• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

أثر القرآن والانبهار به

منديل بن محمد آل قناعي الفقيه

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/8/2011 ميلادي - 23/9/1432 هجري

الزيارات: 56883

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أثر القرآن والانبهار به


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له بمثل خلقه عددا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كان قرآنا يمشي على الأرض فنال السؤددا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم وسار على الهدى أما بعد فاتقوا الله حق التقوى.

 

أيها المسلمون:

ما أجمل أن نتحدث عن القرآن في شهر القرآن فالقرآن الكريم هو: كلام الله العظيم وصراطه المستقيم، وهو أساس رسالة التوحيد، وحجة الرسول الدامغة وآيته الكبرى، وهو المصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، وهو الرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلَّا هالك، قال الله تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم (فَضْلُ كَلاَمِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ (الترمذي وقال حسن غريب، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ لاَ يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ وَلاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لاَ أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلاَمٍ وَمِيمٍ).

 

أيها المسلمون:

تأملوا كيف تنفعل (الجمادات الصماء) بسكينة القرآن ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ الجبال الرواسي التي يضرب بها المثل في صلابتها تتصدع وتتشقق من هيبة كلام الله وتأملوا كيف انبهر نساء المشركين وأطفالهم بسكينة القرآن ففي صحيح البخاري عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت "لم أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ولم يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلا يَأْتِينَا فيه رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يُصَلِّي فيه وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقِفُ عليه نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ منه وَيَنْظُرُونَ إليه وكان أبو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذلك أَشْرَافَ قُرَيْشٍ من الْمُشْرِكِينَ " وتأملوا كيف انبهر صناديد المشركين بسكينة القرآن ففي البخاري أنَّ جبير بن مطعم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يفاوضه في أسارى بدر فلما وصل إلى النبي وإذا بالمسلمين في صلاة المغرب وكان النبي إمامهم فسمع قراءة النبي ووصف كيف أخذت أحاسيسه سكينة القرآن فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فلما بَلَغَ هذه الْآيَةَ ﴿ أَمْ خُلِقُوا من غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السماوات وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ المصيطرون ﴾كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ " لله در العرب ما أبلغ عباراتهم هكذا يصور جبير أحاسيسه حين سمع قوارع سورة الطور حيث يقول: كاد قلبي أن يطير هذا وهو مشرك وفي لحظة عداوة تستعر إثر إعياء القتال وقد جاء يريد تسليمه أسرى الحرب فيبعد أن يتأثر المرء بكلام خصمه لكن سكينة القرآن هزّته حتى كاد قلبه أن يطير وتأملوا كيف انبهرت تلك المخلوقات الخفية الجن بسكينة القرآن ذلك أنَّه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في موضع يقال له بطن نخلة وكان يصلي بأصحابه صلاة الفجر فهيأ الله له مجموعة من الجن يسمَّون جنَّ أهل نصيبين فاقتربوا من رسول الله وأصحابه فلما سمعوا قراءة النبي في الصلاة انبهروا بسكينة القرآن وأصبحوا يتواصون بالإنصات كما حكى الله تعالى ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ﴾ وأخبر الله في موضع آخر عن ما استحوذ على هؤلاء الجن من التعجب فقال تعالى ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾.

 

وتأملوا كيف انبهر صالحوا البشر بسكينة القرآن فلم تقتصر آثار الهيبة القرآنية على قلوبهم فقط بل تعدتها إلى جلودهم فصارت تتقبّض من آثار القرآن كما قال تعالى ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ وتأملوا كيف انبهر صالحوا أهل الكتاب بسكينة القرآن فكانوا إذا سمعوا تالياً للقرآن ابتدرتهم دموعهم يراها الناظر تتلامع على خدودهم كما صورها القرآن في قوله تعالى ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ﴾.

 

وتأملوا كيف انبهرت الملائكة الكرام بسكينة القرآن فصارت تتهادى من السماء مقتربةً إلى الأرض حين سمعت أحد قراء الصحابة يتغنى بالقرآن في جوف الليل فعن أُسَيْدِ بن حُضَيْرٍ قال بَيْنَمَا هو يَقْرَأُ من اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مربوط عِنْدَهُ إِذْ جَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ وَسَكَتَتْ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ وكان ابْنُهُ يحيى قَرِيبًا منها فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فلما اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ حتى ما يَرَاهَا فلما أَصْبَحَ حَدَّثَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقْرَأْ يا بن حُضَيْرٍ اقْرَأْ يا بن حُضَيْرٍ قال فَأَشْفَقْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يحيى وكان منها قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إليه فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلى السَّمَاءِ فإذا مِثْلُ الظُّلَّةِ فيها أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حتى لَا أَرَاهَا قال وَتَدْرِي ما ذَاكَ قلت لَا قال تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ الناس إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى منهم ".

 

وتأملوا كيف انبهر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بسكينة القرآن كما صور القرآن تأثرَهم بكلام الله وخرورَهم إلى الأرض وبكاءَهم كما في قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ وتأملوا كيف انبهر أشرف الخلق وسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم بسكينة القرآن.

 

ففي البخاري عن عبداللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ عَلَيَّ قلت يا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قال نعم فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حتى أَتَيْتُ إلى هذه الْآيَةِ ﴿ فَكَيْفَ إذا جِئْنَا من كل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ قال حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إليه فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. الله أكبر يا لأَسرارِ القرآن ويا لعجائب هذه الهيبة القرآنية التي تستولي على النفوس فتخبت لكلام الله وتتسلل الدمعات والمرء يداريها ويتنحنح ويشعر المسلم فعلاً أن نفسه ترفرف بعد ما كانت تتثاقل إلى الأرض.

 

أيها المسلمون:

الجمادات الرواسي تتصدع ونساء المشركين وأطفالهم يتهافتون سراً لسماع القرآن، وصنديد جاء يفاوض في حالة حرب ومع ذلك "كاد قلبه يطير" لما سمع سورة الطور، والجن استنصتوا بعضهم وتعجبوا وولوا إلى قومهم منذرين والمؤمنون الذين يخشون ربهم ظهر الاقشعرار في جلودهم والقساوسة الصادقون فاضت عيونهم بالدمع والملائكة الكرام دنت من السماء تتلألأ تقترب من قارئ في حرّات الحجاز يتغنى في جوف الليل بالبقرة، والأنبياء من لدن آدم إذا سمعوا كلام الله خروا إلى الأرض ساجدين باكين ورسول الله حين سمع القرآن تصور عرصات القيامة ولحظة الشهادة على الناس فاستوقف صاحبه من شدة ما غلبه من البكاء. يا الله ما أعظم كلامك ! وما أحسن كتابك ! كتابٌ هذه منزلته وهذا أثره هل يليق بنا يا مسلمون أن نهمله؟ وهل يليق بنا أن نتصفح يومياً عشرات الجرائد والتعليقات والأخبار والإيميلات والمقالات ولا يكون لكتاب الله نصيبٌ من يومنا؟ فهل كتب الناس أعظم من كتاب الله؟ وهل كلام المخلوقين أعظم من كلام الخالق؟ لقد اشتكى رسول الله من كفار قومه حين هجروا القرآن وجأر بالشكوى إلى الله ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ ويا حسرتاه علينا إن نحن شابهنا الكفار في هجره أي خسارة أكبر؟ وأي حرمان أعظم من أن يستولي الكسل والخمول على المرء منَّا حتى يتدهور في منحدرات هجر القرآن. أيها المسلمون إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى إلى ربه الكفار بسبب هجر القرآن فهل نرضى لأنفسنا أن يشكونا رسول الله إلى ربه؟ وهل نرضى لأنفسنا أن نفعل ما يؤذي رسول الله؟ فأين توقيرنا لنبينا صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون: إن شهر رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كلَّ يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان كلَّ ثلاث ليال، وبعضهم في كلِّ سبع، وبعضهم في كلِّ عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كلِّ سبع دائماً، وفي رمضان في كلِّ ثلاث، وفي العشر الأواخر في كلِّ ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن وكان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل عليه شهر رمضان أغلق على كتبه وأخذ المصحف ومنع الفتوى والمساءلة مع الناس وقال هذا هو شهر رمضان هذا هو شهر القرآن فيمكث في المسجد حتى ينسلخ شهر رمضان. أيها المسلمون: إنَّ القضية لن تكلفنا الكثير إنَّما هي دقائق معدودة من يومنا نجعلها حقاً حصرياً لكتاب الله نتقلب بين مواعظه وأحكامه وأخباره فنتزكى بما نقرأ في آياته العظيمة من نبضٍ إيماني ومعدنٍ أخلاقي، والتزاماتٍ حقوقية ورسالةٍ عالميةٍ إلى الناس كافة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمون فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى المرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعد:

فاتقوا الله عباد الله ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾.

 

أيها المسلمون:

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ فأين المتلمسون لهدي القرآن ليقودهم لأقوم الطرق وأوضح السبل. فإذا لجت البشرية في طغيانها واستحكمت الظلمة على أهل الأرض في برها وبحرها وسادت الحيرة والضياع فئاماً من البشر في مشرق الأرض ومغربها كان للمؤمنين بهذا القرآن منجاة ومخرج ونور يضيء الطريق ويبدد ظلمات الحيرة والشك. فهل يعقل المسلمون قبل غيرهم هداية القرآن؟ وهل يستشفون به من كل داء والله يقول ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين ﴾.

 

أجل إنَّه القرآن يذهب ما في القلوب من أمراض الشك والنفاق والشرك والزيغ والضلال. إنَّه رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ولكن ليس ذلك إلَّا لمن آمن به وصدقه واتبعه كما قال العارفون. يقول تعالى ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ أفيليق يا عباد الله أن تتصدع الجبال الراسيات لعظمة القرآن، وتخشع الحجارة الصم لو نزل عليها هذا القرآن، وتظل قلوبنا صلدة لا تهزها قوارع القرآن، ولا تؤثر فيها مواعظ الفرقان. يقرأ المسلم كتاب الله ويهذه هذَّ الشعر وربما لم تنزل منه دمعة أو يقشعر له جلد فضلاً عن إصلاح حياته أو تهذيب سلوكه وفق توجيهات القرآن ولو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أمكانها أو تقطع به الأرض وتشقق أو تكلم به الموتى في قبورها لكان هذا القرآن دون غيره قال الله تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى... ﴾.

 

أيها المسلمون:

عَنْ تَمِيمٍ بن أوس الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" فأين النصح في دين الله لكتاب الله؟ أتدرون ما النصح لكتاب الله؟ قال العلماء: أمَّا النصيحة لكتابه فشدة حبِّه وتعظيم قدره وشدةُ الرغبة في فهمه وشدةُ العناية في تدبره والخشوع عند تلاوته والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، والاعتناء بمواعظه والتفكير في عجائبه، ونشر علومه، والدعاء إليه.. فيا حملة القرآن تمثلوا هدي القرآن في ذوات أنفسكم، واحملوه إلى غيركم وعلِّموه الأبناء وادعوا إليه الآباء واعقدوا له الحلق في المدن والقرى واصبروا وصابروا على ما ينالكم في سبيله من اللأواء، وليكن الإخلاص رائدكم والمتابعة لهدي محمد منهجاً في حياتكم وخذوا من همم السلف الصالحين ما يقوى عزائمكم. كتب يزيد بن أبي سفيان إلى عمر رضي الله عنه يقول: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعني برجال يعلمونهم، فدعا عمر الخمسة الذين جمعوا القرآن، فقال لهم أعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم، وأن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنتساهم هذا شيخ كبير يعنون أبا أيوب وأمَّا هذا فسقيم يعنون أبي بن كعب فخرج معاذ وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء، فقال عمر أبدوا بحمص فإنكم ستجدون النَّاس فيها على وجوه مختلفة فإن رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين قال فقدموا حمص فكانوا بها حتَّى إذا راضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ومعاذ إلى فلسطين فمات في طاعون عمواس ثمَّ صار عبادة إلى فلسطين وبها مات ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتَّى مات رضي الله عنهم وأرضاهم. هكذا فلتكن الجدية في تعليم كتاب الله والدعوة لدينه والنفع لخلقه حتى لو تغرَّب المعلمون عن الأوطان وتحملوا الموت في سبيل الغاية النبيلة عند المجاهدين الصادقين.

يا أهل الدثور يا أصحاب الولايات والمسؤوليات في بلاد المسلمين إنَّه لشرف لكم أن تساهموا في تعليم كتاب الله بأموالكم أو بجاهكم وكم هو شرف عظيم أن تشملنا الخيرية التي وَعَدَ بها الرسول صلى الله عليه وسلم كما في البخاري حين قال: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ).

اللهم اجعل لنا في الخير نصيباً وافراً واجعل القرآن لنا في الدنيا رفيقاً، وفي القبر مؤنساً وفي عرصات القيامة شافعاً، هذا وصلوا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر القرآن الكريم في لغة النصارى العرب
  • السياق القرآني وأثره في الكشف عن المعاني
  • أثر تدبر القرآن
  • أثر القرآن على النفوس
  • العلاقة بين القرآن والعقل

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أثر القرآن الكريم في الخطاب النثري الأندلسي في القرن الخامس الهجري(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اترك أثرا إيجابيا (10) حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اترك أثرا إيجابيا: عشر حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كتاب تهذيب الآثار: أثر من آثار الطبري في خدمة السنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • أثر سلبي وأثر نافع(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب