• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

سليمان عليه السلام وملكة سبأ (خطبة)

سليمان عليه السلام وملكة سبأ (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/2/2016 ميلادي - 14/5/1437 هجري

الزيارات: 44163

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سليمان - عليه السلام - وملكة سبأ

دعوة وحكمة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، من الشام إلى مأرب حملَ الحرصُ سفيرَ الهداية على الانطلاق قاطعًا الفيافي والقفار ليجد قومًا تاهوا عن الغاية التي خُلقوا من أجلها، فعاد مستنفراً سرايا النور المبين بعد أن جاء من سبأ بنبأ يقين، فاستجاب النور دعوةَ سفيره الأمين فأرسل بعث الدعوة مبشرين ومنذرين، وبعد المراسلة، واتضاح الحقيقة خلعت الملكة عنها أسمال الضلال والظلام، ولبست جلباب الهداية والإسلام، فأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.


عباد الله، جاء في سنن أبي دود وفي سنن الترمذي -بسند حسن صحيح- عن فروة بن مسيك المرادي قال: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما سبأ: أأرض هو أم امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام، وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعريون وحمير، وكندة ومذحِج وأنمار).


لقد كان من خبر هذا الرجل (سبأ) أنه كان من نسل قحطان، وكان امرأً مسلمًا، وقد أرسل الله إلى قومه أنبياء فاهتدوا فأنعم الله عليهم بنعم كثيرة، فطاب هواؤهم، وطابت أرضهم، ودر رزقهم، وحسن حالهم في حلهم وترحالهم [1].


فاستمروا على هذه النعم إلى أن كفروا وجحدوا، وأعرضوا عن الهدى، فأبدلهم الله تعالى بعد تلك النعم: جوعًا ونقمًا، وخوفًا وتفرقًا شذر مذر في الجزيرة العربية، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17].


عباد الله، لقد بقي قوم سبأ على الكفر حتى صاروا يعبدون الشمس من دون الله إلى زمن ملكتهم بلقيس، وكان ذلك في عهد نبي الله سليمان عليه السلام ومُلْكِه، الذي كان مستقراً في الشام، وقد أنعم الله تعالى عليه بالنبوة والملك وتسخير الجن له، ومعرفته لغة المخلوقات كالطير.


وفي يوم من الأيام خرج سليمان عليه السلام بجنده في مسير له فتفقد الطير، وكان من بينها هدد متميز فيها، لكنه لم يجده بين الحاضرين، فتوعّده بالعذاب أو الذبح؛ لكونه غاب من غير إذنه، إلا أن يأتي بعذر يقضي بعدم استحقاقه العقوبة، قال تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ * وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ [النمل: 16 - 21].


أيها المسلمون، من خلال الآيات السابقة يستفاد: أن الواجب على الإنسان - إذا أنعم الله تعالى عليه بنعمة- أن يعترف لربه بها، ويشكره عليها، ويستعملها فيما يرضي مُعطيْها، وأن يتواضع بها بين عباد الله، وأن لا يتكبر بها عليهم، وأن على ولي الأمر أن يتفقد شؤون رعيته، ويسأل عن أحوالهم، وأن يكون حازمًا صارمًا في الحق، وأن يكون جنوده مسخرين في إصلاح أحوال الرعية: توفيراً للأمن والحاجات، وحماية من الخوف والمهلكات.


أيها الأحبة الفضلاء، لقد انطلق هدهد سليمان من أرض الشام إلى أرض مأرب من اليمن في مهمة عظيمة، وغاية جسيمة، قطع تلك المسافة البعيدة داعيًا إلى الله عز وجل، فوجد في أرض سبأ ما يغضب الله تعالى من الشرك والمشركين؛ إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله، وكان عليهم امرأة قد أوتيت من زينة الدنيا في ملكها من كل شيء يؤتاه ملوك عصرها، ومن ذلك كرسي عظيم تجلس عليه في مملكتها، ثم رجع الهدهد إلى سليمان بهذا الخبر الأكيد الذي رآه عيانًا، قال تعالى: ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [النمل: 22- 26].


أيها الأخوة الأكارم، في هذا المقطع الجميل الذي تحدث عن هذه المهمة الدعوية التي قام بها الهدهد الذي خلّد الله تعالى ذكره بها في القرآن الكريم بسبب هذا العمل العظيم؛ نستفيد: أن على الرسول إذا كان في مهمة أن ينجزها ويعود سريعًا بلا تأخر، وأن الإنسان مهما بلغ علمه فقد يفوته شيء كثير من العلم قد يستفيده ممن هو أقل منه شأنًا وعلمًا، وأن على ناقل الأخبار أن يتثبت فيها، فلا ينقلها إلى الناس إلا بعد يقين من صحتها، وأن الباطل يكون عند أصحابه حسنًا محبوبًا؛ بسبب تزيين الشيطان له، وأن من أدلة استحقاق الله للعبودية بلا شريك: علمه الغيب، ورزقه الخلق.


أيها المسلمون، إن نبي الله سليمان عليه السلام لما رجع إليه الهدهد بهذا الخبر العظيم-وكان قد توعد الهدهد بالعقوبة، إلا أن يكون له عذر مقبول؛ اهتم للأمر، ولكنه لم يلاقه بالقبول ابتداء حتى يتأكد من صدقه، فأرسل الهدهد برسالة إلى ملكة سبأ يدعوها إلى الله تعالى وتركِ الشرك- الذي تدين به مع قومها- والدخول تحت سلطانه القائم على الإسلام والحق والعدل، وأمر الهدهد أن يلقي إليهم الرسالة، وينتظر جوابهم عليها، فوصل الكتاب إلى بلقيس- وكانت امرأة عاقلة حكيمة حازمة ذكية- فجمعت مستشاريها من كبار قومها، وأخبرتهم أنه وصلتها رسالة حسنة جاءتها من سليمان، وقد افتتحت هذه الرسالة بالبسملة، ومضمونها أمران: قبول دعوة الإسلام، والدخول تحت سلطان سليمان الذي قام على النبوة، وكان من فطنة هذه الملكة العاقلة: أنها لم تستأثر بالأمر دون أشراف قومها، بل عرضت القضية عليهم؛ إذ كان من عادتها: أن لا تقدم على أمر جلل إلا بمشورتهم، فرد عليها أشراف قومها بخيار الحرب وأنهم أهلها؛ لقوتهم وشجاعتهم، لكنهم جعلوا الأمر إليها لتختار هذا الرأي أو غيره؛ لثقتهم بحصافتها وحسن تدبيرها، فكان من جودة رأي هذه المرأة الفطنة: أن فكرت في الموضوع مليًا، فنظرت في الماضي، واستشرفت المستقبل، فاختار خيار السلم ؛ حرصًا على الخير لقومها، وإبعاد الذل عنهم؛ لكونها تعلم أن الملوك الجائرين إذا دخلوا بلدة عنوة وقهراً خربوها، وصيروا أعزة أهلها أذلاء، وقتلوا وأسروا، وهذه هي عادتهم المستمرة، لكنها -رحمها الله- رأت أن ترسل هدية نفيسة فيها أشياء عجيبة من نفائس الدنيا؛ لتختبر سليمان ومن معه؛ لتتخذ بعد ذلك القرار الأخير، فإن كان ملكًا يريد الدنيا فسيقبل الهدية ويفرح بها، وإن كان نبيًا فسيردها؛ لأن الدنيا ليست غايته، وإنما غايته دخولها وقومها في الإسلام، فكان هذا الفعل من ذكائها وحكمتها، قال تعالى: ﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 27 - 35].


أيها الأحباب، من هذه الآيات الكريمة يفيد المسلم: أن الأخبار التي ينقلها الناس لا تقبل بالتصديق إلا بعد تبين صحتها ومعرفة صدقها، وأن من وسائل الدعوة إلى الله تعالى: الدعوة عبر المراسلة، كما فعل رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام في رسائله إلى الملوك والزعماء، وفيها بيان رجاحة عقل هذه الملكة وحسن تدبيرها إدارة مملكتها، واستحباب اتخاذ مستشارين والعمل بمشورتهم، واستفتاح الرسائل بالبسملة؛ تبركًا بذكر الله تعالى، وأنها سنة قديمة، وجاءت الشريعة المحمدية بإقرارها، وفي الآيات: أن الملك إذا لم يكن له مانع من دين حق أو خلق كريم يكون راتعًا في الفساد وظالمًا للعباد، وأن الرجال يعرفون في بالامتحان والتمحيص.


أيها المسلمون، أرسلت بلقيس هديتها النفيسة إلى سليمان عليه السلام، فلما وصل الرسول الذي يحمل الهدية سلمها إليه فاستنكر سليمان هذا الفعل!؛ لأنه لم يراسلها طلبًا للدنيا، وإنما لتسلم لله رب العالمين، فقال للرسول ومن معه: هل تهدونني هذه الهدية لأكف عن دعوتي إياكم إلى الحق كما يحص لأرباب الملك في الدنيا؟! ليس الأمر كذلك، فإن ما أعطاني الله من النبوة والملك والجنود خير مما آتاكم، وإنما يفرح بهذا المال ونحوه من زينة الدنيا أنتم وأمثالكم من أهل المفاخرة والمكاثرة، فرد الهدية إلى بلقيس مع الرسول، وتوعدهم قائلاً للرسول: ارجع إلى قومك الذين أبوا الاستجابة للحق وترك الشرك فوالله لنغزونهم بجنود لا يقدرون على ردهم وهزيمتهم، ولنخرجنهم من أرضهم صاغرين أذلاء حتى يؤمنوا بالله وحده، ثم كأن الله تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام أنهم سيأتون إليه مسلمين، فأراد أن يريهم ما أعطاه الله من الملك والقوة والقدرة حتى يتركوا التكبر بما عندهم من الدنيا ومنها عرش الملكة العظيم فيكون ذلك سببًا لانقيادهم للحق.


فجمع سليمان عليه السلام أشراف أهل مملكته من الإنس والجن وقال لهم: من يأتيني بعرش هذه الملكة من بلادها إلى هنا قبل أن تصل إلينا؛ ليكون ذلك أدعى لها ولمن معها لقبول الحق؟، فقال مارد شديد من الجن: آنا آتيك به؛ فإني ذو قوة تجعلني أوصله إليك قبل أن تقوم من مجلسك الذي تجلس عليه للحكم بين الناس، وإني ذو أمانة تجعلني أوصله- كما هو- من غير أن ينقص شيء من جواهره وما فيه.


وكان في الحاضرين رجل آخر عنده معرفة وعلم بكتاب الله، فقدم هو كذلك عرضًا أقرب سرعة من عرض المارد من الجن، فقال: آنا آتيك به قبل ارتداد أجفانك إلى النظر إلى شيء ما، وهذا غاية في السرعة، فوافق سليمان عليه السلام على هذا العرض، فدعا اللهَ ذلك العالم فاستجاب الله له، فإذا بالعرش بين يدي سليمان كما هو، فلما رأى نبي الله سليمان العرش بين يديه كما هو بهذه السرعة والقدرة؛ تواضع لله تعالى وشكره واعترف لله بمنَّه عليه حيث سخر له من خلقه من يخدمه هذه الخدمة العظيمة، وجعل ذلك التسخيرَ العظيم لاختباره: هل يشكر الله تعالى على هذه النعمة أو لا، ومن يتركْ الشكر فإنه لا يضر إلا نفسه؛ لأن الله غني عن شكر الشاكرين، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 36 - 40].


عباد الله، في الآيات السابقة عظات وعبر، منها: أن على صاحب الحق أن يمضي في طريقه، ولا ترده عن وجهته إغراءات الدنيا مهما عظمت؛ لأن أصحاب الباطل إذا رأوا دعوته ذات اثر خافوا على شهواتهم ان تُطمر أمام سيله الهادر فقاموا بأساليب عدة لكبح جماح دعوته، ومنها: أن الهدايا التي يراد بها شراء المواقف لصالح الباطل، والسكوتُ عن الحق وترك نصرته ينبغي أن ترد ولا تقبل، وأن على القائد المسلم أن يردع أعداء الإسلام بإظهار قوة المسلمين؛ حتى يكفوا شرهم عن المسلمين، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وفي الآيات: بيان أهمية القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة العلمية في حماية الحق ونشره، وأن على ولي أمر المسلمين أن يكون له مستشارون ذوو كفاية في عقولهم وعلومهم وقواتهم، يستشيرهم في أمور حُكمه، وفي الآيات: مشروعية مكاثرة أهل الباطل ومفاخرتهم بما عند أهل الحق من أسباب القوة التي يفخر بأمثالها أهل الباطل؛ لأن ذلك سيجعلهم يذعنون لقوة الحق، فالغرب اليوم والكفار عمومًا في رأس هرم التطور العلمي والتقني والتكنولوجي والعسكري وغيرها من مجالات الحياة المتقدمة، وهم في تلك الآفاق الدنيوية العالية ينظرون إلى المسلمين نظرة دونية مزدرية؛ ولعل ذلك صد بعض الكفار عن الإسلام، فلو اعتنى المسلمون بهذه الجوانب، ونافسوا الكفار فيها لأدى ذلك إلى تخفيف كِبرهم واحتقارهم للمسلمين، وفي الآيات الكريمة: عظم ما عند بعض الجن من القوة والقدرة، وبيان أن القوة والأمانة شرطان أساسيان من شروط العامل، وفيها أهمية العلم والعلماء في صلاح الدنيا والدين، وأن دعاء الله تعالى من وسائل تحقيق المطالب ونيل الرغائب، وأن على المسلم إذا رأى عظم نعم الله عليه أن لا يتعاظم بها ويفتخر بسببها، بل عليه أن يتواضع لله ويشكره عليها، ويستعملها فيما يرضيه بين عباد الله.


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أيها المسلمون، وصلَ عرشُ بلقيس بتلك السرعة بين يدي سليمان فأراد عليه السلام أن يختبر عقل الملكة كما اختبرت عقله، فأمر جنده بتغيير هيئات العرش وشكله؛ لتعرف: أهو عرشها أم لا؟، فلما جاءت سألوها: هل عرشك هكذا؟، فمن ذكائها أنها لم تقل: هو هو، ولم تقل: ليس إياه، وإنما قالت: كأنه هو، فلما شبهوا عليها في السؤال شبهت عليهم في الجواب، والله تعالى قد أعطى سليمان عليه السلام العلم والفطنة قبلها وجعله نبيًا من أنبيائه، وهذا غاية الفضل البشري، ثم إن هذه المرأة الصالحة لو تُركت لذكائها وعقلها الفاضل لاهتدت إلى الحق، ولكن صدها عنه البيئة الفاسدة التي عاشتها بين قومها المشركين فكانت مثلهم، ومازالت بلقيس تنظر إلى عظم ملك سليمان فتزداد قناعة بالحق، والدخول في الإسلام، حتى كان آخر مظاهر عظمة ملك سليمان: أن صحن قصره كان أملس من زجاج صافٍ والماء تحته يجري، فلما طلب منها دخول القصر ظنت ذلك ماء يجري تحت قدميها فكشفت عن ساقيها حتى لا يصيب الماء ثيابها حينما تخوضه، فأُخبرت أن ذلك ليس ماء، وإنما هو زجاج! فأدركت حينئذ كمالَ ما أعطى الله نبيه سليمان، واعترفت بظلمها لنفسها في بقائها في الشرك، فأعلنت الإسلام لله رب العالمين، رحمها الله تعالى، قال تعالى: ﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 41 - 44].


عباد الله، في هذه الخاتمة الحسنة لهذه القصة العظيمة: يتبين أثر البيئة الفاسدة على إفساد معتقدات الإنسان وعقله وعمله، وأن على الإنسان إذا تبين له الحق أن يترك المكابرة والعناد، وأن يستجيب للحق ويستسلم له؛ فإن ذلك خير له، وعلامة من علامات الخير فيه.


هذا وصلوا وسلموا على خير الورى...



[1] البداية والنهاية، لابن كثير (2/ 158)، تفسير السراج المنير، للشربيني (3/ 243)، اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل (16/ 39).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السبب في تبسم سليمان عليه السلام لقول النملة
  • حجم النمل في زمن سليمان عليه السلام
  • سليمان عليه السلام وملكة سبأ
  • تذكرة المسلم الأواه بأخطاء تقع في الصلاة (خطبة)
  • اختلاف عدد النساء اللاتي طاف عليهن النبي سليمان عليه السلام
  • سليمان عليه السلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (6) وفاة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (4) سليمان الملك والقوة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (3) فتنة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تشجير نسب الأنبياء عليهم السلام من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عيسى ابن مريم عليه السلام (5) رفع عيسى عليه السلام إلى السماء(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة داود عليه السلام (3) وفاة داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة داود عليه السلام (2) أخبار داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (12) وفاة موسى عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب