عناصر الخطبة

عناصر الخطبة

بعد الاستقرار على موضوع الخطبة؛ يشرع الخطيب في تقسيمه إلى نقاط أو عناصر أو أفكار رئيسة.

وهذه الخطوة مهمة؛ حيث توضح له مساره في خطبته، وتضع له خطوطًا يسير عليها في تناول موضوعه، وبدون هذه الخطوة سيكون تناول الخطيب لموضوعه أشبهَ بمن يمشي على طريق بدون أمارات أو معالم واضحة، وسيضيع منه جهد كبير من غير إفادة له وللمخاطبين، بالإضافة إلى أن تحديد العناصر يسهّل له المهمة التالية وهي اختيار الأدلة، وجمع المادة العلمية، ويعينه على معرفة المصادر التي سوف ينهلُ منها.

وينبغي مراعاة أن تكون العناصر كلها في إطار الموضوع، وأن تتصل به اتصالًا مباشرًا، فإذا كانت العناصر كذلك ساعدت على تحقيق الوحدة الموضوعية للخطبة، وهذا من أهم عوامل نجاحها، وأما إذا كانت العناصر ليست ذاتَ اتصالٍ مباشر بالموضوع، أو خرج بعضها عن الموضوع؛ سيقع الخطيب في الاستطراد والحشو الذي لا يليق بالخطبة، وسيُفقِدها هذا صفة الوَحْدة الموضوعية، وهذا عيب كبير يجب التحرز منه، والتنزّه عنه.

ولْيحرصِ الخطيب عند تقسيم الموضوع إلى عناصر؛ أن تكون العناصر متسلسلة يسلم بعضها إلى بعض، وكل عنصر يكون بمثابة تمهيد لما بعده، وغيرَ منفصل عما قبله، حتى يصل إلى النتيجة التي يريدها على خير وجه، فإذا كان ضمن عناصره أنه سيتناول أسباب ظاهرة ما ثم علاجها، فالأمر الطبيعي أن تكون الأسباب مقدَّمة على العلاج، ولا يكون مناسبًا أن يتحدث عن علاج المرض قبل الحديث عن أسباب حدوثه، وهكذا.

ثم إن العناصر الرئيسة تتفرع عنها أفكار فرعية، فكل عنصر تحته مجموعة من الأفكار تعالجه، وتلقي الضوء عليه.

ولْيحذر الخطيب من تكرار الأفكار والعناصر، وكلما كان التغاير والتمايز واضحًا بين كل عنصر وآخر؛ كلما كانت المعالم أوضحَ، وكانت السلامة من الاستطراد والحشو أرجى، وإذا رأى تداخلًا بين عنصر وآخر أدغمهما معا، حتى يصفوَ له التمايزُ بين العناصر، ويتجافى عن التكرار.

ولْنُنزِّل هذا الكلامَ على مثال فنقول:

هَب أنك أردتَ أن تجعل خطبتك عن مشكلة اجتماعية، وحدّدت الموضوع مثلًا عن ظاهرة اغتصاب النساء التي تقع أحيانا في بعض مجتمعاتنا، فعليك أن تقسم موضوعك إلى عناصر أساسية تتفرع عنها أفكار ثانوية أو فرعية، ويمكن أن يكون التقسيم كالآتي:

العنصر الأول: مفهوم الاغتصاب ومدلوله، وحكمه في الشريعة الإسلامية:

وتحت هذا العنصر سوف تتطرق إلى تعريف الاغتصاب، وخاصة من خلال الواقع، بأنه عبارة عن زنا بالإكراه، ثم تأتي بنصوص من القرآن والسنة تبين من خلالها حُكمَه، ثم تنتقل إلى ذكر الإجماع على هذا التحريم.

العنصر الثاني: أسباب وقوع هذه الظاهرة في المجتمع الآن:

وتحت هذا العنصر سوف تعدد أسبابها وتبين أنها كثيرة، ومتنوعة ولا يتحملها طرف واحد، بل أطراف عدة، وربما يكون منها نفس الضحية المغتصبة، ومنها مثلًا لا حصرًا:

1- عدم التربية الإسلامية للنشء والشباب.

2- التبرج الصارخ، والعري الفاضح من كثير من النساء.

3- عدم التزام كثير من وسائل الإعلام بتهذيب الغرائز، وإشاعة جو الفضيلة.

4- الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء دون التزام بضوابط الشريعة الإسلامية.

5- عدم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة في مجال الحدود.

6- ترويج أعدائنا لمفاهيم الحضارة الغربية المادية الجاهلية، فيما يتصل بالأخلاق وغيرها بين الشباب المسلم بوسائل شتى.

7- وضع العراقيل في وجه كثير من الشباب الراغبين في الزواج والاستعفاف.

العنصر الثالث: كيف السبيل إلى العلاج:

وتحته ستذكر الأسباب الكفيلة بوقاية المجتمع المسلم من هذه الظاهرة وأمثالها، ومنها على سبيل المثال:

1- الاهتمام بتربية النشء والشباب تربية إسلامية، وإتاحة الفرص والأعمال النافعة التي توَجَّه فيها طاقاتُهم نحو الخير والبناء.

2- تجنيب الشباب ووقايتهم من كل ما من شأنه أن يثير غرائزهم.

3- توجيه وسائل الإعلام نحو تهذيب الغرائز، والدعوة إلى الفضائل، ومحاربة الرذائل.

4- عدم الاختلاط المستهتر بين الجنسين.

5- على من بيدهم الأمر؛ حكامًا كانوا أم آباء، أم مسئولين، الوقوف بكل حزم في وجه التبرج، وإلزام المرأة بما ألزمها الله به من التستر والحجاب.

6- تطبيق الشريعة الإسلامية، وخاصة في مجال الحدود، والضرب بقوة على أيدي ذئاب البشر، ولصوص الأعراض.

7- تيسير سبل الزواج أمام الشباب والشابات.

8- مواجهة التيارات التغريبية التي تعمل على انهيار الأخلاق بين فئات المسلمين المختلفة، وسد المنافذ أمامها.

هذا، وقد لا يكون في مقدور الخطيب أن يحدد عناصر الموضوع، لكونه جديدًا عليه، أو أن يكون الخطيب مبتدئًا، فهو خالي الذهن عن هذا الموضوع، فهنا ننصح بأن يطالع حول الموضوع ويقرأ عنه، ويحاولَ الإلمام به والتعرف عليه، وبعد هذا ستتضح له دروب الموضوع، وتتكشف أمامه جوانبه، وفي هذه الحال يأخذ في تقسيمه إلى عناصر، تمهيدًا للمرحلة التالية، وهي جمع الأدلة والمادة العلمية.