• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

محمد الطاهر بن عاشور

محمد الطاهر بن عاشور
مصطفى عاشور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/6/2020 ميلادي - 29/10/1441 هجري

الزيارات: 14582

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محمد الطاهر بن عاشور

 

(مُحَمَّد الطَّاهِر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور التّونسِيّ)

كان جامع الزيتونة مصنعًا لرجال أفذاذٍ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت اضْطَربَتْ فيه معالم الحياة، فكانُوا منارات للهدى وعلامات لطريق السداد. و«مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور» هو أحد أعلام هذا الجامِع، ومن عظمائهم المجددين. حياته المديدة الَّتِي زادَت على 90 عامًا كانت جهادًا في طلب العلم، وجهادًا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد الَّتِي قيدت الْعقل المسلم عن التفاعل مع القُرْآن الكريم والحياة المعاصرة.

 

أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشَّرِيعة والتَّفْسِير والتربية والتعليم والإصلاح، وكان لها أثرها البالِغ في اسْتِمرَار «الزيتونة» في العطاء والريادة.

 

وإذا كان من عادة الشرق عدم احتفاظه بكنوزه، فهو غالِبًا ما ينسى عمالقته ورواده الَّذين كانُوا ملْء السَّمع والبصر، ويتطلع إلى أفكار مستوردة وتجارب سَابِقَة التَّجْهِيز، وينسى مصلحيه ومجدديه، ونبت بيئته وغرس مبادئه!!

 

لم يلق الطَّاهر تمام حَقه من الاهتمام به وباجتهاداته وأفكاره الإصلاحية؛ وربَّما رجع ذلك لأن اجتهاداته تحارب الجمود العقلي والتقليد من ناحية، وتصطدم بالاستبداد من ناحية أُخْرَى، كما أن أفكاره تسْعَى للنهوض والتقدم وفق مَنْهَج عَقْلِي إسلامي، ولعلَّ هذا يبين لنا سَبَب نِسْيَان الشرق في هذه الفترة لرواده وعمالقته!!

 

من هو الطاهر بن عاشور؟

ولد مُحَمَّد الطَّاهِر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (1296هـ = 1879م) في أسرة علمية عريقة تمتد أُصُولها إلى بلاد الأندلس. وقد اسْتَقَرَّتْ هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش الَّتِي تعرض لها مسلمو الأندلس.

 

وقد نبغ من هذه الأسرة عدد من العلمَاء الَّذين تعلمُوا بِجامِع الزيتونة، تِلْكَ المؤسسة العلمية الدِّينِيَّة العريقة الَّتِي كانت مَنارَة للعلم والهدايَة في الشمال الأفريقي، كان منهم مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور، وَابْنه الَّذِي مَاتَ فِي حَيَاته: الْفَاضِل بن عاشور.

 

وَجَاء مولد الطَّاهِر فِي عصر يموج بالدعوات الإصلاحية التجديدية الَّتِي تُرِيدُ الْخُرُوج بِالدّينِ وعلومه من حيّز الجمود والتقليد إِلَى التَّجْدِيد والإصلاح، وَالْخُرُوج بالوطن من مستنقع التَّخَلُّف والاستعمار إِلَى ساحة التَّقَدُّم وَالْحريَّة والاستقلال، فكانت لأفكار جمال الدَّين الأفغاني وَمُحَمّد عَبده وَمُحَمّد رشيد رضَا صداها المدوي فِي تونس وَفِي جَامعهَا العريق، حَتَّى إِن رجال الزيتونة بدءوا بإصلاح جامعهم من النَّاحِيَة التعليمية قبل الْجَامِع الْأَزْهَر، مِمَّا أثار إعجاب مُحَمَّد عَبده الَّذِي قَالَ: «إِن مُسْلِمِي الزيتونة سبقُونَا إِلَى إصْلَاح التَّعْلِيم، حَتَّى كَانَ مَا يجرونَ عَلَيْهِ فِي جَامع الزيتونة خيرًا مِمَّا عليه أهل الأَزهر».

 

وأثمرت جهود التَّجْدِيد والإصلاح فِي تونس الَّتِي قَامَت فِي الأساس على الاهتمام بالتعليم وتطويره عَن إنْشَاء مدرستين كان لهما أكبر الْأَثر فِي النهضة الفكرية فِي تونس، وهما: الْمدرسَة الصادقية الَّتِي أَنْشَأَهَا الْوَزير النابهة خير الدَّين التّونسِيّ سنة (1291هـ = 1874م) وَالَّتِي احتوت على مَنْهَج متطور امتزجت فِيهِ الْعُلُوم الْعَرَبيَّة باللغات الْأَجْنَبِيَّة، إِضَافَة إِلَى تَعْلِيم الرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية. وَقد أُقِيمَت هَذِه الْمدرسَة على أَن تكون تعضيدًا وتكميلاً للزيتونة.

 

أما المدرسَة الْأُخْرَى فَهِيَ الْمدرسَة الخلدونية الَّتِي تأسست سنة (1314هـ = 1896م) وَالَّتِي كَانَت مدرسة علمية تهتم بتكميل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ دارسو الْعُلُوم الإسلامية من عُلُوم لم تدرج فِي برامجهم التعليمية، أَو أدرجت ولكن لم يهتم بهَا وبمزاولتها فآلت إِلَى الإهمال.

 

وتواكبت هذه النهضة الإصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكانت أطروحات تلكَ الحقبة من التَّارِيخ ذَات صبغة إصلاحية تجديدة شَامِلَة تَنْطَلِق من الدَّين نَحْو إصْلَاح الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس على تفكير ومنهج رواد الإِصلَاح في تلك الفترة الَّتِي تدعمت بتأسيس الصحافة، وصدور المجلات والصحف الَّتِي خلقت منَاخًا ثقافيًّا وفكريًّا كَبِيرًا ينبض بالحياةِ والوعي والرَّغْبَة في التحرر والتقدم.

 

حفظ الطَّاهِر الْقُرْآن الْكَرِيم، وَتعلم اللُّغَة الفرنسية، والتحق بِجَامِع الزيتونة سنة (1310هـ = 1892م) وهو في الـ14 من عمره، فدرس عُلُوم الزيتونة ونبغ فِيهَا، وَأظْهر همة عالية في التَّحْصِيل، وساعده على ذَلِك ذكاؤه النَّادِر والبيئة العلمية الدِّينِيَّة الَّتِي نَشأ فِيهَا، وشيوخه الْعِظَام فِي الزيتونة الَّذين كان لهم باع كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وملك هاجس الإِصْلَاح نُفُوسهم وعقولهم فبثوا هذه الرّوح الخلاقة التجديدية في نفس الطَّاهِر، وكان منهجهم أن الْإِسْلَام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية.

 

سفير الدعوة:

تخرَّج الطَّاهِر في الزيتونة عام (1317هـ = 1896م)، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامِع العريق، ولم تمض إِلَّا سنوات قَليلَة حَتَّى عين مدرسًا من الطَّبَقَة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (1324هـ = 1903م).

 

وكان الطَّاهِر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ = 1900م)، وكان لهذه التجربة المبكرة فِي التدريس بَين الزيتونة -ذَات الْمنْهَج التقليدي- والصادقية -ذَات التَّعْلِيم العصري المتطور- أَثَرهَا فِي حَيَاته، إِذْ فتحت وعيه على ضَرُورَة ردم الهوة بَين تيارين فكريين مَا زَالا فِي طور التكوين، ويقبلان أَن يَكُونَا خطوط انقسام ثقافي وفكري فِي الْمُجْتَمع التّونسِيّ، وهما: تيار الْأَصَالَة الممثل فِي الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل فِي الصادقية، وَدوَّن آراءه هَذِه فِي كِتَابه النفيس «أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب؟» من خلال الرُّؤْيَة الحضارية التاريخية الشاملة الَّتِي تدْرك التحولات العميقة الَّتِي يمر بهَا الْمُجْتَمع الإسلامي والعالمي.

 

وفي سنة (1321 هـ = 1903 م) قام مُحَمَّد عَبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثَّانِيَة لتونس، والتقاه فِي تِلْكَ الزِّيَارَة الطَّاهِر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسمَّاه مُحَمَّد عَبده بـ «سفير الدعْوَة» في جامع الزيتونة؛ إذ وجدت بين الشَّيْخَيْنِ صفات مُشْتَركَة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الَّذِي صاغ ابْن عاشور أهم ملامحه بعد ذَلِك فِي كِتَابه «أصُول النظام الاجتماعي فِي الْإِسْلَام».

 

وَقد توطدت العلاقة بَينه وَبَين رشيد رضَا، وَكتب ابْن عاشور فِي "مجلة الْمنَار".

 

آراء ومناصب:

عين الطَّاهِر بن عاشور نَائِبا أول لَدَى النظارة العلمية بِجَامِع الزيتونة سنة (1325 هـ = 1907م)؛ فَبَدَأَ فِي تطبيق رُؤْيَته الإصلاحية العلمية والتربوية، وَأدْخل بعض الإصلاحات على النَّاحِيَة التعليمية، وحرر لائحة فِي إصْلَاح التَّعْلِيم وعرضها على الْحُكُومَة فنفذت بعض مَا فِيهَا، وسعى إِلَى إحْيَاء بعض الْعُلُوم الْعَرَبيَّة؛ فَأكْثر من دروس الصّرْف فِي مراحل التَّعْلِيم وَكَذَلِكَ دروس أدب اللُّغَة، ودرس بِنَفسِهِ شرح ديوَان الحماسة لأبي تَمام.

 

وَأدْركَ صاحبنا أَن الْإِصْلَاح التعليمي يجب أَن ينْصَرف بطاقته القصوى نَحْو إصْلَاح الْعُلُوم ذَاتهَا؛ على اعْتِبَار أَن الْمعلم مهما بلغ بِهِ الجمود فَلَا يُمكنهُ أَن يحول بَين الأفهام وَمَا فِي التآليف؛ فَإِن الْحق سُلْطَان!!

 

وَرَأى أَن تَغْيِير نظام الْحَيَاة فِي أَي من أنحاء الْعَالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم الْعَقْلِيَّة، ويستدعي تَغْيِير أساليب التَّعْلِيم. وَقد سعى الطَّاهِر إِلَى إِيجَاد تَعْلِيم ابتدائي إسلامي فِي المدن الْكَبِيرَة فِي تونس على غرار مَا يفعل الْأَزْهَر فِي مصر، وَلكنه قوبل بعراقيل كَبِيرَة.

 

أما سَبَب الْخلَل وَالْفساد اللَّذين أصابا التَّعْلِيم الإسلامي فترجع فِي نظره إِلَى فَسَاد الْمعلم، وَفَسَاد التآليف، وَفَسَاد النظام الْعَام؛ وَأعْطى أَوْلَوِيَّة لإِصْلَاح الْعُلُوم والتآليف.

 

اختير ابن عاشور فِي لجنة إصْلَاح التَّعْلِيم الأولى بالزيتونة فِي (صفر 1328 هـ = 1910م)، وَكَذَلِكَ فِي لجنة الْإِصْلَاح الثَّانِيَة (1342 هـ = 1924م)، ثمَّ اختير شَيخا لجامع الزيتونة فِي (1351 هـ = 1932م)، كَمَا كَانَ شيخ الْإِسْلَام الْمَالِكِي؛ فَكَانَ أول شُيُوخ الزيتونة الَّذين جمعُوا بَين هذَيْن المنصبين، وَلكنه لم يلبث أَن استقال من المشيخة بعد سنة وَنصف بِسَبَب العراقيل الَّتِي وضعت أَمَام خططه لإِصْلَاح الزيتونة، وبسبب اصطدامه بِبَعْض الشُّيُوخ عِنْدَمَا عزم على إصْلَاح التَّعْلِيم فِي الزيتونة.

 

أُعِيد تعينه شَيخا لجامع الزيتونة سنة (1364 هـ = 1945م)، وَفِي هَذِه الْمرة أَدخل إصلاحات كَبِيرَة فِي نظام التَّعْلِيم الزيتوني؛ فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين، وزادت عدد الْمعَاهد التعليمية.

 

وشملت عناية الطَّاهِر بن عاشور إصْلَاح الْكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التَّعْلِيم؛ فاستبدل كثيرا من الْكتب الْقَدِيمَة الَّتِي كَانَت تدرس وصبغ عَلَيْهَا الزَّمَان صبغة القداسة بِدُونِ مبرر، واهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات، كَمَا رَاعى فِي المرحلة التعليمية الْعَالِيَة التبحر فِي أَقسَام التخصص، وَبَدَأَ التفكير فِي إِدْخَال الْوَسَائِل التعليمية المتنوعة.

 

وحرص على أَن يصطبغ التَّعْلِيم الزيتوني بالصبغة الشَّرْعِيَّة والعربية، حَيْثُ يدرس الطَّالِب الزيتوني الْكتب الَّتِي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من الغوص فِي الْمعَانِي؛ لذَلِك دَعَا إِلَى التقليل من الْإِلْقَاء والتلقين، وَإِلَى الْإِكْثَار من التطبيق؛ لتنمية ملكة الْفَهم الَّتِي يَسْتَطِيع من خلالها الطَّالِب أَن يعْتَمد على نَفسه فِي تَحْصِيل الْعلم.

 

ولدى اسْتِقْلَال تونس أسندت إِلَيْهِ رئاسة الجامعة الزيتونية سنة (1374 هـ = 1956م).

 

التَّحْرِير والتنوير:

كَانَ الطَّاهِر بن عاشور عَالما مصلحًا مجدِّدًا، لَا يَسْتَطِيع الباحث فِي شخصيته وعلمه أن يقف على جَانب وَاحِد فَقَط، إِلَّا أَن الْقَضِيَّة الجامعة في حَيَاته وَعلمه ومؤلفاته هِيَ التَّجْدِيد والإصلاح من خلال الْإِسْلَام وَلَيْسَ بَعيدا عَنهُ، وَمن ثمَّ جَاءَت آراؤه وكتاباته ثورة على التَّقْلِيد والجمود وثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري.

 

يعد الطَّاهِر بن عاشور من كبار مفسري الْقُرْآن الْكَرِيم فِي الْعَصْر الحَدِيث، وَلَقَد احتوى تَفْسِيره «التَّحْرِير والتنوير» على خُلَاصَة آرائه الاجتهادية والتجديدية؛ إِذْ اسْتمرّ فِي هَذَا التَّفْسِير مَا يقرب من 50 عَامًا، وَأَشَارَ فِي بدايته إِلَى أَن منهجه هُوَ أَن يقف موقف الحكم بَين طوائف الْمُفَسّرين، تَارَة لَهَا وَأُخْرَى عَلَيْهَا؛ «فالاقتصار على الحَدِيث الْمعَاد فِي التَّفْسِير هُوَ تَعْطِيل لفيض الْقُرْآن الْكَرِيم الَّذِي مَا لَهُ من نفاد»، وَوصف تَفْسِيره بِأَنَّهُ «احتوى أحسن مَا فِي التفاسير، وَأَن فِيهِ أحسن مِمَّا فِي التفاسير».

 

وَتَفْسِير التَّحْرِير والتنوير فِي حَقِيقَته تَفْسِير بلاغي، اهتم فِيهِ بدقائق البلاغة فِي كل آيَة من آيَاته، وَأورد فِيهِ بعض الْحَقَائِق العلمية وَلَكِن باعتدال وَدون توسع أَو إغراق فِي تفريعاتها ومسائلها.

 

وَقد نقد ابْن عاشور كثيرًا من التفاسير والمفسرين، وَنقد فهم النَّاس للتفسير، وَرَأى أَن أحد أَسبَاب تَأَخّر علم التَّفْسِير هُوَ الولع بالتوقف عِنْد النَّقْل حَتَّى وَإِن كَانَ ضَعِيفًا أَو فِيهِ كذب، وكذلك اتقاء الرَّأْي ولو كان صَوابا حَقِيقِيًّا، وَقَالَ: «لأَنهم توهموا أَن مَا خَالف النَّقْل عَن السَّابِقين إِخْرَاج لِلْقُرْآنِ عَمَّا أَرَادَ الله بِهِ»؛ فَأَصْبَحت كتب التَّفْسِير عَالَة على كَلَام الأقدمين، وَلَا همّ للمفسر إِلَّا جمع الْأَقْوَال، وبهذه النظرة أصبح التَّفْسِير «تسجيلا يقيَّد به فهم القُرْآن ويضيَّق به مَعْنَاهُ».

 

وَكَانَ لتفاعل الطَّاهِر بن عاشور الإيجابي مَعَ الْقُرْآن الْكَرِيم أَثَره الْبَالِغ فِي عقل الشَّيْخ الَّذِي اتسعت آفاقه فَأدْرك مَقَاصِد الْكتاب الْحَكِيم وألم بأهدافه وأغراضه، مِمَّا كَانَ سَببًا فِي فهمه لمقاصد الشَّرِيعَة الإسلامية الَّتِي وضع فِيهَا أهم كتبه بعد التَّحْرِير والتنوير وَهُوَ كتاب «مَقَاصِد الشَّرِيعَة».

 

مَقَاصِد الشَّرِيعَة:

كَانَ الطَّاهِر بن عاشور فَقِيها مجددًا، يرفض مَا يردده بعض أدعياء الْفِقْه من أَن بَاب الِاجْتِهَاد قد أغلق فِي أعقاب الْقرن الْخَامِس الهجري، وَلَا سَبِيل لفتحه مرّة ثَانِيَة، وَكَانَ يرى أَن ارتهان الْمُسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سَيُصِيبُهُمْ بالتكاسل وسيعطل إِعْمَال الْعقل لإيجاد الْحُلُول لقضاياهم الَّتِي تَجِد فِي حياتهم.

 

وَإِذا كَانَ علم أصُول الْفِقْه هُوَ الْمنْهَج الضَّابِط لعملية الِاجْتِهَاد فِي فهم نُصُوص الْقُرْآن الْكَرِيم واستنباط الْأَحْكَام مِنْهُ فَإِن الاختلال فِي هَذَا الْعلم هُوَ السَّبَب فِي تخلي الْعلمَاء عَن الِاجْتِهَاد. وَرَأى أَن هَذَا الاختلال يرجع إِلَى توسيع الْعلم بِإِدْخَال مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُجْتَهد، وَأَن قَوَاعِد الْأُصُول دونت بعد أَن دون الْفِقْه، لذَلِك كَانَ هُنَاكَ بعض التَّعَارُض بَين الْقَوَاعِد وَالْفُرُوع فِي الفقه، كذلك الْغَفْلَة عَن مَقَاصِد الشَّرِيعَة؛ إِذْ لم يدون مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل، وَكَانَ الأولى أَن تكون الأَصْل الأول لِلْأُصُولِ لِأَن بهَا يرْتَفع خلاف كَبِير.

 

وَيعْتَبر كتاب «مَقَاصِد الشَّرِيعَة» من أفضل مَا كتب فِي هَذَا الْفَنّ وضوحًا فِي الْفِكر ودقة فِي التَّعْبِير وسلامة فِي الْمنْهَج واستقصاء للموضوع.

 

محنة التَّجْنِيس:

لم يكن الطَّاهِر بن عاشور بَعيدًا عَن سِهَام الاستعمار والحاقدين عَلَيْهِ والمخالفين لمنهجه الإصلاحي التجديدي، فتعرض الشَّيْخ لمحنة قاسية استمرت 3 عُقُود عرفت بمحنة التَّجْنِيس، وملخصها أَن الاستعمار الفرنسي أصدر قانونًا فِي (شَوَّال 1328 هـ = 1910م) عرف بقانون التَّجْنِيس، يتيح لمن يرغب من التونسيين التجنس بالجنسية الفرنسية؛ فتصدى الوطنيون التونسيون لهَذَا القانون وَمنعُوا المتجنسين من الدّفن فِي الْمَقَابِر الإسلامية؛ مِمَّا أربك الفرنسيين فلجأت السلطات الفرنسية إِلَى الْحِيلَة لاستصدار فَتْوَى تضمن للمتجنسين التَّوْبَة من خلال صِيغَة سُؤال عَامَّة لَا تتَعَلَّق بالحالة التونسية توجه إِلَى الْمجْلس الشَّرْعِيّ.

 

وَكَانَ الطَّاهِر يتَوَلَّى فِي ذَلِك الْوَقْت سنة (1352 هـ = 1933م) رئاسة الْمجْلس الشَّرْعِيّ لعلماء الْمَالِكِيَّة فَأفْتى الْمجْلس صَرَاحَة بِأَنَّهُ يتَعَيَّن على المتجنس عِنْد حُضُوره لَدَى القَاضِي أَن ينْطق بِالشَّهَادَتَيْنِ ويتخلى فِي نفس الْوَقْت عَن جنسيته الَّتِي اعتنقها، لَكِن الاستعمار حجب هَذِه الْفَتْوَى، وبدأت حَملَة لتلويث سمعة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل، وتكررت هَذِه الحملة الآثمة عدَّة مَرَّات على الشَّيْخ، وَهُوَ صابر محتسب.

 

صدق الله وَكذب بورقيبة:

وَمن المواقف الْمَشْهُورَة للطاهر بن عاشور رفضه الْقَاطِع استصدار فَتْوَى تبيح الْفطر فِي رَمَضَان، وَكَانَ ذَلِك عَام (1381 هـ = 1961م) عِنْدَمَا دَعَا «الحبيبُ بورقيبة» الرئيسُ التّونسِيّ السَّابِق العمالَ إِلَى الْفطر فِي رَمَضَان بِدَعْوَى زِيَادَة الإنتاج، وَطلب من الشَّيْخ أَن يُفْتِي فِي الإذاعة بِمَا يُوَافق هَذَا، لَكِن الشَّيْخ صرح فِي الإذاعة بِمَا يُريدهُ الله تَعَالَى، بعد أَن قَرَأَ آيَة الصّيام، وَقَالَ بعْدهَا: «صدق الله وَكذب بورقيبة»، فخمد هَذَا التطاول المقيت وَهَذِه الدعْوَة الْبَاطِلَة بِفضل مقولة ابْن عاشور.

 

وَفَاته: وَقد توفّي الطَّاهِر بن عاشور فِي (13 رَجَب 1393 هـ = 12 أغسطس 1973م) بعد حَيَاة حافلة بِالْعلمِ والإصلاح والتجديد على مستوى تونس والعالم الإسلامي.

 

المصدر: مقدمة كتاب «التحرير والتنوير»، طـ الدار التونسية للنشر - تونس، الطبعة الأولى، 1984م

باختصار يسير





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العلامة محمد الطاهر ابن عاشور
  • صدر حديثًا: كتاب: (الاختيارات العلمية للعلامة محمد الطاهر ابن عاشور من خلال تفسيره)
  • محمد الطاهر بن عاشور

مختارات من الشبكة

  • آراء محمد الطاهر ابن عاشور في الإصلاح التربوي "دراسة تحليلية نقدية"(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الفكر الإصلاحي في التعليم والتربية للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور(كتاب - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة فوائد أبي محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان أبي الشيخ(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جزء فيه حديث ابن حيوية أبي عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • لباب الإعراب لمؤلفه تاج الدين محمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني المتوفى سنة 684 هـ (PDF)(كتاب - موقع الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن)
  • مسلسل الأولية رواية الصدر محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (664-754)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة حديث أبي منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حسن السلوك الحافظ دولة الملوك للإمام محمد بن محمد بن عبدالكريم الشافعي(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • سيرة محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعليقات الكافية في ضبط الوافية نظم الشافية لقوام الدين محمد بن محمد السيفي القزويني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب