• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

خطبة عيد الفطر

خطبة عيد الفطر
عبدالوهاب محمد المعبأ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/3/2025 ميلادي - 29/9/1446 هجري

الزيارات: 12792

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الفطر

 

الخطبة الأولى

الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي جعلَ رمضانَ سبيلًا لعبوديتِه وتقواه، أحمده سبحانَه وأشكره شكرًا وحمدًا لا حدَّ لمنتهاه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وبعونِه وتوفيقِه صلَّينا وصُمنا وتصدَّقنا وعبدناه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه اجتباه ربُّه واصطفاه وهداه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ الذي سنَّ وشرعَ، ورفعَ ووضَعَ، وخضع له كلُّ عبدٍ وطمع.

 

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ علا فقهرَ، وهزمَ ونصرَ، وعلِمَ وسترَ، وعفا وغفر.

 

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلًا؛ أما بعد أيها المسلمون:

فعيدُكم مباركٌ، ويومُكم سعيدٌ، البَسوا الجديدَ، واشكروا اللهَ العزيزَ الحميدَ، تقبَّل اللهُ منا ومنكم، وبارك لكم في أعيادِكم، وأدامَ مسرَّاتِكم، وأعانكم على ذِكْرِه وشُكْرِه وحُسنِ عبادتِه، وجعل سعيكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وزادكم في عيدِكم فرحةً وبهجةً وسرورًا، وأعادَه علينا وعليكم وعلى المسلمين في صحةٍ وسلامةٍ وعافيةٍ.

 

ما أجملَ صباحَ العيد! وما أسعدَ أهلَه الذين صاموا الشهرَ، وأخرجوا زكاةَ الفطرِ، وودَّعوا موسمًا عظيمًا، أودعوا فيه من حُللِ الطاعاتِ، وكريمِ الدعواتِ، وصالحِ العباداتِ؛ ما يسرُّهم أن يلقَوه غدًا، برحمةِ اللهِ وكرمِه؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]!

 

افرحوا بعيدِكم أفراحًا كثيرةً: فرحةً بفضلِ اللهِ ورحمتِه، وكريمِ إنعامِه، ووافرِ عطائِه، وفرحةً بالهدايةِ يومَ أن ضلَّ غيرُكم: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

فالحمدُ لله الذي عافانا، وآوانا، وكفانا، وهدانا للإسلامِ، ولم يجعلنا نغدو إلى بيعةٍ، أو كنيسةٍ، أو نعكف على وثنٍ، أو نجثو لصنمٍ، وإنما جعلنا برحمةٍ منه وفضلٍ من أمةٍ مصطفاةٍ مجتباةٍ مرحومةٍ: ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ﴾ [الحج: 78].

 

أيها المسلمون: العيدُ في الإسلامِ كلمةٌ رقيقةٌ عذبةٌ تملأ النفسَ أنسًا وبهجةً، وتملأ القلبَ صفاءً ونشوةً، وتملأ الوجهَ نضارةً وفرحةً، كلمةٌ تذكِّر الوحيدَ بأسرتِه، والمريضَ بصحتِه، والفقيرَ بحاجتِه، والضعيفَ بقوَّتِه، والبعيدَ ببلدِه وعشيرتِه، واليتيمَ بأبيه، والمسكينَ بأقدسِ ضروراتِ الحياةِ، وتذكِّر كلَّ هؤلاء باللهِ؛ فهو سبحانَه أقوى من كلِّ قويٍّ: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وأغنى من كلِّ غنيٍّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وأعزُّ من كلِّ عزيزٍ: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

 

في العيدِ تذكيرٌ بالأصولِ العظمى؛ ومنها: حرصُ الإسلامِ على تثبيتِ المحبةِ الصادقةِ بين المسلمين، والمودةِ الخالصةِ بين المؤمنين؛ يقولُ ربُّنا جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].

 

ونحنُ اليومَ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى المحبةِ بيننا؛ حتى نطبِّقَ الصورةَ الجميلةَ التي رسمها لنا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليه وسلم في بيانِه الواصفِ لكلِّ المؤمنين؛ حين يقول: ((المؤمنُ آلِفٌ مألوفٌ، ولا خيرَ فيمن لا يُؤْلَفُ، وخيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ)).

 

إن القلوبَ المليئةَ بالحبِّ لهي قلوبٌ قد احتوتِ الطهرَ من منابعه، وإن القلوبَ التي تحنُّ إلى البغضاءِ والكراهيةِ لهي قلوبُ ذئابٍ لا يتأتَّى من طريقها إلا الخرابُ، والمؤمنُ متآلِفٌ مع الكونِ كلِّه، متفاعلٌ بمشاعرِه مع كلِّ حبَّةِ رملٍ أو قطرةِ مطرٍ، يرى فيها مشاعرَ من الوصلِ الطهورِ معها؛ لأنها تسبحُ بحمدِ ربِّ الأكوانِ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم سلامًا وحبًّا لهذا الكونِ، انظر إليه وهو يتحدثُ عن جبلٍ مكوَّنٍ من صخرٍ قد نظنُّه ميتَ الإحساسِ، وإذا برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ عن جبلِ أُحُدٍ: ((إن أُحُدًا جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه)).

 

فالمسلمُ يحملُ قيمَ الحبِّ والسلامِ والمودةِ، والوئامِ والرحمةِ والرأفةِ، يحبُّ الخيرَ وكلَّ ما يتصلُ بالخيرِ والنفعِ لهذا العالمِ، ويحبُّ الخيرَ للناسِ كلِّ الناسِ، يحبُّ والديه فيبرُّهما ولا يعصيهما، يرعاهما ويؤويهما ويخفضُ لهما جناحَ الذلِّ من الرحمةِ والحبِّ، ولا يهملُهما.

 

المسلمُ يحبُّ أبناءَه فيعولُهم ولا يضيعُهم، ويعدلُ بينهم ولا يظلمُهم، ويرشدُهم ولا يطردُهم، يحبُّ زوجتَه فيحترمُها ولا يحتقرُها، ويُوفِّيها حقَّها ويعينُها، ولا يستغلُّها ولا يمدُّ يدَه ضربًا لها، يحبُّ إخوانَه فينصحُهم ولا يفضحُهم، ويحفظُ أعراضَهم ولا يغتابُهم.

 

لا يوجدُ في هذه الدنيا دينٌ يحثُّ أبناءَه على الحبِّ والمودةِ والتآلُفِ كدينِ الإسلامِ، ليس في يومٍ في العامِ بل في كلِّ وقتٍ وحينٍ، إنه دينٌ يحثُّ على إظهارِ العاطفةِ والحبِّ لما له من أثرٍ في جلبِ المودةِ والألفةِ؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحبَّ الرجلُ أخاه، فليُخبِرْه أنه يحبُّه)).

 

وقال فيما رواه مسلمٌ: ((والذي نفسي بيدِه، لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتُم؟ أفشوا السلامَ بينكم)).

 

فاستمتعوا في أعيادِكم بكلماتِ الودِّ والثناءِ، والوصلِ والمحبةِ والعطاءِ.

 

أشيعوا الودَّ بينكم

وطوفوا في نواحينا

فقد عمَّت نوازلُنا

وقد طمَّت مآسينا

ولم يبقَ لنا منا

سوى نحن المصابينا

 

انثروا السلامَ والحبَّ في الطرقاتِ، وأضيفوا لهذه الحياةِ، حياةً.

 

تسلَّحوا بالتسامحِ والنقاءِ، وازرعوا ما حولكم سلامًا وحبًّا ووئامًا؛ فالكلمةُ الطيبةُ، ونقاءُ السريرةِ، والبسمةُ المشرقةُ، واليدُ اللينةُ الكريمةُ، كلُّها مواسمُ خيرٍ وأفراحٍ وأعيادٍ.

 

أيها المسلمون: التهنئةُ بالعيدِ تزيدُ المودةَ وتوثِّقُ المحبةَ، والمصافحةُ تفتحُ جسورَ التعارفِ والألفةِ، فاجعلوا تصافحَ الكفوفِ عنوانَ صفاءِ القلوبِ وسلامةِ الصدورِ، واصفحوا عمَّن زلَّ وأخطأ، واعفوا عمَّن ظلمَ وأساء، وجُودوا بالمودةِ وبُوحوا بالمحبةِ، واملؤوا عيدَكم برائحةِ العفوِ الزكيةِ الذكيةِ، وأعلنوا العفوَ وأظهِروه حتى يفوحَ عبيرُه، وتطيبَ الحياةُ، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فيُعرضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلامِ، وأيُّ عيدٍ للقلوبِ المتهاجرةِ؟! وأيُّ بهجةٍ للنفوسِ المتناحرةِ؟! وأيُّ فرحٍ للأيدي المتشاجرةِ؟! العيدُ ميدانٌ للسلامِ والتآلُفِ، عيدٌ تتآلفُ فيه القلوبُ، وتجتمعُ فيه الكلمةُ، ويَلْتَئِمُ فيه الصدعُ، ويُخزى فيه الشيطانُ، لا عيدَ لنفوسٍ يقودُها الكبرُ والغرورُ والظلمُ، ولا عيدَ لمن اغتسلَ غسلَ العيدِ ولم يغتسلْ من أدرانِ الشحناءِ والبغضاءِ والعداواتِ، ولا عيدَ لمن لبِسَ ثيابَ الأعيادِ على أدرانِ الأحقادِ.

 

عبادَ اللهِ: كم نحنُ بحاجةٍ إلى تصفيةِ قلوبِنا من الحقدِ والحسدِ والغلِّ! كم نحنُ بحاجةٍ إلى تزكيةِ أخلاقِنا بعيدًا عن الكبرِ والظلمِ والعدوانِ! كم نحنُ بحاجةٍ إلى تقويةِ صفوفِنا بعيدًا عن العصبيةِ والتنافسِ على الدنيا، وتدبيرِ المؤامراتِ بيننا! كم نحنُ بحاجةٍ إلى إيمانٍ باللهِ يوجِّهُ تصرفاتِنا وأعمالَنا نحوَ الخيرِ، وبناءِ مجتمعاتِنا وأمتِنا، بعيدًا عن تصيدِ الأخطاءِ، ونشرِ الأكاذيبِ، وإشاعةِ المنكرِ، وزعزعةِ الأمنِ، وسفكِ الدماءِ، وقطعِ الطرقاتِ، وتعكيرِ صفوِ السلمِ الاجتماعيِّ في البلادِ من أجلِ مصالحَ تافهةٍ وشهوةٍ عابرةٍ! ما أحوجَنا إلى مراقبةِ اللهِ واستشعارِ عظمتِه وقوتِه، ومكرِه وغضبِه من أعمالِ السوءِ وأخلاقِ السوءِ، حتى نبتعدَ عن كلِّ مساوئِ الأخلاقِ، ونستغلَّ قدراتِنا وطاقاتِنا في مواجهةِ أعداءِ الأمةِ، ومكرِهم وخططِهم التي يحوكونَها وينفذونَها عند ضعفِنا وتفرقِنا! ولنتعاملْ جميعًا معًا بأخلاقِ العظماءِ وسلوكِ الأتقياءِ، مقتدين برسولِنا صلى الله عليه وسلم وأصحابِه الذين نشروا الخيرَ في الآفاقِ، وأقاموا العدلَ في كلِّ البلاد، وليقفِ الجميعُ صفًّا واحدًا ضدَّ كلِّ من يحاولُ الإفسادَ والمكرَ والخداعَ في هذه الأرضِ، ففي ذلك النجاةُ والسعادةُ والحياةُ الطيبةُ للجميعِ.

 

إلى المتقاطعين والمتهاجرين، اليومُ يومُ العفوِ والتصافحِ، والتعافي والتسامحِ، يا أيها المتهاجرون، اليومُ يومُ السلامِ والتزاورِ، وتركِ التجافي والتكبرِ.

 

كفى! أقولُها مِن على مِنبرِ العيدِ وأُثنِّيها، كفى! أفرِحوا أحبابَكُم بفرحةِ العيدِ، ولُمُّوا شملًا قُطِعَ سِنينَ عَدَدًا، ماذا تنتظرون؟ لا صلاةَ تُرفَعُ، ولا دُعاء لكم يُعرَضُ على اللهِ ويُسمَعُ؛ يقولُ اللهُ لملائكتِه: ((أنظُروا هذَينِ حتى يصطلِحا)).

 

حتى ولو كنتَ مظلومًا صِلْ؛ فاللهُ أوصَلُ، وابتغِ وجْهَ ربِّكَ فاللهُ أعلى وأجلُّ، فدُنيا تخاصَمتُم عليها هي – وربي - أحقرُ وأقلُّ، كفى على الهِجرانِ البقاء، وتذكَّروا أنَّ عندَ اللهِ الملتقى.

 

أقولُ ما تسمَعون...

 

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا، واللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلًا.

 

فرحةُ العيدِ ورَوعتُه، وبهجتُه وسعادتُه في توطيدِ العلاقاتِ البشريَّةِ، والتواصلاتِ الأُسريَّةِ، ونَبذِ الخلافاتِ الزوجيَّةِ، والمشاكلِ الداخليَّةِ، ونشرِ الوئامِ والمحبَّةِ بين البريَّةِ، مقصدُ الشريعةِ مِن تلكَ الأعيادِ، سلامةُ الصدورِ والتراحُمُ، والتفاهُم، والتعاطُف، والتَّهادي.

 

أيُّها المسلمونَ: ابتهجوا بعيدِكم في حدودِ ما أحلَّ اللهُ تعالى لكم، فبَرُّوا والديكم، وصِلوا أرحامَكم، وأحسِنوا إلى جيرانِكم، واحنوا على صِغارِكم، وأدخِلوا السرورَ على أُسرِكم فإنَّ اليومَ يومُ عيدٍ لهم، فاحتسِبوا اللهوَ المباحَ معهم والتوسعةَ عليهم عبادةً تتقرَّبونَ بها إلى اللهِ تعالى، كما تقرَّبتُم له بالصيامِ والقيامِ؛ فإنَّ العيدَ شعيرةٌ مِن شعائرِ اللهِ تعالى، وإنَّ الفرحَ مظهرٌ مِن مظاهرِه، فافرَحوا بنعمةِ اللهِ تعالى عليكم، وهدايتِه لكم، وأظهِروا السرورَ والحبورَ بهذا اليومِ العظيمِ، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إنْ كنتُم مؤمنين.

 

أفشُوا الحبَّ في بيوتِكم؛ فإنَّه مِن أعظمِ وسائلِ الاستقرارِ النفسيِّ والعاطفيِّ.

 

أفشُوا الحبَّ بالكلماتِ اللطيفةِ، واللَّمَساتِ الحانيةِ، والأفعالِ الجميلةِ.

 

بعضُ البيوتِ نشأَ على كتمانِ المشاعرِ، والخجلِ مِن التعبيرِ عنها، فيصيرُ أحدُهم يستعينُ بالسخريةِ أو الشتمِ اللطيفِ؛ هربًا مِن التعبيرِ عن مشاعرِه.

 

امنَحوا أبناءَكُم الحبَّ في بيوتِكم، ربُّوهم عليهِ وأشبِعوهم مِنه، لأنَّهم لو لم يحصُلوا عليهِ عندَكم، فسيضطرُّونَ لطلبهِ مِن الآخرينَ بثمن باهظ، سيشتَرونه بكرامتِهم، بأموالِهم، وبأجسادِهم حتى، وبكلِّ ما يملِكونَ، لا تبخَلوا عليهم بالعطفِ والحبِّ والحنانِ، والقُربِ والإكرامِ والاهتمامِ.

 

أيُّها الأزواجُ: الحبُّ لا يشيخُ، الحبُّ ليس لهُ عُمرٌ، الحبُّ ليس لهُ وقتٌ، الحبُّ ليس لهُ مرحلةٌ خاصَّةٌ، أحِبُّوا بعضَكم رغم الصعاب، أحِبُّوا بعضَكم رغمَ الشيب، أحِبُّوا بعضَكم رغمَ قساوة الظروفِ، أحِبُّوا بعضَكم رغمَ صعوبة الحياةِ وتقلُّباتها، يكفي أنَّكم بعضكم ما زال سندًا لبعضٍ، يكفي أنَّكم ما زلتُم توائمَ بقلبٍ واحدٍ، وجسدٍ واحدٍ، وروحٍ واحدةٍ.

 

تُعتَبَرُ الأسرةُ هي اللبنةُ الأولى في تكوينِ الفردِ وبناءِ المجتمعِ، وتشييدِ الدولِ وعِمارةِ الأرضِ، كما أنَّها المحضنُ الآمنُ، والكَنَفُ الضامِنُ للسكنِ والاستقرارِ، والسلامةِ والاطمئنانِ.

 

وتذكروا - عباد الله - في عيدكم إخوانًا لكم جرت عليهم أقلام المقادير بما يحول بينهم وبين الفرح بالعيد؛ منهم الزَّمنى والمرضى، وأقارب المُتوفَّين والموتى، ومنهم المحاصرون والمسجونون والأسرى، ومنهم المشردون واللاجئون، ومنهم أيامى ويتامى لا يجدون بُلغة من عيش، فلا تنسَوهم في يوم فرحِكم، أعينوهم في نوائبِهم، وشارِكوهم همومَهم، وخصُّوهم بدعائكم، وتصدَّقوا عليهم؛ فإن الله يجزي المتصدقين.

 

أيها الناس: ليفْرَحْ بالعيدِ المُوسِرُ الذي من عادته أن يزرع البسمة على شفاه المحتاجين، والرحيم الذي من طبعِهِ أن يعطف على الأرامل واليتامى والمساكين، والصحيحُ الذي يتفقَّد المرضى والمُقعدين، والطليقُ الذي يرعى السجناء والمأسورين.

 

عباد الله، لقد آلَمَ كلُّ مسلمٍ - بل كل إنسان – ما يحصُل في غزَّةَ من إبادةٍ جماعية، وجرائمَ حربٍ بشعةٍ، يأتي العيد وغزةُ غارقةٌ في الركام والدمار والدماء، والجوع والعطش والفقر، والخوف والرعب، أفسد المجرمون فرحة الأعياد على المسلمين بالقتل والظلم والقهر، والتعذيب والتشريد لإخوانهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

إن أشلاء الجثث التي تتناثر في كل جانب تشكل صدمة نفسية كبيرة، وإن مشاهِدَ الموت والدمار والقصف تؤثر بشكل كبير أيضًا في نفسية المسلمين في كل مكان من العالم.

 

كيف يُشرق العيد على أرضٍ تغرق في الدماء والمجازر؟ كيف يأتي الفرح، وغزةُ تواجه محرقةً وإبادة جماعية أمام أعيُنِ العالم؟

 

ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحمد الله على كل حال، ونؤمن بالله وبقضائه وقدره، خيرِهِ وشرِّهِ، وكان قدر الله علينا أن نسمع ونرى تلك المشاهد المُوجِعة، والمناظر المُفْجِعة، في ختام شهر الصيام، ذلك القدَر المؤلم الذي يعيشه إخواننا في غزة، والحال المحزن الذي ينكأ الجراح، فأحسَنَ الله عزاء الأمة في مُصابها، وجبر الله القلوب في الانتقام من الأعداء، وهو المستعان وحده في كل نائبة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أيها المسلمون: إن ضيفكم قد رحل، ورمضان قد أفَلَ، ولا منتهى من صالح العمل، فلا تُغلقوا مصحفًا، ولا تمنعوا رغيفًا، ولا تحرموا لهيفًا، ولا تقطعوا إحسانًا، ولا تهجروا صيامًا، ولا تتركوا قيامًا، فما أحسن الإحسان يتبعه الإحسان! وما أقبح العصيان بعد الإحسان! ومن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر، ومن لم يُخرج زكاة الفطر، فليبادر إلى إخراجها فورًا، ومن أتى منكم من طريقٍ، فليرجع من طريق أخرى إن تيسَّر له ذلك؛ اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

بُشراكم يا من قُمتم وصُمتم، بشراكم يا من تصدقتم واجتهدتم، فقد ذهب التعب، وزال النَّصَب، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى، تقبل الله صيامكم وقيامكم، وأعاد الله عليكم هذه الأيام المباركة أعوامًا عديدةً وأزمنةً مديدةً، ونحن في صحة وعافية، وحياة سعيدة، اللهم تقبل مساعينا وزكِّها، وارفع درجاتنا وأعْلِها، اللهم أعطِنا من الآمال منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا يا أرحم الراحمين.

 

وأتْبِعوا رمضانَ بصيام ستة أيام من شوال؛ فإن من صامها مع رمضان كان كمن صام الدهر كله؛ كما جاء في الحديث.

 

أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى أمة الإسلام جمعاء باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

 

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة.

 

اللهم امدُد علينا سترك في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح لنا النية والذرية، والأزواج والأولاد، اللهم اجعلنا هداةً مهديين، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.

 

اللهم انصر إخواننا في غزة على اليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين؛ فإنهم لا يُعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألقِ الرعب في قلوبهم، واجعلهم عِبرةً للمعتبرين.

 

اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رجز اليهود، اللهم إن لك عبادًا في غزة ينتظرون فرَجَك فبشِّرهم، ويسألون رحمتك فارحمهم، ويرجون عافيتك فعافِهم، ويحبون كرمك فأكرمهم، ويأملون جبرك فاجبرهم، ويتوسلون لطفك فالطف بهم.

 

اللهم أبْعِدْ عن بلاد المسلمين شرَّ الحروب والصراعات، والفتن والنزاعات، والصدامات والاختلافات.

 

اللهم عليك بمن زرعها وأشعلها يا رب العالمين.

 

اللهم أعِدْ إلى جميع بلاد المسلمين الأمنَ والاستقرار والطمأنينة، واجعل ولايتهم فيمن يخافك ويتقيك يا رب العالمين.

 

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المَدِينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وفُكَّ أسرانا وأسرى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.

 

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وأولادنا، وإخواننا وقراباتنا، ومَن له حقٌّ علينا يا أرحم الراحمين.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الفطر المبارك 1444هـ
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1445 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1445هـ
  • خطبة عيد الفطر 1430 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1431 هـ

مختارات من الشبكة

  • خطبة عيد الفطر: عيد فطر بعد عام صبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • عيد الفطر: فرحة المسلمين بعد رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • حديث: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • مختصر أحكام زكاة الفطر(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر 1444 (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر 1437 هجرية (خطبة دينية اجتماعية)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام زكاة الفطر(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1446 هـ الأعياد بين الأفراح والأحزان(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة عيد الفطر: العيد وتجديد المفاهيم والقيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر: العيد ومظاهر وحدة الأمة(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب