• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 2)

حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 2)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2024 ميلادي - 11/6/1446 هجري

الزيارات: 3415

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (2)

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

 

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

إن البرية يوم مَبعث أحمد
نظَر الإله لها فبدَّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار مِن
خير البرية نجمَها وهلالَها
لبس المرقَّع وهو قائدُ أُمَّةٍ
جبت الكنوزَ فكسَّرت أغلالها
لما رآها الله تَمشي نحوه
لا تنتظر إلا رضاه سعي لها

 

موضوع خِطبتنا في هذه الجمعة من حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم رسول الله الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، أنار به عقول البشرية وزلزَل به كيانَ الوثنية، فكانت أمته أمةً عريقة ذات رسالة عالمية، فاقت رسالته كلَّ الرسالات، وفاقت ذاته كل الذوات من الأنبياء والمرسلين، اصطفاه رب العالمين من بين البشر؛ ليكون قدوة وقيادة للأمة، فكان هو القدوة الذي ارتضاه الله للناس أجمعين، فقال جل وعلا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].

 

والمراد بالأسوة؛ أي: إنه قدوة يتابع، فهو صاحب القرآن وصاحب الخلق العظيم؛ قال جل وعلا: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

 

سأل سعد بن هشام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: (كان خلقه القرآن) وكفاه الله - عز وجل - بالمنة امتنَّ بها على المؤمنين بعد أن كانوا يعيشون ألوانًا من الضلالات والجهالات، فقال جل وعلا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

 

لقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون ضلالًا هو في منتهى الظلام في أمورهم وحياتهم، لا فرق بين قليل وكثير، ولا فرق بين صغير وكبير، يعيشون في ضلال عام شامل في أرقى أمورهم وأدناها، فكانت المنة ببعثة هذا النبي الكريم، زكى الله بها تلك القلوب، فصاغت تلك التزكية ذلك المجتمع صياغة عظيمة، فكان فيهم الزهَّاد والعُبَّاد، وكان فيهم الصدق والإخلاص، لقد ضربوا أروع الأمثلة في ميادين الخير كلها.

 

كن كالصحابة في زُهد وفي ورعٍ
القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ
عبَّادُ ليلٍ إذا جنَّ الظلامُ بهم
كم عابدٍ دمعُه في الخدِّ أَجراه
وأُسد غابٍ إذا نادى الجهادُ بهم
هبُّوا إلى الموت يَسْتَجِدُّون لُقياه

فمن أين أخذوا تلك العزة؟ أمن الدنيا؟ كلا والله، وإنما أخذوا ذلك كله من هذا الدين ومن رسول رب العالمين، ارتضعوا تلك الأخلاق والقيم والذل والتضحية، فإن دل ذلك فإنما يدل على عِظم تلك التربية، فما من عظيمٍ إلا وله مُربٍّ عظيم، فكان الأصحاب هم معدن الصدق والإخلاص والبذل والتضحية يوم أن قال قائلهم:

نحن الذين بايعوا محمدًا      على الجهاد ما بقينا أبدَا

 

ويوم أن قال قائلهم: (والله يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].

 

ويخرج أحد هؤلاء يسمى بخبيب الأنصاري من قدماء الصحابة، استأسَره بعض المشركين وأخرجوه إلى رمضاء مكة من أجل أن يضربوا عنقه، فقال لهم: دعوني أُصلي ركعتين، فقالوا: صل ما شئتَ، فلما انتهى من صلاته قال:

ولست أُبالي حين أُقتل مسلمًا
على أي جنبٍ كان في الله مَصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشَأ
يبارك على أوصال شِلو مُمزعِ
لقد جمع الأحزاب حولي وألَّبوا
قبائلهم من كلِّ حَدَب ومَجمعِ
إلى الله أشكو غُربتي بعد كُربتي
وإلى الرحمن أَوبي ومَرجعي

فظنَّ المشركون أنه يعيش في جبن وخوف وخور وبكاء على هذه الدنيا، فيقول له أبو سفيان، وكان لا زال على الشرك وأسلم بعدها أبو سفيان رضي الله عنه قال: يا خبيب أتحب أن يكون محمدًا مكانك لتُضرب عنقُه، وتكون أنت في أهلك وأولادك قال: كلا والله، لا أُحب أن يشاك محمد بشوكة، وأكون في أهلي وولدي، فمن أين جاءت هذه التربية، إنما رُبُّوا على منهج الحق والاستقامة، وعلم الأصحاب أن عزتهم وكرامتهم ما نالوها إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب الخلق العظيم، وهو الواسطة بيننا وبين الله، وهو الشفيع لنا عند الله، زكى الله صدره وزكَّى جليسه، فقال جل وعلا: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4]، وقال: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

 

فهذا النبي الكريم بعَثه الله لقيادة هذه الأمة، وأن من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار؛ قال جل وعلا: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

حقوق نبينا كثيرة، وقد عرَف حقَّ نبينا الحجر والشجر والحيوان، والجن يعرف حقَّ محمد صلى الله عليه وسلم؛ جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجرًا بمكة كان يُسلم عليَّ أعرِفه الآن)، ودعت امرأة يهودية رسول الله للطعام، وسألت هذه اليهودية: أي شيء من اللحم يُعجبه؟ فقالوا لها: الذراع، ذراع الشاة، فرشَّت سمومًا على الشاة، وزادت سمومًا على الذراع، فبينما هو يأكل؛ إذ نطق الذراع بلسان فصيح، وقال: إني مسموم يا رسول الله، و يأتي جمل، فيسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم الله نبيه حال الجمل، وأنه يشتكي أصحابه، فقال: (اتقوا الله في هذه البهيمة)، ولَمَّا سجد الجمل بين يدي رسول الله قال الصحابة: نحن أحق بالسجود منه يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها لعِظَم حقه عليها، هذا حال الجمادات هذا حال الحيوان، وهكذا الأشجار والأطيار، تعرِف حقَّ نبينا؛ روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله في سفر، فنزل واديًا أفيح - أي لا شجر فيه - ولا أحجار فيه - فأراد أن يقضي حاجته، فنادى شجرة بعيدة في شاطئ الوادي، فأقبلت حتى التحمت مع شجرة أخرى، ولما فرغ من قضاء حاجته، عادت كلُّ شجرة إلى مكانها، وكان يوم الجمعة يخطب أمام جذع من شجر، فجاءت امرأة أنصارية، وقالت: أصنع لك منبرًا يا رسول الله، قال: افعلي ما شئت، فتركه من الجمعة القادمة، فلما رقى الرسول على المنبر حنَّ الجذع وبكى بكاء الصبي، فينزل الرسول فيسكنه، قال بعض الحاضرين من الصحابة: كان يُسكِّنه كما يُسكَّن الصبي من البكاء، فيقول صلى الله عليه وسلم: إنه حن لما كان يسمع من الذكر.

 

وروى الإمام الترمذي في جامعه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة لا يُرى فيها شيءٌ، قال: فعلمت بذلك فتبعته، قال: فلما اقتربت منه وهو يمشي نحو الغابة، فقال لي: أبا عبد الرحمن؟ قلت: لبيك يا رسول الله، قال مكانك، قال: فجاءني وفعل عليَّ دائرة من خط، ثم قال لي: يا بن مسعود، لا تترك هذه الدائرة، ثم ذهب رسول الله بعيدًا، قال ابن مسعود: فخشيت على نفسي، قال: فإذا بقومٍ ما هم والله بإنسٍ ولا من بني آدم، فكانوا يضربون من الخط ولا يتعدونه إليَّ أبدًا، قال: فخشيت على رسول الله، فتذكرت أنه قال لي: الزَم مكانك، ثم يأتي الرسول في آخر الليل قبل الفجر بلحظات، فيقول له ابن مسعود: فداك أبي وأمي، لقد خشيت عليك يا رسول الله، قال: إني كنت عند إخواننا من الجن، وقد سألوني الطعام والعلف لدوابهم، فقلت: إن طعامكم كل عظم أكله ابن آدم، ذُكر اسم الله عليه فهو لحم، وأما علف دوابهم، فهو رجيع دواب بني آدم، لذا نهى عن الاستجمار بعظم أو برجيع حيوانٍ، وقال: (إنها طعام إخوانكم من الجن)، جاءت إلى رسول الله واستمعوا القرآن؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 29 - 32].

 

هذا خطاب الجن لقومهم بعد أن حضروا دروسًا لرسول الله، ثم كانوا بعد ذلك دعاة، وهكذا قال سبحانه: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾ [الجن: 1 - 3].

 

فهو رحمة للعالمين، فأُفٍّ وأُفٍّ لمن كان الجن والأحجار والأشجار والحيوانات أعظمَ معرفة منه بحقوق رسول الله، لقد عرفوا حقوق نبينا، ومن الأمة من لا يعرف حق نبينا صلى الله عليه وسلم، الكون كله يعرف مقام رسول الله، فهو سيد الأولين والآخرين، وهو خاتم النبيين والمرسلين، وهو خليل ربِّ العالمين، وهو الذي كان نورًا وبشيرًا وسراجًا وقمرًا منيرًا، وداعية إلى الصراط المستقيم، هو الذي بذل نفسه من أجل إسعاد هذه الأمة؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

اللهم بارِك لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، معاشر المؤمنين، بلغ مِن حِرص نبينا علينا أن كان حريصًا علينا في الدنيا من الضياع والهلاك، وحريصًا علينا في الآخرة من النار، فقال جل وعلا: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

بكى رسول الله ليلة بكاءً مريرًا، فأرسل الله جبريل يسأله عن سبب بكائه وهو أعلم، فقال جبريل: يا محمد، ما يبكيك، فقال: أمتي، أمتي، فصعد جبريل إلى رب العالمين وأخبر الخبر، قال سبحانه: عُدْ إليه وقل: إنا سنُرضيك في أمتك، ها هو في عرصات القيامة البشرية كلها يبحثون عمن يشفع لهم إلى الله، فيأتون إلى آدم أبي البشر يقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده وأسجَد لك ملائكته، ونفخ فيك من روحه، اشفع لنا إلى ربك يقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد نهاني عن أكل من الشجرة، فأكلت، نفسي نفسي، انظروا غيري، اذهبوا إلى نوح أول رسول إلى أهل الأرض، فيأتون نوحًا فيعتذر، ثم يُحيلهم نوح على إبراهيم فيعتذر، فيحيلهم على موسى، فيقدم اعتذارًا ثم يحيله على عيسى ابن مريم، فيعتذر فيُحيلهم على عبد غفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يحيل على محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها فيخر تحت العرش ساجدًا فيحمد الله بمحامد لم يكن يعلمها من قبل، يعلمه الله بثناء ودعاء يثني به على الرب سبحانه وتعالى، فيقول الله: (يا محمد ارفع رأسَك، وسلْ تُعطه، واشفع تشفع، يقول: يا رب أمتي أمتي).

 

الله أكبر، ما أبلغ حرصَ نبينا علينا في الدنيا والآخرة، وما أقل اهتمام هذه الأمة بحال نبيها وبحقوق نبيها...

 

أعظم الحقوق - عباد الله -: طاعة الرسول فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، والمراد بذلك الطاعة، فرسول الله لا يريد أن يرفع إلى حدِّ الإطراء، أو أنه يفضي به إلى مقام الألوهية، وإنما هو عبد الله ورسوله، وهكذا أيضًا إن مَسَّ جنابه بشيء من السوء أو الاستهزاء والسخرية، وجَب على المؤمن أن يغضب لرسوله.

 

إن المسلم يغضب لنفسه ولأبيه، فما بالك إذا مسَّ عرض رسول الله، هذا حسان بن ثابت رضي الله عنه كان يذب عن حياض رسول الله، وهؤلاء الأصحاب كلهم يذبون عن عرض رسول الله، ألَّف ابن تيمية كتابًا بعنوان: "الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول"، في القرن الثامن ظهر رجل يسب الرسول، فرد عليه ابن تيمية بكتاب، فوجد ذلكم الرجل مقتولًا، فما انتهك أحد حرمةَ لرسول الله إلا عومل بالهلاك والدمار؛ جاء في صحيح البخاري أن كاتبًا كان يكتب لرسول الله، وبعد ذلك ارتد ذلكم الرجل، فكان على مذهب النصارى، فلما مات حفروا له في الأرض حفرة فقبَروه، فلفَظته الأرض عدة مرات في عدة أيام، والأرض تلفظه، لا تريده أن يكون في بطنها وفي جوفها، فتركوه بعدها للسباع، وما استطاعوا أن يحموه.

 

حقوق نبينا يا عباد الله كثيرة علينا، وسوف نسأل عنها بين يدي الله؛ قال صلى الله عليه وسلم، (وستسألون عني)، نُسأل عنه في قبورنا، وفي عرصات القيامة، أما في القبر، فنسأل عن الأصول الثلاثة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وفي عرصات القيامة تسأل عن رسول الله وعن دين رسول الله، أنت مسؤول عن ذلك كله بين يدي الله تعالى، ومن أعظم الحقوق وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم تعظمه في نفسك، وأن يكون له جلالة ومهابة في قلبك، تحب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من حبك لنفسك وأبيك وأمك وأموالك، تحب الرسول، وتنصر الرسول، فمن أحب الرسول ووقَّره في قلبه، كان له حظ ونصيب من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4]، فكل من عظَّم الرسول وكان له حظ ونصيبٌ مما ذكر، ومن لم يبالِ بذلك، كان له حظ ونصيب من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، ومعنى شانئك؛ أي: مُبغضك، فمن أبغض الرسول جعله الله أبتر من الخير في أمر الدنيا والآخرة.

 

يا عباد الله، نحن مطالَبون بأن ننصُر رسول الله في أنفسنا وفي أهلينا، وننصره أيضًا إذا مست كرامته بسوء يقول حسان:

فإن أبي ووالدتي وعرضي      لعرض محمد منكم وقاءُ

 

والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

 

ومن أعظم الحقوق أن تصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بذلك زيادة الثناء، تذكُره وتصلي عليه في كل مجلس، وأن تجعله قدوة وقيادة، وأن تتابع علماء الأمة فيما أفتوا به من مقاطعة البضائع المستوردة من بلاد الكفار الذين مسُّوا عرض نبينا بسوء، فأُفٍّ وأُفٍّ لمن قدَّم مصلحته وهواه، وقدَّم نفسه وبطنه وفرجه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

لو شتمك رجل ثم جاء بشاة محنوذة معها جميع أصناف الطعام والشراب، وقد سبَّك قبلها ولم يعتذر لك بشيء، لكنه جاءك بالطعام من أجل أن تسامحه، والله ما أظن إلا أن يكون قد قل حياؤه منك فنعم، أما هؤلاء الكفار فلم يبدوا اعتذارًا ولا هم مستعدون أن يعتذروا، فإن الحق والباطل في صراع مرير، منذ أن خلق الله الأرض وأهلها والحق والباطل في صراع، فوجب على أهل الدين أن يَعرفوا قدرَ دينهم، وأن يعلموا قدر نبيهم، فأنتم أعظمُ منزلةً في الدنيا من اليهود والنصارى، ومن كل دين ملوَّث على وجه الأرض، فهو دين لا يساوي شيئًا عند الله، فأنتم أصحاب الدين المرتضى الذي ارتضاه الله لكم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 3].

 

وإن وجدت بعض السلبيات من بعض المنتسبين للإسلام، لا يدل ذلك على فساد الدين، وإنما أبناء الدين.

نَعيب زماننا والعيبُ فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونَهجوا ذا الزمان بغير حقٍّ
ولو نطَق الزمان لنا هجانَا

فليس العيب عيب الزمان، ولا عيب الإسلام، وإنما عيب حَمَلَة الإسلام، وجدوا إسلامًا ما بذلوا فيه مهجًا ولا أرواحًا، وجدوه سهلًا ميسرًا بمثابة ورثةٍ وجدوا بيوتًا وعقارات وأموالًا وأرصدة، فعاثوا فيها هنا وهناك، بخلاف من بنى مجده بنفسه، فإنه يحمي أمواله، ويحمي تركته ويحمي جميع ممتلكاته؛ لأنه تعِب في ذلك ونحن حينما لم نتعب بهذا الدين، كان أمرًا روتينيًّا، لكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طعِموا حقيقة الدين، وذاقوا قبلها طعم الجاهلية المرة، شعروا بحلاوة الإسلام، فبذلوا فيه أوقاتهم وحياتهم، فكان لسان حال الواحد منهم، ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وأن يرينا الحق حقًّا، فيرزُقنا اتباعه والباطل باطلًا، فيرزُقنا اجتنابه.

 

اللهم آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا
  • من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان به ومحبته
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 1)
  • حقوق النبي المصطفى (1)

مختارات من الشبكة

  • خطبة عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقوق وواجبات النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته(مقالة - ملفات خاصة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (5)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (4)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (3)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب