• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

إرهاصات نبوته - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي

إرهاصات نبوته - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/12/2024 ميلادي - 26/6/1446 هجري

الزيارات: 1676

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إرهاصات نبوته -صلى الله عليه وسلم- ونزول الوحي

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تفرَّد بأوصاف عظمته وكماله، وتقدِّس بعزِّ كبريائه وجلاله، وتوحَّد بالخلق والإبداع، فلا شريك له في أفعاله، وعمَّ كلَّ مخلوق جزيلُ أفضاله ونواله، هو الأول والآخر بالقدم والبقاء، الظاهر والباطن بالقهر والكبرياء، القدوس الصمد الغني عن جميع الأشياء، الواحد الأحد المنزه عن جميع والأشباه والشركاء، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.

 

ألا يا رسول الله يا خيرَ مُرسل
عليك صلاة الله لا تتناهى
فيا فوزَ مَن صلى عليك من الورى
صلاةً يعم الكون منها سَناها
عليك صلاة الله يا أشرفَ الورى
مَحلًّا ويا أعلى البرية جاهَا
عليك صلاة الله ما هبَّت الصبا
وفاح بعرف المسك طيبُ شذاها

 

وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه وتمسَّك بسُنته واقتدى بهديه واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين، ثم أما بعد:

فيا إخوة الإسلام، حديثنا في هذا اللقاء عن الأيام الأخيرة قبل البعثة، فعندما اقترب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الأربعين سنة، حُبِّب إليه الخلاء، فكان يأخذ التمر والماء، ويذهب إلى غار حراء الذي يَبعُد عن مكة بمقدار ميلين تقريبًا، وهناك كان يقضي وقته في عبادة الله والتفكير في قدرته العظيمة في الكون، مبتعدًا عن شواغل الدنيا، مرتقيًا بنفسه عما تتعلق به قلوبُ أهل الأرض من متاع دنيوي زائل.

 

أَوَّلًا: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ:

أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ النُّبُوَّةِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، فكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا فِي نَوْمِهِ إِلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ[1]، حَتَّى مَضَتْ عَلَى ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بُدِئَ بِالْوَحْيِ صلى اللَّه عليه وسلم؛ روَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَاُ بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ[2].

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهُمَا بمعنى واحِدٍ بالنِّسبةِ إلى أمُورِ الآخِرَةِ في حقِّ الأنبياءِ، وأما بالنِّسبَةِ إلى أمُورِ الدُّنْيَا فالصَّالحَةُ في الأصلِ أخَصُّ، فرُؤْيَا النَّبِيِّ كلّهَا صَادِقَةٌ وقدْ تكُونُ صَالِحَةً وهي الأكثرُ، وغيرُ صالِحَةٍ بالنِّسْبَةِ للدُّنْيَا كَمَا وقعَ في الرُّؤْيَا يَوْمَ أحُدٍ[3].

 

الفرق بين رؤيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورؤيانا:

إخوة الإسلام، ينبغي التنبيه إلى أن رؤيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- مختلفة عن رؤيانا في أمرين مهمَّين، وهما:

الأمر الأول: هو أن "كلَّ" رؤيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحيحة، وليس فيها ما نسميه "أضغاث الأحلام"؛ يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ"[4].

 

أما الأمر الثاني، فرؤيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلها واضحة المقصد، أو كما عبَّرت عائشة رضي الله عنها بقولها: "مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"، فليس هناك اختلاف في تفسيرها، فهي إما وصفت حدثًا معينًا سيحدث بحذافيره، وإما ذكر لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأويلاً معينًا قطعيًّا لا يُحْتَمل غيره، بينما رؤيانا تحتاج إلى تفسير من عالِمٍ بأمور وتفسير الرؤى، وقد يكون تفسيرُه مصيبًا في بعض الأحوال، وقد يجانبه الصواب في أحيان أخرى.

 

هذه الرؤيا الصادقة التي مرَّ بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كانت تمهيدًا له، وكذلك كانت تمهيدًا لمن حوله من الناس، خاصة أولئك الذين أحبُّوه، ووثق فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى حكى لهم هذه الرؤى، وعلى رأسهم - ولا شك - خديجة رضي الله عنها، وقد يكون حكى ذلك الأمر أيضًا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو زيد بن حارثة رضي الله عنه، أو غيرهما من أصحابه في ذلك الوقت.

 

ثَانِيًا: حُبُّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْخَلْوَةِ:

وَلَمَّا تَقَارَبَتْ سِنُّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَرْبَعِينَ، حَبَّبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ وَحْدَهُ، فكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَهْجُرُ مَكَّةَ كُلَّ عَامٍ لِيَقْضيَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي غَارِ حِرَاء[5]، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَحَنَّثُ[6] بِهِ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

 

قال ابن أبي جَمْرَةَ فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: الحكمةُ في تَخْصِيصِهِ -صلى الله عليه وسلم- بالتَّخَلِّي في غَارِ حِرَاءٍ أَنَّ المُقِيمَ فيه كان يُمْكِنُهُ رُؤيةُ الكعبةِ، فيجتَمِعُ لِمنْ يَخْلُو فيه ثلاثُ عِبَادَاتٍ: الخَلْوة، والتَّعَبُّدُ، والنَّظَرُ إلى البيتِ[7].

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا يلتفت إلى مَسْألةٍ أُصُوليّةٍ، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- هَلْ كَانَ قبلَ أَنْ يُوحى إليهِ مُتَعبدًا بشريعةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ؟

 

قال الجمهور: لا؛ لأنه لو كان تَابعًا لاسْتَبْعَدَ أن يكونَ مَتْبُوعًا، ولأنَّه لو كَانَ لنُقِل مَنْ كان ينسب إليه، وقِيل: نَعَمْ، واختلَفُوا في تعِيينه على ثمَانِيَةِ أقوالٍ: أحدُها آدم عليهِ السَّلامُ، والثَّاني نوحٌ عليهِ السَّلامُ، والثالث إبراهيم عليهِ السَّلامُ، ذهب إليه جماعةٌ واستدلوا بقوله تَعَالَى: ﴿ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النحل: 123]، والرَّابعُ مُوسى عليهِ السَّلامُ، والخامسُ عِيسى عليهِ السَّلامُ، والسادس بكل شيء بلغَهُ عن شَرْعِ نبيٍّ من الأنبياء، وحجته قوله تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، والسَّابع الوقفُ، ولا تَخْفى قوة الثالثِ، ولا سيما مع ما نُقِلَ من ملازمته -صلى الله عليه وسلم- الحج والطَّواف، ونحو ذلك مما بَقِيَ عندهم من شريعةِ إبراهيم عليهِ السَّلامُ، واللَّه أعلم.

 

وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَزَوَّدُ لِخَلْوَتِهِ لِبَعْضِ لَيَالِي الشَّهْرِ، فَإِذَا نَفَدَ ذَلِكَ الزَّادُ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَزَوَّدُ قَدْرَ ذَلِكَ، فَيُقِيمُ فِي حِرَاءَ شَهْرًا مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَيَقْضِي وَقْتَهُ فِي التَّفْكِيرِ فِيمَا حَوْلَهُ مِنْ مَشَاهِدِ الْكَوْنِ، وَفِيمَا وَرَاءَهَا مِنْ قُدْرَةٍ مُبْدِعَةٍ، حَتَّى وَصَلَ مِنَ الصَّفَاءَ وَالْإِشْرَاقِ إِلَى مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ انْعَكَسَتْ فِيهَا أَشِعَّةُ الْغُيُوبِ عَلَى صفْحَةِ قَلْبِهِ الْمَجْلُوَّةِ، فَأَصْبَحَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ.

 

رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَاُ بدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ[8].

 

وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَضَى جِوَارَهُ[9] مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ، كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ إِذَا انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ الْكَعْبَةَ، فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجعُ إِلَى بَيْتِهِ.

 

وَظَلَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ إِلَى أَنْ جَاءَهُ الْوَحْيُ وَهُوَ فِي إِحْدَى خَلَوَاتِهِ تِلْكَ[10].

 

ثَالِثًا: تَسْلِيمُ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-:

رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي اللَّه عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".

 

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ والْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي اللَّه عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ، فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ، وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ[11].

 

وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِكَرَامَتِهِ، وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ، كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتَّى تَحَسَّرَ[12] عَنْهُ الْبُيُوتُ، وَيُفْضِي إِلَى شِعَابِ[13] مَكَّةَ وَبُطُونِ أَوْدِيَتِهَا، فَلَا يَمُرُّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ[14]، قَالَ: فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَوْلَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ، وَخَلْفِهِ، فَلَا يَرَى إِلَّا الشَّجَرَ وَالْحِجَارَةَ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليهِ السَّلامُ بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ[15].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

رَابِعًا: سَمَاعُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّوْتَ وَرُؤْيَتُهُ الضَّوْءَ:

رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ [16] سَبْعَ سِنِينَ، وَلَا يَرَى شَيْئًا، وَثَمَانَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ[17].

 

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِخَدِيجَةَ "إِنِّي أَرَى ضَوْءًا وَأَسْمَعُ صَوْتًا، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي جُنُنٌ"، فَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ يَا بْنَ عَبْدِاللَّهِ! ثُمَّ أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ يَكُ صَادِقًا، فَإِنَّ هَذَا نَامُوسٌ[18] مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى، فَإِنْ بُعِثَ وَأَنَا حَيٌّ فَسَأُعَزِّرُهُ[19]، وَأَنْصُرُهُ، وَأُومِنُ بِهِ[20].

 

قال القاضي عياض: "أي يسمع صوت الهاتف به من الملائكة، ويرى نور الملائكة، أو نور آيات الله، حتى رأى الملك بعينيه، وشافهه بوحي الله تعالى"، وقال الطيبي: "قوله: (ويرى الضوء سبع سنين)؛ يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من أمارات النبوة سبع سنين النبوة ضياءً مجردًا، وما رأى معه ملكًا، وهو معنى قوله: (ولا يرى شيئًا)؛ أي سوى الضوء، قالوا: والحكمة في رؤية الضوء المجرد دون رؤية الملك حصولُ استئناسه أولًا بالضوء المجرد، وذَهاب رَوعه".

 

لقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعثته ونزول الوحي عليه بمراحل من التهيئة والإعداد، وظهرت له الكثير من مقدمات ومبشرات النبوة، من الرؤيا الصادقة والصالحة التي كان يراها في نومه، وسلام الحجر عليه، ووصفه له بالرسالة والنبوة، وحبه للخلوة، ورؤيته لنور، إلى غير ذلك من المقدمات والمبشرات التي حدثت معه في طفولته وشبابه، وقبيل بعثته ونزول الوحي عليه.

 

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وكن لنا ولا تكُن علينا.

 

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرته، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحِمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتَها يا رب العالمين.

 

اللهم اجعَل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منَّا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

 

اللهم اهدِنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

 

اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً، فاقبِضنا إليك غيرَ خزايا ولا مفتونين ولا مغيِّرين ولا مبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

‌اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عِصمةُ أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.



[1] قال الحافظ في الفتح (1/ 34): المراد بفلق الصبح ضياؤه، وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب رقم (3)، رقم الحديث (3).

[3] الفتح (14/ 377).

[4] الحاكم (3613)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

[5] أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب رقم (3) - رقم الحديث (3)

[6] يَتَحَنَّثُ: أي يَتَعَبَّدُ. انظر النهاية (1/ 432).

[7] الفتح (14/ 377)

[8] أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بَدْءِ الوحي - باب (3) - رقم الحديث (3) - وأخرجه في كتاب التعبير - باب أوَّلُ ما بُدِئَ به رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوحي- رقم الحديث (6982) - ومسلم في صحيحه- كتاب الإيمان - باب بدء الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (160).

[9] الجِوَارُ: الاعْتِكَافُ. انظر النهاية (1/ 302).

قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 400): والفرقُ بينَ الجِوَار والاعتِكافِ، أن الاعتكاف لا يكُونُ إلا داخِلَ المَسْجِدِ، وأما الجِوَارُ فإنه قَدْ يكُونُ خارِجَهُ

[10] أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب رقم (3) - رقم الحديث (3) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب بدء الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (160).

[11] أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب فضل نسب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتسليم الحجر عليه قبل النبوة - رقم الحديث (2277).

[12] حسَرَ: انْكَشَفَ. انظر لسان العرب (3/ 168)..

[13] الشِّعْبُ: ما انْفَرَجَ بينَ جَبَلَيْنِ. انظر لسان العرب (7/ 126).

[14] قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 399): وهذا التَّسْليمُ الأظهَرُ فيه أَنْ يَكونَ حَقِيقةً، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أنْطَقَهُ إنْطاقًا كما خَلَقَ الحَنِينَ في الجِذْعِ. أخرج قصة حنين الجذع: البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام - رقم الحديث (3583) (3584) (3585).

[15] انظر سيرة ابن هشام (1/ 271).

[16] قال القاضي عياض في شرح مسلم (8/ 85): أي صَوْتُ الهَاتِفِ به مِنَ المَلائِكَةِ، ويرى الضَّوْءَ أي نُورَ المَلائِكَةِ، ونُورَ آياتِ اللَّه تَعَالَى حتى رَأى المَلَكَ بَعَيْنِهِ، وشَافَهَهُ بِوَحْيِ اللَّه تَعَالَى.

[17] أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب كم أقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة والمدينة - رقم الحديث (2353) (123).

[18] النَّامُوسُ: صَاحِبُ سِرِّ الخَيْرِ، أَرَادَ بهِ جِبْرِيلَ عليهِ السَّلامُ؛ لأنَّ اللَّه تَعَالَى خصَّهُ بالوَحْيِ والغَيْبِ اللَّذَيْنِ لا يَطَّلعُ عليهمَا غيرُه. انظر النهاية (5/ 104).

[19] التَّعْزِيرُ: هاهُنَا معناهُ الإعَانةُ، والتَّوْقِيرُ، والنَّصْرُ مرَّةً بعد مرَّةٍ. انظر النهاية (3/ 206).

ومنه قوله تَعَالَى في سورة الأعراف آية (157): ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.

[20] أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2845).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النسب الشريف ومولده صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • مرضعاته - صلى الله عليه وسلم - وحواضنه (خطبة)
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)
  • دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقصة هرقل ملك الروم (خطبة)
  • مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووفاته
  • أثر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه
  • تربية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • شذرات من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم في إخباره بالغيبيات الماضية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفات النبي صلى الله عليه وسلم دلائل نبوته(محاضرة - موقع الشيخ د. عبدالله بن وكيل الشيخ)
  • اعتقاد الصوفية في الخضر وحجة نبوته عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دلائل نبوته الباهرة إخباره لبعض الناس ما توسوس به نفوسهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شذرات من دلائل نبوته في تكثير الماء ببركته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دلائل نبوته الباهرة رؤيته المعاني في صور محسوسة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شذرات من دلائل نبوته في تكثير القليل من الطعام ببركته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شذرات من دلائل نبوته في شفاء المرضى على يديه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دلائل نبوته إخباره بكثرة الحروب بين المسلمين في آخر الزمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دلائل نبوته إخباره بتقليد المسلمين لليهود والنصارى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب