• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

بين يدي سورة ق (الجزء الثاني) (خطبة)

بين يدي سورة ق (الجزء الثاني) (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2024 ميلادي - 1/6/1446 هجري

الزيارات: 2584

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين يدي سورة ق (الجزء الثاني)

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ العليِّ الكبيرِ، العزيزِ القديرِ، ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر:1]، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى:11]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد:2]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، ومصطفاه وخليله، البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المُنيرُ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحابتهِ المغاويرِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم المصير.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق التقوى، واعلموا أن من تواضعَ لله رفعَهُ، ومن تكبرَ على الله وضعَهُ، ومن كان مع الله، كان اللهُ معَهُ، وإذا أردت أن تعرفَ قدركَ عندَ اللهِ، فانظر في هواكَ، وما تميلُ إليهِ نفسُكَ.. ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت:34].

 

معاشر المؤمنين الكرام: تدارسنا في الخطبة الماضية الثلث الأول من سورة ق، والذي عالج انكار المشركين للرسالة المحمدية ومبعثهم بعد الموت، بأنه من الطبيعي أن يختارَ اللهُ واحدًا من الناس، ليبلغهم رسالته، ويعلّمَهم شريعته، وأما البعث بعد الموت، فإن إعادة الخلقِ أهونَ من ابتدائه.. وأن من يتبصر في كتاب الكون المفتوح، يوقنَ بقدرة الله المطلقة على الخلق، وأنَّه قادرٌ سبحانه على أن يُحييَ الأجساد يوم القيامة ويبعثها.. وحيث أن ديدن جميعِ الكفار، هو العناد والإصرار، فقد ذكّر الله بمآل بعض من كذب الرسل من الأمم السابقة؛ تَسليةً لِرَسولِه صلى الله عليه وسلم، ولعل قومه يحذرون.

 

ثم يأتي الثلث الثاني من السورة: استطرادًا مع قضية البعث، التي عالجها سابقًا؛ ولكن بلمساتٍ جديدة، رهيبة شديدة.. فهي تتحدث عن علم الله الشامل بالإنسان، وأنه في قبضة الله المحكمة، وتحت رقابته الصارمة الدائمة.. وإنه لأمرٌ يملأ القلب خشيةً ورهبة.. كيف لا؟.. والانسان لو شعرَ أن جواسيسًا يراقبونهُ عن كثب، ويتتبعونه أينما ذهب، لخاف منهم واضطرب، ولا نقلب حاله رأسًا على عقب، علمًا أنه مهما كانت إمكانياتهُم فهم لا يرصدون إلا ظاهره.. كما أنه من الممكن أن يفلت منهم، بينما قبضةُ الجبار قبضةٌ محكمة، وسلطانه سلطان عامٌ مطبق، (أين ما تكونوا يأتي بكم الله جميعًا، إنّ الله على كل شي قدير) [البقرة:148]، ورقابتهُ جل وعلا رقابةٌ صارمة، فلا تخفى عليه خافية، (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) [غافر:19].. (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [طه:7]، تأمل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق:16].. (ولقد خلقنا الإنسان).. فيها إشارةٌ إلى أن صانع الشيءِ أدرى بصنعته، فكيف بالخالق جل وعلا؟ ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ﴾ [الملك:14].. فالله مطلعٌ على ظاهر الإنسانِ وباطنة، وإلى أدق الوساوسِ والخطرات الخفيةِ في أعماق صدره، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ).. وفي الآية تأكيدٌ على سَعةِ عِلمِ اللهِ تعالى بأحوالِ عباده، وتحذيرٌ لهم من مجرد التفكير بما يغضبه تَعَالَى، فهو بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ سبحانه، وَبمَلَائِكَتِهِ المكلفين، أقربُ إِلَى عَبْدِهِ مِنْ عِرق الوريد الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ.. ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].. وكل هذا يؤكدُ إحكام سيطرة الجبار، وقوة رقابته، ودقة متابعته.. ﴿ سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار ﴾ [الرعد:10]، ووالله لو استحضر العبد هذا الأمر بحسه، واستيقنه بقلبه، ما تجرأ على شيءٍ مما لا يرضى ربه.. ولاَستَحى من الله أن يَراه حيثُ نهاه، أو أن يَفقِدَهُ حيثُ أَمَره، ولحاسب نفسه على كل تفريطٍ وتقصير.. فها هي الآيات تستطرد في بيان قوة الرقابة، ودقة المتابعة.. فإذا الإنسانُ يعيشُ حياته كلها محاصرًا بين ملكين كريمين مكلفين به، أحدهما عن يمينه يرصد الحسنات، والآخرُ عن شماله يرصد السيئات.. ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق:16].. أي حاضرٌ رقيبٌ، لا يغفَلُ ولا يغيب، يرصده على مدار اللحظة.. قال الإمام سفيان الثوري لأصحابه يومًا: لو كان يجلس معكم مَن يرفع حديثكم إلى السلطان، أَكُنتُم تتكلمون بشيء يُغضِبه؟.. قالوا: لا، ومَن يجرؤ على ذلك.. قال: فاعلَموا أنّ الملائكة ترفع حديثكم إلى ربّكم.. وعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِن رِضوانِ اللهِ عزَّ وجَلَّ ما يظُنُّ أنْ تَبلُغَ ما بَلَغَت، يَكتُبُ اللهُ عزَّ وجَلَّ له بها رِضوانَه إلى يومِ القيامةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِن سَخَطِ اللهِ عزَّ وجَلَّ ما يظُنُّ أن تَبلُغَ ما بلَغَت، يَكتُبُ اللهُ عزَّ وجَلَّ بها عليه سَخَطَه إلى يومِ القيامةِ)، فكان عَلْقمةُ يقولُ: (كم مِن كَلامٍ قد مَنَعَنيه حديثُ بلالِ بنِ الحارِثِ)..

 

قال تعالى: ﴿ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بالحقَّ ﴾ [ق:19].. جاءت شَدائِدُ الموت وغمراته، لينكشف للمكذب ما كان ينكره من الحقّ، وليرى حقائق الآخرة كاملة، وليتيقن منها عيانًا، لكن بعد فوات الأوان، وحين لا ينفع اليقين.. ﴿ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق:19]، فالموت هو أشدُّ ما يحاول الانسانُ أن يهربَ منه ويروغ، وأنى له ذلك: فالموت زائرٌ لا يخلف الميعاد؛ وطالبٌ لا يفوته ما يطلب، ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ [الجمعة:8]، وإنّ مما يزيد الموت رهبةً شدة السكرات، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: «لا إله إلا اللهُ، إنَّ للموتِ سَكَراتٍ».. اللهم فارحمنا وهون علينا سكرات الموت..

 

ثم ينتقل الخطاب من سكرة الموت، إلى هول الحشر والحساب: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق:20].. ويا له من مشهد، ففي الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيفَ أنعَمُ وصاحِبُ الصُّورِ قد التقَم القَرْنَ وحَنَى جبهتَه ينتظِرُ متى يُؤمَرُ أنْ ينفُخَ".. ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق:21].. فالنفس إذن هي التي تحاسب، وهي التي تتلقى الجزاء. وهي حين تأتي يأتي بها سائقٌ من الملائكة يسوقها، وشاهدٌ من الملائكة يشهدُ لها أو عليها.. وهذا المشهد المروع أشبهُ بما يحدث للمتهم في المحكمة، ولكن بين يدي الجبار جلّ وعلا، فلا مقارنة.. حيثُ يوبخ المكذِّبُ في هذا الموقف العصيب، فيقال له: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ [ق:22]، (لَقَدْ كُنْتَ) فِي الدنيا (في غَفْلَةٍ) وشكٍ (مِنْ هَذَا) الموقف العصيب، فلم تصدق به، ولم تستعد له، (فَـ) اليوم حين (كَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ)، وظهرت لك الحقيقة كاملة، وأبصرت من الأهوال والنكال ما لم يخطر لك ببال، وتيقنت أن ما تعاينه ليس وهمًا ولا خيال.. (فـ) إن (بَصَرُكَ الْيَوْمَ) قويٌّ (حَدِيدٌ)..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِين ﴾ [النمل:87]..

 

ونكمل بإذن الله ما تيسر من التدبر في الخطبة الثانية..

 

أقول ما تسمعون...

 

الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى.. أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: بعد أن تنكشف حقائق الآخرة للمكذب وقبل أن يستيقظ من هو الصدمة، يتقدم قرينهُ من الملائكة ليشهد عليه، وهو الرقيب العتيد الذي كان يدون كل ما يصدر عنه في سجل أعماله: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا)، هو السجل الذي رصدت فيه كل (مَا) عمله في الدنيا، ها هو (لَدَيَّ) جاهزٌ (عَتِيدٌ).. ويقول الحق جل وعلا: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون ﴾ [الزخرف:29].. وبما أنّ كل ما في سجل اعمال هذا المكذب أعمالٌ كفّريةٌ مُشينة، تُدِينُه وتودِي به إلى الهلاك.. وبما أنّ الحكم العام على كل مشرك مُعاندٍ لله ورسوله، هو الخلود في جهنم، لذلك يأمر الله الملكين بإلقائه فيها.. ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ [ق:24].. وعندها يفزع قرينه من الجن ويخاف، ويبادر إلى إبعاد التهمة عن نفسه، ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد ﴾ [ق:27].. هكذا يتبرأ من اغوائه وإضلاله؛ ويتهمه أنه كان بطبعه بَعيدًا عن الحَقِّ والهدى، ميالًا من تلقاء نفسه نحو الضَّلالِ والردى.. بل ويصفه بأنه كان شديد الضلال والغواية.. وحيث أن هذا النزاع لن يفيد الخصمين شيئًا، فإنّ الله يحسم الأمر: ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد ﴾ [ق:28].. لا تختصموا أمامي فقد سبَق وأن حذرتكم وأرسلت لكم الرسل، وانزلت عليكم الكتب، وأقمْتُ عليكم الحُجَّةَ في الدُّنيا، فما لكم من عذر، وحُكمي لا يتغير ولا يتبدل، فإني أجازي كل عاملٍ بحسب عمله، ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾ [الزلزلة:7]، ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف:49]..

 

بهذا ينتهي مشهدُ الحساب الرهيب، لينتقل إلى مشهد الجزاء الأرهب: ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق:30].. وسؤال الجبار جل وعلا لنار جهنم وجوابها, يتجلى فيه مشهدٌ مرعبٌ مخيف.. فنارُ جهنمَ رغم كثرة ما يُقذفُ فيها من الكفار، إلا أنها حين تُسأل: ﴿ هل امتلأت ﴾، تتلمظ وتزفر غضبًا لربها؛ وغيظًا على المكذبين.. (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ).. فيا له من هولٍ مرعب.. بينما في الجهة الأخرى مشهدٌ على الضد من ذلك.. مشهد جميلٌ رائق، إنه مشهدُ الجنة وهي تقتربُ من المتقين، نعم الجنةُ تقترب من المتقين, ليتأملوها من قريب، ويروا ما فيها من الملك العظيم، والنعيم المقيم: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق:31].. ويقال لهم على وجه التهنئة والترحيب: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾ [ق:32]، هذه هي الجنة التي وعدَ الله بها كلَّ (أوَّابٍ حفيظ) قلبه متعلقٌ بربه، سريع الرجوع والأوبة إليه، حفيظٌ لحدود الله؛ محافظٍ على أداء الفرائض والواجبات.. ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق:33]، ملازمٌ لخشيةِ الله في الخلوات، كثير الإنابة والتوبة والطاعات، حريصٌ على ما يرضي ربه، بعيد عن كل ما يسخطه.. ثم يؤذن لهم بدخولها: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَام ﴾ [ق:34].. أدخلوها بسلامٍ آمنين.. آمنينَ من كل ما يكدر صفو نعيم هم.. ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق:34].. فنعيمهم دائمٌ لا يزول عنهم، لا يزولون عنه.. ثم يعلن في الملأ الأعلى، تنويهًا بشأنهم، وبيانًا لما لهم من الكرامة عند ربهم: أنّ ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد ﴾ [ق:35].. وهو كقوله تعالى في سورة الزخرف: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف:71]، فمهما اقترحوا، ومهما تمنوا ومهما تخيلوا، فإنهم لن يبلغوا ما أعده الله لهم.. فالمزيد من ربهم غير محدود..

 

وأعظم ذلك وأفضله رضوان الله الدائم عليهم، مع لذة النظرِ إلى وجه الله الكريم؛ والتمتعُ بسماع كلامه الجميل؛ والتنعّمُ بقربه الجليل.. في صحيح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: "يكشف الحجابَ؛ فما أُعطوا شيئا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس:26].. نسأل الله من واسع فضله، وعظيم كرمه..

 

وبقي لنا مع هذه السورة المباركة وقفة أخيرة، نتدارسها بإذن الله في خطبة قادمة..

 

فيا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة قريش
  • وقفات مع سورة ق
  • تفسير سورة قريش
  • تفسير سورة ق كاملة
  • تفسير سورة قريش
  • تدبر سورة ق (خطبة)
  • بين يدي سورة ق (الجزء الأول) (خطبة)
  • بين يدي سورة ق (الجزء الثالث) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير آية: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي سورة العصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي أعظم سورة في القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي الفاروق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر اختلال الموازين بين يدي الساعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نصائح بين يدي رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة بين يدي رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • بين يدي الساعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمات بين يدي الإسراء والمعراج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب