• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مصارع العُشَّاق: تشخيص الداء، ووصف الدواء (WORD)
    د. لحرش عبد السلام
  •  
    الصدقات سبب في نزول البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس الثامن والعشرون: حقوق الزوج على الزوجة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    بناء الإنسان قيمة حضارية (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    أيها الداعي! اعزم مسألتك وعظم رغبتك (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    أفضل الخلق بعد الأنبياء (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    العام الجديد والتغيير المنشود (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عام تصرم وعام يتقدم (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    فضل صلاة الضحى
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    حر الصيف (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    وما خرفة الجنة؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    معنى كلام خديجة رضي الله عنها
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    حياة من الجن وجن من الحيات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    شروط الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / تربية الأولاد
علامة باركود

بناء الإنسان قيمة حضارية (خطبة)

بناء الإنسان قيمة حضارية (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2025 ميلادي - 5/1/1447 هجري

الزيارات: 419

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بناء الإنسان قيمة حضارية


الحمد لله الذي خلق الإنسان وألهمه، وأكرمه ونعَّمه، وأمده بالعقل السليم وقوَّمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها الرفعة والمغفرة، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، جعل الحنيفية دينه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أهمية الحديث عن بناء الإنسان:

أيها المسلمون: إن الإنسان هو أساس كل حضارة بشرية، فهو الأصل، وهو المادة الخام، وهو الجذر الذي تتفرع منه كل المجالات الأخرى لتنمو وتزهر، وهو بمثابة قطرات الماء التي تبعث الروح من جديد في شجرة الحضارة.

 

والإنسان السويُّ الصالح صناعةُ الدين، وثمرة الأخلاق، ونتيجة التربية الطويلة عبر الأيام والليالي والسنين، وهو مثل البناء الراسخ بثباتٍ مع عواصف السنين والأيام.

 

هذا الإنسان لا يرقى بلباسه المنمَّق، وقصاصات شعره، وفخامة بيته وسيارته، بل يرقى بتربيته وتكوينه، وإعداده وبنائه، ليكون إنسانًا سويًّا، عابدًا لله عن إرادة واختيار، عارفًا بواجباته أمام ربِّه ودينه، ونبيه وأمته، مقتدرًا على أدائها بإتقان وإحسان، وهذا مقصد دينيٌّ عام، تسعى لتحقيقه العقيدة والعبادات والأخلاق، وجميع أحكام الشريعة المختلفة.

 

لكن الإنسان في هذا الزمان قد تاه عن مساره، وأصبح ممزقًا حائرًا وتائهًا، لبعده عن مناهج الوحي الخالدة الرامية لتكريم الإنسان، وتربيته وإسعاده بتحمُّله أمانةَ الاستخلاف في الأرض.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن بناء الإنسان:

أيها المسلمون: لقد وضع القرآن الكريم الإنسانَ في قلب الكون والحياة، يكرمه ربه ويستخلفه، ويحاوره ويعاتبه، ويلتمس له العذر ويغفر له؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]، وقال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37].

 

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

 

الشخصية التي يريد بناءها القرآنُ هي التي لا تفرح بَطَرًا، ولا تحزن حزنًا محبطًا، ولا يصيبها الغرور، ولا تقبل الدنيَّة والهوان، إذا واجهت صعاب الحياة؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: 9 - 11].

 

ويدعو القرآن الكريم إلى بناء إنسان قويٍّ صلب لا تُزعزعه الخطوب، ولا ينكسر أمام الحوادث، فيجلس محطمًا لا يهتدي سبيلًا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].

 

ويتحدث القرآن عن بناء الشخصية الإنسانية السليمة التي تقوم على منهج التواضع؛ قال الله سبحانه: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18].

 

وفي السنة النبوية المطهرة ما يدل على البناء النبوي للإنسان المفعم بمعاني التربية الإيجابية، الفيَّاض بالود، المرسوم بالتقدير؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمرُ، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبَيُّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبل، ألَا وإن لكل أمة أمينًا، ألَا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح))؛ [السلسلة الصحيحة].

 

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهمل بناء الإنسان؛ عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يذهب الصالحون الأولَ فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالةً))؛ [رواه البخاري].

 

بناء الإنسان السويِّ:

 

أيها المسلمون: لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرَّمه وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلًا، وجعله خليفته في أرضه، وجعل من سلالته الأنبياء والرسلَ، كما أعطاه من العقل والروح والأحاسيس والمشاعر ما لم يُعطِ أحدًا من العالمين؛ فالروح والنفس والعقل والقلب، هِبة ومدد، عطايا ونِعم جليلة لا تُقدر بثمن، تكرَّم بها الباري سبحانه على الإنسان، وبها ارتقى وسما بمكانته بين سائر المخلوقات، لقد تجلَّت قدرة الخالق العظيم حين خلق الإنسان، فصوَّره فأحسن صورته، وأودع فيه طاقة العلم والإرادة، والحكمة والقوة والعقل؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 6 - 8].

 

إن الإنسان السويَّ أمنية العقلاء، ومبتغى القادة العظماء، فقد جلس عمر بن الخطاب إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: "تمنَّوا؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله، ثم قال عمر رضي الله عنه: تمنَّوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجواهرَ أنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر رضي الله عنه: ولكني أتمنى رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله"؛ [المستدرك للحاكم، والحلية].

 

رحم الله عمر المُلهَم، لقد كان خبيرًا بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.

 

إننا نعني ببناء الإنسان التربيةَ السوية التي تُخرج رجالًا يعرفون أن الدين دينُ أعمال لا دين أقوال؛ نريد الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خُلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، فلا تُقاس الجماعات والدعوات والأمم بكثرة المنتسبين إليها، بقدر ما تقاس بنوعية الفرد من حيث صحة فهمه، وسلامة عقيدته، وقوة إيمانه، ونبل أخلاقه، وتمسكه بمبادئ دينه وأصوله ومقاصده، إن التربية تعني صناعة الرجال والنساء من أجل التحقق بمواصفات محددة، إذا تمثَّلها الفرد وتحقق بها حقيقةً، تعكس الوجه الحضاري المشرق لهذا الدين، فما أحوج أمة الإسلام إلى تربية أفرادها على هذه القوة وهذا السمت!.

 

إن بناء الإنسان السويِّ وصياغة عقليته ونفسيته، وتنشيط بدنه، وتحريره من كل السلبيات والرواسب، وبعث روح الإيجابية فيه، متشبعًا بالقيم والمبادئ، متمكنًا من العلوم والمعارف، متفهمًا لواقعه، متزنًا معتدلًا، شخصًا ربانيًّا، مرتبطًا بربه ارتباطًا متينًا، يؤثِر الخالق على الخَلق، والآخرة على الدنيا، وباعثَ الدين على باعث الهوى، ذا همةٍ وأخلاق عالية، يفهم جيدًا رسالته في الحياة، ويعي ما يدور في محيطه المحليِّ والعالمي، ويفقه موازين القوة من حوله، ويعرف كيف تُدار شؤونه، إيجابيًّا على مستوى التفكير والمشاعر، أو على مستوى المواقف والسلوك، أو على مستوى الإنجاز وترك الأثر الطيب، فهو إنسان يتقن لغة المبادرة والتحرك، والعمل والإنتاج.

 

أضرار إهمال بناء الإنسان:

أيها المسلمون: إننا عندما نهمل بناء الإنسان، سننفق أضعاف ذلك في معالجة الأزمات التي تنشأ من غيابه، ألَا ترَون كيف تغير الحال وتبدُّل المآل؛ حيث صارت الحضارة المعاصرة يملؤون الزمان بشنيع أفعالهم ورديء أخلاقهم، وأشاعوا الكذب والمخادعة لكل العالم ليوهموا العقول الكليلة بأن الحضارة المعاصرة قد حقَّقت لبنيها السعادة والعافية والرقيَّ الأخلاقي، وهذا وهم وضرب خيالٍ، بل إنه هو عين المحال.

 

ألَا ترَون إلى إنسان هذا الزمان وقد أهمل بناءه، قد أمات في نفسه جمال الإنسانية التي كان عنوانها نقاءَ السريرة، وطهارة القلب، وسلامة الضمير؟ وتلك خسارة تجلُّ عن الوصف؛ لأن نقاء القلوب موجِب لجنَّات علَّام الغيوب؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ، ولا غلَّ ولا حسد))؛ [صحيح ابن ماجه]، والله عز وجل يقول: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89].

 

وقد سرق الزمن منه أحلى ما كان يكتنزه في قلبه من حلو المعاني، فقنص منه الأُلفة الصادقة ليسودَ الود المصطنع، والناس قد قلعوا المحبة، وزرعوا الشِّقاق والنِّفاق، وذلك كله هدم للإنسانية.

 

إنسان هذا الزمان لما أهمل بناء الإنسان ابتُلي بحب الدنيا حتى النخاع، وترابها ومناصبها، وصار متيمًا بالاستعلاء الوهمي فيها، وهو بهذا يهدم في نفسه الأمل والعمل لركنه الباقي في جنات الخلود؛ قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].

 

إنسان هذا الزمان عندما أهمل بناءه، ظهرت لنا الشخصية الإمَّعة، وانتشرت انتشارَ النار في الهشيم على كل المستويات، فتجد من كبرائنا وحكَّامنا ومسؤولينا من هو إمعة لغيره، راكعٌ لهم، مستسلم لقوانينهم، آخذٌ لأفكارهم وآرائهم بغير تمحيص ولا تدقيق، يتبعهم كما تتبع الذبيحة جزارها، مع أنها ترى السكين بيده، وهكذا هؤلاء يتبعون ألدَّ الأعداء، وينفذون على الأمة قراراتهم في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيره، ولو وقفوا مع أنفسهم وتركوا هذه التبعية والإمعية، لَمَّا أصابهم هذا الذل والهوان لأعداء الله وأعداء دينه؛ يقول الله سبحانه وتعالى في وصفهم وذمهم: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171].

 

عندما أهمل بناء الإنسان، سقطت منه في زحمة الحياة لوازم الأدب وأمارات الذوق العام والشخصي، فلم يعُد يفرِّق بين أدب العطاس وما يشبهه، وبين آداب الطعام، وافتقد الجانب السلوكيَّ الشخصي، والداهية الكبرى أن كل فرد يتوهم أنه دستور أدبٍ، وحجة في باب الذوق والسلوك، ولكنه الإهمال في بناء الإنسان.

 

عندما أهمل بناء الإنسان في هذا الزمان، أخرج لنا إنسانًا مشوَّهًا، مريضًا بدَاءِ الاستحواذ على حقوق الآخرين وأدوارهم في مجال التفاخر والتشريف فقط، وجاحدًا يريد اصطياد مكانة العابد، والتاجر الجشع يريد إقناع الناس كذبًا بأنه الصادق الأمين.

 

عندما أهمل بناء الإنسان، ظهر لنا من الخلق من قد صمُّوا آذانهم، وأغلقوا مواطن الفهم من عقولهم، وهم ما زالوا سابحين منذ زمان في بحار البعد عن صحيح التدين، ناهيك عن جماليات الإنسانية المنشودة، ومكمنُ البلاء هو توهُّمهم أنهم على قافية الهداية والصلاح والإنسانية منذ أزمان، وربما أنهم وقفوا على شواطئ الفهم للآيات والأحاديث، بيدَ أنهم أهل بلادةٍ وعدم إجادة في باب الإنسانية والتدين المنشود، وكلما تقدم إليهم أحدٌ، رفضوه؛ لتوهمهم أنهم على الدوام أهل الصواب، وهذا من أعظم أضرار إهمال بناء الإنسان.

 

أيها الأحِبة: إن صلاح الكون وصلاح الحياة بصلاح بناء الإنسان، وذلك بأن يستقيم على أمر الله في كل شؤون حياته؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

إننا نريد بناء الإنسان على قواعد وأسس متينة، وتقوى من الله، ممتثلين المنهجَ القرآنيَّ في وصف الإنسان السويِّ في بنائه؛ قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29].

 

كيف نبني الإنسان السويَّ في هذه الحياة؟

أيها المسلمون: كتب الروائيُّ البرازيلي الذائع الصيت (باولو كويلو) قصةً وجيزةً بليغةً؛ يقول فيها: كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكفَّ عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه، قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها إلى قطع صغيرة وقدَّمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة صحيفته، ظانًّا أن الطفل سيبقى مشغولًا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقةً حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة، فتساءل الأب مذهولًا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلًا: لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم.

 

ولذلك إذا أردنا بناء الإنسان، فإننا سوف نعيد بناء العالم؛ ولذلك نحن بحاجة إلى الأمور الآتية لإعادة بناء الإنسان:

أولًا: التربية منذ الصغر:

إن بداية بناء الإنسان تبدأ بالتربية منذ الصغر، منذ نعومة أظفاره، على الأخلاق والمُثُل بطريقة علمية صحيحة، ولا يمكن زرع المبادئ إلا في الجيل الصاعد القابل للتوجيه والتأهيل، حتى نتمكن من قطف الثمار على المدى البعيد أو المتوسط، مع الصبر والاستمرارية، فتسلُّق الجبل لا يتم إلا من السفح، وطلوع المبنى الشاهق لا يتم إلا من الطابق الأول.

 

ثانيًا: تعريف الإنسان بمنهج العقيدة الصحيحة:

ومنهج العقيدة الصحيحة في بناء الإنسان يقوم على تعريف الإنسان بحقيقة نفسه وطبيعتها وماهيتها، ثم بالإجابة عن الأسئلة الكبرى الملحَّة عندها، تلك التي تجعلها تعيش في قلق وحيرة تجاهها، وهي: من الذي أوجدني؟ وما هي الغاية التي لأجلها وجدت في هذا الكون؟ وإلى أين المصير؟ وما هي النهاية؟ كما تعمل العقيدة الصحيحة على تزكية النفس وتطهيرها من كل ما يشوبها ويفسدها؛ قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7 - 10].

 

ثالثًا: تحرير عقل الإنسان:

من كل الأوهام والخرافات التي علِقت به مع مرور السنين والأعوام، وتفريغه من كل المقررات السابقة التي لم تُقم على يقين، ودفع العقل إلى البحث والتفكير، وحثه على التأمل والتدبر في ملكوت الله عز وجل؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164].

 

رابعًا: رفع منسوب التقوى في النفوس:

والتقوى تعبر عن المراقبة الذاتية، وتعني إيجاد بناء الإنسان الصالح؛ قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].

 

إن التصور التفصيليَّ لماهية التقوى مقارنةً بغيرها من القيم أو المواقف الأخلاقية، لَيؤكد أنها وصف أخلاقي إيجابي جامع، وذو بعد ديني، والاتصاف بها يجعل للإنسان وقايةً من المساوئ في الدنيا؛ فهي تجلب للإنسان حمايةً مستمدةً من الله ومن الأرحام، وتجلب في الآخرة النعيم، فهي خير ما يغنمه الإنسان في حياته؛

 

ويمكن تحديد عناصر تضبط معناها:

1- أن التقوى وصف يتعلق بشخصية الإنسان ككل، وليس بفعل محدد من الأفعال التي يقوم بها.

2- أن الموصوف بالتقوى يمتلك قوةً وحصانةً في شخصيته.

3- يترتب على التقوى في المستقبل الدنيوي والأخروي آثارٌ إيجابية في بناء الإنسان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بناء الإنسان.. بناء الحضارة
  • الرواية ورشة بناء الإنسان
  • بناء الإنسان: بدء فعاليات اليوم الأول لدورة "المعلم القدوة"
  • محو الأمية بداية بناء الإنسان
  • محطات تربوية لبناء الإنسان
  • أهمية غرس القيم وأثرها في بناء الإنسان الصالح
  • الإيمان بالجزاء والعقاب يوم القيامة وأثره في بناء الإنسان: خاطرة عابرة

مختارات من الشبكة

  • منظمة بناء الإنسان تفتح دار أيتام بناء في كركخان - تركيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بناء إنسان.. بناء مجتمع(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: العشر من ذي الحجة وبناء الإنسان(مقالة - ملفات خاصة)
  • بناء النفوس أولى من بناء القصور (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جوانب بناء الشخصية الإسلامية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العقل وبناء الإنسان(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • كيف يربي الإنسان ذاته بناء على طبيعة خلقته؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملتقى دعوي جديد بالفلبين لمنظمة بناء الإنسان للمسلمين وغير المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الفلبين: منظمة بناء الإنسان بالفلبين تنفذ قافلة طبية دعوية بقرية سانتا مونيكا - بالاوان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أريد دراسة علم يختص ببناء الإنسان وسلوكه(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/1/1447هـ - الساعة: 14:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب