• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

خطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته

خطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته
د. سعود بن غندور الميموني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/9/2018 ميلادي - 27/12/1439 هجري

الزيارات: 325397

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته


إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللهِ لَكُمْ وَلِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَاهُ أَنْ يُطَاعَ فَلاَ يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلاَ يُنْسَى، وأَنْ يُشْكَرَ فَلاَ يُكْفَرُ، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].


عِبَادَ اللَّهِ.. عَامٌ هِجْرِيٌّ جَدِيدٌ أَقْبَلَ عَلَينَا، نَتَذَكَّرُ مَعَهُ حَدَثٌ عَظِيمٌ، حَدَثٌ نَصَرَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، حَدَثٌ أعلَى اللهُ بِهِ كَلِمتَهُ، حَدَثٌ غَيَّرَ وَجْهَ الْكَوْنِ؛ حَدَثٌ قَامَتْ بِهِ دَوْلَةُ المُسلِمينَ، وَسَقَطَتْ بِهِ عُرُوشُ الظَّالِمِينَ.. إنَّهُ حَدَثُ الْهِجْرَةِ العَظِيمُ.. هِجرَةِ الحَبِيبِ المُصطفَى صلى الله عليه وسلم.


لَم تَكُنِ الهِجرَةُ أُولَى فضَائِلِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ؛ ففضَائِلُهُ أَكثرُ مِن أَنْ تُحصَى، إِذْ بَدأتْ أَحداثُ تِلكَ الفَضَائلِ حينَمَا جَاءَ إِبرَاهِيمُ بِزَوْجَتِهِ وَمَعَهَا ابْنُهَا الرَّضِيعُ إسمَاعِيلُ، فوضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ الحَرَامِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، لِيَدْعُو إِبرَاهِيمُ بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ رَافِعًا يَدَيْهِ: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].


ثم بنَى إِبراهِيمُ ووَلَدُهُ إِسمَاعِيلُ الكَعبَةَ، ورَفَعَا القَواعِدَ مِنَ البَيتِ، وتَزوَّجَ إِسمَاعيلُ مِن قَبيلةِ جُرْهُمَ إِحدَى القَبائِلِ العَربِيَّةِ، والتي تَعلَّم مِنها اللغةَ العَربيَّةَ، إلاَّ أَنَّ اللهَ أَنْطَقَهُ بِهَا فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ، فكانَ هُو أَبُو العَرَبِ، وَجَدُّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.


ومَرَّتِ الأَيَّامُ عَلَى بَيْتِ اللهِ، وَسُلاَلَةُ إِسمَاعِيلَ تُحِيطُ بِهِ وَتَوَحِّدُ اللهَ، وَتَحُجُّ بَيْتَهُ الْحَرامَ لا تُشْرِكُ بِهِ شيئًا، حَتَّى خَرَجَ ذَلِكَ الْفَاسِدُ (عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ) فَأَعَادَ غَرْسَ الشِّرْكِ فِي أرْضِ مَكَّةَ وَقَلُوبِ أَهلِهَا، فَغَصَّتْ مَكَّةُ بِالشِّرْكِ وَالْأَصْنَامِ، وَشَكَتِ الْكَعْبَةُ مِمَّا نُصِبَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنَ الأَوْثَانِ، وَانْحَرَفَ بَنُو إِسمَاعِيلَ عَنْ تَوْحِيدِ رَبِّهِمْ..


وَمِنْهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الَّذِي حَازَ الزَّعامَةَ وَالشَّرَفَ، وَالذي كَانَ يَحْلُمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، وَنَذَرَ إِنْ حَدثَ ذَلكَ أَنْ يَنْحَرَ أحَدَهُمْ، فَحَقَّقَ اللَّهُ لَهُ مَا أَرَادَ، وَلَمَّا تَوَافَى الْعَشَرَةُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَنْحَرُ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، إلاَّ أَنَّ وَالِدَهُ -وبَعدَ مُراجَعَاتِ سَادَاتِ قُريشٍ- فَدَاهُ بمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ.


تَرَبَّى عَبْدُاللهِ ذَلِكَ الطِّفْلُ الْوَدِيعُ فِي قَلْبِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَبَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ دُونَ أَنْ يَعْرِفَهُ قَوْمُهُ بِطَيْشٍ أَوْ سَفَهٍ، حَتَّى تَزَوَّجَ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّابُّ يَدْرِي أَنَّ الْقَضَاءَ أَقْوَى مِنْهُ وَمِنْ فِدْيَةِ أَبِيهِ، فَعَبْدُاللهِ الَّذِي فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ بمِائةٍ مِنَ الإِبِلِ امْتَطَى رَاحِلَتَهُ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ يَثْرِبَ لِيَجِدَ الْمَوْتَ فِي انْتِظَارِهِ، لِيُسْكِنَهُ فِي أَحَدِ مَقَابِرِهَا بَعيدًا عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ زَوْجَتِهِ الْحَزِينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْمِلُ أمَانَتَهُ جَنِينًا تَيَتَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى الدُّنْيا، يَبْكِيهِ أَبُوهُ عَبْدُالْمُطَّلِبِ الَّذِي وَدَّ أَنْ لَوْ أَخْبَرَهُ أحَدٌ بِأَنَّ وَلَدَهُ عبدَاللهِ لَمْ يَمُتْ، تَبْكِيهِ زَوْجُهُ الَّتِي كَانَتْ تَنْتَظِرُ عَوْدَتَهُ بِفَارِغِ صَبرِهَا.


وَظَلَّ الْحُزْنُ مُخَيِّمًا حَتَّى نَزَلَ بِقُرَيْشٍ بَلاءٌ إِنْ وَقَعَ فَلَنْ يَتْرُكَ مِنهُمْ أحَدًا؛ فَمَكَّةُ يَومَئِذٍ تَئِنُّ تَحْتَ أَقْدَامِ فِيلٍ مُخِيفٍ، وَجَيْشٍ ضَخْمٍ زاحِفٍ لِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ الْحَرامِ، فَتَطَايَرَ أهْلُ مَكَّةَ فَوْقَ ذُرَى الْجِبَالِ؛ إِنَّهُ أَبْرَهَةُ الأَشْرَمُ مَلِكُ الْيَمَنِ، يُرِيدُ هَدْمَ بَيْتِ اللهِ الْحَرامِ عَلَى رُؤُوسِ أَهْلِ مَكَّةَ، إلاَّ أنَّ اللهَ أَمْطَرَهُمْ طَيْرًا أبَابِيلَ، ﴿ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 4، 5]..


وفي هَذِهِ الأَثنَاءِ كَانَتْ آمِنَةُ تَضَعُ طِفْلَهَا، لِتَلِدَ ابْنَهَا فِي عَامِ الْفِيلِ، وَحِيدًا بِلا أَبٍ يَنتَظِرُ وِلادَتَهُ.

لَقَدْ وُلِدَ الطِّفْلُ الْيَتِيمُ الَّذِي مَلأَ الدُّنيا فَرْحَاً وَسُرورًا، وُلِدَ الطِّفْلُ الْيَتِيمُ الَّذِي عَلَّمَ الْبَشَرِيَّةَ الأَدَبَ وَالْأخْلاقَ، وُلِدَ الطِّفْلُ الْيَتِيمُ الَّذِي أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ إِلَى نُورِ الْهِدَايَةِ وَالْحَقِّ.


لَقدْ وَلَدَتْ آمِنَةُ بِنتُ وَهْبٍ وَلَدَهَا: مُحمَّدَ بنَ عَبدِاللهِ بنِ عَبدِالمُطَّلبِ.. فأَشْرَقَتْ شَمسُ البَشَريَّةِ مِن جَديدٍ، وعَادَ التَّاريخُ ليُكْتَبَ مِن جَديدٍ، واسْتشرَفَ الكَونُ لنِظامٍ جَديدٍ، إنَّه نِظامُ الحَقِّ والرَّحمَةِ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.

هَلَّ الهِلالُ فكَيفَ ضَلَّ السَّارِي
وعَلامَ تَبقَى حَيرَةُ المُحتَارِ
وتَنفَّسَ الصُّبحُ الوَضِيءُ فَلا تَسَلْ
عَن فَرحَةِ الأَغصَانِ والأَشجَارِ
غَنَّتْ بوَاكِيرُ الصَّباحِ فحَرَّكَتْ
شَجْوَ الطُّيورِ ولَهفَةَ الأَزهَارِ
غَنَّتْ فمَكَّةُ وجْهُهَا مُتَأَلِّقٌ
أَمَلاً ووَجهُ طُغَاتِهَا مُتَوَارِي
هَذَا مُحمَّدُ يَا قُرَيشُ
كأنَّكُمْ لَمْ تَعرِفُوهُ بعِفَّةٍ ووَقَارِ
هذَا الصَّدُوقُ تَطَهَّرَتْ أَعمَاقُهُ
فَأَتَى لِيرْفَعَكُمْ عَنِ الأَقذَارِ
يَا سَيِّدَ الأَبرَارِ حُبُّكَ فِي دَمِي
نَهرٌ علَى أَرضِ الصَّبَابَةِ جَارِي

 

وُلِدَ الطِّفْلُ وَحِيدًا فَرِيدًا بلا أَبٍ؛ لِتَمُوتَ أُمُّهُ أَيضاً وَهُوَ فِي السَّادِسةِ مِن عُمُرِهِ، وَلاَحِقًا يَمُوتُ جَدُّهُ الْمُنَافِحُ، ثَمَّ عَمُّهُ الْمُدَافِعُ، فَزَوْجُهُ الْحَنُونُ، لِيَتَبَرَّأَ قَلْبُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي أَوْ عَمِّي أَوْ جَدِّي، وَلْيَقُلْ: (رَبِّي رَبِّي)، فقَد مَاتَ كُلُّ مَن يُمكِنُ أَن يَعتَمِدَ عَليهِ، لِيبقَى لَه رَبُّهُ القَائِلُ: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾.


كَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يَتشَوَّقُ لأُمِّهِ حتَّى بَعدَمَا كَبُرَ، استَأذنَ رَبَّهَ في زِيارَةِ قَبرِهَا فأَذِنَ لَه، فوَقَفَ عَلى قَبرِهَا حَزِينًا يَملأُ قَلبَهُ الحُزنُ والأَلَمُ لفِرَاقِهَا.


ومَا إِن بَلَغَ أَربعِينَ سَنةً حتَّى نَزلَ عَليهِ مَخلُوقٌ غَريبٌ في مَكانٍ بَعيدٍ، لا يَعرِفُ مَن هُوَ ولا مَاذَا يُرِيدُ، إلاَّ أنَّهُ سَمِعَ مِنهُ قَولَهُ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، وخَافَ علَى نَفسِهِ، لكِنَّ زَوجَتَهُ تَعرِفُ أَخلاَقَهُ وتَعرِفُ أنَّ اللهَ لا يُضيِّعُ مِثلَهُ، فتقول: (وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)، لِيَسْمَعَ مُحَمَّدٌ مِنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْبِشارَةَ بِأَنَّ هَذِهِ نَوَامِيسَ النُّبُوَّةِ، وَلِيُشْرِقَ فَجْرٌ جَدِيدٌ، فَجْرُ الإِسْلامِ، لَكِنَّ وَرَقَةَ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كانَ لَهَا وَقْعُهَا الشَّديدُ عَلَى نَفْسِهِ، لَقَدْ أَخْبَرَهُ بِيَقِينٍ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُخرِجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ وسَيُؤذُونَهُ أَذىً شَدِيدًا.


وَيَبْدَأُ عَصْرُ الاِبْتِلاَءِ وَالأَذَى مِنْ قَوْمِ النَّبِيِّ الْجَدِيدِ الَّذِي دَعاَهُمْ إِلَى سَالِفِ عَهْدِهِمْ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ؛ فكَذَّبوهُ وآذَوْهُ وطَرَدُوهُ؛ فَلَقَدْ وَقعَ علَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْتِلاَءٌ عَظِيمٌ لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَابْتَلاهُ اللَّهُ بِقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، وَابْتَلاهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ وأَذَاهُمْ..


أَمَّا ابْتِلاَءُ اللهِ لَهُ، فَمِنْهُ أَنَّه نَشَأَ يَتِيمًا، ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُ الَّذِي كَانَ يَحُوطُهُ، ثُمَّ عَمُّهُ وَزَوْجُهُ الْحَنُونُ خَدِيجَةُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ.. لَمْ يَتَبَقَّ لَهُ مِنَ الأَبْنَاءِ أَحَدٌ إلاَّ فَاطِمَةُ.. لَمْ يَكُنْ يَجِدُ مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ مِنَ الْجُوعِ، يَمُرُّ عَليهِ الْهِلاَلُ ثُمَّ الْهِلاَلُ ثُمَّ الْهِلاَلُ وَلَمْ يُوقَدْ فِي بَيْتِهِ نَارٌ.. مَرِضَ صلى الله عليه وسلم بِالْحُمَّى حَتَّى كَانَ يُوعِكُ كَرَجُلَيْنِ، وَكَانَ يُغْمَى عَلَيه. ومَا كانَ ذَلكَ إلاَّ لِتَقْوِيَةِ إيمَانِهِ وَشَدِّ عَزِيمَتِهِ ورَفعِ دَرَجَتِهِ.


وَأَمَّا ابْتِلاَءُ اللهِ لَهُ بِالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ وَالسُّفَهَاءِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ.. لَقَدْ آذَوْهُ فِي نَفْسِهِ وَأهْلِهِ وَعِرْضِهِ؛ فَرَمَوْهُ بِالْكَذِبِ تَارَةً وَبِالْسِّحْرِ أُخْرَى.. وَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الشَّريفِ النَّتَنَ وَالْقَاذُورَاتِ.. خَنَقُوهُ حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ.. سَلَّطُوا عَلَيهِ سَفهَاءَهُمْ حَتَّى رَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ وَأَدْمَوْا عَقِبَيْهِ.. تَآمَرُوا عَلَى قَتْلِهِ وَحَبْسِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ، وَضيَّقُوا عَليهِ حتَّى ضَاقَتْ عَليهِ مَكَّةُ بِرحَابِهَا.


ثُمَّ كَانَتْ الْفَاجِعَةُ الْكُبْرَى الَّتِي بَكَى مِنْهَا نبِيُّكُم صلى الله عليه وسلم فقَدْ أَخْرَجُوه مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُ، تَرَكَ بَيْتَهُ وَبَلْدَتَهُ الْبَلَدَ الْحَرامَ، تَرَكَ السَّمَاءَ الَّتِي نَشَأَ تَحْتَهَا وَالأرْضَ الَّتِي مَشَى عَلَيهَا، تَرَكَ بنَاتَهُ وَأَمْوَالَهُ، لِيَخْرُجَ مُتَخَفِّيًا بَاكِيًا نَاظِرًا إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ". فهَاجرَ صلى الله عليه وسلم إلى المَدينةِ تَاركِاً خَلفَه مَا يُحِبُّ.. هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فَاستَطَاعَ أَن يُقِيمَ بنَاءَ الإِسلامِ، هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فَأَعلَى صَرحَ التَّوحيدِ، هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فتَركَ لنَا دَولةً امتَدَّتْ بَيدِ أَصحَابِهِ مِن أَقصَى الأَرضِ إلى أَقصَاهَا، ومِن أَدنَاهَا إِلى أَدنَاهَا، وهذَا مِن فَضلِهِ صلى الله عليه وسلم على أمَّتِهِ، أَنْ يَبذُلَ لأجلِهِمْ، وأَن يُضَحِّيَ لِهدَايتِهِم..


تِلكَم هِيَ الهِجرةُ التي أَضاءَ اللهُ بهَا الكَونَ، ونصَر بهَا الأُمةَ، وهذَا رَسُولُكُم صلى الله عليه وسلم الذي تَعِبَ وضَحَّى وبَذَلَ مِن أَجلِنا، فاللهم اجْزِهِ عنَّا خَيرَ الجَزَاءِ.


أَنتَ الحَبِيبُ وأَنتَ مَن أَروَى لَنَا

حتَّى أَضاءَ قُلوبَنَا الإِسلامُ

حُورِبْتَ لَم تَخضَعْ ولَمْ تَخشَ العِدَى

مَن يَحمِهِ الرَّحمنُ كَيفَ يُضَامُ

ومَلأْتَ هذا الكَونَ نُورًا فاخْتَفَتْ

صُوَرُ الظَّلامِ وقُوِّضَتْ أَصنَامُ

فصَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهِ في الأوَّلِينَ والآخِرِينَ.. والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ.


الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ حَمْدًا حَمْدًا، والشُّكرُ لهُ أَبدًا أَبدًا، وأشْهدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا نبِيَّهُ وعَبْدَهُ، أمَّا بعْدُ:

أَيُّهَا المُسلِمُونَ.. هِذِهِ لَمَحَاتٌ خَاطِفَةٌ، وومَضَاتٌ عَابِرةٌ مِن حَياةِ حَبيبِكُم صلى الله عليه وسلم، ولَن نَستَطِيعَ أَن نُوفِيَهِ حَقَّهُ مَهمَا تَكلَّمنَا.. فهو الَّذِي بذَل الغَالِي والنَّفِيسَ لِيصِلَ إلينَا هذَا الدِّينُ غَضًّا طَرِيًّا.. هو الذي صَبَرْ علَى هذا الأَذَى لأَجلِ أَن يَرى أُمَّةً مُعتصِمَةً بحبلِ اللهِ.. هو الذي بَذَلَ هذَا الجُهدَ الجَهِيدَ لأَجلِ أَن يَرى أُمَّةً مُجتمِعةً على كتابِ اللهِ وسنَّةِ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم.


فأَينَ نَحنُ مِن سُنَّتِهِ وهَديِهِ ومحبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، لِيتفقَّدَ كُلٌّ مِنَّا نَفسَهُ ولْيُحاسِبْهَا حِسابًا شَديداً، أَفَيَلِيقُ بِنَا بعدَ هذَا أَن نَتركَ سُنَّتَهُ لضَلالِ غَيرِهِ؟ أَفَيَلِيقُ بِنَا بعدَ هذَا أَن نَتَّبعَ الهَوَى ونَتركَ مُتابعَتَهُ؟! أَفَيَلِيقُ بِنَا بعدَ هذَا أَن نَسيرَ علَى نَهجٍ غَيرِ نَهجِهِ؟!!

وإذَا كانَ أصَّحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَوهُ وَصَحِبُوهُ حَضَرًا وَسَفَرًا وَعَامَلُوهُ، وَصَلَّوا وَرَاءَهُ وَجَاهَدُوا تَحتَ لِوَائِهِ، وكَانَتْ مَحَبَّتُهُم لَهُ أَسمَى وَأَعلَى، وَتَوقِيرُهُم لَهُ أَكمَلَ وَأَوفَى، وَتَعزِيرُهُم لَهُ أَشَدَّ وَأَقوَى.. أفَلا يَكونُ مِنَّا مَن يُحِبُّهُ صلى الله عليه وسلم كحُبِّهِمْ، ويَوَدُّهُ كَوُدِّهِمْ، ويَتَّبِعُهُ كاتِّباعِهِم.. لِمَ لا نُؤثِرُ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّفسِ وَالوَلَدِ؟ لِمَ لا نُقَدِّمُهُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ؟ لِمَ لاَ نَحرِصُ على امتِثالِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ هَديِهِ؟ لِمَ لا نُوَقِّرُ سُنَّتَهُ ونَلْتَزِمَ طَرِيقَتَهُ؟! أتَعلَمُونَ أَحدًا أَعظَمَ مِن محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟!.


أَلاَ فلْنَتَّقِ اللهَ ولْنَحْرِصْ علَى طَاعَتِهِ جل وعلا واتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم.. أَلاَ فلْنَتَّقِ اللهَ ولْنَفْعَلْ مَا يُصَدِّقُ مَحبَّتَنَا لَرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.. أَلاَ فلْنَتَّقِ اللهَ ولْنَعلَمْ أنَّنا مَسؤولُونَ بينَ يَدَيْ رَبِّنَا عَن مُتَابَعَتِهِ صلى الله عليه وسلم.


فاللهمَّ أسْعِدْ صُدورَنَا بالإيمانِ، وأسعدْ قلوبَنا بالقرآنِ، وأسعدْ أَرواحَنَا باتبَاعِ سُنةِ خَيرِ الأَنامِ.


اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأعَزُّ الْأكْرَمُ.. اللَّهُمَّ آتِ نفوسنا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا...اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُمْ.

 

اللهمَّ انْصُرْ المُجَاهِدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الحَدِّ الجّنُوبِيِّ، اللهُمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ وارْحَمْ مَوْتَاهُمْ وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَبَارِكْ فِي جُهُودِهِمْ.

 

اللهمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَواصِيهِمْ لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، اللهمَّ أَصْلحْ لَهُمْ بِطَانَتَهُمْ يِا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ...

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التعريف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم
  • العشر الأخلاقية من هجرة خير البرية صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة مضمنة مجموعة خطب مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة الحاجة بين الإفراط والتفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة 1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الابتسامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تذكرة أولي الألباب ببعض خصائص النبي الأواب صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب