• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملخص من كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

أويس القرني الخفي الزاهد البار بأمه (خطبة)

أويس القرني الخفي الزاهد البار بأمه (خطبة)
د. محمد جمعة الحلبوسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/12/2023 ميلادي - 10/6/1445 هجري

الزيارات: 26768

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أُوَيس القَرَنِيُّ الخفِيُّ الزاهد البارُّ بأُمِّه

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

يا واحدًا في ملكه ما له ثاني
يا من إذا قلتُ يا مولاي لبَّاني
أنسى وتذكرني في كل نائبةٍ
فكيف أنساك يا مَن لستَ تنساني


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ القائل: ((إن لله مائةَ رحمةٍ، أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجن والإنس، والبهائم والهَوَامِّ، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطِف الوحشُ على ولدها، وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمةً، يرحم بها عباده يوم القيامة))[1].

إن الصلاة على النبي وسيلة
فيها النجاةُ لكل عبدٍ مسلمِ
صلوا على القمر المنير فإنه
نور تبدَّى في الغَمام الْمُظلمِ


فيا ربِّ صلِّ وسلم على هذا النبي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


نقف اليوم مع رجل من الرجال الأخْفِياء، هذا الرجل من سادات التابعين، بل هو من خير التابعين؛ كما أخبر عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل هو من الذين قال الله فيهم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، هذا الرجل أسْلَمَ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يَرَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَرَه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك عرفه النبي صلى الله عليه وسلم وزكَّاه ووصفه لأصحابه الكرام رضي الله عنه وصفًا دقيقًا، وأخبرهم بأنه مستجاب الدعوة، وأوصاهم إن قابلوه أن يسألوه الدعاء والاستغفار لهم.


فيا تُرى من هو هذا التابعي الجليل؟ وما قصته؟ ولماذا أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَرَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا هو الوحيد من التابعين الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم باسمه ووصفه لأصحابه، وأوصاهم أن يطلبوا منه الدعاء والاستغفار لهم؟


فتعالَوا لنتعرف على سرِّ هذا الرجل العظيم[2]: في ذات يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا بين الصحابة الكرام رضي الله عنه فقال لهم:((إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشَّعْثَة رؤوسهم، المغبرَّة وجوههم - من كثرة السجود - الخمِصة بطونهم - أي لا يأكلون إلا القليل - إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يُؤذَن لهم، وإن خطبوا المتنعِّمات لم يُنكحوا، وإن غابوا لم يُفتقَدوا، وإن حضروا لم يُدعوا، وإن طلعوا لم يُفرح بطلعتهم، وإن مرِضوا لم يُعادوا، وإن ماتوا لم يُشهدوا،فقال أبو هريرة رضي الله عنه: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟)) دلَّنا على واحد منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ذاك أُوَيس القَرَنِي))، فتعجب الصحابة رضي الله عنه لا يوجد في الصحابة من اسمه أُوَيس القَرَنِي، فقالوا: ((وما أُوَيس القَرَنِي؟)) فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم: ((أشْهَل - يعني اختلاط سواد عينه بزُرْقة - ذو صُهُوبة - الصهوبة حمرة في شعر الرأس واللحية (أشقر) - بعيد ما بين الْمَنْكِبين، معتدل القامة، آدم شديد الأُدْمَة - وهي السُّمْرة في الإنسان – ضارب بذقنه إلى صدره، رامٍ بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن يبكي على نفسه))، انظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يصف أُوَيسًا رضي الله عنه وكأنه واقف أمامه.


ثم يكمل صلى الله عليه وسلم وصفه: ((ذو طِمْرَينِ - الطِّمْرُ الثوب الخَلَق - لا يُؤبَه له - ومعنى لا يؤبه له لذلَّتِهِ ولا يبالي به لحقارته - متَّزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، ألَا وإن تحت مَنْكِبه الأيسر لُمعة بيضاءَ من أثر بَرَصٍ كان به، فبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بارٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه.


ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويُقال لأُوَيس: قِفْ فاشفع، فيُشفِّعه الله عز وجل في مثل عددِ ربيعةَ ومُضَرَ))، وهما قبيلتان من قبائل العرب.


وهنا نتساءل: يا تُرى ما الذي فعله أُوَيسٌ ليصل إلى هذه المنزلة العظيمة؟! الشهيد الذي ضحى بنفسه وماله سيشفع لسبعين من أهله وأقربائه؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، بينما أُوَيس يشفع بعدد ربيعة ومضر، ما الذي أوصله إلى هذه المنزلة العظيمة؟!


ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر وسيدنا علي: ((يا عمر ويا عليُّ، إذا أنتما لقيتما أُوَيسًا القَرَنِيَّ، فاسألاه أن يستغفر لكما؛ فإنه مجاب الدعوة))، يا ألله! سيدنا عمر رضي الله عنه الصحابي الجليل والمبشَّر بالجنة؛ الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما لَقِيك الشيطان قطُّ سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك))[3]، وسيدنا علي رضي الله عنه الصحابي الجليل والمبشر بالجنة؛ الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم: ((إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يُبغضك إلا منافق))[4]، وأُوَيس لم يكن صحابيًّا، ولم يشهد بدرًا ولا الحديبية، ولم يبايع تحت الشجرة؛ ومع هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر وسيدنا علي: ((يا عمر ويا علي، إذا أنتما لقِيتما أُوَيسًا، فاسألوه أن يدعو ويستغفر لكما)).


من هو أُوَيس يا تُرى؟ ما هو سره؟ لماذا كل هذا الاهتمام من قِبل نبينا صلى الله عليه وسلم به؟


سيدنا أُوَيس: هو أُوَيس بن عامر القَرَنِي، رجل من أهل اليمن، مات أبوه وهو صغير، عاش يتيمًا يرعى الغنم، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، ولكنه لم يَلْقَه، منعه من السفر إليه بره بأمه التي كان يقوم على رعايتها وخدمتها، وخاصة عندما أُصيبت بالعمى، فكرَّس حياته كلها لخدمة أمه، والقيام على شؤونها؛ ولهذا كان لا يستطيع ترك والدته بمفردها، والذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أطلق عليه صلى الله عليه وسلم خير التابعين: ((إن خير التابعين رجل يُقال له: أُوَيس))[5].


وشهِد له النبي صلى الله عليه وسلم ببرِّه لأمه، فكان أُوَيس يتمرغ تحت أقدام أمه، ويقول: فيهما الجنة، وكان أُوَيس يحمل أمه على ظهره لقضاء حاجتها، وكان يلبَس الخشن من الثياب ليوفر لأمه الناعم من الثياب، وفي يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا مع أصحابه؛ فقال لهم: ((يأتي إليكم أُوَيس بن عامر القَرَنِي؛ رجلٌ من أهل اليمن، كان بارًّا بأمه)).


ولا تتصور - أخي المسلم - أن البر بالوالدين هو فقط ألَّا ترفع صوتك فوق صوتهما، أو لا تقل لهما: أفٍّ، لا ليس هذا هو البر الحقيقي، البر الحقيقي هو أن تصاحبهما بالمعروف؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]، لم يقُلْ ربنا: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعُقَّهما، بل قال: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]؛ أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه؛ ولهذا قال: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]؛ أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتَّبِعْهما.


وهذا سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه، قال:((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك))[6].


وهذا أحد التابعين محمد بن المنكدر رحمه الله يقول: في ليلة من ليالي رمضان، كانت أمي مريضة تشكو من وجع في رجلها، فبقيت أضغط على موضع الألم في رجلها لأخفف من ألمها، وذهب أخي لصلاة القيام، فيقول محمد بن المنكدر: "بات عمرُ - يعني أخاه - يصلي، وبِتُّ أغمز رجل أمي، وما أُحِب أن ليلتي بليلته"[7]، فابن المنكدر يرى أن عمله بسهره على أمه أرجى عند الله من قيام أخيه الليل يصلي.


فالسر الأول الذي رفع من مكانة سيدنا أُوَيس هو برُّه بأمه، وهو الذي جعله مستجاب الدعوة؛ ((له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه))[8].


ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتاه أمداد أهل اليمن - هم الجماعة الغزاة الذين يمُدُّون جيوش الإسلام في الغزو - سألهم‏:‏ أفيكم أُوَيس بن عامر‏؟‏ وكان رضي الله عنهلا يجد على ذلك السؤال جوابًا؛ لأن المسؤول عنه غير معروف في أهل اليمن، فلم يكن بذي جاه ولا مال ولا رياسة، فقد طلبهرضي الله عنهفي حياة رسول اللهصلى الله عليه وسلمفلم يقدر عليه، وطلبه في عهد أبي بكررضي الله عنهفلم يقدر عليه، واستمر حتى مضى شطر من إمارتهرضي الله عنه، كان رضي الله عنه في كل عام من موسم الحج يصعد على جبل أبي قُبَيس وينادي بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أُوَيس القَرَنِي؟ وكانت هذه عادته في كل موسم حج على مدار عشر سنوات، ولم يكن أحد يجيب.


وفي العام الأخير قبل وفاته رضي الله عنه صعِد على جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أُوَيس القَرَنِي؟


فأجاب رئيس وفد اليمن أنهم لا يعرفون أحدًا اسمه أُوَيس إلا ابن أخ له، ولكنه فقير الحال ليس له ذِكْرٌ ولا مكانه بين قومه، وهو موجود يرعى إبل قومه، وبسرعة انطلق سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وخرجا من مكةَ وتوجَّها إلى جبل عرفةَ، وظلا يبحثان عنه حتى وجداه، وكان رجلًا يرتدي طِمْرين "ثوبين" من صوف أبيض، وقد صفَّ قدميه يصلي وبصره إلى موضع سجوده، وألقى يديه على صدره والإبل حوله ترعى، فذهب سيدنا عمر وسيدنا علي إليه، فلما أتياه قالا له: مَنِ الرجل؟ قال: راعي إبل، وأجير قومي، قالا: لسنا نسألك عن ذلك، ما اسمك؟ قال: عبدالله، قال له سيدنا علي رضي الله عنه: قد علِمنا أن كل من في السماوات والأرض عبيدٌ لله، ما اسمك الذي سمَّتك به أمك؟ قال: يا هذان، من أنتما؟ وما تريدان مني؟ أنا أُوَيس القَرَنِي.


فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: الله أكبر، اكشف لنا عن شقِّك الأيسر، قال: وما حاجتكما إلى ذلك؟ فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَفَك لنا، وقد وجدنا الصفة كما أخبرنا، غير أنه أعلمنا أن بشقك الأيسر لُمعة بيضاءَ كمقدار الدينار أو الدرهم، ونحن نحب أن ننظر إلى ذلك، فأوضح لهما ذلك عن شقه الأيسر، وإذا العلامة البيضاء موجودة تحت كتفه.


فسألهما أُوَيس: من أنتما؟ فقال سيدنا عمر: أنا عمر بن الخطاب، وهذا علي بن أبي طالب، فانتفض أُوَيس القَرَنِي واقفًا، وقال لهما: جزاكما الله عن الإسلام خيرًا يا أمير المؤمنين ويا صهر رسول الله، أما أنتما فقد كان لكما شرف الصحبة، وأما أنا فقد حُرِمت هذا الشرف.


فقال له سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أُوَيس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نُقْرِئك منه السلام، وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا، وتدعو لنا فإنك خير التابعين، وأنك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر، فبكى سيدنا أُوَيس وقال: اللهم اغفر لعبدك عمرَ ولعبدك علي.


فقال له سيدنا عمر: أنت من اليوم أخي لا تفارقني، ولكنَّ أُوَيسًا رفض ذلك، ورغب بالرحيل وترك الشهرة، وأراد أن يبقى مجهولًا في الأرض، وطلب منه سيدنا عمر رضي الله عنه أن ينتظره ليأتي إليه بنفقة وكسوة، ولكن أُوَيسًا رفض ذلك، واكتفى بردائه الصوف ونعاله وبعض دراهم أجرة عمله.


هكذا أيها الأحبة: أُوَيس يزهد في هذه الدنيا ولا يريد منها شيئًا، سيدنا أُوَيس كان يستطيع أن يصبح واليًا ويملك الدنيا، ولكنه زهِد وترك ذلك كله، وباع الدنيا لأجل رضا ربه جل جلاله ولأجل شراء الجنة.


وسأل سيدنا عمر رضي الله عنه أُوَيسًا عن المكان الذي يبحث عنه، فقال أُوَيس بأنه يريد الوصول إلى الكوفة، فأراد عمر رضي الله عنه أن يكتب إلى عامله في الكوفة، وهو الشخص الذي يتولى أمور الكوفة ليكرم مثوى أُوَيس، فرد عليه أُوَيس وقال له: "أكون في غبراء الناس أحب إليَّ"، وبالفعل ذهب أُوَيس إلى الكوفة.


وقال بعض المؤرخين أنه لما فشا أمر أُوَيس بعد لقائه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، هرب ولم يعُد يُعلَم عنه شيء حتى عاد في خلافة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستُشهد في موقعة صفين، التي كانت في صَفَر من سنة سبع وثلاثين للهجرة.


فرحِمك الله يا أُوَيس، وجمعنا بك على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حقَّ حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم لِقاه؛ أما بعد:

رسائل من خلال قصة سيدنا أُوَيس القَرَنِي:

ففي قصة سيدنا أُوَيس القَرَنِي رضي الله عنه العديد من الرسائل، لعلها تحيي قلوبنا التي تشبعت بالسياسة وهموم الدنيا، تلك السياسة التي سيطرت على مجالسنا في البيوت والدواوين، والأسواق والدوائر، الجميع يتكلم في السياسة، نُحلِّل ونفصِّل ونتكلم في أعراض الناس، وهذا صحيح، وهذا غلط وهكذا، عمَرنا الدنيا بأحاديثنا، ونسِينا الآخرة.


فالرسالة الأولى: طُوبى لمن بَرَّ والديه، وأحسن صحبتهما، طوبى لمن خفض لهما جناح الذل من الرحمة، طوبى لمن قام ببرهما، فالسعيد منا من لا تشغله الدنيا عن أبيه وأمه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغِم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكِبَرِ، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة))[9]، فيا معشر الشباب، بَرُّوا آباءكم وأمهاتِكم، يَبَرَّكم أبناؤكم، وافعلوا ما شئتم، فكما تَدينون تُدانون.


الرسالة الثانية: كُنْ خفيفًا من الدنيا، لا تجعل الدنيا أكبرَ هَمِّك، لا تجعل الدنيا تبعدك عن ذكر الله تعالى، لا تجعل الدنيا تبعدك عن الصلاة في أوقاتها، وتدفعك لتأكل أموال الناس بالباطل، وتقطع أرحامك، بل اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.


الرسالة الثالثة: إن استطعت أن تكون مجهولًا عند أهل الأرض، معروفًا عند أهل السماء فافعل: فإن من خصال العارفين بالله إخفاء الأعمال الصالحة عن الناس، وكلما قام المسلم بإخفاء العمل، كان أرجى في القبول عند الله تعالى؛ ولذلك كان السلف رحمهم الله حريصين على إخفاء أعمالهم، ويكرهون الشهرة، ومن هَدْيِهم أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به حتى زوجته ولا غيرها؛ وتذكر ما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب العبد التَّقِيَّ، الغني، الخفي))[10].


اللهم ارزقنا الإخلاص، وانصرنا على أنفسنا، وطهِّر قلوبنا، وحبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 


 

[1] صحيح مسلم، كتاب التوبة - باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبةً: (4/ 2108)، برقم (2752).

 

[2] ينظر: صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه: (4/ 1968)، برقم (2542)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 81)، وصفة الصفوة لابن الجوزي: (2/ 26).

 

[3] صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق - باب صفة إبليس وجنوده: (4/ 153)، برقم (3294)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه: (4/ 1863)، برقم (2396).

 

[4] سنن الترمذي أبواب المناقب - باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (6/ 93)، برقم (3736) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

 

[5] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه: (4/ 1968) برقم (2542).

 

[6] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب - باب بر الوالدين وأنهما أحق به: (4/ 1974)، برقم (2548).

 

[7] البر والصلة لابن الجوزي (ص: 89).

 

[8] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه: (4/ 1969)، برقم (2542).

 

[9] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب – باب: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر، فلم يدخل الجنة: (4/ 1978)، برقم (2551).

 

[10] صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق: (4/ 2277)، برقم (2965).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع حديث أويس القرني من سادات التابعين وقدوات الزاهدين رحمه الله تعالى
  • من منا أويس القرني كان بارا بوالدته
  • أويس القرني: فوائد من قصته وأقواله
  • الشاب البار بوالده

مختارات من الشبكة

  • التابعي أويس بن عامر القرني(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المعدن العدني في فضل أويس القرني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من أقسام خفي الدلالة: الخفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إسماعيل بن أبي أويس ومروياته في صحيح البخاري دراسة تطبيقية في كيفية انتقاء البخاري لحديث إسماعيل(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • وقفات مع حديث: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نماذج من سادات التابعين رضي الله عنهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعمام الإمام مالك رحمه الله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الهند: رئيس منظمة هندوسية يدعو لحرمان المسلمين من التصويت(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة: الهاتف الذكي.. المجرم الخفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العافية... الملك الخفي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب