخطابي ووطئت قدماه أرض مصر، ولم يصعد بعدها متن السفينة، فثارت ثائرة فرنسا ولكن بعد فوات الأوان.

 

النهاية:

وظل الأمير في مصر مكرمًا معززًا، واستمر في أعماله الإصلاحية للمغرب عن بعد. وفي مصر وفي القاهرة بالتحديد زاره أيقونة الثورات العالمية الشيوعي: (تشي جيفارا)، الذي أخذ عنه واستفاد منه حرب الشوارع، لذا فإن محمد عبدالكريم الخطابي هو أول من اخترع هذا النوع من الحروب ولا يعلم ذلك إلا القليل وللأسف! وإذا كان (جيفارا) بنفسه أتى ليأخذ هذا العلم الحربي عن الأمير فلماذا ترفع صورته، ويتسمى أبناء المسلمين في وسائل التواصل باسمه، ويتلقبون بلقبه، ويقلدون هيئته، وهو شيوعي وذاك مسلم، وهو التلميذ وذاك الأستاذ، وهو الثائر للباطل وذاك الثائر للحق؟!

 

ظل الأمير في مصر حتى جاء زمان جمال عبدالناصر الذي كمم أفواه الصالحين وفعل ما لا يسع القارئ جهله، وقص أجنحة المصلحين وكان منهم في تلك الحقبة بطل قصتنا هذه، حتى مات الخطابي يوم مات سنة 1382ه ولم تذكره وسائل الإعلام بكلمة! مات -رحمه الله- ولسان حاله:

ووالله ما قصرت في طلب العلا *** ولكن كأن الدهر عنّيَ غافلُ

كلمة أخيرة:

إن السعي لإعلاء كلمة الحق ثمنه الصدق والتضحية، وهذا الثمن ثمن باهض يهلك دونه الرجال إلا من ثبت الله جنانه وأعانه، ألا وإن كان جهاد الأمير في ساحات الوغى وفي ظروف سياسية استدعت ذلك فإن جهاد اليوم جهاد النفس في طلب العلم، فدونه تسلّ السيوف، وفي رحابه يثور النقع، فشمروا عن سواعد الجد لرفع الجهل عن الأمة بمشروع إصلاحي تعليمي للنشء، أو إيقاف سير عجلة التفاهة في طرقات المجتمع، ولعل بادئًا قبل أن يبدأ أن يبدأ بنفسه، والله المستعان وعليه التكلان[1].



[1] انظر:

♦ الأعلام للزركلي (6/ 216).

♦ إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع (2/ 513).

♦ سيرة محمد عبدالكريم الخطابي بطل الريف ورئيس جمهوريتها، رشدي الصالح .

♦ عظماء منسيون في التاريخ الحديث، محمد موسى الشريف.

♦ الموسوعة التاريخية - الدرر السنية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نظرات في كتاب (( أعلام التراث في العصر الحديث ))
  • واقع العالم الإسلامي قبيل العصر الحديث
  • الفارس والأميرة .. علاقة الرجل بالمرأة في العصر الحديث
  • نماذج وقفية متفرقة في العصر الحديث
  • مفهوم السلفية في العصر الحديث
  • الخطابة في العصر الحديث
  • الأشكال الشعرية في العصر الحديث
  • الشيخ أ.د. إبراهيم بن سعيد الدوسري في محاضرة: علماء القراءات في العصر الحديث
  • من أدواء العصر الحديث: الإلحاد، أدواته، وكيف نواجهه؟
  • صدى النفير
  • علماء الإسلام أمام فتنة العلمانية في العصر الحديث
  • الأسير العليل
  • الأمير الكبير

مختارات من الشبكة

  • الأمير خالد الجزائري حفيد الأمير المجاهد عبدالقادر الحسني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المدينة المنورة: أمير المدينة يرعى الحفل الختامي لمسابقة الأمير نايف لحفظ الحديث النبوي(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الأمير مصطفى الشهابي وإسهاماته المعجمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة ثبت الأمير المالكي (نسخة ثالثة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة ثبت الأمير المالكي (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قائمة المفردات الشائعة في اللغة العربية من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث للدكتور فتحي علي يونس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة مجموع الأمير(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة رسالة الأمير في القراءات(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح قصيدة غرامي صحيح (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأحاديث الواردة في حقوق الأمير وواجباته(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب