• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هجرية (PDF)
    وائل بن علي بن أحمد آل عبدالجليل الأثري
  •  
    عيد الأضحى بين الروح والاحتفال: كيف نوازن؟
    محمد أبو عطية
  •  
    مسائل وأحكام تتعلق برمي الجمرات في الحج
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (5)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وقفات مع سورة العصر: في رحاب سورة العصر (1) (خطبة)

وقفات مع سورة العصر: في رحاب سورة العصر (1) (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/9/2022 ميلادي - 19/2/1444 هجري

الزيارات: 42618

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات مع سورة العصر

(في رحاب سورة العصر(1))

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 1 - 3].

 

وَنشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، الأوَّلُ وَالآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الحديد: 6].

يا أنتَ يا أحسنَ الأسماءِ في خَلَدي
ماذا أُعرِّفُ من مَتْنٍ ومن سَندِ
تَقَاصرَتْكلُّهاالأوصافُعندكمُ
لمَّا سَمِعْنا ثناءَ الواحدِ الأحدِ
واللهِ لو أنَّ أقلامَ الوَرَى بُريتْ
مِن العروقِ لمدحِ السيِّدِ الصَّمَدِ
لم نبلغِ العُشرَ مما يستحقُّ ولا
عُشرَ العشيرِ وهذا غايةُ الأمدِ

 

وَنشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وحبِيبُهُ وخلِيلُه، الأُمِّيُّ الَّذِي عَلَّمَ المُتَعَلِّمِين، واليتِيمُ الَّذِي بَعَثَ الأَمَلَ في قُلُوبِ الْبَائِسِين، والهادِي الَّذِي قَادَ سَفِينَةَ الْعَالَمِ الحَائِرِ في خِضِمِّ المُحِيطِ ومُعترَكِ الأَمْوَاجِ إِلى شَاطِئ النَّجاةِ وبَرِّ السَّلامةِ بمَعْرِفَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَةٍ
مِنَ الرُّسْلِ والأوثانُ في الأرضِ تُعبَدُ
فَأمْسَى سِرَاجًا مُسْتَنيرًا وَهَادِيًا
يَلُوحُ كما لاحَ الصَّقِيلُ المُهَنَّدُ
وأنذرَنا نارًا، وبشَّرَ جنةً
وعلَّمنا الإسلامَ فاللهَ نحْمَدُ

اللهم صلِّ وسلِّم عليه، صلاةً ترفع منار قائلها، وترسل عليه سحائب المغفرة بوابِلها، وبعد:

أيها المسلمون، عباد الله، في هذه الدقائق سنعيشُ -بإذن الملك جلَّ جلالُهُ- مع سورةٍ هي إِحْدى ثلاث سورٍ هنَّ أقصرُ السُّورِ من حيث عدد الآيات، فآيُاتُها ثلاثٌ، وهي مكيَّةٌ، وقد عُدَّت الثَّالثة عشْرَةَ في عدادِ نزولِ السُّوَرِ، نزلتْ بعد سُورَةِ الانْشِرَاحِ وقبل سورة العادياتِ.

 

وهذه السورة- وإن كانت قليلة الآيات، معدودة الكلمات- عظيمةُ المبنى، بليغةُ المعنى، غزيرةُ المحتوى، ثريَّةُ المضمون؛ بل هي من أجْمَعِ سورِ الْقُرْآن للخير بحذافيره، وقد كان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يتَّخَذُونهَا شِعَارًا لَهُمْ فِي مُلْتَقَاهُمْ؛ وقبل تفرُّقهم؛ فقد رَوَى الطبراني: «كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يفترقا إِلَّا عَلَى أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ سُورَةَ الْعَصْرِ إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ»[1].

 

فهذا الصنيعُ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يدُلُّ على عِظَم شأنها وعلوِّ منزلتها، وما تحمله من وصايا عظيمة يتعاهدون عليها.

 

لقد تضمنت هذه السورة القصيرة- ذات الآيات الثلاث- منهجًا كاملًا للحياة البشرية، يرسم طريق النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وأوجزت معالم هذا المنهجِ في أمورٍ أربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الحق، والصبر والثبات عليه.

 

وقد رُوي عن الشَّافِعِيِّ أنه قَالَ: لو تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَوَسِعَتْهُمْ[2]، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَوْ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى النَّاسِ إِلَّا هِيَ لَكَفَتْهُمْ[3].

وَبَيَانُ ذَلِك -يا عباد الله-: أن الْمَرَاتِب أربعةٌ، وباستكمالها يحصل للشَّخْصِ غَايَةُ كَمَاله.

 

إحداها: معرفَةُ الْحق، الثَّانِيَةُ: عملُه بِهِ، الثَّالِثَةُ: تَعْلِيمُه مَن لَا يُحسِنُه، الرَّابِعَة: صبرُه على تعلُّمِه وَالْعَمَلِ به وتعليمِه.


فَذكر تَعَالَى الْمَرَاتِب الأربعة فِي هَذِه السُّورَة، وأقسم سُبْحَانَهُ أنَّ كل أحد فِي خسرٍ ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [العصر: 3] وهم الَّذين عرَفُوا الْحق وَصَدَّقُوا بِهِ، فَهَذِهِ مرتبَة ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [العصر: 3] عمِلُوا بِمَا علِموه من الحقِّ، فَهَذِهِ مرتبَة أخرى ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3] وصَّى بِهِ بعضهم بَعْضًا تَعْلِيمًا وإرشادًا، فَهَذِهِ مرتبَة ثَالِثَة ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3] صبرُوا، ووصَّى بعضُهم بعضًا بالصَّبرِ على الحقِّ والثباتِ عليه، فَهَذِهِ مرتبَة رَابِعَة، وهذا نهاية الْكَمَال؛ أن يكون الشَّخْصُ كَامِلًا فِي نَفسه مُكمِّلًا لغيره.

 

أيها الفضلاء، تبدأ سورة العصر بقَسَم: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [العصر: 1]، قيل: هو: الوقتُ، أو العمرُ، أو الدَّهْرُ، أو الزَّمَانُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ حَرَكَاتُ بَنِي آدَمَ، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فهو محل العمل الصالح الذي به سعادةُ العبد في دنياه وأُخْراه، فالأيام والليالي خزائنُ للأعمال الصالحة، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

 

ومرورُ الليالي والأيامِ والشهورِ والأعوامِ، وجريانُ الأفلاكِ وتعاقبُ الفصولِ من أعظم الآيات الكونية، قال الله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، وقال تعالى وتبارك: ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 6].

 

عن بعض السلف: تعلَّمتُ معنى السورةِ من بائع ثلج؛ كان يصيح ويقول: ارحموا مَن يذوبُ رأسُ مالِه، ارحموا مَن يذوبُ رأسُ مالِه، فقلتُ: هذا معنى ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 2]، يمرُّ به العصرُ فيمضي عمرُه ولا يكتسب، فإذا هو خاسر[4].

وَأَرَى الزَّمَانَ سَفِينَةً تَجْرِي بِنَا
نَحْوَ الْمَنُونِ وَلَا نَرَى حَرَكَاتِهِ

 

قال قتادةُ: فأدُّوا إلى اللَّه من أعمالِكُم خيرًا في هذا الليلِ والنَّهارِ، فإنَّهما مطيَّتانِ تُقْحمانِ الناسَ إلى آجالِهِم، يقرِّبان كلَّ بعيد، ويُبليانِ كلَّ جديد، ويَجِيئانِ بكلِّ موعودٍ إلى يوم القيامة[5].

 

وكَانَ الحَسَنُ يَقُول: ابْنَ آدَم، إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُك[6].

 

وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كما أنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا[7].

إِذا كانَ رَأْسُ الْمالِ عُمْرَكَ فاحْتَرِزْ
عَلَيْهِ مِنَ الإِنْفاقِ فِي غَيْرِ واجِبِ
فَبَيْنَ اخْتِلافِ اللَّيلِ وَالصُّبْحِ مَعْركٌ
يَكِرُّ عَلَيْنا جَيْشُهُ بِالْعَجائِبِ

 

وعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَ أَحَدُهُمْ أَشَحَّ عَلَى عُمْرِهِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمِهِ وَدِينَارِهِ[8]، وكان بعضهم يقول:

 

لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا
سِوى الإِكْثَارِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إِلَّا
لِكَسْبِ الْعِلْمِ أَوْ إِصْلاحِ حَالِ[9]


وقديمًا قيل: الأيامُ ثَلاثَةٌ: أَمْسِ قَدْ مَضَى بِمَا فِيهِ، وغدًا لعلك لا تُدْرِكُه، وإنما هو يومُك هذا فاجتهدْ فيه، فلِلَّهِ دَرُّ مَنْ تَنَبَّهَ لِنَفْسِهِ، وَتَزَوَّدَ لِرَمْسِه، وَاسْتَدْرَكَ مَا مَضَى مِنْ أمْسِه قبلَ طُولِ حَبْسِه [10].

يقُولُونَ إنَّ الدَّهرَ يَومَانِ كُلَّهُ
فَيومٌ مَسَرَّاتٌ ويومٌ مكَارِهُ
وما صَدَقُوا والدَّهْرُ يومٌ مسَرَّةٌ
وأَيَّامُ مَكْرُوهٍ كَثِيرُ البَدَائِهِ


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [يونس: 45].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله، فاستغفروه ثم توبوا إليه إنه هو الغفور التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، أحمدُه حمدًا لا انقطاعَ لراتِبِه، ولا إقلاعَ لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سميعٌ لمن يُنادِيه، قريبٌ ممن يُناجِيه، وأشهد أن نبيَّنا وحبيبنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على ذلك السبيل، وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبيل، وبعـد:

قال رجلٌ لدَاوُد الطَّائِيِّ: أَوْصِنِي، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَخِي، إِنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلُ يَنْزِلُهَا النَّاسُ مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً، حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ سَفَرِهِمْ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُقَدِّمَ كُلَّ يومٍ زَادًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْك فَافْعَلْ، فَإِنَّ انْقِطَاعَ السَّفَرِ عَنْ قَرِيبٍ، وَالأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَتَزَوَّدْ لِنَفْسِكَ وَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ[11].

 

وقال يحيى بن معاذ: الفوتُ أشدُّ من الموت؛ لأن الفوتَ انقطاعٌ عن الحق، والموتُ انقطاعٌ عن الخلْق[12].

 

ورحم اللهُ الوزيرَ ابنَ هبيرةَ، إذ يقول:

والوقْتُ أَنْفَسُ ما عُنِيتَ بِحِفْظِهِ
وَأَرَاهُ أسْهَلَ ما عليكَ يَضِيعُ[13]

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَتْ شمسُه، نقصَ فيه أجلي، ولم يزِد فيه عملي[14].

إِذَا مَضَتِ الأَوْقَاتُ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ
وَلَمْ تَكُ مَحْزُوْنًا فَذَا أعْظَمُ الخَطْبِ
عَلامَةُ مَوْتِ الْقَلْبِ أَنْ لا تَرَى بِهِ
حَرَاكًا إِلى التَّقْوَى ومَيْلًا عَنِ الذَّنْبِ


لَمَّا عَلِمَ الصَّالِحُون قِصَرَ العُمرِ، وحثَّهُم حادِي ﴿ وَسَارِعُوا ﴾ [آل عمران: 133]؛ طَوَوْا مَرَاحِلَ اللَّيْلِ مَعَ النَّهَارِ انْتِهَابًا لِلأَوْقَاتِ.

دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قائِلَةٌ لَهُ
إنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعدْ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا
فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي

 

فَمَنْ غَفَلَ عَنْ نَفْسِه، تَصَرَّمَتْ أوْقَاتُه، وعَظُمَ فَوَاتُه، واشْتَدَّتْ حَسَراتُه، فَكَيْفَ حَالُه إذَا عَلِمَ عِنْدَ تَحْقِيْقِ الفَوَاتِ مِقْدَارَ مَا أضَاعَ، وطَلَبَ الرُّجْعَى، فَحِيْلَ بَيْنَه وبَيْنَ الاسْتِرْجَاعِ، وطَلَبَ تَنَاوُلَ الفَائِتَ، وكَيْفَ يَرُدُّ الأمْسُ فِي اليَوْمِ الجَدِيْدِ؟! ﴿ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [سبأ: 52]، ومُنِعَ مِمَّا يُحِبُّه ويَرْتَضِيْه، وعَلِمَ أنَّ مَا اقْتَنَاهُ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي للعَاقِلِ أنْ يَقْتَنِيه، وحِيْلَ بَيْنَه وبَيْنَ مَا يَشْتَهِيْه!

فَيَا حَسَرَاتٍ مَا إِلى رَدِّ مِثْلِها
سَبِيْلٌ ولَوْ رُدَّتْ لَهَانَ التَّحَسُّرُ

وقد قيل: من علامة المقت، إضاعةُ الوقت[15]، وقيل: إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ من الْمَوْت[16].

وَكُنْ صَارِمًا كَالْوَقْتِ فالمَقْتُ فِي عَسَى
وإيَّاكَ مَهْلًا فَهْيَ أَخْطَرُ عِلَّةِ



عن مجاهد قال: مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، وَلَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا، فَانْظُرْ مَاذَا تَعْمَلُ فِيَّ، فَإِذَا انْقَضَى طَوَاهُ، ثُمَّ يُخْتَمُ عَلَيْهِ فَلَا يُفَكُّ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَفُضُّ ذَلِكَ الْخَاتَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[17].

 

كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ، الْيَوْمُ ضَيْفُكَ، والضَّيْفُ مُرْتَحِلٌ، يَحْمَدُكَ أَوْ يَذُمُّكَ، وَكَذَلِكَ لَيْلَتُكَ[18].

 

عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا يُنَادِي: ابْنَ آدَمَ، اغْتَنِمنِي لَعَلَّهُ لَا يَوْمَ لَكَ بَعْدِي، وَلَا لَيْلَةٌ إِلَّا تُنَادِي: ابْنَ آدَمَ، اغْتَنِمنِي لَعَلَّهُ لَا لَيْلَةَ لَكَ بَعْدِي[19].

 

مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا
وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً
فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ
فَيَوْمُكَ إِنْ أَعْتَبْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ
عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ
لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ



قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:إني لأكره أن أرَى أحَدَكم سَبَهْلَلًا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة[20].

 

قال الإمام أحمد: ما شبَّهتُ الشَّبابَ إلا بشيءٍ كان في كُمِّي فسَقَط[21].

 

فبادر- يا عبد الله- ساعاتِ العمر وهي سانحة، ولا تتعلق بالغائب المجهول، فكل ظرف مملوء بشواغله وأعماله ومفاجآته.

 

أوصى جعفر بن محمد العباسي عند موته أن يُكتَب على قبره: حوائجُ لم تُقض! وآمالٌ لم تنل! وأنفُسٌ ماتتْ بحسراتها![22]

ولم يَتَّفِقْ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ
وكَمْ حَسراتٍ في بُطُونِ المقَابِرِ

 

وكان سفيان يقول: عِند الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى، وَعِنْدَ الْمَمَاتِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ التُّقَى[23]، ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [يونس: 45].

 

هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار، سيد الأبرار، وإمام الأخيار، اللهم فصَلِّ وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وعلى مَنْ سار على دَرْبِهم، وأقتفى سُنَّتهم، واتبَع الآثار، ما تعاقب الليل والنهار.

 

اللهم احفظ أوقاتنا من الضياع، وأيامنا من الغفلة، واجعل مقاصدنا في أوقاتنا عظيمة، وأعمالنا فيها صالحة كريمة.

اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك أوَّاهين، لك مخبتين، إليك راغبين، يا رب العالمين.



[1] رواه الطبراني في المعجم الأوسط، من حديث أبي مدينة الدارمي (5/ 215)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (6/ 147).

[2] تفسير ابن كثير (8/ 456).

[3] نظم الدرر (8/ 521).

[4] تفسير الرازي (32/ 278).

[5] تفسير ابن رجب (1/ 535).

[6] الزهد لأحمد (ص225).

[7] أدب الدنيا والدين (ص122).

[8] شرح السنة للبغوي (14/ 225).

[9] غذاء الألباب فيشرح منظومة الآداب (2/ 476).

[10] التبصرة لابن الجوزي (1/ 158).

[11] صفة الصفوة (2/ 80).

[12] الرسالة القشيرية (1/ 65).

[13] ذيل طبقات الحنابلة (2/ 167).

[14] يتيمة الدهر(ص51).

[15] موارد الظمآن (3/ 29).

[16] الفوائد لابن القيم (ص31).

[17] تفسير ابن رجب (1/ 533).

[18] الليالي والأيام (ص25).

[19] الزهد لابن أبي الدنيا (ص193).

[20] تخريج أحاديث الكشاف (2/ 353).

[21] الجامع لعلوم الإمام أحمد (2/ 306).

[22] تاريخ بغداد وذيوله (21/ 68).

[23] إحياء علوم الدين (4/ 410).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة العصر
  • سورة العصر
  • وقفات مع سورة العصر
  • تأملات في سورة العصر
  • طلوع البدر في تفسير سورة العصر
  • منهج التربية في سورة العصر
  • سورة العصر وأصول النجاة (خطبة)
  • في ظلال سورة العصر (خطبة)
  • تفسير سورة العصر
  • النجاة من الخسران المبين بالإيمان والعمل: في رحاب سورة العصر (3) (خطبة)
  • وتواصوا بالصبر: في رحاب سورة العصر (4) (خطبة)
  • وتواصوا بالحق: في رحاب سورة العصر (5) (خطبة)
  • وقفات مع سورة (ق)
  • في رحاب سورة (والليل)
  • تدبر سورة العصر (خطبة)
  • بين يدي سورة العصر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/12/1446هـ - الساعة: 11:34
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب