• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / أصول فن الخطابة / مقومات الخطبة
علامة باركود

حال الخطب اليوم وما يجب أن تكون عليه

الشيخ علي محفوظ

المصدر: كتاب "فن الخطابة".
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/8/2008 ميلادي - 7/8/1429 هجري

الزيارات: 18746

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حال الخطب اليوم وما يجب أن تكون عليه

 

إذا تتبَّعْتَ تاريخ الإسلام بعد القرون المشهود لها بالخير؛ تَجِدُ الخُطب الدينية في كل دولة قد تَراجَعَتْ إلى الوراء، حتَّى صارتْ إلى ما هي عليْهِ الآنَ من التأخُّر والانْحِطاط، فإنَّها لَمَّا كانت بيد الملوك؛ كان أكبر همِّهم حثُّ الناس على السمع والطاعة لهم، والاستنهاض إلى مُحاربة الأعداء بحقٍّ أو بغير حق، وقلَّ مَنْ ينظُر منهم في أحوال الناس وأمراضهم النفسية، فيعظهم من ناحيتها، ولَمَّا تَركها المُلوكُ والأمراءُ لترفُّعهم أو لغيره، ووكلوا أمرها إلى أئِمَّة المساجد، ساروا فيها على أهواء الملوك والأمراء - إلا من رحِمَ الله - حتَّى سقطت في تلك المَهْواة، ووَقَعَتْ في أَيْدِي مَن لا يُجِيدها، ما عدا القليل من الخُطباء الذين لم يَبْلُغوا بِها درجتَها اللاَّئِقَة بِها، ولم يكونوا كافين لقِلَّتِهم في دَعْوَةِ النَّاس إلى الله، وإرشادهم إلى الحق.

وأصبحت الخطب اليوم عبارة عن كلماتٍ تُحْفَظُ وتُلْقَى، ومعظَمُها يَدورُ حولَ الدنيا وذمِّها والتَّزْهِيدِ فيها، والأمر بِالمَعروف والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر، بِعباراتٍ مُجملةٍ لا تُغْنِي من أمراض النفوس شيئًا، ولا تَصِلُ إلى أعماق القلوب، وبعضها يَخْلِطُ الأوامِرَ بالنَّواهِي، ويجمع بيْنَ أمورٍ كثيرةٍ لا يستوفي الكلام على واحدٍ مِنْها، فيحذر مِنْ تَرْكِ الصلاة، وشُرْبِ الخُمور، والزنا، والربا، وما إلى ذلك من المنْكَرات، كل ذلك في خطبة واحدة، وما يسمعه الناس من الخطيب اليوم يسمعونه غدًا، وما يلقى في هذا العام يدور في العام القابل، مع أنَّ الواجِبَ - كما عَرَفْتَ - مُراعاة الخطيب لمُقْتَضَى الحال، وإصلاح السامعين على قدر ما فيهم من الشَّرِّ والفساد، لا فَرْقَ بيْنَ مُتَعَلِّم وجاهل، وكبير وصغير، وأمير ومأمور، شأن الهداية بالقرآن وشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين.

وحيث كان الغرض من الخطابة الدينية دعوة الناس إلى الهدى ودين الحق، وإحياء الفضيلة، وإماتة الرذيلة، وإصلاح فساد قلوبهم، وتطهيرهم من الأمراض النفسية والاجتماعية - تعلم أن الخطب المجملة لا تفيد الجمهور شيئًا؛ لأنَّها لم تَلْمَس مواضعَ الداء، ولم تَهْتَدِ إلى الدَّواء.

فمَثَلُ مَن يقول: إنَّ المعاصِيَ تُزِيلُ النِّعم، وإنَّ التَّعلُّق بالدُّنيا مُبْعِدٌ من الله تعالى، وقدِ استَحَقَّ النَّاسُ العذابَ لِظُهورِ الفسادِ في البَرِّ والبَحْرِ، ولوِ اسْتَقَمْنا ما انتقمنا، ما للمساجد خرِبَتْ، وبيوت اللَّهْوِ والفسوق عمرت، ما للقلوب قست، ما للعيون لا تبكي، ما للقلوب لا تتألم، قد انتهكتم الحُرُمات، وتعدَّيْتُم الحُدُودَ، وأغضبْتُمُ الجبَّار، فإنَّا للَّه وإنَّا إليْهِ راجعونَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما إلى ذلك من مُجْمَلات القول - مَثَلُ الطبيب الذي يَخْطُب الجُمهورَ فِي قواعد الصِّحَّة العامَّة، وفيهم المسلول، والمحموم، والمجذوم، والمبطون، وذو الرمد الصديديِّ، والبلهارسيا، والمصاب بالسيلان أو الزهري، وما شاكل ذلك من الأمراض المعدية، التي تحتاج إلى دواء خاص، وعلاج خاص، وحمية خاصة، ويقول: نظِّفوا غُرَفَ النَّوْمِ، وقلِّلوا من الغذاء، واحْتَرِسُوا من الرُّطوبة، ولا تأكلوا المغلظات، ولا تبصقوا في أماكن الاجتماع، وما شاكل ذلك أيضًا من الكليَّات العامة، التي تصلح للصحيح كما تصلح للمريض، فهم لا يلتفتون إليها؛ لأنَّها أصبحت لديهم في حكم المعلوم بالضرورة، لا تؤثر فيهم أدنى تأثير؛ لأنها لم تلمس موضع الألم فيحس المريض، ولم تصف دواء فيعلق عليه الأمل، وينشط في العمل.

لذلك يجب على الخطيب الديني أن يتكلم على الموضوع الخاص، ويحلله تحليلاً دينيًّا أخلاقيًّا اجتماعيًّا، فيتكلم على الإشراك بالله مثلاً؛ مبيِّنًا أنه نتيجة البله والسقوط من مرتبة الإنسان الحق مهما كان صاحبه ذكيًّا مُخترعًا في الدنيا، وماهرًا فيها؛ لأن مَنْ لم يعقل هذه العوالم الكبيرة المنظمة والآثار البديعة المحكمة، ولم يهتد بالسنن الكونية إلى وجوب وحدة الصانع الحكيم يكون كالأنعام؛ بل هو أضل، وذلك سِرُّ كون الله تعالى لا يَغْفِرُ أن يُشْرَك به؛ لأنَّ المشْرِكَ قد عطَّل مواهبه، وكلَّ حواسِّه منَ النَّظَرَ في الكائنات، وانكبَّ في الشهوات على وجهه: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾[1]؛ ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً *أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾[2]؛ وإنما كانوا أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنَّها تنقاد لمَنْ يتعهَّدها وتحبه، وتميِّز مَنْ يحسن إليها ممَّن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتنفر مما يضرها، وهؤلاء لا ينقادون لربِّهم، ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان، ولا يطلبون رضاه وهو أعظم المنافع، ولا يتقون غضبه وهو أشد المضارِّ، ولأن الأنعام إن لم تعتقد حقًّا ولم تكسب خيرًا - لم تعتقد باطلاً ولم تكسب شرًّا، بخلاف هؤلاء، ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال فلا تقصير منها ولا ذنب لها، وهؤلاء مقصِّرون مستحقُّون أعظم العقاب على تقصيرهم؛ ولأن جهالتها لا تضر بأحد، وجهالة هؤلاء تُفضِي إلى إثارة الفتن، وصدِّ الناس عن الحق، وقال تعالى في وصف الكفار: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾[3]، وكانوا شرَّ الدواب لإبطالهم ما مُيِّزوا به وفُضِّلوا لأجله من نعمة العقل والتمييز.

ثم إذا أراد أن يتكلَّم على الشِّرْكِ الخَفِيِّ الواقع في الناس؛ سواء جاء من طريق الرياء أوِ الاعتماد على الأسباب - يقول: إنَّ مِثْلَ هذا قد تغلَّب عليه الشَّيْطَانُ بِخَيْلِه ورجله، فأضاع عليه الوقت بضياع عمله؛ لأنَّ مَنْ يَعمل لغَيْرِه لا بد له من جزاءٍ إنْ كان عاقلاً؛ بل مَنْ يَعْمَلُ لنفسه لا بدَّ له من ثَمَرةٍ يتوخَّاها، والناس والأسباب المادِّيَّة لا تأثيرَ لَها، ولا تُجازى بثواب، وقدِ انْقَطَعَ مَدَدُ اللَّه عنه، فإنه لم يعمل له، وهذا هو الخسران المبين.. ثم يذكِّر آيات وأحاديث التحذير من الشرك بنوعَيْه، المنذرة بوخامة العاقبة وسوء المغبَّة.

ويتكلَّم على قتل النفس ظلمًا؛ مبيِّنًا ما فيه من الأضرار المادية والاجتماعية؛ كتولُّد الأحقاد والضغائن، وبقائها بين الأُسَر، وتربُّص الدوائر من كلٍّ منها بالأخرى، وانتقال ذلك الشر من الأصول إلى الفروع، والإخلال بالأمن والراحة. هذا إلى ما في هذه من الجناية الشنيعة الأثيمة؛ من تعريض النفس للإعدام، والأموال للإتلاف، والأولاد للضياع، فضلاً عن غضب الله ومقته، ذاكرًا الآيات والأحاديث الواردة في التحذير من جناية القتل، ويقبِّح أيضًا جريمة الانتحار، مبيِّنًا أنه نتيجة السَّفَه، وقلَّة الإيمان، وعدم الثقة بالله تعالى والرضاء عنه في قضائه وقدره، وأن المنتحر قد باء بإثمه، ولقي الله وهو عليه غضبان، تاركًا وراءه الخزي والعار وقبيح الأحدوثة، ثم يأتي بما يناسب المقام من الأدلة الشرعية؛ محذِّرًا من هذه البدعة السيئة غاية التحذير.

ومَنْ يخطب في الزنا؛ يذكر أضراره البدنية والأخلاقية والاجتماعية؛ من اختلاط الأنساب، وتفريق الوحدة، وأن زوج الزانية يضيع ماله على أولاد الأجانب، وأن الزانية والزاني قد هتكا حرمة الزوج، واعتديا على حقِّه الشرعي، وهتكا الأسرة، وسجَّلا عليها عارًا لا يُمحى، وخزيًا لا يزول، وتشبُّهًا بالحيوان الأعجم الذي ينزو ذَكَرُهُ على أنثاه بلا قيدٍ ولا شرط، وأن مَنِ اجترأ على الله بارتكاب هذه الجريمة الشنعاء يجترئ في سبيل شهوته على ضرر العباد، والسعي في الأرض بالفساد، فضلاً عمَّا في الزنا من التعرُّض لغضب الله ومقته، ثم يأتي بآيات وأحاديث الزنا وفظاعة عقوبته؛ حيث كان فاحشةً وساء سبيلاً، وينفِّر الناس من الزاني والزانية بأنهما وباءٌ على المجتمع؛ لأن مَنِ استَحْكَمَ فيه مرضٌ يوَدُّ أن يكونَ النَّاسُ مِثْلَه، والتنفير بابٌ عامٌّ يَنْبَغِي دخولُه في كلِّ المُهْلِكات. وقريب من الزنا السُّفور، وتبَرُّج النساء في الأسواق والطرقات.

ومَنْ يخطب في التحذير من الربا؛ يذكر ما فيه من الأضرار المالية والاقتصادية، وأنه ما انتشر في أُمَّة إلا ذلَّت بعد عزِّها، وافْتَقَرَتْ بعد غناها، وفقدتْ قوَّتَها واستقلالَها، ووقعتْ في قَبْضَة الاستِعْباد، هذا إلى ما في الربا من المَحْق، وذهاب البَرَكة، ومُحارَبَة اللَّه، والتَّعرُّض لغَضَبِه وعُقوبَتِه في العاجِل والآجِل، ويُستدلُّ على هذا كله بالأدلة النقليَّة والمشاهَدات الحسيَّة.

وإذا خطب في التحذير من تناوُل المُسْكِرات وتَعاطِي المُخَدرات - ذكر ما فيها من الأضرار الماليَّة، والصِّحِّيَّة، والخُلُقيَّة، والاجتماعيَّة، وأرْدَفَ ذلك بما جاء فيها من الوعيد الشَّديد الوارد في الكتاب والسنَّة.

وبِالجُملة؛ إذا تكلَّم في المنكرات يحلِّلها على هذا النحو؛ بادئًا بأشدها خطرًا، وأكثرها وقوعًا في الأُمَّة التي يخطب فيها، ويعالِجُهم بالطرق المتنوعة الحكيمة؛ كما بيَّنَّاه في الفصل العاشر من كتابنا "هداية المرشدين".

وإذا خَطَبَ في باب الأوامر والفضائل؛ عمد إلى شُعَب الإيمان شُعْبَةً شُعْبَةً، وتكلَّم عن كلِّ شُعْبَةٍ منها على حدةٍ؛ كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والصدق، والوفاء، والأمانة، والحياء، مبينًا حكمة مشروعيَّتها، وآثارها التي تعود على صاحبها وعلى المجتمع الإنساني، وما في تركها من الاتِّصاف بأضدادها من الخسارة عليه، وعلى الحياة الاجتماعية، مشفوعًا ذلك بالأدِلَّة النقليَّة والعقليَّة والحسِّيَّة، مراعيًا أيضًا أكبَرَها خطرًا، وأكثرَها شُيوعًا في الناس.

ويَخطب في المواسم بِما يُناسِبُ الحال؛ فيتكلم في رمضان - مثلاً - في وجوب الصوم؛ حتَّى على الأمم السابقة، مبيِّنًا سرَّ مشروعيَّته من ضبط النَّفْس وإضعاف شهوتها، وكونه وسيلةً إلى تربية النفس وتهذيبها، وتعويدها على قوة الإرادة، فإنها إذا انقادت للامتناع عمَّا لا غنى له عنه من الغذاء؛ فأوْلى أن تنقاد للامتناع عمَّا لا حاجة لها فيه من الحرام، فكان سببًا في اتِّقاء المحارم وقوة العزيمة، وأنه يبعث في الإنسان فضيلة الرحمة بالضعفاء، والعطف على البائسين، وأنه ينقي الجسم من الفضلات الرديئة والرطوبات المعوية، وما إلى ذلك من المزايا الصحية والخُلُقية والاجتماعية، كما سبق تفصيله في الفصل الثالث في أصول الخطابة في (الأدلة الذاتية)، ثم يبيِّن ما للصائم عند الله من عظيم المثوبة على هذا الجهاد العظيم، ويذكر ما ورد فيه من أحاديث الترغيب.

ويتكلَّم في العيدين عن الأعمال المطلوبة؛ من صدقة وأُضْحِيَة، وتهليل وتكبير، وصِلَة رحم وعطف على بائس وأرملة وإكرام يتيم، مرغِّبًا في العفو عن الهفوات، والصفح عن الزلات، وترك الخصومات والإصلاح بين الناس، ويحذِّر الناس من العوائد المحرمة والبدع القبيحة التي تقع في العيدين؛ كزيارة المقابر والمبيت بها، وتجديد الأحزان، ويبيِّن أيضًا أن رضا الله في مثل هذه الأيام أكبر، وغضبه أعظم، ويضرب لهم الأمثال بأنه لكل مَلِكٍ حالات غير اعتياديَّة عند رعيَّته، يعطي فيها الآلاف، ويطلق المساجين، ويعفو عن التائبين؛ كذلك أيام الله تعالى بالنسبة لملك الملوك ورب الأرباب، وإن غضب المَلِك في أوقات الصفاء قد يخرجه عن مألوف الغضب في بقية الأيام. وينبغي أن يتكلم على صدقة الفطر في الجمعة التي قبل العيد؛ ليُحْسِنَ الناس أداءها في الوقت الأفضل، على الوجه المطلوب.

ويتكلم في شهر ربيع الأول على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر نَسَبَه وحَسَبَه، ومزايا قومه وعشيرته، وأخبار مولده وتربيته، وصفة معيشته في نفسه، وزواجه وسيرته مع أهله - تمهيدًا لبيان المقصد الأعظم؛ وهو نبأ بعثته التي كانت رحمةً للعالمين، مبيِّنًا ما كان عليه من الأخلاق الكريمة والآداب العالية، وما تَمَّ على يديه من الإصلاح وجلائل الأعمال، وما قاساه من الأهوال والمتاعب الشديدة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، مستمدًّا ذلك كلَّه من الكتاب المبين وصحيح السنَّة، وما تمس الحاجة إليه مما أثبته ثقاة المؤرِّخين، مجتنبًا كل ما لم تثبت صحته مما يتعلق بسيرته الشريفة، مبيِّنًا أن الفائدة المقصودة من ذلك هي تذكير الناس بخلاصة تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتذكَّر المؤمنون منَّة الله تعالى عليهم ببعثته، وتتغذَّى أرواحهم بزيادة الإيمان به وكمال محبَّته، ويزداد تعلُّقهم بهذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ويحرصوا على اتِّباعه والاقتداء به، والتمسُّك بدينه، وإحياء سنَّته، والتحلِّي بآدابه، ولا يكفي ذكر نسبه الشريف مجرَّدًا عن ذكر مآثر آبائه، ولا ذكر أوصافه الجسمية؛ كما يفعله بعض الخطباء اليوم، فذلك لا يفي بالغاية المقصودة من ذكر حياته الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.

وإذا تكلَّم على وفاته؛ فلا يذكرها مُجَرَّدةً عن بيان ما فيها من العبر؛ وإنما يتكلم عمَّا لاقاه من الشدائد في مرض الموت وسكراته مع الصبر والرضا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قد لقي مثل تلك الأهوال وهو المغفور له والمعصوم؛ فكيف بنا ونحن المذنبون، ولا ندري ما يُفعَل بنا؟!

ثم ينبِّه العقول إلى الاحتفاظ بسيرته، وتعظيمه، ومحبته، والعمل على إحياء سنته، وإطعام الطعام شكرًا لله على نعمة وجوده العظمى، ويحثُّ الناس على إكثار الصلاة والسلام عليه؛ لتكون قلوبهم دائمًا معمورةً بمحبَّته - صلوات الله وسلامه عليه - ويبيِّن لهم أن المحبة دائمًا تقتضي الجري على ما يهوى المحبوب، وأن العاصي كاذبٌ في دعواه حبَّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويبيِّن أيضًا حقَّه على أمَّته، وأن هذا الخير العظيم، وتلك السعادة التي فيها العالم - كانت كلُّها على يديه صلى الله عليه وسلم ولذلك شُرِعَتْ الصلاة والسلام عليه؛ قيامًا له ببعض حقِّه على الناس.

وهكذا يتكلم في كل وقت بما يناسبه مراعيًا حال السامعين، وأمراضهم، واستعدادهم.

ويتكلَّم على القرآن الكريم؛ مبيِّنًا شيئًا من فضائله، وما يجب على التالي والسامع له، وأن القارئ إنما يتكلَّم بكلام الله كنائبٍ عنه في إسماع الناس ما شُرِعَ لهم فيه، وأنَّ مَنْ أعرض عن القارئ فقد أعرض عن الله، وأن من أَخَلَّ بالأدب عند سماعه فقد أَخَلَّ بالأدب بين يَدَيْ ملك الملوك، ويضرب لذلك الأمثال، ويذكر للناس إجمالاً ما في القرآن من المقاصد وأنواع الهداية، التي تكفل لمَنْ سلكها وتحلَّى بها سعادة الدين والدنيا، وأن تلاوته عبادة، وسماعه عبادة، عندها تتنزَّل الرحمات، وأنَّ الخُضُوعَ عند سَماعه والتأثُّر به خُضوعٌ لله ولجلاله، وآية الفلاح والهداية.

وعلى الجملة؛ يحضُّ النَّاس على احترام مجلس القرآن، ويحذِّرهم من انتهاك حرمته بالتَّغنِّي به أو الإعراض عنه، ثم يلفت الناس إلى تعلُّمه وتدبُّره؛ لتتَّسع عقولهم وتستنير بصائرهم، ويحثُّ المسلمين على المحافظة عليه بحفظ طائفة كثيرة من أبنائهم له في كل عصر؛ محافظةً على ينبوع المِلَّة وأساس السَّعادة في العاجِل والآجِل.

وقد علمتَ أن منهلك الصافي في هذا كله كتاب الله تعالى، وكتب السنَّة الصحيحة، لا سيَّما كتاب الإيمان والعلم والمغازى وفضائل القرآن، وشمائله صلى الله عليه وسلم وكتب حكمة التَّشريع، وإياك أن تذكر شيئًا من الآثار التي لم تثبت صحَّتها في مثل هذه المقامات، وإلا كنتَ هدفًا للطَّعن عليك في معلوماتك، والشكِّ في طريقك، وما أغناكَ عن هذا!!

وصفوة القول: إنَّ أفْضَلَ الخطب الدينيَّة ما كان مُطابِقًا لِمُقْتَضَى الحال، ملائمًا لما تدعو إليه حاجة السامعين، وإنَّ مَنْ أَحَبَّ أن يكون نصحُه نافعًا وإرشاده مفيدًا؛ فلينظر إلى المنكرات الفاشية في الناس، والأمراض النفسيَّة المُنْتَشِرة فيهم، والحوادث الحاضرة الحديثة العهد بينهم، وليجعل شيئًا منها على حِدَّة موضوع خطابَتِه، ثُمَّ يُحْصِي ما في ذلك من الأضرار المالية والبدنية والخُلُقية والاجتماعية، ويعدُّها واحدًا واحدًا في ذهنه، ويدوِّنها بقلمه، ثم يستحضِر ما جاء في الموضوع من الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة وآثار السلف وأقوال الحكماء، مجيدًا فَهْم ذلك، شارحًا منه ما تمسُّ الحاجة إلى شرحه، ثم يشرع في تدوين الخطبة إذا أراد ذلك مضمِّنًا لها أثار هذا المنكر، وما جاء فيه عن الشريعة الغرَّاء، مراعيًا في أسلوب الخطبة ما يلائم عقول السامعين.

هذا إذا اقتضى الحال الترهيب من سيئة، أو التنفير من نقيصة، وإذا دعت الحاجة إلى الترغيب في نوعٍ من أنواع البرِّ، أو التحلي بفضيلة - فليجعل ما مَسَّت الحاجة إليه من أنواع الخير أو الفضائل موضوعَ الخطبة على حدةٍ، ثم يُفَكِّرُ في مزاياه ومنافعه العامَّة ويُحْصِيها عددًا، ثم يستحضر ما يلائم الموضوع من الكتاب والسنَّة، وما إلى ذلك من كلِّ ما يؤيِّده ويؤثر في نفوس السامعين من الدلائل الشرعية والعقلية والحسية، ثم إذا فرغ من تدوين الخطبة؛ فإن شاء استظهرها عن قلبه وألقاها، وإن شاء تكلَّم على مضمونها بما لا يخرج عنه إلا بمقدار ما يَعِنُّ له حالة الأداء ممَّا يَزِيدُ الموضوع بيانًا وجمالاً، والأحْسَنُ بِالمُرْشِد والخطيب الاجتماعي ألا يتقيَّد بعبارة خاصة؛ بل الأَلْيَق به بعد استحضار المعاني أن يؤدِّيَها بما يستطيع من العبارات والأساليب، وإذا اختار عدم تدوين الموضوع، واكتفى باستحضاره في ذهنه بعد التفكير فيه، ولم تَخُنْهُ ذاكرتَه عند الأداء - فذلك غاية الحسن ومنتهى الكمال.

وقَدْ جَرَت العادة بالتزام صورةٍ واحدة في الخطبة الثانية للجمعة؛ سَمَّوْها (خطبة النعت)، وتلك عادة غَيْرُ معروفةٍ عن السلف الصالح؛ فهي مُحْدَثَة وغير لائقة بهذا الموقف العظيم الأسبوعي؛ بل اللائق به العناية بالخُطْبَة الثانية كالأولى، وباب الإرشاد واسعٌ وميدانه فسيح، وللناس حاجة إلى الإصلاح من وجوهٍ كثيرة، وفي الشرع الشريف أغذيةٌ للعامَّة وأدويةٌ للخاصَّة، فلا يصعب على الخطيب أن يستحضر للخطبة الثانية كل أسبوع من الآيات والأحاديث أو الآثار أو الحكم البليغة ما يناسب موضوع الخطبة؛ كما ترى هذا جليًّا في نماذج الخطب المنبرية في كتابنا "هداية المرشدين".

هذا حال الخُطَب اليوم، وما يجب أن تكون عليه، وهذا داؤها ودواؤها كما هدتنا إليه التجربة وكثرة المران والممارسة، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.



[1] سورة الأعراف الآية: 179.

[2] سورة الفرقان الآية: 43، 44

[3] سورة الأنفال الآية: 22.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قتلني خطيب الجمعة!!

مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حال النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية السحب والغيوم وحالنا(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • حال النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية السحب والغيوم وحالنا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • عام الرمادة وحال المسلمين اليوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حال أهل الإسلام اليوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المساجد تبكي حال المسلمين اليوم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حالنا وحالهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان بين حالنا وحالهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • هذا حالي وحالك غدا(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- اصلاح الخطب الدينية
ميلود احمد فواتيح 24-02-2009 09:45 AM
شكرا لك اخى الكريم على احساسك بالوضع الراهن ولكن كيف السبيل الى اصلاحه مما علق به وقد تقلد المنابر من لايحسن الخطابة
1- من الكاتب؟؟؟
أبو محمد - مصر 15-08-2008 09:22 PM
جزاكم الله خيرا
لكن ..
ليتكم ذكرتم لنا اسم كاتب هذه المقالة أو مؤلف الكتاب المأخوذة منه!!
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب