• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب الحرمين الشريفين / خطب المسجد الحرام
علامة باركود

خطبة المسجد الحرام 16/8/1433 هـ - الإحسان

الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد


تاريخ الإضافة: 20/12/2013 ميلادي - 16/2/1435 هجري

الزيارات: 14665

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإحسان

 

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله استخلفَ الإنسانَ في الأرض ليعمُرها، وخلق له ما في السماوات وما في الأرض وسخَّرَها، أحمده - سبحانه - وأُثني عليه والَى علينا نعمَه وآلاءَه لنشكُرَها، ومن رامَ عدَّها فلن يحصُرَها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ أرجو عند الله أجرَها وذُخرَها، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله رسمَ معالمَ الملَّة وأظهرَها، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه كانوا أفضلَ هذه الأمة وأكرمَها وأبرَّها، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - عز وجل - رحمكم الله -، وأخلِصُوا لربكم القصدَ والنيةَ فإنما الأعمالُ بالنياتِ، واجتهِدوا في الطاعة فقد أفلحَ من جدَّ في الطاعات، والزَموا الصدقَ في المُعاملة فإن دين الله في المُعاملات.


بادِروا - رحمكم الله - إلى ما يحبُّه مولاكم ويرضاه؛ ﴿ فكلُّ امرئٍ موقوفٌ على ما اقترفَه وجناه يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [النبأ: 40]، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].


أيها المسلمون:

كلمةٌ عظيمةٌ تتضمَّن معاني واسعة تدور حول صلاح الإنسان وفلاحه في معاشه ومعاده، ونفسه وأهله ومُجتمعه، وفي كل ما حوله من حيوانٍ ونباتٍ وجمادٍ. كلمةٌ تدخلُ في الدين والعبادة، والقول والعمل، والخُلُق والمظهر والسلوك. كلمةٌ عظيمةٌ لها مدارُها في التعامُل والتعايُش، ولها آثارُها في رأبِ الصدع، وتضميد الجراح، وغسلِ الأسَى، وزرعِ التصافِي، والدفع إلى التسامِي صُعُدًا في مكارم الأخلاق.


كلمةٌ إليها ترجع أُصولُ الآداب وفروعُها، وحُسنُ المُعاشرة وطرائِقُها. كلمةٌ هي غايةُ الغايات، ومحطُّ نظر ذوي الهِمَم العاليات. هذه الكلمة العظيمة يُوضِّحُها ويُجلِّيها حديثان صحيحان عن نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -:


أما الأولُ: فقد سأل عن هذه الكلمة جبريلُ - عليه السلام - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حين قال له: أخبِرني عن الإحسان. قال: «الإحسانُ: أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

 

وأما الحديثُ الثاني: فحديثُ أبي يعلَى شدَّاد بن أوسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ؛ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلَة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرَته، وليُرِح ذبيحتَه».

أخرج الحديثين: الإمامُ مسلمُ بن الحجاج في "صحيحه"، وأصحاب السنن.


معاشر الإخوة:

الإحسانُ مُشتقٌّ من الحُسن، وهو نهايةُ الإخلاص، والإخلاصُ على أكمل وجوهه من الإتقان والإحكام والجمال في الظاهر والباطن.


والإحسانُ في العبادة: أن تعبُد الله كأنك تراه، فهو قيامٌ بوظائف العبودية مع شهودك إياه. فإن لم تكن تراه فإنه يراكَ؛ أي: فتكون قائمًا بوظائف العبودية مع شهوده إياك.


إنه مُراقبةُ العبد ربَّه في جميع تصرُّفاته القولية والعملية والقلبية، علمُ القلب بقُرب الربِّ، فهو من أعلى مقامات التعامُل مع الله.


أيها المسلمون:

الإحسانُ مطلوبٌ في شأن المُكلَّف كلِّه؛ في إسلامه، وإيمانه، وفي عباداته، ومُعاملاته، وفي نفسه، ومع غيره، وفي بدنه، وفي ماله، وفي جاهِه، وفي علمِه وعمله.


وأولُ مقامات الإحسان: الإحسانُ في حقِّ الله - عز وجل -، وهو الإحسانُ في توحيده: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، فيُوحِّدُ المُسلمُ ربَّه على الشهود والعِيان كما عبدَه بالدليل والبُرهان.


ومن الإحسان في التوحيد: الرضا بمقادِر الله؛ فيُظهِرُ الرضا والقبول في المنع والعطاء: «عجبًا لأمر المُؤمن وأمرُه كلُّه خيرٌ؛ إن أصابَته سرَّاء شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاء صبرَ فكان خيرًا له، ولا يكونُ ذلك إلا للمؤمن».


وهل عوَّدك ربُّك - يا عبد الله - إلا إحسانًا؟! وهل أسدَى إليك إلا جودًا ومِنَنًا؟!


ومن الإحسان في توحيده: فهمُ العلاقة بين السببِ والمُسبِّبِ، «وإذا سألتَ فاسأل اللهَ»، فيتوجَّه العبدُ بقلبه لربه ربِّ الأرباب ومُسبِّب الأسباب طالبًا منه، مُعتمِدًا عليه، راضيًا عنه.


ومن الإحسان: تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في صدق محبَّته، ولزوم طاعته، وحُسن مُتابعته، وعدم مُجاوزة شرعه، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].


ومن الإحسان: إحسانُ العبد في عبادته ربَّه، والعبادة: اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإحسان العبادة: الإخلاص، والخشوع، وفراغُ البال، ومُراقبة المعبود؛ فللصلاة طهورُها، وآدابُها، وسُننها، وسكينتُها، وقُنوتُها، وطُمأنينتُها حتى تقول لصاحبها: حفِظَك الله كما حفِظتَني.


والإحسانُ في الزكاة والإنفاق: أن يُخرِج من طيِّب ماله بطِيبٍ من نفسه من غير منٍّ ولا أذًى، شاكرًا لربه فضلَه؛ إذ جعلَ يدَه هي اليدَ العُليا.


والإحسانُ في الصيام: الصومُ إيمانًا واحتسابًا، يدَعُ الصائمُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل ربِّه ومولاه، ولخَلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المِسك.


والإحسانُ في الحجِّ: أن يُهِلَّ الحاجُّ بالتوحيد، مُتمِّمًا الحجَّ والعُمرةَ لله، مُجتنِبًا الرَّفَثَ والفسوقَ والجِدالَ، فمن حجَّ ولم يرفُث ولم يفسُق خرجَ من ذنوبه كيوم ولدَتْه أمُّه.


أيها الإخوة الأحِبَّة:

وبعد حقِّ الله في الإحسان في توحيده وفي عبادته، وحقِّ رسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في الطاعة والمُتابعة يأتي الإحسانُ إلى عباد الله، ويأتي في المُقدِّمة الوالِدان: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].


ويتبَعُ الإحسانَ إلى الوالدَيْن: الإحسانُ إلى الرَّحِم وذوي القُربَى؛ بالبرِّ والصلة واللُّطفِ في القول والعمل، وليس الواصِلُ بالمُكافِئ ولكنَّ الواصِلَ من إذا قطعَت رحِمُه وصلَها.


ومن الإحسان: الإحسانُ إلى اليتَامَى والمساكين والضُّعفاء وأصحابِ الحاجات الخاصَّة؛ قولٌ ليِّن، وإنفاقٌ من غير منٍّ، ومُعاملةٌ من غير عُنف، وصادِقُ الخدمة، ورفعُ مُعاناتهم، وعدمُ التعالِي عليهم، والحَذَرُ من إشعارهم بما ابتُلوا به، ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10]، ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9].


وممن يتعيَّنُ الإحسانُ إليهم: الغُرباءُ وأبناءُ السبيل والوافِدون، فهم لا يعرِفون الأعرافَ الجارية ولا العادات السائدة؛ بل لا يعرِفون منكم إلا أخلاقَكم وحُسن تصرُّفكم.


ولا تغفَلوا عن الإحسان إلى المُعسَرين من المَدينين، فتكون المُطالَبة بالمعروف، والإنظارُ إلى ميسَرة، وتجاوَزوا لعلَّ الله أن يتجاوَزَ عنكم في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.


وأحسِنوا في بيعكم وشرائِكم، وحُسن التقاضِي فيما بينكم؛ فرحِمَ الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، وسمحًا إذا قضَى، وسمحًا إذا اقتضَى.


ومن الإحسان: الإحسانُ بترك المُحرَّمات واجتنابها بالكلية، والانتهاء عنها ظاهرًا وباطنًا، وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ [الأنعام: 120].


أما الإحسانُ إلى الحيوان؛ ففي كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ.


وللجماد نصيبُه من خُلُق المُسلم وإحسانه، وأُحُد جبلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه.


عباد الله:

أما قولُه - عليه الصلاة والسلام -: «فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلَة، وإذا ذبحتُم فأحسِنوا الذِّبحَة»، فهذا شأنٌ عظيمٌ في دين الإسلام، فالله أكبر؛ استحقاقُ القتل لا يُنافِي الإحسان في كيفيَّته وآلته. قال أهل العلم: ضربَ المثالَ بالقتل والذبحِ الذي ربما يُتوهَّم أنه في غاية البُعد عن الإحسان.


إن الإحسانَ في الإسلام يرسُمُ ويُرسِّخُ القِيَم الإنسانيةَ العُليا، ويترفَّعُ عن الأحقاد والضغائن، نعم؛ الذي يستحقُّ القتلَ قد لا يُفيدُه ولا ينفعُه ترفُّقُك به، وإنما تتجلَّى القيمةُ في سُمُوِّ إنسانية المُسلم وعلوِّ منزلة الأخلاق عنده.

 

إن خُلُق الإحسان هذا وعلى هذه الصفة هو الذي يُجسِّدُ التحضُّر والسُّلُوكَ الإنسانيَّ الراقي، ويتجلَّى الإحسانُ فيه، «الراحِمون يرحمُهم الرحمن»، «وما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه».


ومن اللطائف: ما ذكرَه بعضُ أهل العلم في قوله - سبحانه -: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾ [محمد: 4]، وفي قوله - عزَّ شأنه -: ﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ﴾ [الأنفال: 12].


قال أهل العلم: "إن المقصودَ الإحسانُ في القتل حتى في حال الحربِ والقتالِ والكُفرِ وشدِّ الوَثاق".


معاشر المسلمين:

ذو الإحسان ينطلقُ في ميادين الإصلاح الواسِعة يبذُلُ ما في وُسعه، ينشرُ الخيرَ والفضلَ والبرَّ في كل ما يُحيطُ به أو يمُرُّ به. المُحسِنُ عنصرٌ صالحٌ، ومُسلمٌ مُستقيمٌ مع نفسه ومع الآخرين، لا يصدُرُ عنه إلا ما يُحبُّه لنفسه ويرضاه للآخرين، وفي مسلَكه تزدادُ الحياةُ استقامة، والمحبَّةُ عُمقًا، وتسُودُ الثقة، وتنتشرُ الطُّمأنينةُ، فيكونُ الإنتاجُ المُثمِر، والسعادةُ الشامِلة.


المُحسِنُ شخصيَّةٌ مُهذَّبةٌ راقِيةٌ، يستبطِنُ بين جوانِحه جُملةً من مكارِمِ الأخلاق تدورُ بين العدل والإحسان وفقَ توجيهات الشرع وترتيباته وأولوياته.


الإحسانُ مِعيارُ قياس نجاح العلاقات، وثباتها، ودوامِها، وإذا كان العلُ أساسَ الحُكم وقيامِ الدول فإن الإحسانَ هو سبيلُ رُقِيِّها ورفعتِها وتقدُّمها، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].


ومن أجل هذا - عباد الله - كان جزاءُ الإحسان عظيمًا؛ فإن الله –عزَّ شأنه - أحسنُ صِبغة، وأحسنُ قيلًا، ومن أقرضَ اللهَ قرضًا حسنًا وأبلَى بلاءً حسنًا ضاعفَ له المثوبةَ أضعافًا كثيرةً، ومنَّ علينا - سبحانه - بالرزقِ الحسن والمتاع الحسن في الدنيا، والحُسنى وزيادة في الأُخرى، ولمن أحسنَ في هذه الدنيا حسنة، ومن هاجرَ إليه بوَّأه في الدنيا حسنة، ومن اقترفَ حسنةً زادَ له فيها حُسنًا، ومن سألَه في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً فله نصيبٌ مما كسَب، ومن صدَّق بالحُسنى ودعاه بأسمائه الحُسنى أعطاه في هذه الدنيا الحُسنى، وجعلَه من الذين سبقَت لهم في الآخرة الحُسنى.


وكلما كان الإيمانُ أكمل والعملُ أحسن كان الجزاءُ أوفَى والثوابُ أعظم، ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 34]، ﴿ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾ [الذاريات: 16]. وللمُحسِنات من النساء مثلُ ذلك: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 29].


وبعدُ، عباد الله:

فيقول الإمام النووي - رحمه الله -: "الإحسانُ هو عُملةُ الصدِّيقين، وبُغيةُ السالكين، وكنزُ العارفين، ودأبُ الصالحين، وهل جزاءُ من صبرَ على البلوَى إلا التقرُّبُ من المَولَى؟ وهل جزاءُ من أسلمَ قلبَه لربِّه إلا أن يكفِيَه ويحفظَه".


فإذا حكمتُم فاعدِلوا، وإذا تعاملتُم فأحسِنوا؛ فإن الله مُحسنٌ يحبُّ المُحسنين.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل: 30، 31].


نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهديِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله على توفيقه وإحسانه وإرشاده، والشكرُ له على توالِي فضلِه وازدياده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تقُودُ صاحبَها إلى فوزه وإسعاده، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ رُسُله وخيرُ عباده، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم معاده.


أما بعد، أيها المسلمون:

إن للإحسان آفاقه الواسِعة في هذه الحياة؛ فهو ميزانُها الدقيقُ في كل جوانبها؛ بل هو خُلُقٌ عظيمٌ يتجاوزُ المُعاملةَ بالمثلِ أو ردَّ الجَميل، أو الشكرَ على الصنيع، إنه يرتفعُ بصاحبِه ويسمُو به إلى أن يُحسِنَ للناس ابتِداءً ولو لم يسبِق له منهم إحسانٌ؛ بل يترقَّى إلى مرتبةٍ أعلَى حين يُقابِلُ إساءَتهم إليه بالإحسان إليهم، ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96].


مُقابلةُ الإساءة بالإحسان هي التِّرياقُ النافعُ في مُخالطَة الناس، والدواءُ الناجِعُ لإصلاحِهم وبثِّ الأمان فيهم. إحسانٌ تتحوَّلُ العداوةُ معه إلى صداقةٍ، والبُغضُ إلى محبَّة. الإحسانُ هو دواءُ السيئة وجزاؤُها من أجل أن تُسلَّ السخائِم، ويُقضَى على الضغائِن فينقلبُ العدوُّ صديقًا، ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].


يقول الثوري - رحمه الله -: "الإحسانُ أن تُحسِنَ إلى المُسيءِ؛ فإن الإحسانَ إلى المُحسِن تجارة"؛ أي: مُعاوَضة ومُقابلَة للإحسان بالإحسان، ومُقابلةُ السيئة بالحسنة شيءٌ عظيمٌ لا يُطيقُه إلا ذوو الهِمَم العالية، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . إنه صبرٌ جميلٌ، وتحمُّلٌ لأذى، وغُفرانٌ لإساءة.


ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فإن هذه المواقف النبيلة المُتسامِحة سُرعان ما تُعطِي ثمارَها، وتُؤدِّي نتائِجَها من الحبِّ والقَبول، كم هم النُّبلاءُ الذين يُقابِلون هذه الإساءات مهما بلغَت مساوئُها ومهما كانت آثارُها، والخلقُ كلُّهم عيالُ الله، فأحبُّهم إلى الله أنفعُهم لعياله؛ في يُسرٍ، ورفقٍ، وحُسن ظنٍّ وتجاوُزٍ.


هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه - قولًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبيِّ المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحِدة وسائر أعداء الملَّة والدين.


اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.


اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، وألبِسه لباسَ الصحةِ والعافية، وأمِدَّ في عُمره على طاعتك، واجمَع به كلمةَ المسلمين على الحق والهُدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.


اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى يا رب العالمين.


اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعَزُّ فيه أهلُ الطاعةِ، ويُهدَى فيه أهلُ المعصيةِ، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكَر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.


اللهم احفظ إخواننا في سوريا، اللهم احفظ إخواننا في سوريا، اللهم اجمع كلمتَهم، واحقِن دماءَهم، اللهم اشفِ مريضَهم، وارحم ميِّتَهم، وآوِي شَريدَهم، اللهم واجمع كلمتَهم، وأصلِح أحوالَهم، اللهم واجعل لهم من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافيةً.


اللهم انصرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظلَمة في سُوريا، اللهم إنهم قد طغَوا وبغَوا وآذَوا وأفسَدوا وأسرَفوا في القتل والطغيان، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعل الدائرةَ عليهم يا قوي يا عزيز.


اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرِمين، اللهم إنا ندرَأُ بك في نُحُورِهم ونعوذُ بك من شُرُورهم.


اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبوابَ القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا ودعاءَنا، وأصلِح أعمالَنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُب علينا، واغفر لنا، وارحمنا، يا أرحم الراحمين.


سبحان ربك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة المسجد النبوي 11/7/1433 هـ - فضل المدينة والمسجد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 13 / 12 / 1434 هـ - وصايا للحجاج في ختام الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 28 / 11 / 1434 هـ - أخلاقنا في الحروب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 21 / 11 / 1434 هـ - مظاهر العبودية لله في الحج(مقالة - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)
  • خطبة المسجد الحرام 14 / 11 / 1434 هـ - الفهم والإدراك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 7 / 11 / 1434 هـ - حسن التصرف والوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 23 / 10 / 1434 هـ - حقوق الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 16 / 10 /1434 هـ - أهمية الوحدة بين المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب