• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: العدل ضمان والخير أمان
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصلاة دواء الروح
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    فضل ذكر الله تعالى
    أحمد عز الدين سلقيني
  •  
    قواعد قرآنية في تربية الأبناء
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    مائدة التفسير: سورة الماعون
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2024 ميلادي - 9/2/1446 هجري

الزيارات: 4614

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أخبار الشباب (14)

الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، الْكَرِيمِ الْمَجِيدِ؛ اصْطَفَى لِلْعِلْمِ أَقْوَامًا فَأَشْرَبَهُمْ حُبَّهُ، وَفَرَّغَهُمْ لِطَلَبِهِ؛ فَحَفِظُوا لِلنَّاسِ دِينَهُمْ، وَأَنَارُوا لَهُمْ طَرِيقَهُمْ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَضَّلَ طَلَبَ الْعِلْمِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ؛ وَجَعَلَ كُلَّ عَمَلٍ مُحْتَاجًا إِلَى الْعِلْمِ بِهِ؛ إِذِ الْعَمَلُ بِجَهْلٍ طَرِيقٌ إِلَى الضَّلَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَيَّنَ أَنَّ الْعَلَمَ يَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ؛ فَإِنَّهُ خَيْرُ مَا طَلَبَ النَّاسُ؛ إِذْ بِهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْرِفَةُ مُرَادِهِ مِنْ عِبَادِهِ؛ وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَطَالِبُ الْعِلْمِ لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ صَالِحُ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: «رَأَى رَجُلٌ مَعَ أَبِي مَحْبَرَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ هَذَا الْمَبْلَغَ وَأَنْتَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ: مَعَ الْمَحْبَرَةِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ».

 

أَيُّهَا النَّاسُ: سِيَرُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ تَحْكِي أَخْبَارَ قَوْمٍ قَضَوْا طُفُولَتَهُمْ فِي الْكَتَاتِيبِ، وَشَبَابَهُمْ فِي التَّحْصِيلِ؛ حَتَّى بَزُّوا أَقْرَانَهُمْ، وَفَاقُوا أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَكَانُوا هُدَاةً يُهْتَدَى بِهِمْ، وَيُلْتَمَسُ الْعِلْمُ عِنْدَهُمْ.

 

وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ: الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَصَفَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فَقَالَ: «الْإِمَامُ الرَّضِيُّ، وَالزِّمَامُ الْقَوِيُّ، نَاقِدُ الْآثَارِ، وَحَافَظُ الْأَخْبَارِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كَانَ لِلسُّنَنِ وِالْآثَارِ تَابِعًا، وَلِلْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ دَافِعًا». وَوَصَفَهُ الذَّهَبِيُّ فَقَالَ: «الْإِمَامُ النَّاقِدُ الْمُجَوِّدُ، سَيِّدُ الْحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ، وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَكَانَ إِمَامًا، حُجَّةً، قُدْوَةً فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ».

 

كَانَ أَبُوهُ عَامِّيًّا طَحَّانًا لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْعِلْمِ، فَخَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ إِمَامٌ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: «أَنَا كُنْتُ سَبَبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فِي الْحَدِيثِ، كَانَ يَتْبَعُ الْقُصَّاصَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَحْصُلُ فِي يَدِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ». وَبَعْدَ هَذِهِ النَّصِيحَةِ تَوَجَّهَ الْغُلَامُ لِعِلْمِ الْحَدِيثِ؛ فَرَحَلَ إِلَى مَكَّةَ وَعُمْرُهُ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَنَةً، لِيَنْهَلَ مِنْ عِلْمِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ حَجَّ وَلَازَمَ الْحَجَّ كُلَّ عَامٍ، وَكَانَ يَلْقَى فِي مَكَّةَ وَهُوَ غُلَامٌ الْإِمَامَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَيَأْخُذُ الْعِلْمَ عَنْهُ، وَتَكَرَّرَتْ لِقَاءَاتُهُ حَتَّى قَالَ: «لَقِيتُ سُفْيَانَ عَشْرَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ». فَلَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الْبَصْرَةَ لَزِمَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، فَاغْتَرَفَ عِلْمَهُ، وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي ضَبْطِ حَدِيثِهِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَعْلَمُ بِعِلْمِ الثَّوْرِيِّ». وَحِينَ مَاتَ الثَّوْرِيُّ كَانَ عُمْرُ ابْنِ مَهْدِيٍّ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَطْ. وَهُوَ فِي هَذِهِ السِّنِّ الْمُبَكِّرَةِ قَدْ جَمَعَ عِلْمَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَرُبَّمَا تَعَقَّبَ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: «أَفْتَى سُفْيَانُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَرَآنِي كَأَنِّي أَنْكَرْتُ فُتْيَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلَافَ قَوْلِهِ، فَسَكَتَ».

 

وَلَازَمَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً شَيْخَهُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ، وَاسْتَمَرَّ فِي مُلَازَمَتِهِ لَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، يَأْخُذُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ. وَرَأَى حَمَّادٌ نَجَابَةَ تِلْمِيذِهِ الْغُلَامِ ابْنِ مَهْدِيٍّ فَقَالَ فِيهِ: «لَئِنْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَيَخْرُجَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ». فَعَاشَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَكَانَ كَمَا قَالَ شَيْخُهُ حَمَّادٌ. وَهُوَ فِي هَذَا السَّنِّ ضَابِطٌ مُتْقِنٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ وَلِحَدِيثِ النَّاسِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، إِمَامٌ ثَبْتٌ أَثْبَتُ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَكَانَ عَرْضُ حَدِيثِهِ عَلَى سُفْيَانَ». وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ: «أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ حِفْظًا».

 

وَمَا كَانَ هَذَا النَّهَمُ مِنْهُ فِي الْحِفْظِ وَضَبْطِ الْعِلْمِ إِلَّا لِإِدْرَاكِهِ -وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ- أَهَمِّيَّةَ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ وَالضَّبْطِ؛ حَتَّى قَالَ: «الرَّجُلُ إِلَى الْعِلْمِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ». كَمَا أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ لَزِمَ الْإِمَامَ مَالِكًا، وَاغْتَرَفَ مِنْ عِلْمِهِ وَفِقْهِهِ، وَأَخَذَ عَنْهُ الْمُوَطَّأَ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: «لَزِمْتُ مَالِكًا حَتَّى مَلَّنِي».

 

وَكَبِرَ الْغُلَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَصَارَ إِمَامًا يُجْلَسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُرْحَلُ مِنَ الْأَقَاصِي إِلَيْهِ، وَيُطْلَبُ حَدِيثُهُ، وَيَتَفَاخَرُ الطَّلَبَةُ بِالْأَخْذِ عَنْهُ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَحْكِي مَتَانَةَ عِلْمِ ابْنِ مَهْدِيٍّ بِالْحَدِيثِ: «لَا أَعْرِفُ لَهُ نَظِيرًا فِي هَذَا الشَّأْنِ». وَقَالَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: «أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ». يَشْهَدُ لَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ بِهَذَا، وَهُوَ إِمَامُ عَصْرِهِ فِي الْحَدِيثِ؛ حَتَّى إِنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: «مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ، إِلَّا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ. يَعْنِي فِي الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ». وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: «لَوْ أُخِذْتُ فَحُلِّفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، لَحَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ».

 

وَكَانَ يُوَقِّرُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ وَالتَّحْدِيثِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: «كَانَ لَا يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا يُبْرَى قَلَمٌ، وَلَا يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَلَا يَقُومُ أَحَدٌ قَائِمًا، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرَ، أَوْ كَأَنَّهُمْ فِي صَلَاةٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَدًا مِنْهُمْ تَبَسَّمَ، أَوْ تَحَدَّثَ لَبِسَ نَعْلَهُ وَخَرَجَ». وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُرَبِّيَ طُلَّابَهُ عَلَى تَعْظِيمِ مَجَالِسِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَالْعِلْمُ الَّذِي حَصَّلَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ ظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ فِي عِبَادَتِهِ وَسَمْتِهِ وَهَدْيِهِ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّهَجُّدِ وَالْقُرْآنِ، ذَكَرَ ابْنُهُ يَحْيَى: «أَنَّ أَبَاهُ قَامَ لَيْلَةً، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الْفِرَاشِ فَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: هَذَا مِمَّا جَنَى عَلِيَّ هَذَا الْفِرَاشُ. فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَجِلْدِهِ شَيْئًا شَهْرَيْنِ فَقَرَّحَ فَخِذَيْهِ جَمِيعًا» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يَخْتِمُ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ، وَكَانَ وِرْدُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نِصْفَ الْقُرْآنِ». وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: «دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ -وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ- فَرَأَيْتُ سَوَادًا فِي الْقِبْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ». وَقَالَ تِلْمِيذُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ رُسْتَهْ: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، فَمَاتَ أَخُوهُ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَى أَيْتَامِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَؤُلَاءِ الْأَيْتَامِ».

 

وَرَغْمَ اتِّسَاعِهِ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الشُّهْرَةَ وَتَجَمُّعَ النَّاسِ عَلَيْهِ، قَالَ رُسْتَهْ: «قَامَ ابْنُ مَهْدِيٍّ مِنَ الْمَجْلِسِ وَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ! لَا تَطَؤُنَّ عَقِبِي، وَلَا تَمْشُنَّ خَلْفِي».

 

وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ سَلِيمَ الْقَلْبِ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا يَسْمَحُ بِالنَّيْلِ مِنْ أَقْرَانِهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ خِلَافٌ. قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، فَجَعَلَ يُعَرِّضُ بِوَكِيعٍ، قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَبَيْنَ وَكِيعٍ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلَّذِي جَعَلَ يُعَرِّضُ بِوَكِيعٍ: قُمْ عَنَّا، بَلَغَ مِنَ الْأَمْرِ أَنْ تُعَرِّضَ بِشَيْخِنَا؟ وَكِيعٌ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا، وَمَنْ حَمَلْنَا عَنْهُ الْعِلْمَ».

 

تُوُفِّيَ ابْنُ مَهْدِيٍّ بِالْبَصْرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، بَعْدَ حَيَاةٍ حَافِلَةٍ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَرَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَحِمَ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ الرَّبَّانِيِّينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: قَضَى الْإِمَامُ ابْنُ مَهْدِيٍّ صِبَاهُ وَشَبَابَهُ فِي حِلَقِ الْعِلْمِ وَالدَّرْسِ وَالتَّحْصِيلِ؛ فَصَارَ إِمَامًا فِي الْحَدِيثِ وَفِقْهِهِ، وَتَخَرَّجَ عَلَيْهِ تَلَامِذَةٌ كَانُوا شُيُوخًا لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ اللَّذَيْنِ دَوَّنَا أَصَحَّ كِتَابَيْنِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَمَا كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ شُيُوخِهِ فَإِنَّهُ خَلَّفَ تَلَامِذَةً عُلَمَاءَ، كَانُوا شُيُوخًا لِأَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَتَرَكَ أَثَرًا كَبِيرًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12].

 

وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الْأَثَرِ الَّذِي يُخَلِّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا سِيَّمَا الشَّبَابُ؛ فَإِنَّ مَنْ حَفِظَ وَقْتَهُ فِي الصِّغَرِ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْكِبَرِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ فِي شَبَابِهِ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ انْتَفَعَ وَنَفَعَ غَيْرَهُ فِي كِبَرِهِ، وَكَانَ لَهُ أَثَرٌ يَبْقَى، وَخَلَّفَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَهَذِهِ آثَارُ الْعُلَمَاءِ شَاهِدَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَبِقَدْرِ عِلْمِ الْعَالِمِ وَإِنْتَاجِهِ وَإِخْلَاصِهِ يَكُونُ أَثَرُهُ فِي النَّاسِ. وَلَوْ وَعَى الشَّبَابُ ذَلِكَ، وَقَرَؤُوا سِيَرَ الْعُلَمَاءِ لَعَلِمُوا أَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْفَرَائِضِ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: «لَيْسَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، قِيلَ لَهُ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وَقِيلَ لِلْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: «لَوْ قِيلَ لَكَ: لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِكَ إِلَّا يَوْمٌ؛ مَا كُنْتَ صَانِعًا؟ قَالَ: كُنْتُ أُعَلِّمُ النَّاسَ». فَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَلَا سِيَّمَا الشَّبَابُ؛ فَإِنَّهُمْ فِي زَمَنِ الْحِفْظِ وَالتَّحْصِيلِ؛ حَيْثُ حِدَّةُ الْعَقْلِ، وَقُوَّةُ الْحَافِظَةِ، وَنَشَاطُ الذَّاكِرَةِ؛ فَإِنْ أَضَاعُوا شَبَابَهُمْ أَضَاعُوا أَنْفُسَهُمْ، وَنَدِمُوا فِي كِبَرِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أخبار الشباب (1) زيد بن ثابت رضي الله عنه
  • من أخبار الشباب (2) ابن عباس رضي الله عنهما
  • من أخبار الشباب (3) مصعب بن عمير رضي الله عنه
  • من أخبار الشباب (4) عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
  • من أخبار الشباب (5) الإمام مالك
  • من أخبار الشباب (6) الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (7) أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (8) أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (9) ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • المنثور من أخبار شيخ الإسلام ابن تيمية: سلالات تاريخية عن الإمام ابن تيمية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أخبار الشباب (13) الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة إخبار الأحياء بأخبار الإحياء(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ت 646هـ / 1248م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مخطوطة إخبار المستفيد بأخبار خالد بن الوليد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار البحتري لمحمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ / 946م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • إعادة بناء الكتاب المفقود "أخبار علي ابن عساكر تأليف ابنه القاسم"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخبار الإمام البخاري وجامعه الصحيح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • موارد العلامة السيوطي في كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المنتقى المختار مما صح في المهدي من أخبار (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 9:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب