• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

عمر بن الخطاب رضي الله عنه (خطبة)

عمر بن الخطاب رضي الله عنه (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/1/2025 ميلادي - 8/7/1446 هجري

الزيارات: 5870

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عمر بن الخطاب

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، إن من حكمة الله تعالى ورحمته بالخلق أن اختار سيد الأولين والآخرين محمدًا صلى الله عليه وسلم، فبعثه رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، أنار الله به عقول البشرية، وأتَم الله به هذا الدين، وكانت بعثته صلى الله عليه وسلم لإقامة هذه الملة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، فببعثته صلى الله عليه وسلم كانت نَسْخًا لكل الأديان، وما من نبي بعثه الله من قبله إلا كان الله قد أخذ العهد والميثاق من ذلك النبي أن يؤمن بنبينا وينصره ويؤازره؛ قال جل وعلا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وقال: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]، وروى ابن ماجه في «سننه» من حديث أنس وغيره أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «إن النبوة والرسالة قد انقطعت، فلا نبي ولا رسول بعدي[1]، وأنه بين يدي الساعة يخرج ثلاثون دجالًا كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي»[2].

 

فهذه حكمة بالغة علمها الله جلا وعلا، فهو أعلم بخلقه من غيره، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، علم جل وعلا أنه لا فلاح ولا أنس ولا إسعاد لهذه الأمة إلا ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

بشرى لنا مَعشرَ الإسلام أن لنا
من العناية ركنًا غير منهدمِ
لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرُّسل كنا أكرم الأُممِ

 

ومن حكمة الله جل وعلا أن يختار لهذا النبي من الأصحاب ما بلغوا مبلغ الإخلاص والصدق والجهاد والنصرة في ذات الله، ما شهِدت به النصوص ومواقفهم، فكانوا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: أرق هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا[3]، أولئك هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، ولقد توزَّعوا في البلاد، فمنهم من بقي في مكة، وآخر في المدينة، وبلغ بعضهم بلاد الروم، وما جاور الجزيرة العربية، فاتحين ومبلغين ومعلنين ومرشدين، كان بعض هؤلاء الأصحاب في بلاد الشام، فكان بعض النصارى إن رآهم يقول: والله إن هؤلاء هم أفضل من أصحاب المسيح، أفضل من الحواريين، فاختار الله عز وجل هؤلاء الأصحاب الذين زكاهم في آيات كثيرة، فوصفهم الله تارةً بالصدق وتارة بالفلاح، وبالتضحية، وهكذا بالنصرة لله ولرسوله وبحبهم للدين، والدار الآخرة، ومن هؤلاء الأصحاب: الخلفاء الأربعة المبشرون بالجنة الصديق الأكبر أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة رضي الله عنه، وعمر الفاروق أبو حفص، وأبو عبد الله ذو النورين عثمان بن عفان، وأبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الخلفاء الذين قادوا زمام الأمة بعد موت نبينا، فساسوا الأمة سياسية صدق، وكان فيهم معدن الصدق والوفاء، ومن هؤلاء الأربعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هو موضوع حديثنا في هذه الجمعة، لنتأمل في قصته لتتخذ من ذلك منهاجًا، فإن أصحاب رسول الله هم القدوة في هذا الباب، لا سيما الإمامين المهديين أبو بكر وعمر؛ لقد نوَّه النبي صلى الله عليه وسلم بذكرهما، فهو القائل: «اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر»[4]، ونوَّه إلى الأربعة الخلفاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ»[5]، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان إسلامه رحمة وموته شهادة، لقد زكاه القرآن ووافق خليل الرحمن في غير ما آية، ويرى له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث رؤى، ورؤيا الأنبياء حق، ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم فرأيت أناسًا يُعرضون عليَّ، وعليهم قُمص، فمنهم من يبلغ الثدي، ومنهم ما دون ذلك، ويُعرض عليَّ عمر بن الخطاب، وعليه ثوب يجره، فقيل: ما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: أولته بالدين»[6]، فعمر بن الخطاب له دين يستره، فلا يظهر منه إلا جميل، ولا يقول إلا الحق، وأما الرؤيا الثانية: فهي أيضًا في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت فيما يرى النائم أنني قد أُعطيت لبنًا فشربت منه حتى ارتويتُ، ورأيت الري يخرج من بين أظافري، ثم أعطيت فضلى لعمر، فقيل: ما أولت ذلك يا رسول الله، قال: أولته بالعلم»[7]، فهو صاحب دين وصاحب علم أيضًا.

 

والرؤيا الثالثة: أيضًا في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة وإذا امرأة تتوضَّأ بجانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل لي: لرجل من قريش فظننت أنه أنا، فأردت أدخله، فقيل لي: إنه لعمر بن لخطاب، فلما قص النبي الرؤية على عمر رضي الله عنه، قال: فتذكرت غيرتك يا عمر، فبكى عمر، وقال: أمنك أغار يا رسول الله»[8].

 

فكيف يغار عمر من رسول الله وهو تلميذ من تلامذته وصحابي من أصحابه، وحسنة من حسناته؟ ويزكِّيه رسول الله في حديث آخر قائلًا: «إنه كان في الأمم المتقدمة ملهمون محدثون، فإن يكن في هذه الأمة فعمر بن الخطاب»[9]، وذلك أنه كان ملهمًا؛ أي: إنه يتفرس في دقائق الأمور، فتكون طبق ما قال، فتحصل له من الكرامات، فلقد كان على منبر النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا وجيشه في بلاد العراق، فإذا الله يلقي على لسانه قائلًا: يا سارية الجبلَ، الجبلَ، فأرسل الله الصوت إلى سارية بن وقاص في بلاد العراق، فتحصن بالجيش إلى الجبل، فلما قدم على عمر أخبره بما حصل له[10].

 

هذا الصحابي الجليل أعز الله به الإسلام، حينما أسلم في مكة، فأظهر إسلامه أمام الملأ، وكان الصحابة يهاجون خفية، لكنه هاجر علانية ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: «ما زلنا أعزة منذ أن أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه»[11]، وهذا الصحابي الجليل ثبت أصحاب النبي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد ارتد من الناس، لكنه ثبت رضي الله عنه، وكان وزيرًا لأبي بكر الصديق، ولما مات أبو بكر أوصى بالخلافة إلى عمر، لما يعلم من صدقه وتضحيته، فقام بالرعية، فتولى الخلافة أكثر من عشرة أعوام، فبلغ سلطانه الشرق والغرب، وبنى في خلافته أكثر من أربعة آلاف مسجد، وكان يسوس رعيته بالصدق والإخلاص، وكان يسوس رعيته طمعًا فيما عند الله سبحانه وتعالى، هذا الصحابي الجليل كان دائم الخشية لله، باكيًا من خشية الله، يتذكر مواقف الآخرة، فيعاد إلى بنيه يظنونه مريضًا، وليس بمريض، ولكنه يشتكي من ألم ذلك اليوم، فلقد كان على وجهه خطان أسودان، من البكاء، وكان إذا قرأ: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ﴾ [المدثر: 8]، يَخِرُّ مغشيًا عليه، فلقد جمع الله عزَّ وجلَّ فيه من الشدة على أعداء الله، ومن الرحمة على أولياء الله.

 

فلقد خرج مرة في ليلة من الليالي، فرأى نارًا مشتعلة، ومعه غلامة أسلم، فقال: يا أسلم، لعل هؤلاء مارة مسافرين، فلما تقدم من النار، قال: يا أهل الضوء، فلما تقدم إذا بامرأة فقيرة حولها أبناؤها يتضاغون من الجوع، فقال لها: يا أمة الله، ما معك هذه الساعة؟ قالت: صبيتي أعللهم من الجوع، قال: وما هذا في القدر الذي هو فوق النار؟ قالت: ماء أعلل به الصبية لا سامح الله عمر، فقال لها: وما يدري عمر؟ فقالت له: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا، فيذهب عمر إلى بيت المال، فيأخذ عكة فيها شحم، وكيسًا من الدقيق، ثم يقول له أسلم: أحمله عنك، فيقول له: لا أنا أحمله، مَنْ الذي يحمل أوزاري يوم القيامة، فيأتي به إلى تلك المرأة، وكان يساعدها على إصلاح الطعام، فما تركها حتى شبِع الصبية، وفرحوا وضحكوا، فقالت له: أنت أفضل من عمر أو أحق بالخلافة من عمر، فقال لها: قولي خيرًا من هذا، أو كلمة نحوها[12].

 

هذا الرجل الكريم بما فيه من الفضائل والرحمة على أولياء الله، لكنه دوخ الكفار المرتدين، فكان كما قيل:

يا من يرى عمرًا تكسوه بُردته
والزيت أدم له الكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا
من خوفه وملوك الروم تَخشاه

 

وما زال أعداء الإسلام يجدون في أنفسهم على عمر بن الخطاب، فخططوا له مقتلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أمنيته، فلقد حج في الناس من قابل ودعا: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك، فقيل له: يا أبا حفص وتشترط، قال: أشترط على الله، فكان عمر يخرج لصلاة الفجر فيتخلل الصفوف، يقول: استووا يسوي الناس، فإذا ما استووا تقدم فصلى بهم، فتارة يقرأ بالنحل، وأخرى بيوسف، فيبكي خشية من الله، وفي صبح من تلك الأيام تقدم أحد المجرمين وهو أبو لؤلؤة المجوسي من بلاد فارس من بلاد إيران، ولا زال الحقد على عمر إلى يومنا هذا، فيسممون بذلك إذاعاتهم وجرائدهم وصحفهم، سواء في بلاد إيران، أو في كثير من بلدان العالم الذي توجد فيه الرافضة والشيعة الاثنا عشرية الذين يجدون على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون عن هذا الصحابي الجليل: إنه كان مصاب بداء في دُبره، فلا يعالجه إلا مياه الرجال، أو كما يقولون قبَّحهم الله: وينزلون بالأفاعيل والكذب على عمر بن الخطاب، والذي زكى عمر هو رب عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فيُقدم عمر مصليًا فيتخطى أبو لؤلؤة المجوسي الصفوف، فيطعن عمر طعنة بلغت أحشاء بطنه، ثم سحب عبد الرحمن بن عوف، فقدمه في الصلاة، ويؤخذ عمر إلى بيته مغشيًّا عليه، فلما أفاق، قال: أصلى الناس؟ قالوا: صلوا يا أمير المؤمنين، قال: كم بقيت لي من الصلاة؟ قالوا: بقيت لك ركعة واحدة فصلاها، وجرحه يثغب دمًا[13]، ثم قال: من قتلني؟ قالوا: مولى المغيرة، وأخبروه أنه أبو لؤلؤة، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل دمي لأحد، أو عند أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في تلك المواقف من نزيف الدماء يدخل شاب يعوده، وعليه ثوب يجره قد أسبل ثوبه إلى أسفل من الكعبين، فيقول له عمر: يا بن أخي، ارفع إزارك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك[14]، إنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في تلك اللحظات الأخيرة، فيلتمس فيرفعه، ويقول أيضًا: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة[15]، حينما أخبروه بأنه بقي عليه ركعة، فهذه مواقف من مواقف عمر رضي الله عنه، وكم جمع الله به من شمل، وكم دفع الله به من نقمة على بلاد الإسلام.

 

هذا الصحابي الجليل لابد أن يكون حبيب قلوبنا؛ لأنه من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد دخل عمرو بن العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من أحب الناس إليك؟ قال «عائشة ابنة الصديق»، قال: من الرجال؟ قال: «أبوها» قلت: ثم من؟ قال: «عمر بن الخطاب» ثم عدد رجالًا فسكت عمرو بن العاص[16].

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتيت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر»[17].

 

ويصعد مرة على جبل أحد فأراد الجبل تحركًا، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: «اثبُت أُحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»[18]، والمراد بالشهدين: عمر وعثمان، هذا الصحابي الجليل إن انتُهك عرضُه، أو قُدح في عدالته، وجب على المسلم أن يتمَّعر؛ لأن حب عمر من الدين.

 

حب الصحابة والقرابة حجةٌ
ألقي بها ربي إذا أحياني

محبة أصحاب رسول الله من الدين، فإن طعن فيهم، فإنما الطعن لدين الله، إن طعن في تزكيتهم طعن في أمر الله، إن طعن في عدالتهم طعن في عدالة رسول الله؛ لأنهم هم النَّقَلةَ، هم الذين نقلوا إلينا الدين، وهم الذين نازلوا المشركين في ساحات القتال، أولئك لا غنى لنا عن محبتهم.

 

أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جَمَعَتْنَا يا جريرُ المجامعُ

اللهم بارِك لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

عباد الله، اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا أن هذه الدنيا فانية، وأننا خارجون منها، فوجب علينا أن نصلح ما بيننا وبين الله بالصدق والإخلاص، وبالتوبة النصوح، وبالمحافظة على أعمال البر؛ قال جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

 

فنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى - أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرينا الحق حقًّا فيرزقنا اتباعه والباطل باطلًا ويرزُقنا اجتنابه.

 

اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته....

 

اللهم أصلح أمورنا ظاهرها، وباطنها، سرها، وعلانيتها يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف والغنى.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.

 

عباد الله، صلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيَهِ بِهَا عَشْرًا»[19].

 

نسأل الله أن يجعلنا من أمته، وأن يحشُرنا في زُمرته، وأن يسقينا شربة هنيئة من يده الشريفة، لا نظمأ بعدها أبدًا.



[1]صحيح: رواه الترمذي رقم (2219)، وابن ماجه رقم (3952)، وأبو داود رقم (3452)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1773).

[2] صحيح: رواه الترمذي رقم (2272)، وأحمد رقم (13851)، والحاكم في المستدرك رقم (8178) عن أنس رضي الله عنه.

[3] أثر موقوف على ابن مسعود رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 211) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر قال الهيثمي في المجمع (1/ 178): رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون، وأخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية (1/ 305) وجاء عن ابن عمر بلفظ: «من كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوبًا......» إلخ، وضعَّفه الألباني في مشكاة المصابيح رقم (193).

[4]صحيح: رواه الترمذي رقم (3662-3663)، وابن ماجه رقم (97)، وأحمد رقم (23293)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1142).

[5]صحيح: رواه الترمذي رقم (2067)، وأبو داود رقم (4607)، وابن ماجه (42)، وأحمد رقم (17184)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع رقم (2549) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه.

[6]صحيح: رواه البخاري رقم (6606)، ومسلم رقم (2390).

[7] صحيح: رواه البخاري رقم (6604)، ومسلم رقم (2391).

[8] صحيح: رواه البخاري رقم (4928)، ومسلم رقم (2391).

[9]صحيح: رواه البخاري رقم (3282)، ومسلم رقم (2398).

[10]انظر البداية والنهاية (7/ 130، 131، 132).

[11]صحيح: رواه البخاري رقم (3481).

[12]راجع تاريخ دمشق (1/ 2542)، والبداية والنهاية (7/ 136)، وتاريخ الطبري (2/ 568).

[13] رواه عبد الرزاق في مصنفه رقم (581).

[14] صحيح: رواه البخاري رقم (3497).

[15] تاريخ دمشق (1/ 25553) والدارقطني (2/ 209).

[16]صحيح: رواه البخاري رقم (3462)، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه رقم الحديث (2384).

[17] صحيح: رواه البخاري رقم (3482)، ومسلم رقم (2389).

[18] صحيح: رواه البخاري رقم (3472).

[19]صحيح: رواه مسلم رقم (408).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • من أدعية عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • عمر بن الخطاب رضي الله عنه (خطبة)
  • أوليات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: وداعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (10)
  • من فضائل النبي: استجابة الله تعالى لدعائه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبيلة دوس
  • من كرامات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • من مائدة الصحابة (عمر بن الخطاب رضي الله عنه)

مختارات من الشبكة

  • عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حمزة بن عبدالله بن عمر العدوي: حياته وأثره في الجانب الاجتماعي والعلمي في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه في القضاء (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميرا للمؤمنين؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نموذج من خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه(مقالة - موقع د. محمد الدبل)
  • زهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وخشونة عيشه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأربعون العمرية في ذكر مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومواقفه العلية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: عمر بن الخطاب وموافقة القرآن له (7)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأربعون العمرية في ذكر مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومواقفه العلية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب