• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء (خطبة)

نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/5/2025 ميلادي - 7/11/1446 هجري

الزيارات: 2949

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء

 

نص الخطبة:

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلَّمه الحلال والحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله الفرد الصمد المتعالي عن النقائص، المتفرد بالكمال، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيا أيها المسلمون، يقول الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

ففي هذه الآية الكريمة يؤدب الله هذه الأمة فينهانا ويحرم علينا السخرية بالناس، وهي: احتقارهم والاستهزاء بهم واستصغارهم، والمعنى: أنه يجب أن يعتقد كل إنسان أنه ربما كان المسخور منه عند الله خيرًا من الساخر؛ لأن الناس لا يطَّلِعون إلا على ظواهر الأحوال، ولا علم لهم بالخفيات، وإنما الذي يزين عند الله طهارة الضمائر وتقوى القلوب، وليس لهم اطِّلاع على ذلك؛ لأنهم عن علم ذلك محجوبون.

 

وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسَدوا ولا تناجشوا، ولا تَباغَضوا ولا تَدَابروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بَيْع بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمُه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاثَ مرات - بِحَسْب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعِرضُه)).

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا كما عند الإمام مسلم: ((بحَسْب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم)).

 

فإن السخرية بالناس خُلُق ذميم اتصف به من أبغضهم الله تعالى ومقتهم من الكفار والمنافقين، وقد ذكر الله تعالى سخريتهم بالمؤمنين، واستهزاءهم بهم، ولمزهم لهم، والحط منهم: فالكفار من قوم نوح عليه السلام كانوا يسخرون منه وممن اتَّبَعه من المؤمنين ﴿ وَيَصْنَعُ الفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾ [هود: 38] وهكذا كان دَأْب الكافرين في كل الأمم يسخرون من رُسُلهم كما أخبر الله تعالى عنهم ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الزُّخرف: 7]، وفي الآية الأخرى ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [يس: 30].

 

وأما سخريتهم بالمؤمنين فجاء خبرها في قول الله: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [البقرة: 212]، وفي الآية الأخرى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [المطففين: 29-30].

 

ويقولون ساخرين بالمؤمنين، محقرين لشأنهم، مصغرين أمرهم: ﴿ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الأنعام: 53].

 

وأما المنافقون فهم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام من الحق والهدى ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]، وفي الآية الأخرى ﴿ يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 64]، وفي مقام آخر قال الله عنهم: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79].

 

وسيجد الكفار والمنافقون يوم القيامة عاقبة سخريتهم بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام، وحينها يعرفون أن من كانوا يسخرون منهم كانوا هم أهل الحق والهدى، وأنهم هم أهل الباطل والضلال، وذلك حين يقال لهم: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 109-111].

 

ويعجبون يوم القيامة حين لا يرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا معهم في النار، وقد كانوا يظنون أنهم على ضلال ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ ﴾ [ص: 62-63].

 

ويكون الضحك في الآخرة للمؤمنين حين يدخلون الجنة فيرون ما هم فيه من النعيم العظيم المقيم، ويرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا من الكفار والمنافقين في العذاب الأليم المهين ﴿ فَاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين: 34-36]، نعم والله قد ثُوِّبوا وجوزوا بأعظم العذاب، وأشد النكال على كفرهم ونفاقهم، وعلى سخريتهم بالمؤمنين في الحياة الدنيا، نعوذ بالله من حالهم ومآلهم.

 

وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخَلَّق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره))؛ رواه مسلم.

 

والسخرية من الناس تنمُّ عن كبر في قلب صاحبها، وتعالٍ على من سخر بهم، فلا يرى لهم عليه حق التوقير والاحترام، ويأنف من أُخُوتهم وهم إخوانه في الدين، والكبر من كبائر الذنوب، وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، ثم فسر عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه ((بطر الحق وغمط الناس))، وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص.

 

وقد يكون الدافع إلى سخرية المرء بأخيه المسلم: حسده له على نعمة لم يبلغها، ويرى أن أخاه لا يستحقها، فيبلغ به حسده، وظلمة قلبه عليه أن يسخر من أخيه ويحتقره ويتنَقَّصه؛ ليحط من قدره، وينزله من مكانته، ويعلي من شأن نفسه، ويلفت الأنظار إليه، ولسان حاله يقول: أنا أحقُّ به من نعمته.

 

والسخرية تقود إلى الغيبة، وهي من كبائر الذنوب، فقد لا يستطيع السخرية بحضرة أخيه، فيسخر به من ورائه؛ فتكون سخرية وغيبة، ويكون هو بمثابة من أكل لحم أخيه ميتًا.

 

وصاحب السخرية لا بد أن يكون همَّازًا لمَّازًا، واللمز هو المباشرة بالسوء والمكروه، والمواجهة بالقدح والعيب، ويكون بالقول. والهمز يكون بالفعل كأن يعيبه بالإشارة بالعين أو بالشدق أو بالرأس بحضرته أو عند تولِّيه.

 

وهذان الخُلُقان الذميمان اتصف بهما بعض المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فكانوا يهمزونهم ويلمزونهم، فأنزل الله تعالى فيهم سورة الهمزة ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1] وتوعَّدهم فيها بنار الله الموقدة ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ [الهمزة: 7-9].

 

فالهمَّاز اللمَّاز في الناس متصف بصفات المشركين، مُتخلِّق بأخلاق أهل السعير، ويناله من الوعيد في ذلك بقدر همزه ولمزه في إخوانه المسلمين. كما أن الهماز قد أخذ من الشياطين بعض صفاتهم التي أمر الله تعالى نبيَّه أن يتعوَّذ بالله تعالى منها ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 98]. فالهمَّاز من الشياطين يطعن بني آدم بالصرع والمس، والهمَّاز من البشر يطعن أخاه بالعيب والنقص.

 

والهمَّاز قد يسعى بالنميمة وهي من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تعالى نبيَّه عليه الصلاة والسلام منه ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10-11].

 

وإذا فشت السخرية في الناس تنابزوا بالألقاب، وعيَّر بعضهم بعضًا، فتنافرت قلوبهم، وانحلَّت روابطهم، فتَعَادَوا وتهاجروا، وتدابروا وتباغضوا، ولم يكونوا عباد الله إخوانًا؛ ولذا نهاهم الله تعالى عن التنابز بالألقاب، والتنادي بالعيوب والمعاير ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ ﴾ قال أبو جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه: "فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11]، قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فأنزلت هذه الآية"؛ رواه أبو داود.

 

ولما عَيَّر أبو ذر رضي الله عنه رجلًا بأُمِّه غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ((يا أبا ذر، أعيرته بأمه؛ إنك امرؤ فيك جاهلية))؛ رواه البخاري.

 

ولما عابت عائشة صفية رضي الله عنهما غضب النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وبين لها عظيم ما فعلت؛ كما روت عائشة رضي الله عنها فقالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من صفية كذا وكذا -تعني قصيرة-"، فقال: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))، قالت عائشة رضي الله عنها: وحكيتُ له إنسانًا، فقال: ما أحب أني حكيتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا))؛ رواه أبو داود.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فالسخرية سببٌ للعداوة والخصومات، وقد ينتج عنها سباب واعتداء بالقول والفعل والمقاتلة؛ لأن الساخر قد يتمادى في سخريته، فلا يحتمل أخوه منه سخريته، فينتصر لنفسه بالقول أو بالفعل. وكم من خصومات ومشاجرات أضرَّت بأصحابها، ولربما كان فيها قاتل ومقتول، كانت شرارتها الأولى استهزاء أحد الخَصْمين بالآخر، نفخ الشيطان في نارها حتى آلت بأصحابها إلى المقاتلة!

 

وبهذا يتبين لكل عاقل أن السخرية بالناس باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائنَ وأحقادًا وعداواتٍ، ويكفي رادعًا عن السخرية بالآخرين أنها من صفات أهل النار من الكفار والمنافقين، فحَرِيٌّ بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقَّى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمَّازين اللمَّازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 162].

 

فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].

 

أيها الناس، كان سلفنا الصالح رحمة الله تعالى عليهم يتوقون عيب غيرهم وقدحهم، والسخرية بهم، والحط منهم؛ حفاظًا على الأخوَّة، وتأليفًا للقلوب، وخوفًا من الإثم، وحذرًا من الوقوع في عيوب أهل العيوب، وكان ابن مسعود رضي الله عنه من أشدِّ الناس في ذلك حتى نقل عنه قوله: "لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبًا"، وكان رضي الله عنه يقول: "البلاء موكل بالقول"؛ رواهما ابن أبي شيبة.

 

وجاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: "لو رأيت رجلًا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه خفت ألَّا أموت حتى أرضعها"؛ رواه ابن أبي شيبة.

 

وكان إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول: "إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله".

 

وقال يحيى بن جابر رحمه الله تعالى: "ما عاب رجلٌ رجلًا قطُّ بعيب إلَّا ابتلاه الله بمثل ذلك العيب"، وهذا واقع مشاهد، وقد يجده الإنسان في نفسه، فيسخر من شخص في صفة اتصف بها، أو فعلة فعلها، ثم إذا هو يفعل مثل فعلته، ويتخلق بصفته التي عابها منه، أو ضحك بسببها عليه، ويكون ذلك عاجلًا أو آجلًا، فإن لم تصبه أصابت ولده حتى يراها فيه، وهذا جزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربُّك أحدًا.

 

فرحم الله عبدًا حفظ لسانه عن الهمز واللمز والسخرية بالناس، واشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره ((والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، ولله دَرُّ يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى حين قال: ((من سلم منه الخلق رضي عنه الربُّ)).

 

فاتقوا الله في أنفسكم، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا يبغ أحدكم على أخيه، ولكم في رسول الله قدوة حسنة؛ فقد كان يدعو الناس بأحسن أسمائهم، وكان يعجبه أن يدعى الرجل بأحسن ألقابه، واحذروا السخرية بالناس، والاستهزاء بهم، ولا يستهن أحدكم بأخيه المسلم، وتذكروا دائمًا قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

فاتقوا الله وكونوا إخوانًا مُتحابِّين، وعلى الخير متعاونين، ولا تَفَرَّقُوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واعلموا أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم؛ كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، فاتقوا الله في إخوانكم، وارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء.

 

واعلموا أن من اعتدى على إنسان وسخِر به، أو استهزأ به، أو انتقص من حقِّه، وأنتم تسمعون؛ فإنه يجب عليكم أن تدافعوا عن أخيكم، وأن تردوا الجاني على أعقابه، فهذا من كمال الإيمان، كما قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

اللهم وابعد عنا الربا وكرِّههُ إلينا، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أربى الربا انتهاك عرض المسلم))، اللهم إنا نسألك أن تبعد عنا الربا بأنواعه، والزنا، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن جميع بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم واهدهم صراطك المستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكم السخرية والاستهزاء بالآخرين
  • تحذير العباد من داء السخرية والاستهزاء (خطبة)
  • السخرية والاستهزاء بالآخرين
  • السخرية والاستهزاء (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا)
  • حفظ اللسان عن كثرة المزاح والسخرية والاستهزاء
  • السخرية والاستهزاء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قواعد فهم النصوص الشرعية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إذاعة عن السخرية والاستهزاء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطر السخرية والاستهزاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ومضات مع كتاب: السخرية والاستهزاء بين حرية الرأي واحتقار الآخر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحذير المسلمين عن السخرية والاستهزاء بالدين(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • المكر والخديعة والسخرية والاستهزاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سب العلماء والطعن فيهم والاستهزاء بهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين الاقتداء والاستهزاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زوجتي كثيرة الصراخ والاستهزاء(استشارة - الاستشارات)
  • تعظيم الأمر والنهي الشرعيين في نفوس المتربين(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب