• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

البعثة النبوية (خطبة)

أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2024 ميلادي - 7/7/1445 هجري

الزيارات: 9078

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البَعْثَةُ النَّبَوِيَّةُ


الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بُعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « البَعْثَةِ النَّبَوِيَّةُ ».

 

- أَيُّهَا النَّاسُ - لَمَّا أَرَادَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- رَحْمَةَ عِبَادِهِ وَكَرَامَتَهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَحْمَةً لِلعَالَمِيْنَ عَلَى حِيْنَ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لِيُخْرِجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ وَهُوَ فِي سِنِّ الأَرْبَعِيْنَ، كَمَا جَاءَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [1]، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: « أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ».

 

فَجَاءَهُ الوَحْيُ وَهُوَ يَتَعَبَّدُ فِي غَارِ حِرَاءٍ، وَهُوَ الغَارُ الَّذِي فِي أَعْلَى الجَبَلِ المُسَمَّى جَبَلَ النُّورِ شَرْقَيَّ شِمَالِ مَكَّةَ، عَلَى يَمِيْنَ الدَّاخِلِ إِلَيْهَا.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[2]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: « فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق: 1 - 3].

 

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.

 

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.

 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ ».

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[3]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ « بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا - أَيْ ذُعِرْتُ وَخِفْتُ- فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ:زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: 1 - 5]، قَالَ: « ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ ».

 

- أَيُّهَا النَّاسُ - لَعَلَّ البَعْضَ يَتَسَاءَلَ كَيْفَ كَانَ يَأْتِي الوَحْيُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الجَوَابُ.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[4]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ ».

 

قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[5]، مِنْ حَدِيْثِ زَيْدِ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « …… فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ، حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي ».

 

وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[6]مِنْ حَدِيْثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: « كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ ».

 

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ»، أَيْ: عَلَتْهُ غَبَرَةٌ، وَالرَّبْدُ تَغَيُّرُ الْبَيَاضِ إِلَى السَّوَادِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ لِعِظَمِ مَوْقِعِ الْوَحْيِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5][7].

 

وَكَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ- يَنْكِسُ رَأْسَهُ وَيُغَطِّيْهِ بِثَوْبٍ، فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[8]مِنْ حَدِيْثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: « كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَّسَ رَأْسَهُ، وَنَكَّسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ»، وَمَعْنَى « أُتْلِيَ عَنْهُ » أَيْ: ارْتَفَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ، فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[9]، مِنْ حَدِيْثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا يَعْلَى أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا لَهُ غَطِيطٌ وَأَحْسَبُهُ كَغَطِيطِ الْبِكْرِ ».

 

وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[10]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي حَدِيْثِ البَرَاءَةِ مِنَ الإِفْكِ قَالَتْ: « ﺣَﺘَّﻰ ﺇِﻧَّﻪُ ﻟَﻴَﺘَﺤَﺪَّﺭُ ﻣِﻨْﻪُ ﻣِﺜْﻞُ ﺍﻟْﺠُﻤَﺎﻥِ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻌَﺮَﻕِ ﻓِﻰ ﺍﻟْﻴَﻮْﻡِ ﺍﻟﺸَّﺎﺕِ ﻣِﻦْ ﺛِﻘَﻞِ ﺍﻟْﻘَﻮْﻝِ ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﻧْﺰِﻝَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ».

 

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَرِّكُ لِسَانِهِ بِسُرْعَةٍ وَشِدَّةٍ لِيَحْفظَ عَنْ جِبْرِيْلَ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-حَتَّى نَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ وَطَمْأَنَهُ أَنَّهُ سَيَجْمَعُ لَهُ القُرْآنَ فِي صَدْرِهِ.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[11]، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: 16]، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: 16 - 18]، قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [ القِيَامَةُ: 18]، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: 19]، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَرَأَهُ».

 

قَالَ الإِمَامُ ابْنُ الجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ-: « تَفْسِيْرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِمَا قَدْ سَمِعَهُ مِنْ جِبْرِيْلٍ الوَحْي مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ جِبْرِيْلُ وَمَا حَفِظَ فَقِيْلَ لَهُ: ﴿لَا تُحَرِّكْ﴾؛ أَيْ: القُرْآنِ، ﴿لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾؛ أَيْ: بِأَخْذِهِ، ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾؛ أَيْ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَضَمَّهُ فِي صَدْرِكَ، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾؛ أَيْ: إِذَا فَرَغَ جِبْرِيْلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْمَعْ وَانْصِتْ » [12].

 

- أَيُّهَا النَّاسُ - كُلُّ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ لاَ شَكَّ أَنَّهُ سَبَبُ ثُقْلِ الوَحْي الَّذِي أَخْبَرَهُ اللهُ -تَعَالَى - بِهِ قَبْلَ إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ هَيَّأَهُ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِذَلِكَ التَّلَقِّي.

 

قَالَ أَبُو شَامَةَ المَقْدِسِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَهَذَا العَرَقُ الَّذِي كَانَ يَغْشَاهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الحَدِيْثِ وَاحْمِرَارُ الوَجْهِ، وَالغَطِيْطُ المَذْكُورَانِ فِي حَدِيْثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَثُقْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَعَلَى فَخْذِ زَيْدِ بِْ ثَابِتٍ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيْثَيْنِ آخَرَيْنِ: إِنَّمَا كَانَ يُثَقْلِ الوَحِي عَلَيْهِ كَمَا أَخْبَرَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ابْتِدَاءً أَمَرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5]، وَذَلِكَ يَضْعِفُ القُوَّةِ البَشَرِيَّةِ عَنْ تَحَمُّلِ مِثْلَ ذَلِكَ الوَارِدِ العَظِيْمِ مِنْ ذَلِكَ الجَنَابِ الجَلِيْلِ، وَلِلْوَجَلِ مِنْ تَوَقِّعُ تَقْصِيْرِ فِيْمَا يُخَاطَبُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.

 

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ-: « وَلِلنُّبُوَّةِ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَضْلِعُ بِهَا إِلَّا أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ بِعَوْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- [13].

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

بِدْءُ رِسَالَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثِ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ « البَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ »، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ« بِدْءِ رِسَالَتِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

 

- أَيُّهَا النَّاسُ - إِنْ بِدْءِ نُبُوَّتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِنُزُولِ قَوْلِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].

 

وَبِدْءُ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ بِنُزُولِ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ [المدثر: 1، 2].

قَالَ الإِمَامُ مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الوَهَابِ-رَحِمَهُ اللهُ-:«نُبِئَ بِاِقْرَأَ وَأُرْسِلَ بِالمُدَّثِرُ».

 

وَقَالَ القُرْطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمَّا ذَكَرَ الفَضَائِلَ قَالَ:« أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَانَ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، ثُمَّ كَانَ نَبِيًّا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا.

 

فَقَوْلُهُ « نُبِئَ بِاقْرَأَ » يَعْنِي قَوْلِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، وَهَذَا نَزَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ».

 

وَقَوْلُهُ: « وَأُرْسِلَ بِالمُدَّثِرُ » أَيْ: بِصَدْرِ السُّوَرَةِ؛ أَيْ بَعَثَهُ اللهُ بِالنَّذْرَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيْدِ، وَالدَّلِيْل قَوْلِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: 1 - 7].

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[14]، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ [ فَلَمَّا اسْتَنْبَطُ الوَادِي]، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا، [فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجُثِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا حَتَّى هُدِيْتُ إِلَى الأَرْضِ] فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: [ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ] دَثَّرُونِي، وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ: فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 1 - 4].

 

وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ ثُمَّ حُمِيَ الوَحِيُ بَعْدُ وَتَتَابِعَ ».

وَمِنْ بَدِيْعِ هَذِهِ الآيَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - افْتَتَحَ الأُمُورَ فِيْهَا بِالنَّذَارَةِ، فَأَوَّلُ آيَةٍ أَمْرُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيْهَا بِالإِنْذَارِ وَحَصَلَتْ لَهُ بِهَا الرِّسَالَةُ، وَاخْتُتِمَتُ بِالأَمْرِ بِالصَّبْرِ، وَهَذَا فِيْهِ إِشْعَارٌ لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُ القِيَامُ بِالنَّذَارَةِ إِلَّا بِتَحْقِيْقِ الصَّبْرِ وَلِذَلِكَ اخْتَتَمَ الأَوَامِرَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: 7].

 

وَهَذِا الآيَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - حَالُ كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ أَمْرُ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالصَّبْرِ فِي آيَاتٍ كَثِيْرَةٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، وَمَعْنَى ﴿المدثر﴾ المُلْتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ، وَمَعْنَى: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾، يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيْدِ، يُنْذِرُ العِبَادَ خَطَرَ الشِّرْكِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيْدِ، فَبَدَأ بِالتَّوْحِيْدِ لِأَنَّ العِبَادَةَ لاَ تَصِحُّ بِدُونِهِ لِأَنَّ هَذَا مَدْلُوكَ كَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ «لَاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾؛ أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيْدِ، ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾؛ أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ، ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، أَمَرَهُ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهَجْرِ الرُّجْزَ وَهِيَ الأَصْنَامُ وَالأَوْثَانُ وَهَجْرُهَا تَرْكُهَا وَالإِعْرَاضُ عَنْهَا، وَالبَرَاءَةُ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: عَنْ الخَلِيْلِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [مريم: 48].

 

﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾؛ أَيْ: لاَ تَمْنُنْ عَلَى رَبِّكَ بِمَا تَقُومُ بِهِ مِنْ أَعْبَاءٍ كَالَّذِي يَسْتْكْثِرُ مَا يَتَحَمَّلُهُ، ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾؛ أَيْ: لِرَبِّكَ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ فَاصْبِرْ عَلَى كُلِّ مَا تَلْقَاهُ فِي سَبِيْلِ الدَّعْوَةِ وَإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ.

 

قَالَ ابْنُ سَعْدِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ -: «فَامْتَثَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَبَادَرَ فِيهِ، فَأَنْذَرَ النَّاسَ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ جَمِيعَ الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعِظَمِ اللهِ تَعَالَى، وَدَعَا الْخَلْقَ إِلَى تَعْظِيمِهِ، وَطَهَّرَ أَعْمَالَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَهَجَرَ كُلَّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا يُعْبَدُ مَعَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَأَهْلِهَا، وَالشَّرِّ وَأَهْلِهِ، وَلَهُ الْمِنَّةُ عَلَى النَّاسِ - بَعْدَ مِنَّةِ اللهِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، وَصَبَرَ لِرَبِّهِ أَكْمَلَ صَبْرٍ، فَصَبَرَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَعَنْ مَعَاصِيهِ، وَصَبَرَ عَلَى أَقْدَارِهِ الْمُؤْلِمَةِ، حَتَّى فَاقَ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»[15].

 

نَسْأَلُ اللهَ العَظِيْمِ الكَرِيْمِ الحَلِيْمِ، أَنْ يُعْلِيَ قَدْرَ نَبِيِّهِ فِي الدَّارِيْنِ، وَأَنْ يَتَوَفَّنَا عَلَى الإِيْمَانِ.

وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3851)، وَمُسْلِمٌ (2351).

[2] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3 )، وَمُسْلِمٌ (252).

[3] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4 )، وَمُسْلِمٌ (161).

[4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 2 )، وَمُسْلِمٌ (2333).

[5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 2677).

[6] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2436).

[7] « شَرْحُ النَّوَوِيُّ عَلَى مُسْلِمٌ » ( 11/ 190).

[8] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2335).

[9] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 1463 )، وَمُسْلِمٌ (1180).

[10] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2770).

[11] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 5 )، وَمُسْلِمٌ (448).

[12] « كَشْفُ المُشْكِل مِنْ حَدِيْثِ الصَّحِيْحَيْن » (1/ 528).

[13] « شَرْحُ حَدِيْثِ المُقْتَفَى فِي مَبْعَثِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى » (73/ 74).

[14] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4638 )، وَمُسْلِمٌ (161).

[15] «تَفْسِيْرُ ابْن سَعْدِيِّ» (895).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عرض كتاب (فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية حتى عصرنا الحاضر مع نقد وتعليق)
  • الوحي والبعثة النبوية (1)
  • خطبة: فائدة التاريخ
  • مقاصد البعثة ميزان التوازن والوسطية

مختارات من الشبكة

  • المختصر في السيرة النبوية من المولد إلى البعثة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نشر مكارم الأخلاق في المجتمعات الإنسانية من مقاصد البعثة النبوية(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • السيرة النبوية قبل البعثة بندوة في جزر القمر(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تذكرة الأبرار بعشر صفحات من حياة النبي المختار قبل البعثة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حول أخبار العالم الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الرؤيا الصادقة: طريقة الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبي الأمة من الميلاد إلى البعثة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • كسب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (2) التجارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كسب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (1) رعي الغنم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب