• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان ...
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الإسلام يدعو إلى الرفق
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    حسن الظن بالله من أخلاق المؤمنين
    د. نبيل جلهوم
  •  
    روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (30) «إن الله ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    خطبة: شكر النعم
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    فضل ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    شروط الصلاة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    لا بد من اللازم!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (29) «أخبرني ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ما يستثنى من الآنية وثياب الكفار والميتة من كتاب ...
    مشعل بن عبدالرحمن الشارخ
  •  
    الحديث الخامس: خطورة الرياء
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

يوم الحسرة (خطبة)

يوم الحسرة (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/8/2025 ميلادي - 3/3/1447 هجري

الزيارات: 7010

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوم الحسرة


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَالِقِ الْخَلْقِ، وَمَالِكِ الْمُلْكِ، وَمُدَبِّرِ الْأَمْرِ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَعَلَيْهِ الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ، لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَيُضَاعِفُ لِمَنْ أَتَى بِالْحَسَنَةِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيرٌ، وَإِنَّ الْكِتَابَ ﴿ لَا ‌يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الْكَهْفِ:49]؛ فَأَعِدُّوا لِذَلِكَ الْيَوْمِ عُدَّتَهُ؛ ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ‌فَمَنْ ‌ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ:8 - 9].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: يُسَمَّى يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْحَسْرَةِ؛ لِكَثْرَةِ التَّحَسُّرِ فِيهِ؛ ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ‌الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مَرْيَمَ:39]، «وَالْحَسْرَةُ: أَشَدُّ النَّدَمِ؛ حَتَّى يَبْقَى النَّادِمُ كَالْحَسِيرِ مِنَ الدّوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ»؛ «فَالْحَسْرَةُ: النَّدَامَةُ الشَّدِيدَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى التَّلَهُّفِ، وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْحَسْرَةِ يَوْمُ الْحِسَابِ، أُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى الْحَسْرَةِ؛ لِكَثْرَةِ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ تَحَسُّرِ الْمُجْرِمِينَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ كَأَنَّهُ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ الْحَسْرَةُ، فَهُوَ يَوْمُ حَسْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ فَرَحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّالِحِينَ»، «وَأَيُّ حَسْرَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَجَنَّتِهِ، ‌وَاسْتِحْقَاقِ ‌سَخَطِهِ وَالنَّارِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُتَحَسِّرُ مِنَ الرُّجُوعِ، لِيَسْتَأْنِفَ الْعَمَلَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى تَغْيِيرِ حَالِهِ بِالْعَوْدِ إِلَى الدُّنْيَا؟!».

 

يَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ تُصِيبُ أَهْلَ النَّارِ عَلَى مَا ضَيَّعُوا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَنَّهُمْ تَحَسَّرُوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ لَقَادَتْهُمْ حَسْرَتُهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَلَمَا تَحَسَّرُوا فِي آخِرَتِهِمْ عَلَى شَقَاءٍ أَبَدِيٍّ لَا يَنْقَطِعُ، فَاللَّهُمَّ عَفْوًا مِنْكَ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً.

 

وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحْضِرُ مَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ كَثْرَةِ الْحَسْرَةِ، وَيَعِظُ أَصْحَابَهُ بِهَا، وَيُخَوِّفُهُمْ مِنْهَا؛ لِيَعْمَلُوا مَا يُنَجِّيهِمْ مِنْ تِلْكَ الْحَسْرَةِ الدَّائِمَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ ‌كَبْشٌ ‌أَمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ‌الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَفِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ يَتَبَرَّأُ الْمَتْبُوعُ مِنَ التَّابِعِ، وَالْغَاوِي مِنَ الْمَغْوِيِّ، وَالشَّرِيكُ مِنَ الشَّرِيكِ، وَالْقَرِيبُ مِنَ الْقَرِيبِ، كَمَا ﴿ ‌يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴾ [عَبَسَ:34-36]، ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ‌حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [الْبَقَرَةِ:166-167].

 

وَمِنْ شِدَّةِ حَسْرَةِ الْمُتَحَسِّرِينَ، وَكَثْرَةِ مَا يَقَعُ مِنَ الْحَسْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّ الْمُتَحَسِّرِينَ يُنَادُونَ الْحَسْرَةَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمُنَادًى؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا ‌يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ:31]؛ «وَالْمَعْنَى: يَا حَسْرَتَنَا احْضُرِي؛ فَهَذَا أَوَانُكِ»، وَوَعَظَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِيَنْجُوا مِنَ الْحَسْرَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ‌يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزُّمَرِ:55 - 56].

 

وَمِنْ حَسْرَةِ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ، ‌لِيَكُونَ ‌عَلَيْهِ ‌حَسْرَةً» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَالَّذِينَ يَسْتَهْزِؤُونَ بِالرُّسُلِ وَرِسَالَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا يَعُودُ عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالْحَسْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ﴿ ‌يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [يس:30]، «وَالْمَعْنَى: أَنَّ اسْتِهْزَاءَ الْعِبَادِ بِالرُّسُلِ صَارَ ‌حَسْرَةً عَلَيْهِمْ؛ فَنُودِيَتْ تِلْكَ الْحَسْرَةُ تَنْبِيهًا لِلْمُتَحَسِّرِينَ».

 

وَمَنْ سَعَى فِي الصَّدِّ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُحَارَبَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ؛ كَانَ مَا فَعَلَهُ وَمَا أَنْفَقَهُ حَسْرَةً عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِظُهُورِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَصْرِ أَوْلِيَائِهِ، وَحَسْرَةً عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ حِينَ يُسَاقُ إِلَى الْجَحِيمِ؛ نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ ‌حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ:36].

 

وَالْمُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ يَكُونُ الْقُرْآنُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَفُوتُهُمُ الِاهْتِدَاءُ بِهِ، وَانْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِتِلَاوَتِهِ، وَالْخُشُوعُ عِنْدَ تَدَبُّرِهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ، وَأَمَّا حَسْرَتُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَحِينَ يَرَوْنَ ثَوَابَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، التَّالِينَ لِآيَاتِهِ، الْعَامِلِينَ بِأَحْكَامِهِ، الْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ، الْوَقَّافِينَ عِنْدَ حُدُودِهِ؛ ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ ‌لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الْحَاقَّةِ:48-50].

 

نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْحَسْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا ‌تُرْجَعُونَ ‌فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ:281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْكُفَّارُ يَتَحَسَّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى فَوَاتِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا تَنْقَطِعُ حَسْرَتُهُمْ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ، بَلْ تَكُونُ حَسْرَتُهُمْ عَذَابًا مَعْنَوِيًّا مُؤْلِمًا مُلَازِمًا لَهُمْ مَعَ عَذَابِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ يَتَحَسَّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى حَسَنَاتٍ فَرَّطُوا فِيهَا، وَسَيِّئَاتٍ اكْتَسَبُوهَا، وَلَكِنْ بِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ تَنْقَطِعُ حَسْرَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ نَعِيمٍ؛ ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ ‌يَحْزَنُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ:69]، وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ فَرَّطَ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَتَحَسَّرُ عَلَى فَوَاتِهِ؛ كَمَا أَنَّ كُلَّ سَيِّئَةٍ عَمِلَهَا يَتَحَسَّرُ عَلَيْهَا، وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَحَسَّرُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَتَرْكُ أَخْذِ الْقُرْآنِ سَبَبٌ لِلْحَسْرَةِ، وَلَا سِيَّمَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، ‌وَتَرْكَهَا ‌حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَيَتَحَسَّرُ تَارِكُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى مَا يَفُوتُهُ مِنْ ثَوَابِهَا؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ الْعِنَايَةُ بِهَا تِلَاوَةً وَحِفْظًا وَتَدَبُّرًا.

 

وَالْمَجَالِسُ الَّتِي تَخْلُو مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ حَسْرَةً عَلَى أَصْحَابِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، إِلَّا ‌كَانَ ‌عَلَيْهِمْ ‌حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

 

وَمَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَضَيَّعَهُمْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وَبَالًا عَلَيْهِ وَحَسْرَةً فِي الْآخِرَةِ؛ لِتَعَلُّقِ مَنْ ضَيَّعَهُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرِيدُونَ حُقُوقَهُمْ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَسَتَصِيرُ ‌نَدَامَةً ‌وَحَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا.

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَذَكَّرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحَسْرَةِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَيَجْتَهِدَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُنْجِيهِ مِنَ الْعَذَابِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غضب الله تعالى (خطبة)
  • القوة في العبادة (خطبة)
  • عرفة والنحر والتشريق (خطبة)
  • من أحكام السلام (خطبة)
  • عداوة الكفار للمؤمنين (خطبة)
  • النصر بالصبر (خطبة)
  • فضول الكلام (خطبة)
  • إزالة الغفلة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: بداية العام الهجري وصيام يوم عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الشهود يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بناء الشخصية الإسلامية في زمن الفتن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/3/1447هـ - الساعة: 13:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب