• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أقسام المشهود عليه
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشهادتان - شهادة: أن لا إله إلا الله
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تحريم النذر لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تخريج حديث: أن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك 1446هـ (من وضع ثقته في ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    { فلا اقتحم العقبة }
    ماهر غازي القسي
  •  
    خطبة العيد بين التكبير والتحميد
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    تفسير: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات صحة القلب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    علو الهمة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    المرأة في القرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    مع العيد... يتجدد الأمل
    افتتان أحمد
  •  
    وانتهى موسم عشر ذي الحجة (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الميلاد الجديد: التوبة (خطبة)

الميلاد الجديد: التوبة (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/4/2025 ميلادي - 6/10/1446 هجري

الزيارات: 3506

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الميلاد الجديد

(التوبة)

 

الحمد لله الذي لا ناقض لما بناه، ولا حافظ لما أفناه، ولا مانع لما أعطاه، ولا رادَّ لما قضاه، ولا مظهر لما أخفاه، ولا ساتر لما أبداه، ولا مضل لمن هداه، ولا هادي لمن أعماه، خلق آدم بيده وسوَّاه، وأسكنه في حرم قربه وحماه، وأمره كما شاء ونهاه، ثم تاب عليه فرحمه واجتباه، وحاله ينذر من يسعى فيما اشتهاه، وطرد إبليس وكانت السموات مأواه، وأبعده عن بابه وأشقاه، وفي قصته نذير لمن خالفه وعصاه، أخذ موسى من أمه طفلًا وراعاه، وساقه إلى حجر عدوِّه فربَّاه، وجاد عليه بنِعَم لا تُحصى وأعطاه، فمشى في البحر وما ابتلَّتْ قدماه، خرج يطلب نارًا فناداه: ﴿ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ ﴾ [القصص: 30]، فاللهم لك الحمد حمدًا لا ينقضي أولاه، ولا ينفد أُخْراه، وأشهد أن لا إله إلا الله، لا رب غيره، ولا معبود بحقٍّ سواه.

 

وأشهد أن محمدًا رسول الله، اختاره على الكل واصطفاه، وأوحى إليه من سره المستور ما أوحاه، ووعده المقام المحمود وسيبلغه مناه.

 

صلوات الله وسلامه عليه ما أضاء النهار بضياه، واحلولك الليل بظلماه.

 

يا رب صلِّ على النبي وسلم
واشمل بعفوك كل عبد مسلم
صلوا على البدر الذي بضيائه
ولَّت خفافيش الظلام المعتم
صلى عليك الله ما قال امرؤ:
يا رب صلِّ على النبي وسلم

 

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله- رحمكم الله- فالأيام قلائل، والأهواء قواتل، فليعتبر الأواخر بالأوائل، فبنو آدم فرائس الأحداث، وغرائس الأجداث، لقد صدق الزمان في تصريفه وما كذب، وأرى الناس في تقلُّباته العجب؛ من كان الموت طالبه، كيف يلذ له قرار؟! ومن كان رحيله إلى الآخرة فليست له الدنيا بدار، فبادروا -رحمكم الله- أيامكم قبل هجوم الفاقرة، واستعدوا للقدوم إلى الآخرة ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ [النازعات: 13، 14].

 

شعبان يطوي مسرعًا أوراقه
ونكاد ندرك في القريب فراقه
من بعده سيجيء أكرم زائر
أرواحنا لقدومه تواقة
رمضان آت يغمر الدنيا سنا
فترقبوا يا إخوتي إشراقه
يعطي به المولى عظيم هباته
وتفيض أنهار المنى دفاقة
فتحسسوا إيمانكم وقلوبكم
وتهيأوا بمشاعر مشتاقة
صفوا القلوب من الذنوب بتوبة
مصحوبة بالأدمع المهراقة

 

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص: 67].

 

أيها المسلمون، فتح ربكم أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وخاطبكم في الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم»[1]، وفي التنزيل: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

 

دعاك رب بالندى يعرف
يا من على أنفسهم أسرفوا
لا تقنطوا من رحمتي واعرفوا
إني لغفار الذنوب العظام

 

﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

 

لقد جعل الله في التوبة ملاذًا مكينًا، وملجأً حصينًا، يلجه المذنب معترفًا بذنبه، مؤملًا في ربه، نادمًا على فعله، غير مُصِرٍّ على خطيئته، يحتمي بحمى الاستغفار، يتبع السيئة الحسنة، فيكفر الله عنه سيئاته، ويرفع من درجاته، ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 70، 71].

 

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: التوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لأنها أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أبدًا، ولا يزال فيها إلى الممات، وإن ارتحل السالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به، فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية، كما حاجته إليها في البداية كذلك[2].

 

التوبة الصادقة -يا أيها التائبون- تمحو الخطيئات مهما عظمت، حتى الكفر والشرك ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، وقتلة الأنبياء ممن قالوا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73]، وقالوا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 72]- تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-؛ ناداهم المولى بقوله: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74].

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: «أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك»، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: «اعمل ما شئت»[3].

 

ففي الصحيحين عن أنس -رضي اللـه عنه- قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقِمْه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا، فأقم في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك»[4].

 

فربنا جواد كريم، يسبغ علينا الألطاف، ويقبلنا رغم الإسراف؛ فيفتح بابًا، ويقبل متابًا، ويعتق رقابًا، من أقبل إليه تلَقَّاه من قريب، ومن أعرض عنه ناداه من بعيد، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد رضاه أراد ما يريد، ومن تصرَّف بحوله وقوَّته ألان له الحديد.

 

يا غافلًا عن إله الكون يا لاهي
تعيش عمرك كالحيران كالساهي
ارجع إلى الله واقصد بابه كرمًا
والله، والله لن تلقى سوى الله

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].

 

فلا تقنطوا من رحمته، ولا تيأسوا من عفوه ومغفرته، ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، ولله ساعات لا يرد فيهن سائلًا، ولا يخيب فيهن طالبًا، «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»[5].

 

أيا نفس بالمأثور عن خير مرسل
وأصحابه والتابعين تمسَّكي
وخافي غدًا يوم الحساب جهنمًا
إذا لفحت نيرانها أن تمسكي

 

إن التوبة -يا أيها الأحِبَّة- بها الفوز الأكيد، وهي الميلاد الجديد للعبد الآيب الرشيد، فللعبد ميلادان: ميلاد خروجه إلى الحياة، والميلاد الآخر عودته إلى أفياء الطاعة، ورحاب المغفرة.

 

اليوم ميلادي الجديد وما مضى
موت بليت به بليل داجي
أنا قد سريت إلى الهداية عارجًا
يا حسن ذا الإسراء والمعراج

 

عبد الله، لن تجد طعم العافية حتى تكون على الطاعة مقيمًا، ولذكر الله مديمًا، فعالج مرض المخالفة بالتوبة، وداوِ داء الغفلة بالإنابة[6].

 

لا يؤنس في وحشة القبر إلا العمل الصالح، ولا يقي من عذاب النار إلا نور الإيمان، ولا تثبت القدم على الصراط إلا بالاستقامة على الإسلام، من سلك سبيل أهل السلامة سلم، ومن لم يقبل نصح الناصحين ندم، الكرامة كرامة التقوى، والعز عز الطاعة، والأنس أنس الإحسان، والوحشة وحشة الإساءة، ومن أحسن الظن أحسن العمل، فاحذر أن تكون ممن قيد الصد قدميك، وغل الإبعاد يديك.

 

رب من بات يمني نفسه==حال من دون مناه أجله

فحتام -يا عبد الله- تسوف بالتوبة، وتعد نفسك بالأوبة؟ وأنت لا تجهل أن الموت مفاجيك، ومسوفك مداجيك، وأجلك مناجيك؟

 

كم مسوف قبلك فاجأه الفوات، وضاقت عن نجاته الأوقات، وتقاصرت عن آماله الساعات؛ فأصبح رهين رمسه، يعض على يديه ندمًا على نفسه! وكم مغتر بدنياه، مؤمل بمحياه، مسوف بمتابه، مؤجل لمآبه، تقلبه الدنيا جنبًا على جنب ولهانًا، ويخادعه الشيطان آنًا فآنًا؛ فما أيقظه إلا بغتة الأجل، وانقطاع الأمل، وانبتات العمل؛ فحل به الندم، بعد زوال القدم[7].

 

تجهَّزي بجهاز تبلغين به
يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
وسابقي بغتة الآجال وانكمشي
قبل اللزام فلا ملجا ولا غوثا
ولا تكدي لمن يبقى وتفتقري
إن الردى وارث الباقي وما ورثا

 

فاستدرك -يا عبد الله- من العمر ذاهبًا، ودع اللهو جانبًا، وقم في الدجى نادبًا، وقف على الباب تائبًا، بلسان ذاكر، وجفن ساهر، ودمع قاطر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

 

عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: «للهُ أفرحُ بتوبة عبده من رجل نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومةً، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومةً، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده»[8].

 

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟!
أدعوك رب كما أمرت تضرعًا
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟!
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك ثم إني مسلم

 

إلهي، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وما أوحش المضيق على من لم تكن أنيسه[9].

 

قال بعض أهل العلم: من أعطي أربعًا لم يمنع أربعًا، من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب[10].

 

وقال محمود الورَّاق[11]، رحمه الله تعالى:

قدم لنفسك توبةً مرجوةً
قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها علق النفوس فإنها
ذخر وغنم للمنيب المحسن

 

فأيقظوا القلوب من مراقد غفلاتها، واعدلوا بالنفوس عن موارد شهواتها، اقصدوا باب التوبة تجدوه مفتوحًا، وابذلوا ثمن الجنة بدنًا وروحًا، وفروا إلى الله ما دام الأجل مفسوحًا، ﴿ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، فالدنيا من ورائنا تطوى، والموت بنواصينا معقود، ورب جراحة قتلت، ورب عثرة أهلكت، ورب كلمة أوبقت، وكم من ملك رفعت له علامات فلما علا مات.

 

ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأقوام

فجدير بنا -يا عباد الله- أن نتهيَّأ لعظائم الأمور، ونستقبل خير الشهور، بتوبة صادقة، وهمة فارقة، وعزيمة خارقة، ووثبة بارقة، وقلب متعبد، ونشاط متجدد، وشوق متأكد، ونفس توَّاقة، ورؤية عملاقة، وخطة براقة، وروح سباقة.

 

وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسام

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون»[12].

 

وعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للجنة ثمانية أبواب: سبعة مغلقة، وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه»[13].

 

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه ثلاثًا، غفرت له ذنوبه، وإن كان فارًّا من الزحف»[14].

 

وعن ابن عباس[15]-رضي الله عنهما- قال: قال الله: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ [النجم: 32]، قال: هو الرجل يصيب الفاحشة يلم بها ثم يتوب منها، قال يقول:

إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألما

قال محمد بن كعب القرظي: «التوبة يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، الإقلاع بالأبدان، إضمار ترك العود بالجنان، مهاجرة سيئ الإخوان »[16].

 

وقال أبو حازم: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح[17].

 

﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

 

هذا، وإن أبدع الكلام نظمًا، وأبلغه حكمًا وحكمًا؛ كلام من وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

 

جعلني الله وإياكم ممن تاب وأناب، وفاز بحسن الثواب، وأدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا أبديًّا على الدوام، يغيث اللهفى ويروي الأوام، لمحبته زلفى ولرضاه مرام، ونسأله ثباتًا على الطاعة وحسن ختام، وعلى نبينا محمد إمام الخلق، ونبراس الحق، أفضل الصلاة، وأزكى السلام، وبعد:

عباد الله، إن ذنوبنا كثيرة، وأعمالنا يسيرة، وبضاعتنا حقيرة، وأعمارنا قصيرة، وأمامنا مخاوف خطيرة، لا ينجو منها إلا كل عبد شكور.

 

فإلى كم نسوف بالتوبة، والأمل يعوقنا؟ ونواعد أنفسنا بإصلاح العمل، والأجل يسوقنا؟ ولا توبة بعد حلول القبور.

 

فانظر لنفسك -عبد الله- قبل أن يطوى كتابك، وبادر بالمتاب قبل ألَّا ينفعك متابك، وأخلص في أعمالك، فإن خالص العمل مبرور.

 

واعلم أنك لا تقدر على أن تتقي الله حق تقاته، ولا أن تخلص جميع أعمالك لمرضاته، ولكن اجهد نفسك، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.

 

وانظر لنفسك ما ينجيها يوم النشور، يوم ينفخ في الصور، ويبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور[18].

 

أيا من يدَّعي الفهم
إلى كم يا أخا الوهم
تعبي الذنب والذم
وتخطي الخطأ الجم
أما بان لك العيب
أما أنذرك الشيب
وما في نصحه ريب
ولا سمعك قد صم
أما نادى بك الموت
أما أسمعك الصوت
أما تخشى من الفوت
فتحتاط وتهتم
فكم تسدر في السهو
وتختال من الزهو
وتنصب إلى اللهو
كأن الموت ما عم
إذا أسخطت مولاك
ما تقلق من ذاك
وإن أخفق مسعاك
تلظيت من الهم
تعاصي الناصح البر
وتعتاص وتزور
ستذري الدم لا الدمع
إذا عاينت لا جمع
يقي في عرصة الجمع
ولا خال ولا عم
فبادر أيها الغمر
لما يحلو به المر
فقد كاد يهي العمر
وما أقلعت عن ذم
وخفض من تراقيك
فإن الموت لاقيك
وسار في تراقيك
وما ينكل إن هم
وزود نفسك الخير
ودع ما يعقب الضير
وهيئ مركب السير
وخف من لجة اليم
بذا أوصيت يا صاح
وقد بحت كمن باح
فطوبى لفتًى راح
وبالآداب يأتم


عبد الله، كل ما يتوالى عليك من أحداث أُمَّتك يفرض عليك الخلاص من أثقال الذنوب بالتوبة النصوح، والخروج من ضيق الأثرة باتساعك لهمومهم وغمومهم، والفرار إلى الله تعالى في مشهد الضراعة تحوطهم بدعواتك المخضوبة بالصدق، أن يثبتهم الله، وينصرهم، ويكبت عدوَّهم من الصهاينة المجرمين! مروءة القلب وشرفه باب عظيم لزكاة النفس وطهارتها!

 

وأننا إذا لم نستطع شيئًا استطعنا أشياء.

 

وإذا لم نستطع أن نكون عطشًا لخصمنا؛ كنا له كدرًا في ماء!

 

أيها المسلم يا كبش الفد
ايا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا
طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الروح التي تحملها
من بقايا كبرياء الشيم

 

اللهم انصر عبادك الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك، والذب عن دينك ومقدساتك، يا قوي يا عزيز.



[1] رواه مسلم (2577).

[2] مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 198).

[3] رواه البخاري (7507)، ومسلم (2758).

[4] رواه البخاري (6823)، ومسلم (2765).

[5] مسند أحمد (19529)، مسلم (2759).

[6]( التذكرة، لابن الجوزي (85).

[7] آثار العلامة عبدالرحمن المعلمي (22/ 11).

[8] صحيح البخاري (6308)، مسلم (2745)، مسند أحمد (3627).

[9] عيون الأخبار لابن قتيبة (2/ 315)، ربيع الأبرار للزمخشري(2/ 383)، التذكرة الحمدونية (1/ 233)، صفة الصفوة (2/ 401).

[10] عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 86)، المجالسة وجواهر العلم للدينوري (2/ 413)، إحياء علوم الدين (1/ 206)، مرقاة المفاتيح للقاري (8/ 3326).

[11] التمهيد لابن عبد البر (15/ 12)، تفسير القرطبي (2/ 74).

[12] مسند أحمد (13049)، مصنف ابن أبي شيبة (34216)، سنن الترمذي (2499).

[13] الكامل لابن عدي (5/ 138)، مسند أبي يعلى (8/ 512)، المعجم الكبير للطبراني (10/ 10479)، المستدرك للحاكم (7671)، الترغيب والترهيب للمنذري (4/ 89)، مجمع الزوائد (17509).

[14] مصنف عبدالرزاق (3195)، سنن أبي داود (1517)، سنن الترمذي (3577)، المعجم الكبير للطبراني (4670)، المستدرك (1884).

[15] ينظر: سنن الترمذي (3284)، مسند البزار (4960)، معجم أبي يعلى (190)، المستدرك (7620)، شعب الإيمان (6654)، السنن الكبير للبيهقي (20746).

[16] تفسير البغوي (5/ 123)، مدارج السالكين (1/ 317).

[17] الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا (43)، حلية الأولياء (3/ 230).

[18] ينظر: آثار العلامة عبدالرحمن المعلمي (22/ 158-159).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الميلاد الجديد

مختارات من الشبكة

  • ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم(مقالة - ملفات خاصة)
  • أولادنا من الميلاد إلى ست سنوات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نبي الأمة من الميلاد إلى البعثة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاحتفال بعيد الميلاد عادة وثنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف ينمو طفلي؟ دليل العاملين مع طفل ما قبل المدرسة (الميلاد – 4 سنوات) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الميلاد الحقيقي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم عيد الميلاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إيطاليا: استجواب مسلم أدان الاحتفال بأعياد الميلاد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تركيا: وقفة احتجاجية لرفض احتفالات عيد الميلاد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: سجن امرأة مسلمة لرفضها الاحتفال بأعياد الميلاد(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/12/1446هـ - الساعة: 0:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب