• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

الفاروق عمر رضي الله عنه (خطبة)

الفاروق عمر رضي الله عنه (خطبة)
د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/9/2024 ميلادي - 1/3/1446 هجري

الزيارات: 20134

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفاروق عمر رضي الله عنه

 

الخطبة الأولى

الحمد لله، وَعَد المؤمنين المخلِصين بالعزَّة والكرامة، وأوعد الفاسقين المتخاذلين بالحسرة والندامة، ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 160]، أحمده على أن نصر رسوله على المشركين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، يحقُّ الحقَّ، ويُبطِل الباطل، ويقطع دابر الكافرين، وأشهد أنَّ سيِّدنا ومولانا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدِّين كلِّه، اللَّهمُّ صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمَّد وعلى آله والأصحاب والأتباع ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: 74].

 

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى قولًا وفِعالًا، اتقوه خضوعًا وامتِثالًا، بُكرًا وآصالًا؛ تُحقِّقوا عِزًّا وجلالًا، وسُؤددًا وكمالًا ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق: 5].

وكُن مُخبِتًا لله بالتقوى التي
هي الزادُ للأخرى ودَع كلَّ من ألوَى
فحسبُك وانزِل حيثُما نزل الهُدى
وكُن حيثُما كان التورُّع والتقوى

 

أيها المسلمون، إن لهذه الأمة سلفًا، هم أبَرُّ الناس قلوبًا، وأحسنُهم إيمانًا، وأقلُّهم تَكَلُّفًا، سيرة كل عظيم منهم عظة وعبرة، وفي اقتفاء أثر أحدهم هداية، وفي الحياد عن طريقهم غواية.

 

ومع واحدٍ من هؤلاء العظماء، إنه رجل عاش الجاهلية والإسلام، رجلٌ غليظٌ شديد ولكن على الباطل، ورقيق حليم رحيم بالمؤمنين، وليٌّ من أولياء الله، خليفة من خلفاء المسلمين، مُرقَّع الثياب ولكن راسخ الإيمان، تولَّى أمر المسلمين فطوى فراشه، وقال: "إن نمت بالنهار ضاعت رعيتي، وإن نمت بالليل ضاعت نفسي"، إنه شهيد المحراب، إنه من قُتل وهو يُصلِّي على يد من لم يسجد لله سجدةً، إنه أبو حفص، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وجمعني وإياكم في زمرته.

 

أسلم ابن الخطاب، وكان بشارة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتزَّت مكة من الفرح وارتجَّت نواحيها بالتكبير، وعزَّ به المسلمون المستضعفون، قال ابن مسعود كما في صحيح البخاري: "لم نزل أعِزَّةً منذ أسلم عمر".

 

عن أبي ذرٍّ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضَعَ الحقَّ على لسان عمر يقول به))؛ رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني.

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِن الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ))؛ متفق عليه.

 

والمحدَّث هو الملهَم، وهي منزلة جليلة من منازل الأولياء.

وقد قيل عنه رضي الله عنه: ما نزل بالناس أمرٌ قطُّ فقالوا فيه وقال عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر، وقد وافق القرآن قول عمر رضي الله عنه في عدة مواقف، منها ما قاله للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يحجب زوجاته أمهات المؤمنين، فنزل الأمر بالحجاب، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم حينما طاف بالكعبة في العمرة: ((لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلًّى))، فنزل قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125].

 

فهذه بعض الصور الجميلة في حياة عمر، فحياته كلها عِبَر ودروس:

الصورة الأولى:

وهي مولده في الإسلام رضي الله عنه، أسلم لما سمع ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 1 - 5]، فَسَرَتْ في قلبه، وحَرَّكت وجدانه، فتحوَّل من حالٍ إلى حالٍ.

قد كنت أَعدى أعاديها فصرت لها
بفضل ربك حصنًا من أعاديها
قل للملوك تنحّوا عن مناصبكم
فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

 

الصورة الثانية:

الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر ثلاث رؤى رآها في المنام، كلها لأبي حفص رضي الله عنه:

الأولى: قال صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ))؛ متفق عليه من حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه.

 

الثانية: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ))؛ متفق عليه.

 

الثالثة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ))؛ متفق عليه.

 

لقد جعل الإسلام من شِدَّة عمر رضي الله عنه شِدَّةً في أمر الله، اهتزَّت لها عروش الجبابرة، وفرَقت منها قلوب الشجعان، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء على صحابته الكرام: ((وأشدّهم في أمر الله عمر))؛ رواه أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه حينما كان يغلظ على أعداء الله ويغضب لحُرُماته وينطق بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.

 

الصورة الثالثة:

فعمر رضي الله عنه رجل العَسّة الأول) وهو من يطوف بالليل)، ينام الناس في عاصمة الخلافة ولا ينام، يشبع الناس ولا يشبع، يرتاح الناس ولا يرتاح.

 

كان رضي الله عنه إذا هدأت العيون وتلألأت النجوم، يأخذ دِرَّتَه (وهي عصاه التي يضرب بها) ويجوب سكك المدينة؛ عَلَّه يجد ضعيفًا يساعده، أو فقيرًا يعطيه، أو مجرمًا يؤدِّبه.

 

وبينما هو يمشي في ليلة من الليالي، إذْ بامرأة في جوف دار لها وحولها صبية يبكون، وإذا قِدْرٌ على النار قد ملأته، فدنا عمر من الباب فقال: أمةَ الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع.

 

قال: فما هذا القِدر الذي على النار؟ قالت: ما أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيه شيئًا.

 

فبكى عمر ثم جاء إلى دار الصدقة، وأخذ غرارة (وهي ما يُملأ فيها من الطعام)، وجعل فيها شيئًا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال لمولاه: يا أسلم، احمل عليَّ، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك. قال: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله؛ لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر، فجعل فيه دقيقًا وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يُحرِّكه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده، ويطعمهم حتى شبعوا.

 

أيها المسلمون، صور من ورعه:

أخرج ابن سعد عن البراء بن معرور أن عمر رضي الله عنه خرج يومًا حتى أتى المنبر، وكان قد اشتكى شكوى، فنُعت له العسل، وفي بيت المال عُكَّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فهي عليَّ حرام، فأذنوا له.

 

وخرج مرة في سواد الليل فرآه طلحة رضي الله عنه، فذهب عمر فدخل بيتًا، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت وإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أُمُّك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع؟!

 

وذكر أهل السير أن قيصر عظيم الروم أرسل رسولًا إلى عمر رضي الله عنه لينظر أحواله ويشاهد أفعاله، فلما دخل المدينة سأل أهلها وقال: أين ملككم؟ فقالوا: ما لنا ملك، بل لنا أمير قد خرجَ إلى ظاهر المدينة، فخرج الرسول في طلبه، فرآه نائمًا في الشمس على الأرض فوق الرمْل، وقد وضع درعه كالوسادة، والعرَق يسقط من جبينه قد بلَّ الأرض، فلما رآه على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه، وقال: رجل لا يَقَرُّ للملوك قرارٌ من هيبته وتكون هذه حالته! ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت، وملكنا يجور فلا جرمَ أنه لا يزال ساهرًا خائفًا، أشهد أن دينك الدينُ الحق، ولولا أنني أتيت رسولًا لأسلمت، ولكن أعود وأسلم.

 

فهل سمعتم بمثل هذه العظمة؟! وهل قرأتم غير هذا التواضُع؟! لا يضيره التعفُّف، ولا يعنيه الترف، هاب الله فهابه الناس، وأرضى ربَّه فأرضى عليه الناس ومكَّنه في الأرض، تخافه الدنيا ويرتعد منه العظماء، ويقضي راحته في العَراء نائمًا مطمئنًّا غير وجل ولا هيَّاب، فما يملك أعداؤه إلا أن يقولوا: عَدلت فأمنتَ فنمتَ يا عمر.

رآه مستغرقًا في نومه فرأى
فيه الجلالة فِي أسْمَى معانيها
فوق الثَّرى تحت ظل الدوح مشتملًا
ببُردة كاد طول العهد يبليها
فقال قولة حق أصبحت مثلًا
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدلَ بينهمُ
فنمتَ نومَ قريرِ العَيْن هانيها

 

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، أوضَحَ مَعالمَ الهُدَى فلا شَكَّ فيها ولا التِباس، وجَعَل الابتلاءَ سُنَّةً وفي كِتابِه النِّبراس، يُديلُ الدّولَ ويَبتَلي الأممَ، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140]، أحمدُه تعالى وأَشكُره، وأُثني عليه وأستَغفِره، وأسأَله المزيدَ مِن فضله، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه وخليلُه ومُصْطفاه من بين النَّاس، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبه والتابِعين، ومَن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

 

عباد الله، صَلَّى عمر الفجر في أحد الأيام، وفي أثناء الصلاة أتاه أبو لؤلؤة المجوسي الذي ما سجد لله سجدةً، فكانت نهاية هذا الطود الشامخ على يديه.

مولى المغيرة لا جادتْك غادية
من رحمة الله ما جادت غواديها
مزّقت منه أديمًا حَشْوُهُ هِمَمٌ
في ذمّة الله عاليها وماضيها

 

فما راع الناس إلا صوت عبدالرحمن بن عوف يكمل بهم الصلاة خفيفة، وفزع الناس أين صوت عمر؟ أين صوت الخليفة؟ أين صوت الحبيب؟ أين العادل؟ أصبح في سكرات الموت يسأل وهو في السكرات: مَن قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدةً.

 

وحملوه إلى البيت وأحضروا له وسادةً فنزعها وقال: ضعوا رأسي على التراب، لعل الله أن يرحمني، وأخذ يبكي ويقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكُه.

 

ويدخل عليه أحد الشباب يعوده فيرى طول إزاره، فيقول له: ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك.

يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حتى وهو بهذه الحال.

 

استأذن عائشةَ رضي الله عنها أن يدفن مع صاحبَيْه، فقالت له: لقد هيَّأت هذا المكان لنفسي، لكن والله لأوثرن عمر به، ادفنوه مع صاحبيه. هذا الخليفة الراشد، هذا الإمام العادل.

 

يقول عليٌّ وعمر يكفن قبل أن يصلى عليه: "والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجل إلا بعمل رجل مثلك".

 

عباد الله، إن هذه السيرة ينبغي أن نتذاكرها بين الفينة والفينة، ونغرسها في نفوسنا، ونجعلها مثلًا أعلى يُحتذى ويُقتدى بها.

 

ألا وصلّوا - عباد الله - على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ عليه ما تعاقب الليل والنهار وصلَّى عليه المتقون الأبرار، وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين وتابعيهم وعنا معهم برحمتك يا عزيز يا غَفَّار.

 

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الراشدين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم مَتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، واجعلنا أهلًا لأن يُستجاب دعاؤنا يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا صالحين في ظواهرنا وبواطننا حتى نكون أهلًا لأن يُستجاب لنا.

 

واشفِ اللهُمَّ مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبَلِّغْنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.

 

اللَّهُمَّ انْتَصِرْ لِعِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي مَشَارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبِها، اللَّهُمَّ أَسْعِدْ قلوبنا بِعِـزِّ الإسْلام وظُهُور المُسلمينَ، ونَصْـرِ الفئةِ المؤمنةِ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللَّهُمَّ اجْمَعِ القلوبَ على طاعتِكَ، اللَّهُمَّ اهْدِ ضالَّ المُسْلمينَ، وثَبِّتْ مُطِيعَهُمْ، وارْزُقِ الجَمِيعَ الاسْتِقامةَ على دِينِ اللهِ وَالتَّمَسُّكَ بِوَحْيهِ الكَريم.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ بلادَنا وبلادَ المُسْلمينَ منْ كُلِّ سُوءٍ ومكْروهٍ، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ الأعْداءِ في نحورهِم، واجْعَلِ الدَّائِرَةَ عليْهم.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ للمسْلمينَ دينَهُم ودنْياهُم، ووحْدَتَهُم وأمْنَهُم، اللَّهُمَّ لا تُؤاخِذْنا بما فعل السُّفهاءُ مِنَّا، اللَّهُمَّ من أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فوفِّقْهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شَرًّا فأهْلِكْهُ بشرِّهِ، وأرحِ البِلادَ والعبادَ منْ شَرِّهِ، اللَّهُمَّ وَلِّ أُمُورَنَا خِيارَنَا، وَلا تُوَلِّ أُمُورَنَا شِرَارَنَا.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَـاكَ، وَلا تَجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ فَسَقَ وَعَصَاكَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا، وَارْحَمْ وَالِدِينَا، وَارْحَـمْ مَنْ عَلَّمَنَا، وَالمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الحليم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذِكرُ الله أكبرُ والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مع الفاروق عمر
  • قطف الثمر من فضائل الفاروق عمر (قصيدة)
  • خصائص الفكر الديني عند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  • بين يدي الفاروق رضي الله عنه (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: مناقب الفاروق (9)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: الفاروق وصلح الحديبية (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: وداعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (10)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: عمر بن الخطاب وموافقة القرآن له (7)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: إذا ذكر عمر ذكر العدل (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه وأسلم عمر (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة مسند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ج1) (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مسند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مسند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • معالم النجاح في شخصية الفاروق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب