• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وقفات مع سورة الزلزلة (خطبة)

وقفات مع سورة الزلزلة (خطبة)
رمضان صالح العجرمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/8/2024 ميلادي - 5/2/1446 هجري

الزيارات: 10817

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(وقفات مع سورة الزلزلة)

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بهذه السورة الجليلة العظيمة، التي تُصوِّر لنا مشاهدَ من يوم القيامة؛ تنبيهًا للغافلين، وتحفيزًا للمجتهدين.

 

مقدمة ومدخل للموضوع:

• أيها المسلمون عباد الله، نقف بإذن الله تعالى هذه الوقفات التربوية، ونعيش هذه اللحظات في رحاب سورة من سور القرآن الكريم، نقتطف منها الدروس والعبر، سورة هي من قصار السور، لكنها تهُزُّ القلوب الغافلة، وتُزلزل القلوب القاسية، وتأخذ الناس أخذًا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، سورة عددُ آياتها قليلة، وكلماتها معدودة، لكنها تحمل من المعاني والعِظات ما تخشع لها الجبال، وتهتز لها القلوب في الصدور.

 

• وقد وَرَدَ ذكرها في السنة النبوية؛ كما في مسند الإمام أحمد، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أقرِئني يا رسول الله، قال له: اقرأ ثلاثًا من ذوات ﴿ الر ﴾، فقال له الرجل: كبُر سِنِّي، واشتد قلبي، وغلُظ لساني، قال: فاقرأ من ذوات ﴿ حم ﴾، فقال مثل مقالته الأولى، فقال: اقرأ ثلاثًا من المسبحات، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: ولكن أقرئني يا رسول الله سورةً جامعةً - يعني: سورة جامعة لأنواع الخير ومختصرة ليسهل عليه حفظها - فأقرأه: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1] حتى إذا فرغ منها، قال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدًا، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرُّوَيْجل، أفلح الرويجل))؛ [رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الحاكم].

 

• وعن معاذ بن عبدالله الجهني رضي الله عنه، أن رجلًا من جُهَينة أخبره ((أنه سمِع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ﴾ [الزلزلة: 1] في الركعتين كلتيهما))؛ [رواه أبو داود، والبيهقي، وحسنه الألباني]، وروى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ﴾ [الزلزلة: 1]، عُدِلت له بنصف القرآن، ومن قرأ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، عدلت له برُبُع القرآن، ومن قرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، عدلت له بثلث القرآن))؛ [ضعيف]، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لما نزلت: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1] بكى أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك يا أبا بكر؟ لولا أنكم تُخطئون وتُذنبون فيغفر لكم، لَخَلَقَ الله أمةً من بعدكم يُخطئون ويُذنبون، فيغفر لهم)).

 

• فهيا بنا فلنعِشْ هذه اللحظات المباركات، مع هذه الوقفات، نتأمل فيها ونتدبر آيات هذه السورة المباركة، وهي سورة مدنية، وعدد آياتها ثماني آياتٍ، وسُمِّيَت بالزلزلة لافتتاح آياتها بقوله تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1]، ومن أسماء هذه السورة أيضًا: الزلزال؛ لأنها تحدثت عن حدوث الزلزال يوم القيامة، و"إذا زلزلت"؛ لأن الله تعالى افتتح السورة الكريمة بها.

 

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1].

• أي: إذا حُرِّكت الأرض حركةً شديدة، واضطربت لقيام الساعة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 4 - 6]، وقال تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 21 - 23].

 

• وتساءل أهل العلم عن هذه الزلزلة التي تحدث للأرض، هل هي قبل قيام الساعة، أم بعدها؟ فقال بعضهم: قبلها، وقال آخرون: بعدها، وجمع آخرون بين القولين: بأن هذه الزلزلة تكون في آخر عمر الدنيا، وهي أول أحوال الساعة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 13 - 18].

 

• وهذه الزلزلة أمرُها عظيم لأنها تكون عامة، وليس كزلازل الدنيا التي تكون في ناحية دون أخرى؛ ولذلك يشيب منها الولدان، وتذهل من هولها المراضعُ؛ كما وصف الله تعالى حال الناس في هذا الوقت: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2] وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النازعات: 6 - 9].

 

• هذه الأرض التي لطالما عُصِيَ الله على ظهرها، فكم من مظالم حصلت بسببها! وكم من دماء أُرِيقت بسببها! وكم من ذنوب ومعاصٍ ارتكبت على ظهرها! هذه الأرض يأتي يومٌ تُرَجُّ بأهلها رجًّا، وتُدَك بأهلها دكًّا، وتتزلزل زلزالًا شديدًا؛ فتندكُّ جبالها، وتسوَّى تلالها، وتكون قاعًا صَفْصَفًا لا عوج فيه ولا أمت.

 

• بل يأتي يومٌ تتبدل فيه هذه الأرض غير الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [إبراهيم: 48، 49].

 

﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 2].

• أي: ألْقَتْ ما في بطنها من الموتى، ومن الكنوز؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾ [الانشقاق: 3، 4]؛ أي: بُسطت ووسعت، وقذفت ما في بطنها من الأموات، وتخلَّت عنهم.

 

• فمن أثقالها كنوز الأموات في بطنها؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَقِيء الأرض أفلاذَ كبدِها، أمثال الأُسْطُوانِ من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلتُ، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعتُ رَحِمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا))؛ قال الطبري رحمه الله: "إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوق ظهرها حيًّا فهو ثقل عليها؛ ولذا سُمِّيَ الإنس والجن بالثقلين".

 

﴿ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾ [الزلزلة: 3]

• إذا رأى هذا الأمر العظيم، قال مستعظمًا لذلك: ﴿ مَا لَهَا ﴾؟ أي: ما الذي حدث للأرض؟ وأي شيء أصابها؟ ولماذا اضطربت، وارتجَّت؟

 

﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4]

• أي: تخبر الأرضُ بما عمِل العاملون على ظهرها من خير أو شر؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4] قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أَمَةٍ بما عمل على ظهرها؛ أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها))؛ [رواه الترمذي، والنسائي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع].

 

• نعم، ستتكلم الأرض وتتحدث بأمر من الله تعالى: فلان ارتكب كذا وكذا من المعاصي على ظهري، فلان شرب الخمر، فلان زنى، فلان فعل كذا وكذا في مكان كذا، وتتحدث أيضًا: فلان سجد في مكان كذا، فلان ذكر الله عز وجل في مكان كذا، فماذا ستتحدث عنك الأرض يا عبدالله؟ هل بالخطوات التي تخطوها إلى فعل المعاصي والشهوات، أم بالخطوات التي تخطوها لفعل الطاعات؟! قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12] قال مجاهد رحمه الله: "وآثارهم؛ أي: خُطاهم".

 

• ولما جاء بنو سلمة يطلبون القرب من المسجد؛ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا بني سلمة، ديارَكم تُكْتَبْ آثاركم، دياركم تكتب آثاركم))؛ أي: الزموا البقاء في دياركم البعيدة؛ تُكتَب آثار خُطاكم.

 

• ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى مُصلَّى العيد، ذهب من طريق، ورجع من طريق آخر؛ قال العلماء: حتى يشهد له كلا الطريقين يوم القيامة.

 

• ولقد كان الصحابة ينتبهون لهذا الأمر جيدًا، ويحرصون كل الحرص؛ فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "اذكروا الله عند كل حُجيرة وشُجيرة؛ لعلها تأتي يوم القيامة فتشهد لكم"، وكان أحدهم يصلي في المسجد الواحد في أكثر من مكان وموضع، فلما سُئِل، قال: "قرأت قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4]، فأردت أن تشهد لي يوم القيامة"؛ ولهذا السبب - والله أعلم - جاء النهي أن يتعاهد المصلِّي مكانًا واحدًا في المسجد يجلس فيه، وقال أحد العلماء: من عصى الله تعالى في مكان من الأرض، فلْيُطِعْه في نفس الموضع حتى يشهد له بالحسنات؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114].

 

• بل حتى ما على هذه الأرض من شجر وحجر سيشهد أيضًا لك أو عليك يوم القيامة؛ ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنس ولا شيء، إلا شهِد له يوم القيامة)).

 

﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: 5]

• أي: أمَرَها بالكلام، وأذِن لها بأن تخبر بما عُمِلَ عليها؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "قال لها ربها: قولي، فقالت".

 

﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾ [الزلزلة: 6]

• أي: يوم أن تزلزل الأرض، وتُلقِي ما في بطنها من الأموات، يصدر الناس إلى ساحة فصل القضاء، ويكونون أشتاتًا؛ أي: أنواعًا وأصنافًا ما بين شقيٍّ وسعيد، وما بين مأمور به إلى الجنة، ومأمور به إلى النار بحسب أعمالهم، فيرجع الناس من الموقف بعد الحساب والعرض، ﴿ أَشْتَاتًا ﴾ متفرقين؛ فآخذٌ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليرَوا جزاء أعمالهم"، والمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فِرَقًا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار.

 

• ليس معهم ما كان يميزهم على الناس في الدنيا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم: 14 - 16].

 

نسأل الله العظيم أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يرزقنا العلم النافع.

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون عباد الله، ما زِلْنا في رحاب هذه السورة المباركة، ومع الآيتين الأخيرتين:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]

• هذه الآية الكريمة من جوامع المعاني؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر قال: ما أنزل الله عليَّ فيها إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]))، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "أحكم آية في القرآن: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]"، قال مقاتل رحمه الله: "نزلت هذه الآية في رجلين، وذلك أنه لما نزل: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [الإنسان: 8]، كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يُعطيَه التمرة والكِسرة والجَوزة ونحوها، يقول: ما هذا بشيء، إنما نُؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير؛ كالكذبة والغِيبة والنظرة وأشباه ذلك، ويقول: إنما وعد الله النار على الكبائر، وليس في هذا إثمٌ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغِّبهم في القليل من الخير أن يُعطُوه، فإنه يوشك أن يكثُر، ويحذرهم اليسير من الذنب، فإنه يُوشِك أن يكثُر".

 

• ومن الآيات الكريمة التي وردت في هذا المعنى؛ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، وقوله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].

 

• هذه الآية تدريب لأهل الإيمان، وأهل الخير على عدم استصغار الأعمال اليسيرة؛ فمهما قلت وصغرت، فإن لها مكانة عظيمة عند الله تعالى، بل ورُبَّ عملٍ يسيرٍ يكون سببًا في نجاة صاحبه من النار؛ ففي صحيح البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، ولو بكلمة طيبة))، وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة؛ فإنها تسُدُّ من الجائع مسدها من الشبعان))؛ [رواه أحمد].

 

• ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعانيَ في عدم استصغار الأعمال، فإنها ربما تكون سببًا في دخول الجنة؛ فقد جاءت أحاديث كثيرة مؤكدة لهذا المعنى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تُفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط))؛ [رواه أحمد]، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا دخل الجنة بسبب شربة ماء سقاها لكلب يلهث من العطش، وأن امرأة بَغِيًّا من بني إسرائيل دخلت الجنة بسبب كلب أيضًا.

 

• فإن العمل اليسير يعظم أجره عند الله تعالى؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدَّق بعِدلِ تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبه، كما يُربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل)).

 

• ولقد فهِم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى؛ فلم يضيعوا أيَّ باب من أبواب الخير؛ فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتصدق بعنبة، فلما سُئِلت، قالت: أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة!

 

• ولو أنك فتشت في حياتك اليومية، لوجدت العشرات من الأعمال اليسيرة التي تمر عليك مرور الكرام بدون اغتنامها؛ فهذا أذًى في الطريق؛ ((وإماطة الأذى عن الطريق صدقة))، وهذا أخوك المسلم تلقاه بوجه عبوس؛ ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة))، وهذه كلمة طيبة، وهذا متاع تحمله مع أخيك المسلم، وهذه نصيحة، وهذه جنازة تسمع بها والقيراط مثل جبل أحد، وهذا إفشاء سلام على من عرفت ومن لم تعرف، وهذا تسبيحة، وهذه آية من كتاب الله عز وجل، كم فيها من الحسنات!

 

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 8]

• وفي المقابل يجب على المسلم ألَّا يحتقر قليل الشر؛ فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم من الجبال عند الله تعالى يوم القيامة؛ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحقِّرات الذنوب، فإنما مَثَلُ محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخَذ بها صاحبها تُهلِكه))؛ [رواه أحمد]، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((مَثَلُ محقِّرات الذنوب كمثل قوم سفر نزلوا بأرض قَفْرٍ، معهم طعام لا يصلحهم إلا النار، فتفرقوا، فجعل هذا يجيء بالروثة، ويجيء هذا بالعظم، ويجيء هذا بالعود، حتى جمعوا من ذلك ما أصلحوا به طعامهم، فكذلك صاحب المحقرات، يكذب الكذبة، ويذنب الذنب، ويجمع من ذلك ما لعله أن يُكِبَّه الله به على وجهه في نار جهنم)).

 

• وتأمل خطورة هذه المحقرات التي يستهين بها الناس يوم القيامة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي مات يوم خيبر، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشَّملة لَتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم تُصِبْها المقاسم، قال: ففزِع الناس، فجاء رجل بشِراكٍ أو شِراكَين، فقال: يا رسول الله، أصبتُ يوم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار أو شراكان من نار)).

 

• وتأمل أيضًا خطورة هذه المحقرات حتى لو كانت كلمة واحدة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن العبد لَيتكلمُ بالكلمة ما يتبين فيها يزِلُّ بها إلى النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب))، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم))؛ [رواه البخاري]، وفي رواية: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه))؛ [رواه مالك في "الموطأ"، والترمذي]، ولما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: ((حسبك من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لَمَزَجَتْهُ))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وصححه الألباني].

 

• ولذلك تربى الصحابة على مثل هذه المعاني في عدم استصغار الذنب؛ في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "إنكم لَتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشَّعر، إن كنا لَنَعُدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات"؛ يعني: المهلكات، وعن بلال بن سعد رحمه الله قال: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظم من عصيتَ"، ويقول ابن القيم رحمه الله: "إذا يئس الشيطان من إيقاع الإنسان في ارتكاب الكبائر، فإنه يدعوه إلى ارتكاب الصغائر التي إذا اجتمعت على الإنسان ربما أهلكته".

 

• فاعلم - يا عبدالله - أن مثقال الذرة من الخير في ميزانك يتنامى، فلا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، واعلم كذلك أن مثقال الذرة من الشر مرصود في حسابك، فاحذر من التساهل فيه واحتقاره، فإن الذنب ولو كان صغيرًا إذا احتُقِرَ من صاحبه، وتُسُوهل فيه، يتعاظم ويكبُر حتى يكون أمثال الجبال.

 

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الزلزلة
  • مشاهد من سورة الزلزلة
  • خطبة وقفات مع سورة الزلزلة
  • تفسير سورة الزلزلة

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب