• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

دروس من قصة الغلام المؤمن (خطبة)

دروس من قصة الغلام المؤمن (خطبة)
أبو سلمان راجح الحنق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/10/2024 ميلادي - 15/4/1446 هجري

الزيارات: 8511

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس من قصة الغلام المؤمن

 

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، قصة أصحاب الأخدود هي قصة ظلم تتكرر في تاريخ الدعوات، وهي في ذات الوقت قصة فداء وتضحية في سبيل الدين تُسطَّر بدماء الشهداء، ونور يضيء الدرب للمؤمنين، ولعنة تصب على الكافرين أو الظالمين الغاشمين، وتاريخ ناصع لا يكذب عن طبيعة المعركة بين المؤمنين والكافرين، وبين الطغاة والدعاة، وبين البغاة والهداة.

 

ذكرها القرآن الكريم ونوَّه بها في سورة البروج: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [البروج: 1 - 12].

 

ومعلوم أن السنة النبوية هي المبينة لما أجمل في القرآن الكريم، وأن من حفظ الله تعالى للقرآن حفظه للسنة، ولا يستغني المسلم عن الأخذ بالسنة النبوية؛ حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّم أصحابه القرآن والسنة، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: "علم الحديث هو علم الصدر الأول، والذي عليه بعد القرآن المعول، وهو لعلوم الإسلام أصل وأساس، وهو المفسر للقرآن بشهادة ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 44]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أوتيت القرآن ومثله معه"، فالسنة الصحيحة وحي من الله إلى رسوله، ونطق بها الصادق، وعمل بها الصحابة، وهي دين.

 

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فصول هذه القصة فيما رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه فقال: "كان ملكٌ فيمن كان قبلكم وكان لهُ ساحرٌ، فلما كبرَ قال للملكِ: إني قد كبرتُ، فابعث إليَّ غلامًا أُعلِّمه السحرَ، فبعث إليهِ غلامًا يُعلِّمُه فكان في طريقِه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليهِ وسمع كلامَه فأعجبَه، فكان إذا أتى الساحرَ مرَّ بالراهبِ وقعد إليهِ، فإذا أتى الساحرَ ضربَه، فشكا ذلك إلى الراهبِ، فقال: إذا خشيتَ الساحرَ، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيتَ أهلك، فقل: حبسني الساحرُ. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناسَ، فقال: اليومَ أعلمُ آلساحرُ أفضلُ أم الراهبُ أفضلُ؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهبِ أحبَّ إليك من أمرِ الساحرِ فاقتل هذهِ الدابةَ حتى يمضي الناسُ، فرماها فقتلها ومضى الناسُ، فأتى الراهبَ فأخبرَه، فقال لهُ الراهبُ: أي بنيَّ، أنت اليوم أفضلُ مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى فإن ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ، وكان الغلامُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ، ويُداوي الناسَ من سائرِ الأدواءِ، فسمع جليسٌ للملكِ كان قد عمي فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ، فقال: ما ههنا لكَ أجمع إن أنتَ شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي اللهُ، فإن أنت آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ فشفاكَ، فآمنَ باللهِ فشفاهُ اللهُ، فأتى الملك فجلس إليهِ كما كان يجلسُ، فقال لهُ الملكُ: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربك اللهُ، فأخذَه فلم يزل يُعذبه حتى دَلَّ على الغلامِ، فجيء بالغلامِ، فقال لهُ الملكُ: أي بنيَّ، قد بلغ من سحركَ ما تُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ؟ فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي اللهُ، فأخذَه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهبِ، فجيء بالراهبِ، فقيل لهُ: ارجع عن دينك، فأبى؛ فدعا بالمئشارِ فوُضع المئشارُ على مفرقِ رأسِه فشقَّه حتى وقع شِقَّاه، ثم جيء بجليسِ الملكِ فقيل لهُ: ارجع عن دينك، فأبى؛ فوُضعَ المئشارُ في مفرقِ رأسِه، فشقَّهُ بهِ حتى وقع شِقَّاهُ، ثم جيء بالغلامِ فقيل لهُ: ارجع عن دينك، فأبى؛ فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه، فقال: اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا، فاصعدوا بهِ الجبلَ، فإذا بلغتم ذروتَه، فإن رجع عن دينِه وإلا فاطرحوهُ، فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ، فرجف بهم الجبلُ فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللهُ، فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه، فقال: اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قرقورٍ، فتوسَّطوا بهِ البحرَ فإن رجع عن دينِه وإلا فاقذفوهُ، فذهبوا بهِ فقال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ، فانكفأت بهم السفينةُ فغرقوا وجاء يمشي إلى الملكِ، فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللهُ، فقال للملكِ: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعلَ ما آمرك بهِ، قال: وما هو؟ قال: تجمعُ الناسَ في صعيدٍ واحدٍ وتصلبني على جذعٍ، ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضعِ السهمَ في كبدِ القوسِ، ثم قل: باسمِ اللهِ ربِّ الغلامِ، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناسَ في صعيدٍ واحدٍ، وصلبَه على جذعٍ ثم أخذ سهمًا من كنانتِه، ثم وضع السهمَ في كبدِ القوسِ، ثم قال: باسمِ الله ربِّ الغلامِ، ثم رماهُ فوقع السهمُ في صدغِه، فوضع يدَه في صدغِه في موضعِ السهمِ فمات، فقال الناسُ: آمنَّا بربِّ الغلامِ، آمنَّا بربِّ الغلامِ، آمنَّا بربِّ الغلامِ، فأتى الملكُ، فقيل لهُ: أرأيتَ ما كنت تحذرُ؟ قد واللهِ نزل بك حذرك، قد آمنَ الناسُ، فأمر بالأخدودِ في أفواهِ السككِ فخُدَّت، وأُضرمَ النيرانُ، وقال: من لم يرجع عن دينِه فأحموهُ فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها فتقاعست أن تقعَ فيها، فقال لها الغلامُ: يا أمه، اصبري فإنكِ على الحقِّ".


إنها قصة تحمل في ثناياها معاني عظيمة، وفوائد جليلة، وأفكارًا بنَّاءة، لو ذهبت تستقصيها وتتعمَّق فيها لاستخرجت منها دروسًا مهمة في التربية، والثقة بالله، وتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة، وتجلية الحقائق التي قد تغيب عن النفس أو الغير، فمن هذه الدروس:

 

أولًا: أهمية تربية الأبناء:

فبطل هذه القصة غلام "كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم"، غلام آمن بالرحمن، وواجه الطغيان، وأصرَّ على إبلاغ الحق - ولو بذل من أجل ذلك روحه رخيصة - حتى آمن على يديه أبناء قومه، وهذا مما يجعلنا نهتم بتربية أبنائنا وتنشئتهم تنشئة إيمانية صحيحة عسى أن يكون منهم من يجدد لأمتنا دينها، أو يقودها للنصر على أعدائها. كما يتضح لدينا سبب تركيز الأعداء على الشباب عمومًا والحرص على إغوائهم وإفسادهم عبر بث الشبهات في الدين والعقيدة تحت مسميات براقة؛ كالحرية والمساواة والعدالة والتنوير والعلمنة، أو إفسادهم عبر إيقاعهم في الشهوات واللهو واللعب وإغراقهم بها؛ فينشأ جيل لا إيمان له ولا عقيدة ولا أخلاق ولا سلوك؛ فيُصيِّرهم الأعداء وبكل سهولة أداةً لتحقيق أهدافهم وتنفيذ مخططاتهم.

 

ثانيًا: أن لكل فرعون سحرة، وسحرة كل زمان بحسبه، وهؤلاء السحرة والحواة هم بطانة السوء وثُلَّة المنتفعين الذين يلتفون حول الملك أو الفرعون أو الطاغية، يسبحون بحمده، ويزينون فعله، وينافقونه لأجل تحصيل منافعهم، فهم كالقراد الذي يقتات على دم البعير أو يلتصق بجسم الكلب فإذا ما فارقه مات، فبقاؤهم مرتهن ببقائه وهلاكهم بهلاكه، فهم يحفظونه ويحفظون نظامه حتى لا يسقط فيسقطون معه، وأنهم لا يبالون بما سيحصل لجنودهم.

 

إن أهل الباطل يتواصون فيما بينهم، ويتخادمون فيما بينهم لاستمرار باطلهم، فالساحر كان حريصًا على أن يستمر باطله مع أنه لن يستفيد شيئًا، وهكذا أهل الباطل في كل زمان ومكان وإلى يومنا هذا.

 

وإن الطغاة لا يقربون حولهم إلا الظلمة والعصاة والمجرمين أو من يتزيَّا بزي العلم وليسوا بعلماء والذين يساعدونهم على إبطال الحق وإظهار الباطل وكل ما منه تثبيت حكم ذلك الحاكم الظالم، وردع أي عمل يمكنه أن يقوِّض حكمه.

 

والحاكم العادل لا تجد حوله إلا الحكماء والعظماء والعلماء الربانيين القائلين بكلمة الحق الذين يساعدونه على إقامة العدل وإحقاق الحق.

 

ثالثًا: تعليق نفوس المدعوين بالله وحده:

فقد كان الغلام مما يبرئ الأكمه والأبرص ويشفي المرضى بإذن الله، وكان إذا طلب منه أحد الشفاء قال: "أنا لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت به دعوته لك فشفاك"؛ وذلك حتى لا تتعلق القلوب بغير باريها وخالقها وإلهها، وحتى لا ننقل الناس من عبادة الفرعون إلى عبادة الكاهن، وننقل الإلهية من الملك إلى الشيخ، وحماية للعقول من أن تنتقل من تعظيم الحق إلى تقديس الشخص، فإذا اهتدى اهتدوا بهداه، وإذا زاغ أو ضل أو زل زاغوا بزيغه وضلوا بضلاله.

 

رابعًا: الثقة التامة بالله تعالى:

فعندما أمر الملك زبانيته بأخذ الغلام وإلقائه من فوق الجبل إن أبى الرجوع عن دينه، فكان دعاؤه: "اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت"، ثقة كاملة بالله، واستغناء كامل بقدرته، وتوكل تام عليه وحده، فليس هناك أسباب إلا الدعاء، وليس ثمة باب مفتوح أمامه إلا باب الغالب الوهَّاب، فسلم له النفس ووكل إليه الأمر يدبره بقدرته التي لا حدود لها بالطريقة التي يراها سبحانه.

 

خامسًا: الإصرار على تبليغ دعوته:

فقد أنجى الله الغلام من الموت مرتين، وفي كل مرة يعود إلى الملك بنفسه ليبلغه الحق ويدعوه للإيمان، لم يهرب ولم ينسحب، بل أخبره بنفسه عن السبيل الوحيد لقتله، فأسلم نفسه للموت والقتل من أجل إظهار الحق، إصرار عجيب على الدعوة، وإصرار على إظهار الحق، وإصرار على تحدي الباطل، خصوصًا وليس في الميدان غيره، وهي رسالة لرموز الدعوة الكبار، الذين ارتبطت بهم الدعوات وصاروا من سماتها؛ فهؤلاء لا يسعهم ما يسع الصغار والعوام، وهروبهم من الميدان خذلان للدعوة وخسارة كبيرة، وفتنة للمدعوين، ونكوص عن واجب كانوا هم أولى الناس به، وهكذا على الداعية إلى الله عز وجل أن يتحرى في دعوته سلامة المنهج، ووضوح الطريق على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم داعيًا إلى الله عز وجل في مكة وفي المدينة، في المسجد وفي الأسواق والمجالس، وكما كان يوسف عليه السلام داعيًا إلى الله عز وجل حتى في السجن.

 

وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، من الدروس أيضًا:

سادسًا: تصحيح مفهوم الانتصار والخسارة:

فالخسارة الحقيقية ليست في موت الداعية، وإزهاق الظالمين لنفوس المؤمنين، وإنما الخسارة الحقيقية أن ترتد عن دينك، وأن تنكص على عقبيك، وأن تتخلى عن مبادئك، أو تتنازل عن الحق، أو تهادن الباطل.

 

كما أن الانتصار ليس في سلامة الأبدان، وصيانة الأموال، وحفظ المراكز، وإنما الفوز الكبير هو أن تعيش إن عشت على الإيمان، وتثبت عند الموت على الإسلام، وأن يؤمن الناس بدعوتك حتى وإن كان سبيل إيمانهم أن يمروا على جثتك.

 

لقد مات الغلام ولكن آمن القوم، وقتل القوم وحرقوا ولكن كانوا ثابتين على إيمانهم؛ فأدخلهم الله الجنة، وشهد لهم بأنهم فازوا الفوز الكبير ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 11].

 

سابعًا: الدعوات لا ينصرها إلا التجرُّد الكامل والخروج عن حظوظ النفس، ومكاسب الحياة؛ لقد قال الشيخ لتلميذه: "أنت اليوم خير مني وإنك ستُبْتلى، فإن ابتُليت فلا تدل عليَّ"، وخُيـِّر التلميذ بين حياته وبين دعوته فاختار بمنتهى الأريحية أن يموت هو لتحيا دعوته، بل هو الذي يطلب الموت بذاته لذاته "إنك لن تُسلَّط عليَّ حتى تفعل ما آمرك به..." ثم يخبره عن الطريقة التي يقتله بها!

 

ثامنًا: الابتلاء طريق ممتد وملحمة لا تنتهي:

وسنن الله في الدعوات وفي الخلق عمومًا لا تتغير ولا تتبدل، فلا بد أن يُبتلى العباد ليعلم الصادق من الكاذب، وأهل الإيمان من أهل الزيغ والكفران ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴾ [الأنفال: 37]، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31] وقال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].

 

فلسنا أول أمة تعالج الرزايا والبلايا ثم تطالب بالثبات على الحق والمكافحة من أجل إعلاء كلمه الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾، وإنما القاعدة أن الابتلاء أول طريق النصر، وآخره الوصول إلى الجنة: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

 

تاسعًا: الكفر ملة واحدة، والظلم أخو الكفر:

وهؤلاء وهؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، ولا مانع لديهم من ارتكاب أفظع الجرائم، وأبشع صور التنكيل والتعذيب من أجل فتنة المؤمنين وردهم عن دينهم، أو اختيار أقسى صور القتل للتخلص منهم في حال صبرهم على عقيدتهم وعدم مهادنة ومداهنة الظلم، وهذا ما نراه اليوم في كثير من بلاد الإسلام وعلى وجه الخصوص فلسطين وغزة من تجَمُّع لمِلَل الكفر من يهود ونصارى، وأذنابهم من الخونة والمنافقين حيث نرى أبشع صور الدمار والقتل وسفك الدماء وقتل الأطفال والنساء، واستهداف المساجد والمستشفيات والمدارس، واستخدام سياسة الأرض المحروقة.

 

عاشرًا: الإيمان جذوة لا تخمد، وشمس لا تغيب:

متى غربت عن أرض قوم أشرقت في أرض غيرها، وإذا داهم ظلام الليل قومًا، فإن ضوء النهار يزيل ظلام الليل عن قوم آخرين ويبقى نور الله لا ينطفئ أبدًا.

 

ومهما تكالب الأعداء على الإسلام والمسلمين فإن دين الله باقٍ ما بقي الليل والنهار، ودينه منصور، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عشرون فائدة من حديث الغلام المؤمن
  • قصة الغلام المؤمن في قالب شعري
  • قصة الغلام والمؤمن مع الملك الظالم

مختارات من الشبكة

  • من قصص القرآن والسنة: قصة قارون دروس وعبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصص القرآن والسنة دروس وعبر: قصة ابني آدم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • "إن الله معنا" درس من دروس الهجرة النبوية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تعظيم الله: درس من دروس رمضان 1445 هـ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس القيادة: 39 درسا لتعلم قيادة السيارة (جير عادي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب