• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الفارس الأخير

شريف عبدالعزيز الزهيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/5/2017 ميلادي - 17/8/1438 هجري

الزيارات: 4900

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الزعيم الموريسكي

مولاي عبد الله محمد

فارس الأندلس الأخير


مقدمة:

قامت دولة الإسلام في الأندلس منذ سنة 92 هجرية، وظلت قائمة وصامدة تتقلب من طور لآخر، ومن حال لحال، بين قوة وضعف، ووحدة وتفرق، وعزة وذلة، حتى تكاثرت عليها الخطوب، وأحاط بها الأعداء من كل مكان، فسقطت بعد عمر مديد، وحكم فريد سنة 897 هجرية، أي أنها ظلت قائمة حية طيلة ثمانية قرون، وهي بذلك تعتبر أطول دول الإسلام عمرًا.

 

وكان حادث سقوطها مدويًا، آلم كل المسلمين على وجه الأرض، حتى إن سلطان مصر المملوكي وقتها "الأشرف قايتباي" قد هدد فرناندو وإيسابيلا ملكي إسبانيا النصرانية بأن يقتل كل النصارى الموجودين بمصر واليمن والشام إذا أساءوا لمسلمي الأندلس، بل إن حادثة سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس لتسامي حادثة سقوط بغداد وسقوط بيت المقدس في يد الصليبيين تارة وفي يد اليهود تارة أخرى.

 

وبالجملة كان حادث السقوط من أشهر وأخطر أحداث القرن التاسع الهجري، ولكنه لم يكن الفصل الأخير في حياة المسلمين بالأندلس، حيث جاءت بعد ذلك أحداث وفصول أشد مأساوية وأكثر إيلامًا، وبرز خلال تلك الفترة المجهولة تمامًا لجمهور المسلمين العديد من الأبطال والفرسان الذين حاولوا استعادة الملك القديم، وصاحبنا هذا هو فارس الأندلس الأخير.

 

محاكم التفتيش:

لم تكن الدموع التي ذرفها الأمير أبو عبد الله محمد وهو يسلم مفاتيح قصور الحمراء بغرناطة لملكي إسبانيا النصرانية "فرناندو" و"إيسابيلا"، هي الدموع الأخيرة في بلاد الأندلس، إذ أعقبها الكثير والكثير من الدموع والدماء، فرغم العهود والأيمان المغلظة التي قطعها "فرناندو" على نفسه ووقع عليها في وثيقة استلام غرناطة الشهيرة، إلا أن الله عز وجل الذي هو أصدق قيلًا قال في محكم التنزيل: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10] وقال: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ﴾ [الممتحنة: 2] فأبت على فرناندو صليبيته أن يفي للمسلمين بشيء من العهود والمواثيق، وكانت هذه الوثيقة ستارًا للغدر والخيانة وشنيع ما سيقترف بالمسلمين في الأندلس.

 

عهد الملك الصليبي "فرناندو" إلى الكاردنيال "خمنيس" مطران طليطلة ورأس الكنيسة الإسبانية مهمة تنصير مسلمي الأندلس، وكان هذا الرجل من أشد أهل الأرض قاطبة عداوة للإسلام والمسلمين، بل إن البغضاء المشحونة في قلبه كانت مضربًا للأمثال لعصور طويلة، فأنشأ هذا الرجل ما يسمى بديوان التحقيق أو عرف تاريخيًا بمحاكم التفتيش، وذلك سنة 905 هجرية، فكان أول عمل لهذه المحاكم أن جمعت كل المصاحف وكتب العلم والفقه والحديث وأحرقت في ميدان عام كخطوة أولى لتنصير المسلمين بقطع الصلة عن تراثهم وعلومهم الشرعية.

 

بدأت حملة تنصير المسلمين بعد ذلك بتحويل المساجد إلى كنائس، ثم جمع من بقي من الفقهاء وأهل العلم وإجبارهم على التنصر، فوافق البعض مكرهًا وأبى الباقون فقتلوا شر قتلة، وكان التمثيل بجثث القتلى جرس إنذار لباقي المسلمين إما التنصير وإما الموت والقتل والتنكيل وسلب الأموال والممتلكات، وكانت عملية التنصير مركزة على إقليم غرناطة، ومنه انتقلت حمى التنصير إلى باقي بلاد الأندلس حيث كان هناك الكثير من المسلمين تحت حكم النصارى خاصة في الوسط والشرق.

 

هب المسلمون بما بقي عندهم من حمية وغيرة على الدين للدفاع عن هويتهم وعقيدتهم، فاندلعت الثورة في عدة أماكن من غرناطة وغيرها، واعتزم المسلمون الموت في سبيل دينهم، ولكنهم كانوا عزلًا بلا سلاح ولا عتاد، فقمع الصليبيون الثورات بمنتهى الشدة، فقتل الرجال، وسبيت النساء، وقضى بالموت على مناطق بأسرها ما عدا الأطفال الذين دون الحادية عشرة وهم قد تم تنصيرهم، وبعد قمع الثورة بمنتهى العنف والقسوة، أصدر "فرناندو" منشورًا بوجوب اعتناق المسلمين للنصرانية، وذلك سنة 906 هجرية، ومن يومها ظهر ما يعرف في تاريخ الأندلس المفقود باسم "الموريسكيين" وهي كلمة إسبانية معناها: المسلمون الأصاغر، أو العرب المتنصرون، ومحنتهم تفوق الخيال وما لاقوه وعانوه من إسبانيا الصليبية لا يخطر على بال.

 

الموريسكيون:

ظهرت في بلاد الأندلس المفقود طائفة الموريسكيين وهم المسلمون الذين اضطروا للبقاء وأجبروا على إظهار التنصر وترك الإسلام، وهذه الطائفة رغم حجم البطش والتنكيل الشديد الذي تم بها لتجبر على التنصير، إلا أنها ظلت مستمسكة بدينها في السر، فالمسلمون يصلون سرًا في بيوتهم، ويحافظون على شعائرهم قدر استطاعتهم، وذلك وسط بحر متلاطم من الاضطهاد والتنكيل والشك والريب.

 

كانت العداوة الصليبية المستقرة في قلوب الإسبان تجاه مسلمي الأندلس أكبر من مسألة الدين أو غيرها، فقد كانت هناك رغبة جامحة عند قساوسة ورهبان إسبانيا لاستئصال الأمة الأندلسية، فظل الموريسكيون موضع ريب وشك من جانب الكاردنيال اللعنة "خمنيس" وديوان التحقيق، فعمل "خمنيس" على الزج بآلاف الموريسكيين إلى محاكم التفتيش حيث آلات التعذيب والتنكيل ما تقشعر له الأبدان ويشيب له الولدان، وذلك للتأكد من صدق تنصرهم وخالص ارتدادهم عن الإسلام، وكانت أدنى إشارة أو علامة تصدر من الموريسكيين وتدل على حنينهم للإسلام كفيلة بإهدار دمائهم وحرقهم وهم أحياء، واستمرت إسبانيا الصليبية في سياسة الاضطهاد والقمع والتنكيل بالموريسكيين، وبلغت المأساة مداها بعدما أصدر "شارل الخامس" قرارًا بمنع سفر الموريسكيين خارج إسبانيا باعتبارهم نصارى، ومن يخالف يقتل وتصادر أملاكه، وعندها اندلعت الصدور المحترقة بثورة كبيرة في بلاد الأندلس.

 

الثورة الشاملة:

كان تولي الإمبراطور "فيليب الثاني" عرش إسبانيا بداية حملة اضطهاد غير مسبوقة للموريسكيين الذين كانوا موضع شك دائم من قبل الكنيسة ورهبانها الذين كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم أن الموريسكيين ما زالوا على الإسلام في سويداء قلوبهم، وكان "فيليب الثاني" ملكًا شديد التعصب، كثير التأثر بنفوذ الأحبار، فأصدر حزمة من القرارات جاءت بمثابة الضربة القاتلة لبقايا الأمة الأندلسية، وذلك بتجريدها من مقوماتها القومية الأخيرة بتحريم استخدام اللغة العربية والملابس العربية، وعندها قامت الثورة الشاملة، وكان مركز الثورة في منطقة جبل "الشارات" واندلع لهيب الثورة منها في أنحاء الأندلس، ودوت صيحة الحرب القديمة، وأعلن المورريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت، واختار الثوار أميرًا لهم اسمه "محمد بن أمية" يرجع أصله إلى بني أمية الخلفاء كإشارة على استعادة الخلافة ودولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى.

 

حقق الموريسكيون عدة انتصارات متتالية، اهتزت لها عروش النصرانية في إسبانيا وأوروبا، فجردت إسبانيا حملة عسكرية ضخمة يقودها أمهر قادتهم هو "الدون خوان"، وجاء المجاهدون المسلمون من المغرب العربي وانضمت فرقة عسكرية عثمانية للثوار جاءتهم من تونس، وكان الإسبان يقتلون من يقع في أسرهم ويمثلون بجثثهم بأبشع هيئة حتى الأطفال والنساء، وزاد ذلك الثوار يقينًا بحتمية الاستمرار في الثورة والقتال حتى الموت، وقويت العزائم وتقاطر المجاهدون المغاربة على الأندلس، وهنا امتدت أيدي الغدر والخيانة في الظلام لتغتال حلم الأندلسيين بمكيدة شريرة، ويقتل الأمير "محمد بن أمية" قبل أن يحقق هدفه المنشود.

 

القائد الجديد:

بعد اغتيال "محمد بن أمية" لم تكن هذه الثورة لتقف أو تنتهي بموت زعيمها، اختار الثوار أميرًا جديدًا هو ابن عم القتيل واسمه "مولاي عبد الله محمد"، وكان أكثر فطنة وروية وتدبرًا، فحمل الجميع على احترامه، ونظم جيش الثوار وجعله على الطراز الدولي ويفوق في تنظيمه الجيش الصليبي الإسباني، واستطاع "مولاي عبد الله" أن يستولي على عدة مدن هامة مثل مدينة "أرجبة" التي كانت مفتاح غرناطة والتي كان سقوطها شرارة اندلاع ثورة الموريسكيين وذيوع شهرة "مولاي عبد الله محمد".

 

حشدت إسبانيا أعدادًا ضخمة من مقاتليها يقودهم "الدون خوان"، فحاصر هذا الجيش الجرار الثوار في بلدة "جليرا" وكان مع الثوار فرقة من الجنود العثمانيين، ودارت رحى معركة في منتهى الشراسة أبدى فيها المسلمون بسالة رائعة، ولكن المدينة سقطت في النهاية ودخلها الإسبان دخول الضواري المفترسة وارتكبوا مذبحة مروعة شنيعة لم يتركوا فيها صغيرًا ولا كبيرًا ولا طفلًا ولا امرأة، وحاول "الدون خوان" مطاردة فلول الثوار، ولكنه وقع في كمين للثوار في شعب الجبال عند مدينة "بسطة" وأوقع الثوار هزيمة فادحة بالصليبيين الإسبان، جعلت الحكومة الإسبانية تفكر في مصالحة الثوار المسلمين.

 

السلام الفاشل:

عرضت الحكومة الصليبية الإسبانية على المسلمين الثائرين معاهدة سلام لإنهاء القتال، فبعث "الدون خوان" إلى أحد الثائرين واسمه "الحبقي" وقد لمحت فيه إسبانيا الصليبية بعض المؤهلات التي ترشحه للتفاوض وقبول شروطها المجحفة في السلام، وكانت شروط المعاهدة تتضمن وقف انتفاضة المسلمين فورًا، وفي سبيل ذلك يصدر وعد ملكي بالعفو عن جميع الموريسكيين الذين يقدمون خضوعهم في ظرف عشرين يومًا من إعلانه، ولهم أن يقدموا ظلاماتهم وشكاواهم مع الوعد بالبحث فيها ودراستها!.

وكل من رفض العفو والخضوع للسلطة الصليبية سيقتل ما عدا النساء والأطفال دون الرابعة عشرة، والسبب بالقطع معروف؛ النساء سبايا، والأطفال ينصرون.

 

كانت شروط السلام الصليبي المعروض على الموريسكيين كفيلة بأن يرفض الأمير "مولاي عبد الله محمد" هذه المعاهدة الجائرة التي لا تعطي المسلمين شيئًا وليس لها سوى هدف واحد وهو إيقاف ثورة المسلمين فقط لا غير، وأيقن المسلمون أن الإسبان الصليبيين لا عهد لهم ولا ذمام، فانقلب النصارى يفتكون بكل المسلمين في أنحاء إسبانيا سواءٌ من اشترك في الثورة أم لم يشترك، واشتبك الدون خوان مع قوات مولاي عبد الله في عدة معارك ولكنها غير حاسمة، وفي نفس الوقت أبقى الإسبان على خط التفاوض مع الزعيم "الحبقي" الذي رأى فيه النصارى السبيل لشق صف الثوار المسلمين.

 

سار مجرى القتال في غير صالح المسلمين لانعدام التكافؤ بين الطرفين خلا الإيمان بالله عز وجل، ورأى مولاي عبد الله أن أتباعه يسقطون من حوله تباعًا، وتجهم الموقف والقوة الغاشمة تجتاح كل شيء، فبدأ يفكر في الصلح والسلام ولكن بغير الشروط السابقة، وتدخل بعض زعماء الإسبان ممن له عقل وتدبير لإجراء الصلح، ولكن "الحبقي" استبق الجميع وشق صف الثورة وخرج عن طاعة "مولاي عبد الله" ومن معه، وذهب بسرية من فرسانه إلى معسكر الصليبيين، وقدم الخضوع والذلة إلى قائدهم "الدون خوان".

 

كانت هذه الخطوة الجريئة من "الحبقي" محل سخط كل المسلمين وخاصة زعيمهم "مولاي عبد الله"، فلقد لمح أن "الحبقي" يروج بمنتهى القوة لهذا السلام الذي هو خضوع وذلة بالكلية للصليبيين، وأن الصف المسلم يتصدع بمحاولات "الحبقي" وأراجيفه، خاصة بعدما لمح المسلمون نية الصليبيين في نفيهم بالكلية عن الأندلس، وهذا يجعل الهدف والداعي الذي قامت من أجله الثورة في الأصل هباءً منثورًا وكيف يستعيدون دولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى إذا طردوا من أوطانهم، لهذه الأسباب كلها قرر مجلس قيادة الثورة إعدام "الحبقي" الذي ظهر منه ما يدل على عمالته وولائه للصليبيين.

 

استئناف القتال:

أعلن "مولاي عبد الله" أن الثورة لن تتوقف، وأن الموريسكيين سيجاهدون حتى الموت، وأن حلمهم بإعادة دولة الإسلام في الأندلس لم يمت في قلوبهم، وأنه يؤثر أن يموت مسلمًا مخلصًا لدينه ووطنه مما بذلوا له من وعود معسولة وأماني كاذبة.

 

وكان لهذا الموقف الشجاع من مولاي عبد الله فعل السحر في نفوس المسلمين في جميع أنحاء إسبانيا، فاندلعت الثورة كالنار في الهشيم، وقابل الإسبان ذلك بمنتهى القسوة والشدة بل والحقد الجنوني، حيث أمعنوا في القتل والتخريب لكل ما هو مسلم، وهدموا القرى والضياع والحقول حتى لا يبقى للثوار مثوى أو مصدر للقوت.

 

كانت لهذه القسوة المفزعة أثر كبير على نفوس الموريسكيين حيث فر كثير منهم من البلاد كلها إلى إخوانهم المسلمين في إفريقية، وفي 28 أكتوبر سنة 1570 أصدر فيليب الثاني قرارًا بنفي الموريسكيين من مملكة غرناطة إلى داخل البلاد الأخرى بإسبانيا، ويوزعون على سائر الولايات الإسبانية، بل مصادرة أملاكهم وأموالهم، ووقع تنفيذ القرار في مشهد يندى له جبين البشرية من الخزي، حيث السفك والنهب والاغتصاب، وسيق مسلمو غرناطة كالقطعان لمسافات طويلة حيث الجوع والعطش والمرض ثم وضعوا بعد ذلك فيما يشبه المعسكرات الجماعية حيث بقوا رهن المتابعة والرقابة الدائمة، وعين لهم مشرف خاص يتولى شؤونهم ووضعت لهم جملة من القيود من يخالف أدناها يقتل شر قتلة.

 

الخيانة ونهاية البطل:

بعد هذه الوحشية منقطعة النظير وبعد سلسلة من المذابح والمجازر البشرية المروعة في حق مسلمي الأندلس وبعد فرار الكثير من الموريسكيين إلى إفريقية وبعد نفي بقيتهم داخل إسبانيا لم يبق أمام الإسبان سوى آخر فرسان الأندلس مولاي عبد الله وجيشه الصغير الذي ظل مقاومًا للصليبيين معتصمًا بأعماق الجبال، رافضًا للصلح أو المهادنة أو الخضوع لسلطة الصليب مهما كانت التضحيات، وهو في هذه الأثناء يقوم بحرب عصابات ضد الحاميات الإسبانية المنتشرة بغرناطة، وأوقعت هذه الحرب خسائر فادحة بالإسبان، ولكنها أيضًا أنهكت قوة جيش مولاي عبد الله الصغير.

 

ولأن هذا العصر وتلك الأيام كانت عصر الخيانة والعمالة وحب الدنيا وكراهية الموت والخوف على النفس والمال والعيال، فلقد استطاع أعداء الإسلام أن يستقطبوا ويجندوا أحد ضباط مولاي عبد الله محمد ويغروه بالأموال والمنح والوعود والعفو الشامل إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله محمد حيًا أو ميتًا، وكان الإغراء قويًا ومثيرًا والنفوس ضعيفة، فدبر هذا الضابط الخائن خطته لاغتيال آخر أبطال الأندلس، وفي ذات يوم هجم الخائن مع بعض من أغواهم على البطل مولاي عبد الله الذي قاومهم قدر استطاعته ولكنه وبعد معركة غير متكافئة سقط شهيدًا، فقام الخونة بفعلة شنيعة حيث ألقوا جثته من فوق الصخور لكي يراها الجميع ويعلم أسيادهم الإسبان بنجاح مخطط الغدر والخيانة، وهكذا تدفع الأمة من جديد ثمن خيانة بعض أبنائها وتفقد ولدًا بارًا وبطلًا عظيمًا قام بنصرتها والدفاع عن عرضها وحاول استعادة مجدها ولكنه وللأسف الشديد زمان الخيانة والعمالة!

 

هكذا يفعلون في أبطالنا:

إن ميراث الحقد والعداوة الدفين في قلوب أعداء الإسلام ضد كل ما هو مسلم ليدعو كل صادق وغيور لأن يكون على استعداد دائم للمعركة التي يخطط لها أعداء الإسلام، والصدام الوشيك بين الحق والباطل، وما فعله الإسبان بجثة البطل الشهيد مولاي عبد الله يدل على مدى الحقد الأعمى المشتعل في قلوب أعداء الإسلام، حيث قام الإسبان بحمل الجثة إلى غرناطة وهناك استقبلوها في حفل ضخم حضره الكبار والصغار، الرجال والنساء، ورتبوا موكبًا أركبت فيه الجثة مسندة إلى بغل وعليها ثياب كاملة كأنه إنسان حي، ومن ورائها أفواج كثيرة من الموريسكيين الذين سلموا عقب اغتيال زعيمهم، ثم حملت الجثة إلى النطع وأجري فيها حكم الإعدام، فقطع رأسها ثم جرت في شوارع غرناطة مبالغة في التمثيل والتنكيل ومزقة أربعًا وأحرقت بعد ذلك في الميدان الكبير ووضع الرأس في قفص من الحديد، رفع فوق سارية في خاصة المدينة تجاه جبال الشارات معقل الثورة ومنشأها، وهكذا يفعلون في أبطالنا.

 

المصادر:

1- محنة العرب في الأندلس "أسعد حومد".

2- الأندلسيون وهجراتهم "محمد رزوق".

3- التنصير القسري لمسلمي الأندلس "محمد عبده حتامله".

4- دولة الإسلام في الأندلس "محمد عبد الله عنان".

5- التاريخ الإسلامي "محمود شاكر".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (1/3)
  • الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (2/ 3)
  • الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (3/ 3)
  • فارس يطمح إلى أن يصبح رئيسا للجمهورية
  • فارس الكلمة والسيف

مختارات من الشبكة

  • رحل فارس الدعوة.. الشيخ أحمد الفارس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالرحمن بن محمد الفارس في لقاء: فن تنمية الموارد المالية للجهات الخيرية(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الفارس المتخفي ( قصة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الفارس والأميرة .. علاقة الرجل بالمرأة في العصر الحديث(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفارس ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الفارس الأعمى ( قصيدة تفعيلة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عنترة الفارس (الصفحة الثالثة)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • عنترة الفارس (الصفحة الثانية)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • عنترة الفارس (الصفحة الأولى)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • الفارس (قصيدة)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب