• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان ...
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الإسلام يدعو إلى الرفق
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    حسن الظن بالله من أخلاق المؤمنين
    د. نبيل جلهوم
  •  
    روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (30) «إن الله ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    خطبة: شكر النعم
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    فضل ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    شروط الصلاة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    لا بد من اللازم!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (29) «أخبرني ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ما يستثنى من الآنية وثياب الكفار والميتة من كتاب ...
    مشعل بن عبدالرحمن الشارخ
  •  
    الحديث الخامس: خطورة الرياء
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

في ظلال الهجرة النبوية: دروس وعبر

في ظلال الهجرة النبوية: دروس وعبر
د. سعود بن غندور الميموني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/9/2018 ميلادي - 5/1/1440 هجري

الزيارات: 17046

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في ظلال الهجرة النبوية

دروس وعبر

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يوم الدين.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ - عبادَ اللهِ - فَأَنْتُمْ فِي شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ، أَحَدِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ، وَهَذَا الشَّهْرُ فِيه مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ، فالصِّيَامُ فيهِ أَفضلُ الصِّيامِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ" رواهُ مُسلمٌ، وفِيهِ صِيَامُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ اليَومُ الْعَاشِرُ مِنْ مُحَرَّمٍ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ". وهُو يَومُ نَصرٍ وتَمكِينٍ نَجَّى اللهُ مُوسَى وقَومَهُ مِن فَرعونَ، فَكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصحَابُهُ يَصُومُونَهُ.

 

أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. كَمَا أَنَّ اللهَ نَجَّى مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ، فَكَذَلِكَ نَجَّى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ كَيْدِ قَوْمِهِ؛ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى مَكَانٍ آمِنٍ يُقِيمُ فِيه دِينَهُ وَدَوْلَتَهُ.. فَهِجْرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَتْ مُجَرَّدُ قِصَّةٍ تُحْكَى، أَوْ خَبَرٍ يُرَدَّدُ، وَإِنَّمَا الْهِجْرَةُ مَدْرَسَةٌ تَخَرَّجَ فِيهَا أَجْيَالٌ، وَتَرَبَّى عَلَى ذِكْرِهَا أَعْلاَمٌ، وَهِي لِلأُمَّةِ حَدَثٌ لَا تَنْقَطِعُ فَائِدَتُهُ، وَلَا تَذْبُلُ ثَمَرَتُهُ.

 

عَلَّمَتْنَا الهِجرَةُ.. كَيفَ تَكونُ التَّضحِيَةُ للهِ وفي اللهِ، وَكَيْفَ أَنَّ اللهَ يُجَازِي مَنْ صَبَرَ عَلَى طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ، فَتِلْكُمُ الْجُمُوعُ الَّتِي تَرَكَتْ مَكَّةَ - أَحَبَّ أرْضِ اللهِ إِلَيهِ - وَخَرَجَتْ تَمْشِي حَافِيَةَ الْأَقْدَامِ، جَائِعَةَ الْبُطونِ، لَا يَجِدُونَ مَا يُوصِلُهُمْ إِلَى مَكَانِ هِجْرَتِهِمْ، وَلَيْتَهُمْ إِذْ خَرَجُوا خَرَجُوا آمِنِينَ بَلْ خَائِفِينَ مُتَخَفِّينَ مِنْ أَعْيُنِ مُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ لَا يَأْلُونَ مَنْ وَجَدُوهُ مِنْهُم إلاَّ ضَرْبًا وَتَعْذِيبًا. خَرَجُوا وَتِلْكَ حَالُهُمْ، لِيَجِدُوا أَنْفُسَهُمْ فِي يَثْرِبَ وَكَأَنَّهُمْ وُلِدُوا مِنْ جَدِيدٍ؛ فَلا مَالَ وَلَا دُورَ وَلَا قُصُورَ، كُلُّ شَيْءٍ تَرَكُوهُ للهِ جَلَّ وَعَلاَ؛ يَقُولُ صُهَيْبٌ: لَمَّا أَرَدْتُ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِي قُرَيْشٌ: يَا صُهَيبُ، قَدِمْتَ إِلَيْنَا وَلَا مَالَ لكَ، وَتَخْرُجُ أَنْتَ وَمَالُكَ! وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا. فَقُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ مَالِي تُخَلُّونَ عَنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَدَفَعْتُ إِلَيْهِمْ مَالِي، فخلَّوا عَنِّي، فَخَرَجْتُ حَتَّى قدمتُ الْمَدِينَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "رَبِحَ الْبَيْعُ، رَبِحَ الْبَيْعُ". وَنَزَلَ قولُهُ تَعَالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207].

 

عَلَّمَتْنَا الهِجرَةُ.. كَيْفَ يَكُونُ الْبَذْلُ وَالْعَطَاءُ للهِ وَفِي اللهِ... فَتِلْكَ هِيَ تَضْحِيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه الْأَسَدِ الْهَصُورِ، يَقُولُ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ، فنَامَ عَلِيٌّ في مَكانِهِ بلا خَوفٍ ولا قَلَقٍ حتَّى خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ مَكَّةَ.

 

عَلَّمَتْنَا الهِجرَةُ.. أَنَّ عَلَى المَرءِ أَن يَأْخُذَ بالأَسبَابِ، وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، وَعَدَمِ تَرْكِ الأُمُورِ دُونَ تَرْتِيبٍ أَو تَنْظِيمٍ، وَأنَّ كُلَّ إنسَانٍ يَعْمَلُ وِفْقَ قُدْرَتِهِ؛ فَأَسْماءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ شَقَّتْ نِطَاقَهَا لِتَضَعَ فِيهِ طَعَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ يَأْتِيهِمْ بِخَبَرِ قُرَيْشٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَأمَّا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فكَانَ يُخْفِي آثَارَهُمْ حَتَّى لَا تَدُلُّ عَلَيهِمُ الْمُشْرِكِينَ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ كَانَ يَدُلُّهُمُ الطَّرِيقَ، مَعَ أَنَّه كَانَ مُشْرِكًا لَكِنَّه كَانَ أَمِينًا.

 

عَلَّمَتْنَا الهِجرَةُ.. أَنَّ حُسنَ التَّوكُّلِ علَى اللهِ تعالى مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ؛ فمَن تَوَكَّلَ عَليهِ سُبحَانَهُ كَفَاهُ وأَوَاهُ ونَصَرَهُ، يَظهَرُ ذَلكَ فيمَا رَواهُ الشَّيخَانِ مِن حَديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عَنه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللهُ عَنهُ حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا". وصَدَقَ رَبُّ العَالَمِينَ: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40] فكَانَتِ النَّتيجَةُ: ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

 

عَلَّمَتْنَا الهِجرَةُ.. أَنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَصِدقٌ، وأَنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وعِبَادَهُ المُوحِّدِينَ إِنْ تَمَسَّكُوا واعتَصَمُوا بحَبلِهِ؛ فلَقَدْ نَصَرَ اللهُ عَبدَهُ وأَعَزَّ جُندَهُ، فهَوُ القَائلُ سُبحَانَهُ: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 103]، فعِندَما يَلُوحُ الظَّلامُ في الأُفُقِ، ويَتأَخَّرُ طُلُوعُ الفَجرِ، عِندَهَا يَظُنُّ العَاجِزُونَ أنَّ الشَّمسَ لَن تُشْرِقَ، وأنَّ النَّهَارَ لَن يَطْلُعَ، وأنَّ الصُّبحَ لَن يَتَنَفَّسَ، لِكنْ.. هَيهاتَ أَن يَكونَ لَيلٌ بِدُونِ فَجْرٍ، أو ظَلامٌ بِدُونِ شَمسٍ، هَيهَات أَن يَنتَشِرَ الظَّلامُ فَلا نَرى نُورًا، أوْ يَطُولَ السَّوادُ فلا نَرَى إِشْرَاقًا.

 

نَعَمْ.. لَقَدْ أَشرَقَ الصَّبَاحُ، ورَجَعَ كُفَّارُ قُريشٍ بالخَيبَةِ والخُسرَانِ وانقَطَعَ ذِكْرُهُمْ إلا بالشَّرِّ، وتلكَ ديارُهُمْ يَلُوحُ فيها صَوتُ الأذَانَ كلَّ يومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ، تِلكَ دِيَارُهُمْ شَاهِدَةٌ على أنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، إنَّ دِيارَهُمْ هِي تلكَ الَّتِي تَعتَمِرُونَ وتَحُجُّونَ إِليهَا، إنَّهَا مَكَّةُ مَهْوى أَفئِدَةِ المؤمِنِينَ، لَقَدْ صَارَ حَولَ الكَعبَةِ نُفُوسٌ مُؤمِنَةٌ تَقُومُ اللَّيلَ بَاكِيةً مِن خَشيةِ اللهِ بعَدَ أَنْ كَانَ حَولَهُا الأَصنَامُ، ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].

 

فأَبشِروا ولا تَيأسُوا.. فالْمِحَنُ أمرٌ طَبيعِيٌّ، والابتلاءُ سُنَّةٌ كَونِيَّةٌ؛ لِيميزَ اللهُ الخبيثَ مِن الطَّيبِ، ولَكِنَّ اليَأْسَ والخُنُوعَ والاسْتِسلامَ لَيسَ مِن أَخلاقِ المسلمينَ، وَلا مِنْ مَنهجِ دُعَاتِهِ ومُصلِحِيهِ.

 

أَبشِرُوا ولا تَيأَسُوا.. فمَهمَا فَعلَ الْفَجَرَةُ بالمسلمينَ فَلنْ يَنالُوا مِن دِينِهِمْ ولا مِن إِيمَانِهِمْ.

 

وصَدقَ اللهُ إذْ يَقولُ: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 32، 33].

 

نَسأَلُ اللهَ سُبحانَهُ أَنْ يُعلِّمَنَا مَا يَنفَعُنَا، وأَنْ يَجعَلَنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...

 

أمَّا بَعْدُ:

أيهَا الإِخوَةُ.. وَصَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ أُسُسَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أَنْ أَقَامَ الْمَسْجِدَ الَّذِي يَجْمَعُ الْقُلُوبَ وَيُعَرِّفُ النُّفُوسَ بِاللهِ تعَالَى.. فَمِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَعَلَّمَ الصَّحَابَةُ الدِّينَ وفَقِهُوا التَّنزِيلَ.. مِنَ المَسْجِدِ انْتَشَرَ الإِسْلامُ فِي رُبُوعِ الْمَعْمُورَةِ، مِنَ المَسْجِدِ عُقِدَتِ الأَلْوِيَةُ وخَرَجَتِ الْجُيوشُ الَّتِي فَتَحَتِ الدُّولَ وَالأَمْصَارَ وَفَتَحَتْ مَعَهَا الْقُلُوبَ الَّتِي اهْتَدَتْ لِخَالِقَهَا.

 

ومَا زَالَ المَسجِدُ - وَينبغِي أَن يَكُونَ - نَواةَ شَخصيَّةِ المُسلِمِ، ومَحَطَّ رَحلِهِ وترْحَالِهِ، مَا زَالَ المسجدُ مَهوَى الأَفِئدَةِ ومُتَعَلَّقَ القُلُوبِ، ينبغِي أَن يَنشَأَ أَطفَالُنَا وأَنْ تَتخَرَّجَ أَجيالُنَا وأَنْ يَشِيبَ كِبارُنَا في المسجِدِ، بَيتِ اللهِ.

 

ثُمَّ يَأْتِي الْأَسَاسُ الثَّانِي الَّذِي تَقَوُمُ بِهِ الْمُجْتَمَعَاتُ الصَّالِحَةُ الْمُتَمَاسِكَةُ، إِنَّه مَبْدَأُ الأُخُوَّةِ؛ فَقَدْ آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَذَابَتْ بَيْنَهُمْ شَوَائِبُ الْعَصَبِيَّةِ وَالْقَبَلِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، فَذَاكَ أَنْصَارِيٌّ يُقَاسِمُ مَالَهُ مَعَ أَخِيهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَذَاكَ آخَرُ يَقْسِمُ دَارَهُ لِيُؤوِي أَخًا لَهُ.. أَخاً لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا النَّسَبُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا الإِسْلامُ.

 

عبادَ اللهِ.. الهِجرَةُ دُروسٌ وعِبَرٌ، هِيَ مَدرسةٌ مُتكَامِلةُ الفُصُولِ، وحَدَثٌ عَابرٌ للقَارَّاتِ، فمَن قَرأَهَا وسَمِعَهَا بقَلبِهِ كانَتْ خَيرَ زَادٍ لَه، وصَدقَ اللهُ إِذ يَقُولُ: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

 

وَلْنَعْلَمْ - يَا عبادَ اللهِ - أنَّ الهِجرَةَ بَاقِيةٌ إلى قيامِ السَّاعةِ؛ هِجرَةَ المعَاصِي والذنُوبِ بَاقِيةٌ، هِجرَةَ كُلِّ مَن سِوَى اللهِ إلى اللهِ بَاقِيةٌ.

 

يقولُ صلى الله عليه وسلم: "المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ" متفقٌ عليهِ، ويَقُولُ أيضًا كما عِندَ أَحمدَ: "الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ".

 

فاحْرِصُوا - يَا رَعاكُمُ اللهُ - علَى هَجرِ الذُّنوبِ والخَطَايَا، وتَقرَّبُوا إِلى رَبِّكُم بالفِرَارِ مِنهُ إِليهِ؛ فإنَّهُ لا مَلجَأَ مِن اللهِ إلاَّ إِليهِ ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾، واعلَمُوا أَنَّ السِّرَّ عِندَهُ عَلانيةٌ، وأنهُ لا يَخفَى عَليهِ شَيءٌ مِن أَمرِكُمْ، فالتوبةَ التوبةَ، والبِدَارَ البِدَارَ قَبلَ فَواتِ الأَوانِ ﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشورى: 47].

 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ جَلَّ وعَلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبارك عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.. اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

 

اللهمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخذْ بناصِيَتِه إلى البرِّ والتقوَى، وارزقه البطانةَ الصالحةَ التي تدلُّه على الخيرِ وتأمرُه به. اللهمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا فِي الحَدِّ الجَنُوبِيِّ يَا ربِّ العَالَمِينَ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في ظلال الهجرة النبوية المباركة
  • من وحي الهجرة: تأييد الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم
  • الهجرة النبوية الشريفة: دروس وفوائد ولطائف
  • في ظلال الهجرة (خطبة)
  • "إن الله معنا" درس من دروس الهجرة النبوية (خطبة)
  • في ظلال الهجرة النبوية: تذكرة الأحباب بوجوب الأخذ بالأسباب (خطبة)
  • الهجرة النبوية الشريفة: وقفات مع الحدث والأسباب والعبر
  • الهجرة النبوية: انطلاقة حضارية لبناء الإنسان والأمة في زمن الأزمات
  • الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة النبوية: دروس وعبر(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الهجرة النبوية والأمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة السيرة: الهجرة الأولى إلى الحبشة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علمتنا الهجرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المشاكل الأسرية وعلاجها في ضوء السنة النبوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • منع انتقال عدوى أمراض الباطنة في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • النوم الصحي والارتجاع المريئي في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الحلوى في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/3/1447هـ - الساعة: 13:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب