• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صحيح الأخبار المروية فيمن تنبأ ببعثه خير البرية ...
    عبدالله بن عبدالرحيم بن محمد الشامي
  •  
    تشجير متن الدليل في علم التفسير (PDF)
    افتتان أحمد
  •  
    نسخة الصغاني (النسخة البغدادية) لصحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    مواسم الخيرات ماذا أحدثت فينا من أثر؟
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    (سورة الماعون) من مشروع (لرأيته خاشعا "القرآن فهم ...
    د. محمد حسانين إمام حسانين
  •  
    أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    خطبة: كيف نربي أولادنا على الدعوة إلى الله
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿وما كان قولهم إلا أن قالوا ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    الطهارة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ظاهرة تأخر الزواج (2)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    الغيبة والنميمة طباع لئيمة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    قبسات من علوم القرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القادر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    حقوق الزوجة على زوجها (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    غابة الأسواق بين فريسة الاغترار وحكمة الاغتناء
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    فرق بين الطبيب والذباب
    محمد بن عبدالله العبدلي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

يا أهل الشام، لا تحسبوه شرا لكم

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2012 ميلادي - 14/7/1433 هجري

الزيارات: 16150

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يا أهل الشام، لا تحسبوه شرًّا لكم


أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَ يَسمَعُ مُؤمِنٌ بِاللهِ مُصَدِّقٌ بِرَسُولِهِ حَدِيثًا مِن أَحَادِيثِ المُصطَفَى - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيهِ البِشَارَةُ لِقَومٍ أَو مَدحُ جِهَةٍ أَو وَعدٌ بِخَيرٍ، فَإِنَّهُ لا يَزدَادُ بِهِ إِلاَّ يَقِينًا وَتَصدِيقًا وَفَرَحًا، لا يَمنَعُهُ مِن ذَلِكَ أَلاَّ يُدرِكَ بِعَقلِهِ القَاصِرِ أَثَرَ مَا سَمِعَ، أَو أَنَّهَ مُخَالِفٌ في الظَّاهِرِ لِلوَاقِعِ المُشَاهَدِ؛ لِعِلمِهِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ عَنِ الحَبِيبِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَهُوَ حَقٌّ مِن عِندِ اللهِ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ، وَصِدقٌ لا يَقبَلُ الشَّكَّ مِن أَيِّ وَجهٍ. وَإِنَّ مما جَاءَ عَنهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - قَولَهُ فِيمَا رَوَاهُ زَيدُ بنُ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "طُوبى لِلشَّامِ " قُلنَا: لأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لأَنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَطُوبى أَيْ رَاحَةٌ وَطِيبُ عَيشٍ حَاصِلٌ لَهَا وَلأَهلِهَا، أَو هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ في بَيَانِ مَا عَلَيهِ المَمدُوحُ بها مِن نَعِيمٍ وَنَعمَةٍ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، قَد يَقرَأُ هَذَا الحَدِيثَ أَو يَسمَعُهُ بَعضُ مَن قَلَّ بِالغَيبِ إِيَماَنُهُم، وَابتُلُوا بِتَقدِيمِ عُقُولِهِمُ الخَاوِيَةِ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ، فَيَقُولُ: وَأَيُّ نَعِيمٍ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا وَأَيُّ نَعمَةٍ، وَنَحنُ نَرَى اليَهُودَ يُدَنِّسُونَ المَسجِدَ الأَقصَى مُنذُ أَكثَرَ مِن سِتِّينَ عَامًا، وَالنُّصَيرِيَّةُ تَسُومُ أَهلَ السُّنَّةِ العَذَابَ مُنذُ أَكثَرَ مِن أَربَعِينَ سَنَةً؟ وَهَذِهِ المَصَائِبُ مَا تَزَالُ تَتَوَالى عَلَيهِم وَالقَتلُ فِيهِم مُستَحِرًّا؟ وَهَذَا لَعَمرُ اللهِ نَوعٌ مِن قُصُورِ النَّظَرِ وَضِيقِ الأُفُقِ وَمَحدُودِيَّةِ التَّفكِيرِ، بَل هُوَ دَلِيلٌ عَلَى استِحكَامِ مَحَبَّةِ الدُّنيَا في النُّفُوسِ وَتَغَلغُلِهَا في القُلُوبِ وَتَفضِيلِهَا عَلَى الآخِرَةِ، حَتى عَادَتِ الأَعيُنُ لا تَرَى الخَيرَ وَالشَّرَّ إِلاَّ بِقَدرِ مَا يُنَالُ مِنَ الدُّنيَا أَو يَضِيعُ عَلَى أَهلِهَا مِنهَا، وَحَتى عَادَ النَّاسُ لا يَعُدُّونَ مِنَ البِلادِ مَحظُوظًا إِلاَّ مَا كَانَت في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ آمِنَةً عَلَى دُنيَاهَا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَن نَصِيبِهَا مِنَ الآخِرَةِ، أو تَمَسُّكِ أَهلِهَا بِعَقِيدَةٍ وَحَظِّهِم مِن استِقَامَةٍ عَلَى دِينٍ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَلزَمُ مِن فَضِيلَةِ بَلَدٍ وَطِيبِ عَيشِ أَهلِهِ عِندَ اللهِ، أَنَّهُم لا يُبتَلَونَ وَلا يُصَابُونَ، لا وَاللهِ، بَل لَقَد قَضَت سُنَّةُ اللهِ أَن يُبتَلَى المُؤمِنُونَ، وَأَن يَكُونَ الابتِلاءُ عَلَى قَدرِ قُوَّةِ الدِّينِ، قَالَ - تَعَالى -: "﴿ لَتُبلَوُنَّ في أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ ﴾" وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءُ ثم الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ، يُبتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ في دِينِهِ صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ عَلَى قَدرِ دِينِهِ... " وَقَالَ: "مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُصِبْ مِنهُ " رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ، بَل بَيَّنَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَنَّ عَدَمَ البَلاءِ لا يَكُونُ إِلاَّ لِلمُنَافِقِينَ، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَثَلُ المُؤمِنِ كَمَثَلِ الخَامَةِ مِنَ الزَّرعِ تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ، تَصرَعُهَا مَرَّةً وَتَعدِلُهَا أُخرَى حَتى يَأتِيَهُ أَجَلُهُ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ كَمَثَلِ الأَرزَةِ المُجذِيَةِ، الَّتي لا يُصِيبُهَا شَيءٌ حَتى يَكُونَ انجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. لَقَد كَانَ لِمَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَهُمَا المَدِينَتَانِ المُقَدَّسَتَانِ اللَّتَانِ شَهِدَت إِحدَاهُمَا مَولِدَ الإِسلامِ وَفي الأُخرَى شَبَّ وَتَرَعرَعَ، لَقَد كَانَ لهما وَمَعَ أَفضَلِيَّتِهِمَا وَقَدَاسَتِهِمَا نَصِيبٌ مِنَ البَلاءِ، الَّذِي كَانَ وَمَا زَالَ وَلَن يَزَالَ يُصِيبُ أَجزَاءً مِنَ العَالمِ الإِسلامِيِّ حَتى يَلقَى النَّاسُ رَبَّهُم، فَقَد ابتُلِيَ فِيهِمَا النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَصَحبَهُ وَلا سِيَّمَا السَّابِقِينَ مِنهُم، وَعَانَوا مَا عَانَوا مِنَ المُشرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَاليَهُودِ، وَأَصَابَهُم مِن أَذَاهُم مَا أَصَابَهُم، وَمَعَ هَذَا فَقَد عَاشُوا نَعِيمًا رُوحِيًّا عَظِيمًا، وَأَدرَكُوا رَاحَةَ قُلُوبٍ بَالِغَةً، لم تَستَطِعْ آلَةُ الحَربِ وَالتَّعذِيبِ وَلا فُنُونُ الغَدرِ وَالخِيَانَةِ أَن تَنتَزِعَهَا مِنهُم، فَيَرجِعُوا عَن دِينِهِم أَو يَتَخَلَّوا عَن إِسلامِهِم، أَو يَضعُفُوا أَو يُدَاهِنُوا، لماذَا؟ لأَنَّهُم ذَاقُوا لَذَّةَ الإِيمَانِ وَخَالَطَت بَشَاشَتُهُ قُلُوبَهُم، وَاستَطعَمُوا النَّصرَ مِن رَبِّهِمُ الرَّحِيمِ، وَاستَشعَرُوا الفَوزَ الكَرِيمَ وَالنَّعِيمَ المُقِيمَ، فَارتَفَعُوا عَنِ الدُّنيَا الدَّنِيَّةِ، وَوَصَلُوا بِقُلُوبِهِم إِلى عِيشَةِ الآخِرَةِ الرَّضِيَّةِ، فَصَارَ العَذَابُ عِندَهُم في سَبِيلِ اللهِ عَذبًا، وَغَدَت الشَّهَادَةُ أَلَذَّ لَدَيهِم مِنَ الشَّهدِ، وَأَرخَصُوا في ذَاتِ اللهِ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، وَمَا كَانُوا في ذَلِكَ بِدعًا، وَإِنَّمَا هُم لِمَن سَبَقَهُم عَلَى الأَثَرِ.

 

فَعَن خَبَّابٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: أَتَيتُ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً وَهُوَ في ظِلِّ الكَعبَةِ، وَقَد لَقِينَا مِنَ المُشرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَدعُو اللهَ؟! فَقَعَدَ وَهُوَ مُحمَرٌّ وَجهُهُ فَقَالَ: "لَقَد كَانَ مَن قَبلَكُم لَيُمشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحمٍ أَو عَصَبٍ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَيُوضَعُ المِنشَارُ عَلَى مَفرِقِ رَأسِهِ فَيُشَقُّ بِاثنَينِ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاءَ إِلى حَضرَمَوتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

لَقَد أَيقَنَ المُؤمِنُونَ أَنَّ الفَوزَ الحَقِيقِيَّ هُوَ الفَوزُ في الآخِرَةِ، وَأَنَّ الخَسَارَةَ المُتَيَقَّنَةَ هِيَ خَسَارَةُ الدِّينِ، وَمِن ثَمَّ فَلَم يَأسَوا مِنَ الدُّنيَا عَلَى شَيءٍ وَقَد صَحَّ لهم دِينُهُم، وَلم يَحزَنُوا عَلَى مَا ذَهَبَ مِنهَا وَقَد صَفَت عَقِيدَتُهُم، وَأَمَّا مَا عَلَيهِ أَهلُ الدُّنيَا اليَومَ مِن قِيَاسِ مُؤَشِّرَاتِ السَّعَادَةِ في المُجتَمَعَاتِ بِقَدرِ انغِمَاسِهَا في بُحُورِ الدُّنيَا وَنَيلِهَا مِن زَخَارِفِهَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ هُوَ الخِذلانُ بِعَينِهِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ بَعضَ مَن أُوتُوا ظَاهِرًا مِنَ العِلمِ بِالحَيَاةِ الدُّنيَا يَرَونَ أَنفُسَهُم مُنَعَّمِينَ، في حِينِ يَرَونَ أَنَّ مَنِ ابتُلُوا هُم أَهلُ النِّقمَةِ، وَمَا شَعُرَ أُولَئِكَ الجَهَلَةُ أَنَّ اللهَ كَمَا يَبتَلِي قَومًا بَالشَّرِّ فَإِنَّهُ يَبتَلِي آخَرِينَ بِالخَيرِ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: "﴿ وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً ﴾ " وَقَالَ - تَعَالى -: "﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبيِّ أَكرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقُولُ رَبيِّ أَهَانَنِ ﴾ " وَقَد أَجَابَ العَلِيمُ الخَبِيرُ بِقَولِهِ: ﴿ كَلاَّ ﴾ لِيَردَعَ النُّفُوسَ المَهزُوزَةَ وَيَقرَعَ القُلُوبَ المُتَرَدِّدَةَ؛ لِتَعلَمَ أَنَّ الصَّوَابَ لَيسَ فِيمَا تَرَاهُ في القَرِيبِ العَاجِلِ، ظَانَّةً أَنّهُ هُوَ المُؤَشِّرُ عَلَى مَحَبَّةِ رَبِّهَا لها، غَافِلَةً عَن أَنَّ العِبرَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ وَالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ، وَالَّتي لا تَكُونُ إِلاَّ لِمَن وُفِّقَ فَنَالَهَا بِرِضَا رَبِّهِ، فَسَعِدَ في أُخرَاهُ سَعَادَةً لا يَشقَى بَعدَهَا أَبَدًا. فَيَا مَعشَرَ المُؤمِنِينَ، حِينَ تَستَعِرُ نِيرَانُ المُجرِمِينَ مِنَ اليَهُودِ وَالنُّصَيرِيِّينَ وَغَيرِهِم مِن أَعدَاءِ الدِّينِ، فَيَصُبُّوا عُدوَانَهُم عَلَى رُؤُوسِ المُسلِمِينَ وَفي عُقرِ دِيَارِهِم بِالشَّامِ، فَيَقتُلُوا الشُّيُوخَ وَالعَجَائِزَ، وَيَهتِكُوا أَعرَاضَ المُسلِمَاتِ العَفِيفَاتِ، وَيَنحَرُوا الأَطفَالَ الأَبرِيَاءَ كَمَا تُنحَرُ البَهَائِمُ، في صُوَرٍ تَشمِئَزُّ مِنهَا الفِطَرُ السَّوِيَّةُ، فَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ - تَعَالى - إِنَّمَا أَرَادَ بِأُولَئِكَ المُعَذَّبِينَ في الدُّنيَا أَن تَكُونَ تِلكَ الابتِلاءَاتُ هِيَ قَاطِعَةَ الشَّرِّ عَنهُم وَحَاسِمَةَ العَذَابِ، لِيَنعَمُوا بَعدَهَا في جَنَّاتِ وَنَهَرٍ، في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقتَدِرٍ، بَينَمَا يَتَنَقَّلُ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ مِن عَذَابٍ إِلى آخَرَ، وَيُصَابُونَ في نُفُوسِهِم بِالضِّيقِ وَالحَرَجِ، ثم لا يَلبَثُونُ أَن تَتَحَقَّقَ فِيهِم سُنَّةُ اللهِ في الظَّالمِينَ، فَيَهلِكُوا شَرَّ مَهلِكٍ، وَيَبدَأَ طَرِيقُ إِهَانَةِ اللهِ لهم " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ " نَعَم - عِبَادَ اللهِ - حِينَمَا يَمُوتُ أَهلُ الشَّامِ شُهَدَاءَ، وَتُقطَعُ في سَبِيلِ اللهِ رِقَابُهُم وَيُنحَرُونَ، عِندَ ذَلِكَ يَحِقُّ لهم أَن يَستَبشِرُوا وَيَفتَخِرُوا وَيَصبِرُوا، لا أَن يَيأَسُوا وَيَجزَعُوا، وَيَحِقُّ لِكُلِّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَكُنهَ الآخِرَةِ، أَن يُرَدِّدَ قَولَ الحَبِيبِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "طُوبى لأَهلِ الشَّامِ " إِنَّهُ لَفَرقٌ كَبِيرٌ بَينَ مَن يُمَحَّصُ لِيُخَلَّصَ، وَيُبتَلَى بِالشِّدَّةِ لِيُعَافى، وَيُسَلَّطُ عَلَيهِ مَن يَسُومُهُ عَذَابًا دُنيَوِيًّا لا يَلبَثُ أَن يَنقَطِعَ بِخُرُوجِ رُوحِهِ، فَيَلقَى اللهَ شَهِيدًا قَد غُفِرَ لَهُ مَعَ أَوَّلِ قَطرَةٍ مِن دَمِهِ، وَبَينَ مَن يُملَى لَهُ في دُنيَاهُ وَيُبتَلَى بِالعَافِيَةِ وَالرَّخَاءِ، وَيُفسَحُ لَهُ لِيَتَمَادَى في الغَيِّ وَلا يُقصِرُ، ثم يُؤخَذُ عَلَى غِرَّةٍ وَيُهلَكُ في حِينِ غَفلَةٍ، فَيَوافي بِذُنُوبِهِ عَلَى ظَهرِهِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّ اللهَ لا يُقَدِّرُ عَلَى عِبَادِهِ شَرًّا مَحضًا، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ لا يَسأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقنَاهُ رَحمَةً مِنَّا مِن بَعدِ ضَرَّاءَ مَسَّتهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لي عِندَهُ لَلحُسنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِن عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ "﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ﴾.

 

عِبَادَ اللهِ، لَيسَ المُؤمِنُ بِالَّذِي يَمدَحُ البَلاءَ أَو يَتَمَنَّى حُصُولَهُ أَو يُعَرِّضُ نَفسَهُ لَهُ، أَو يُحِبُّ بَقَاءَ الأُمَّةِ عَلَيهِ، وَلَكِنَّ ممَّا يَفرِضُهُ وَاجِبُ الإِيمَانِ بِالقَدَرِ وَالرِّضَا بِالقَضَاءِ، الصَّبرَ وَالتَّفَاؤُلَ وَحُسنَ الظَّنِّ بِاللهِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيهِ نَبِيُّنَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - حَتى وَهُوَ في أَحلَكِ المَوَاقِفِ وَأَصعَبِ النَّوَازِلِ، فَهَا هُوَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في بَعضِ أَيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ يَنتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمسُ قَامَ فِيهِم فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاصبِرُوا وَاعلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلالِ السُّيُوفِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

فَيَا مُعَافَونَ لا تَطِيرُوا فَرَحًا، وَيَا مُبتَلَونَ لا تَمُوتُوا كَمَدًا، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ ثم تُرَدُّونَ إِلى اللهِ مَولاكُمُ الحَقُّ ﴿ وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظلِمُون ﴾ وَإِنَّ لَحظَةً مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ كَفِيلَةُ بِأَن تَمسَحَ عَن أَهلِهَا مَا عَانَوهُ في دُنيَاهُم مِن بَلاءٍ وَمَا أَصَابَهُم مِن بُؤسٍ، وَلَحظَةٌ مِن عَذَابِ النَّارِ كَافِيَةٌ بِأَن تُنسِيَ المُعَذَّبِينَ مَا انغَمَسُوا فِيهِ مِن شَهَوَاتٍ وَمَا كَانُوا فِيهِ مُترَفِينَ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "يُؤتى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا بنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ. وَيُؤتى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا بنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا أهل سوريا، لا تحسبوه شرا لكم
  • صبرا يا شام
  • الجوع يفترس أهل الشام
  • فضائل الشام
  • ابغوني ضعفاءكم بالشام
  • يا أهل البلاء، إن الله يمحو ما يشاء
  • مشروع عقيقتي لإخواني
  • {لا تحسبوه شرا لكم} (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أهلا أهلا فيمن حضروا (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • يا أهل سوريا، لا تحسبوه شرًّا لكم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • يا أهل جدة، لا تحسبوه شرًّا لكم(مقالة - موقع أنور الداود النبراوي)
  • يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهل التشيع (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الثامنة: أسماء وصفات وخصائص أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة السابعة: (تعريف مصطلح أهل السنة والجماعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة السادسة (التعريف بأهل السنة والجماعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تفسير: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/1/1447هـ - الساعة: 16:28
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب