• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الحب بين الحقيقة والزيف (خطبة)

الحب بين الحقيقة والزيف (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/2/2025 ميلادي - 28/8/1446 هجري

الزيارات: 1589

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحب بين الحقيقة والزيف

 

الحمد لله الذي جعل الحب فيه سببًا لبلوغ رضاه، وجعله بين الأزواج علامةً على المودة والرحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حبَّب إلينا الإيمان وزيَّنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، غرس الله محبته في القلوب، وأعطاه المقام المحمود، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

أهمية الحديث عن الحب:

فيا أيها المسلمون: كلمة من حرفين يحتويان على معانٍ رقراقة، ومشاعر دافقة، إنهما حرفان يلتذ بهما اللسان، وتستريح لهما الأسماع، وتشتاق إليهما القلوب، حرفان يبنيان في القلوب مراكزَ للأمر والنهي، ليتحول الإنسان إلى مسالكَ ما كان يسلكها، وميول ما كان يميل إليها، تكوَّنت من هذين الحرفين كلمة من أجمل كلمات المعجم العربي، فظهرت قليلة المبنى، عميقة المعنى، تتنعم الشفتان بنطقها.

 

هذه الكلمة ذات الحرفين كلمة جميلة، لكن الإعلام غيَّرها ودنَّسها عندما اختزلها في مستنقعات آسِنة، أورثت الخطيئة، وصوَّرت الجريمة عزًّا وبطولةً.

 

إنها كلمة "الحب"، فبعض الناس إذا سمعوا كلمة "حب"، انصرفت أذهانهم إلى العشق الجنسي، والغرام الغريزي؛ لأن الإعلام بمسلسلاته وأغانيه، وقصصه ورواياته، وشعره ونثره، اختصر محتويات هذه الكلمة بعلاقة بين رجل وامرأة على بساط الهوى، وآفاق كسر ضوابط الإسلام، وهتك أستار الفضيلة والعادات الحسنة.

 

لكن دعونا نقول: إن الحب فضيلة وخطيئة؛ فضيلة حين يرقى فيكون حبًّا لله، وحبًّا لرسول الله، وحبًّا لأخ أو أخت أو صديق، وحبًّا لزوج كريم أو لزوجة كريمة، وحبًّا للوالدين، وحبًّا للأولاد، وحبًّا يقوم على تقوية أواصر العلاقات بين الناس وتوثيقها، والحب خطيئة عندما يكون أسًّا للخطأ وأساسًا، وبذرةً تثمر الفاحشة والتعدي والظلم، وأن يزجَّ الإنسان بنفسه في لُجَجِ الهوى وأمواج العشق الحرام، فيسعى إلى ربط علاقات مع نساء، وكذلك نساء مع رجال، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فيكون حينئذٍ نقمةً عظيمةً، تسوق صاحبها إلى الأوجاع والآلام والأَسْرِ، والذل والفضيحة، وقد تكون سبب الشقاء في الدنيا والآخرة.

 

القرآن والسنة تحدثا عن الحب:

أيها المسلمون: للحب في القرآن والسنة دلالات عظيمة، تجعل منه قيمةً إنسانيةً وكونيةً، تشترك فيها كل ذرة من ذرات الكون، بدءًا بمبدعه وواهب سرِّه سبحانه، وانتهاءً بالموجودات الكونية التي تتفاعل معه؛ ولأنه خالق الحب وقلوب عباده بين يديه، فلا غرابة أن يحبه عباده: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، وقد أثبت القرآن حبَّ الله لبعض عباده، الذين اتصفوا بصفات الصلاح والفلاح؛ فالله ﴿ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، و﴿ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76]، ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، و﴿ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222]، و﴿ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42]، و﴿ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، و﴿ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، و﴿ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]، وذكر القرآن الكريم الحبَّ كدعامة أساسية في التركيبة الأسرية؛ ففي العلاقة بين الزوجين قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، فهنا إشارات جميلة جليلة للحب العظيم بين الرجل والمرأة، وإشارات لطيفة للحب الأبوي: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ﴾ [يوسف: 8]، وللأمومة حظ ونصيب في شواهد الحب وتجلياته في القرآن؛ فها هو فؤاد أم موسى يذوب كمدًا لفراق وليدها الصغير: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ [القصص: 10]، وتحدث القرآن عن الحب خارج إطاره الشرعي، ذاك الحب الذي يغدو نقمةً لا نعمةً، عاطفةً تهب بكل العواصف القلبية؛ فتثير الفساد في النفس وفي الأرض، كحال امرأة العزيز التي شغفها يوسف حبًّا؛ فكان التحرش: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يوسف: 23]، وكانت الفضائح المجتمعية: ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 30]، وكان بعد ذلك الظلم والاعتداء على المحبوب؛ انتقامًا لعدم الخضوع: ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يوسف: 32].

 

وفي السُّنة ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب عبدًا، دعا جبريل فقال: إني أحببت فلانًا فأحِبْبه، قال: فيُحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحِبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يُوضع له القبول في الأرض...؛ الحديث))؛ [رواه مسلم]، وروى مسلم عن عائشة قالت: ((ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا على خديجة وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رُزقت حبها)).

 

الحب الحقيقي وأثره الطيب:

أيها المسلمون: لا يوجد دين يحث على الحب والتآلف كدين الإسلام، وهذا في كل وقت وحين لا في يوم بعينه؛ لأن الحب الحقيقيَّ يحتضن كل المعاني الخيِّرة، والمشاعر الإنسانية الكريمة، وينبت في النفس كل أصول الحياة الآمنة، فيُحس بطعمها ومذاقها، ويُوقد جذوة الإيمان الصلب؛ لأنه قبس من نور الله، وسراج يضيء دروب المستقبل، ويفتح نافذة الخير، ويغلق باب الشر، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم طريق دخول الجنة بعد الإيمان الحبَّ؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السلام بينكم))، لأن الحب حسٌّ خالص بقيمة الإنسان الكبرى، وبقدسية الشراكة الإنسانية، وإشراقة الأُخوة المتينة العُرى بين بني الإنسان.

 

والحب الحقيقيُّ شعور كريم بقيمة ومحبة الوجود الإلهي، ومحبة الله من عباده، ومحبته لخلقه، ومحبة الوجود الإنساني، ومحبة قِيَمِ الحق والخير، والجمال والعدل؛ ليرتاح الناس، ويتخلصوا من نزغات الشر والخِصام، والنزاع وصراع المصالح، ويرسِّخوا معانيَ السمو فوق الذات أو الأنانية.

 

الحب الحقيقي عاطفة جيَّاشة موضوعية، وإحساس وجداني عميق، ينبِض بالمشاعر الخيِّرة، ويوجه الإنسان إلى تنمية شخصيته والاعتزاز بها، فتمتلئ بالصفاء والسلام، والطمأنينة والثقة، ويكون الإنسان حينئذٍ أخًا كريمًا للإنسان، في السراء والضراء، لا ذئبًا يفترس مقومات الآخرين ومقدساتهم؛ ويكون شعاره قول يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].

 

الحب الحقيقي هو حب مصلحة الآخرين، كمحبة مصالح الإنسان ذاته، وهو بعيد عن كل ألوان الخيانة والطمع، والاعتداء على شرف الغير، أو جعله فريسةَ اللذات والأهواء والشهوات الهابطة، أو تخريب مقدَّرات الآخرين، ونشر الفوضى والإباحية والدعارة.

 

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير))؛ [صحيح النسائي].

 

الحب الحقيقي هو الانفعال بحب الفضيلة، وكراهية الرذيلة، والبعد عن كل أوضاع التهور والضياع والشتات، وسفاسف الأمور؛ فعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافَها، ويكره سَفسافها))؛ [صحيح الجامع].

 

الحب الحقيقي هو المودة والرحمة، وهو عطاء الفطرة الذي لا تكلُّف فيه، ولا صنعة ولا احتراف، وهو صفة النفوس الخيرة، وخَلَّةُ الأبرار الأخيار من الرجال والنساء، وهو لا يوجد إلا في البيوت الطيبة التي ليس لها سيرة، ولا تُحكى عنها قصص ولا أخبار؛ شعارها قول الله: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

الحب الحقيقي إحساس بمشاعر الآخرين، والمساهمة في حل مشكلاتهم، وإنقاذهم من غائلة الفقر والمرض والجهل، والترفُّع عن ممارسة مختلف أنواع السيطرة الجامحة، والاستبداد والطغيان، والتورط في المساس بالوجود الإنساني، وإهدار كرامة الإنسان، والاعتداء على حقوقه في الحرية والعدل، والمساواة وحب الحياة؛ ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا هريرة، كُنْ وَرِعًا تكُن من أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك، تكُن من أغنى الناس، وأحْبِبْ للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكرَه لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، تكن مؤمنًا، وجاوِرْ من جاورتَ بإحسان، تكن مسلمًا، وإياك وكثرةَ الضحك؛ فإن كثرة الضحك فسادُ القلب))؛ [صحيح الجامع].

 

الحب الحقيقي سموُّ المشاعر والعواطف البعيدة عن النفعية والأطماع المادية، لتحقيق رخاء الإنسان واستقراره، وسلامة نشاطه، وتنمية ذاته وقدراته، وعيشه بسعادة ووئام، هذا الحب سيُرى ثماره في الدنيا ويوم القيامة؛ كما في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبِطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله، فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! انعَتهم لنا، جلِّهم لنا - يعني صفهم لنا - فسُرَّ وجه النبي بسؤال الأعرابي، وقال: هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابُّوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابرَ من نور، فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورًا، وثيابهم نورًا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون))؛ [أخرجه أحمد، وهو حديث حسن].

 

الحب المزيف وأثره المدمِّر:

أيها المسلمون: إن الناس مختلفون في الجهات التي يُصرَف إليها الحب؛ فلذلك صار الحب نعمةً عظيمةً على بعض الناس، ونقمةً شديدةً على آخرين، نقمةً لمن صرف المحبة لغير الله، كمحبة الأنداد من دون الله؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، ومحبة أعداء الدين ومودتهم؛ وقد نهى الله عن ذلك بقوله سبحانه: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]، ومحبة فُشُوِّ الفاحشة في مجتمعات أهل الإيمان؛ قال تعالى عنهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، ومحبة الدنيا وتعلق القلب بها: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾ [الإنسان: 27].

 

ومن الحب المزيف ما يطلقون عليه اليوم "عيد الحب" الذي يصادف يوم 14 فبراير، وسُمِّيَ بعيد القديس فالنتاين، إحياءً لذكراه؛ لأنه فدى النصرانية بروحه، وقام برعاية المحبين زعموا، وأصبح له مظاهر محددة؛ فمن مظاهر ذلك لُبس الفساتين الحمراء، وانتشار الورود الحمراء، وتبادل التهاني والتحيات، والهدايا والبرقيات، وتذكر الزوجات والخليلات، بل عدُّوا ذلك من علامات الإخلاص في الحب، وأنَّ من لم يهنِّئ زوجته في ذلك اليوم، أو لم يُهدِ لها هديةً فليس بمخلصٍ لها في حبه.

 

كم انتُهكت محرمات باسم الحب وعيده! كم تُرتكب من جرائم! وتحت ستار تزييف هذا الحب، يزني المجرمون، ويزينونه للناس باسم الحب الجنسي، وبالطبع، فأغلب ضحاياه هم الشباب من الجنسين، ومعظمهم وقعوا فيه بسبب ما قُدِّم لهم من خلط بين معاني الحب النبيلة وإلباسها بلباس الجنس، لقد حاصروهم بأسماء الحب الجنسي وعناوينه: حب ودمار، حب وضياع، حب ورغبة، حب تحت الشمس، جنون الحب، جريمة الحب، ليلة حب! أفلام ومسلسلات، وبرامج وقصائد، وشعر وقصص، وروايات وأغانٍ، لا همَّ لها إلا تزيين الحب الجنسي للناس، إنها مؤامرة ابتزاز صريحة تحت شعار أنبل المشاعر الإنسانية؛ مشاعر الحب.

 

إن الجنس والحب لم يكونا قط توأمين؛ بل ما أبعد الجنس عن الحب! وما أكثر ما يتم الجنس بلا حب، بل أحيانًا مع الكراهية! وما أكثر ما يتم شراؤه بالمال!

 

أيها المسلمون: ولعل البعض يظن - متأثرًا بما تبثه وسائل الإعلام ليل نهار - أنه لا يمكن أن ينشأ زواج ناجح أو انسجام تام، إلا إذا قامت علاقة محبة قبله بين الشاب والفتاة، وهو وهمٌ وليس حقيقةً، بل تشير الدراسات العلمية إلى نقيض هذا المفهوم الخاطئ الذي تروِّج له وسائل الإعلام؛ ففي دراسة أجرتها جامعة القاهرة حول ما أسمته: "زواج الحب"، و"الزواج التقليدي"، جاء في الدراسة أن الزواج الذي يأتي بعد قصة حب ينتهي بالإخفاق بنسبة ثمانٍ وثمانين في المائة؛ أي: بنسبة نجاح لا تتجاوز اثني عشر في المائة، وأما ما أسمته الدراسة "زواجًا تقليديًّا"، فهو يحقق النجاح بنسبة سبعين في المائة، وبعبارة أخرى، فإن عدد حالات الزواج الناجحة في الزواج الذي يسمونه تقليديًّا، تعادل ستة أضعاف ما يسمى بزواج الحب؛ [رسالة إلى مؤمنة 255].

 

وهذه الدراسة أكدتها جامعة سيراكوز الأمريكية في دراسة، تبيَّن منها بما لا يقبل الشك إطلاقًا أن الحب أو العشق ليس ضمانةً لزواج ناجح، بل في الأغلب يؤدي إلى الإخفاق، وما هذه النسب المخيفة في حالات الطلاق إلا تصديق لهذه الحقائق؛ يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة تولين: "إن الحب الرومانسيَّ قويٌّ وعاطفي جدًّا، ولكنه لا يدوم، بينما الحب الواقعي مرتبط بالأرض والحياة، ويستطيع أن يصمد أمام التجربة"، وهذا الذي يسميه "الحب الواقعي" هو ما عبَّر القرآن عنه بالمودة؛ في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

كيف نغرس الحب في حياتنا؟

أيها المسلمون: مهما تكلم الضالُّون عن الحب، فإن إجرامهم يفضحهم، ومهما مجَّدوه وعظَّموه، فنحن أولى الناس بالحب، عَقْدُ ديننا مبنيٌّ عليه، وأساس الإيمان راجع إليه، إنه حب القيم المأخوذ من الدين، فلا يؤمن أحد ولا يأمن، حتى يحب الله خالقه وموجده، ويحب دينه وأحكامه وشريعته، ولا يؤمن أحد حتى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحب أزواجه وصحابته، لا يؤمن أحد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.

 

فالمسلم يحب الخير وأهله، ويحب الخير للناس، يحب والديه فيبرهما ولا يعصيهما، يرعاهما ويؤويهما، ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة والحب، ولا يهملهما.

 

المسلم يحب أبناءه فيعولهم ولا يضيعهم، ويعدل بينهم ولا يظلمهم، ويُرشدهم ولا يطردهم، يحب زوجته فيحترمها ولا يحتقرها، ويُوفيها حقها، ويُعينها ولا يستغلها، ولا يمُدُّ يده ضربًا لها، يحب إخوانه، فينصحهم ولا يفضحهم، ويحفظ أعراضهم ولا يغتابهم.

 

المسلم يحب نساء المسلمين، فيحترمهن ويغض بصره عنهن، لا يوجد في هذه الدنيا دين يحُث أبناءه على الحب والمودة والتآلف كدين الإسلام، ليس في يوم في العام بل في كل وقت، دين يحث على إظهار العاطفة والحب لما له من أثر في جلب المودة؛ لحديث المقداد بن معديكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحب الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه))؛ [صحيح أبي داود].

 

بل إن المسلم تمتد عاطفته لتشمل حتى البيئة والجمال، فهذا جبل أُحُدٍ - جبل جماد - يقول عنه صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث سعد بن سعيد، عن عمارة بن غزية، عن عباس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه))؛ [البخاري].

 

أيها الأحبة: ديننا الحنيف وضَع للحب حدودًا شرعيةً؛ كي يبقى طاهرًا نظيفًا لا يحيد عنها إلى معانٍ أخرى تشوِّهه، فعاطفة المسلم أن يفيض قلبه بالإيمان والمحبة، ثم تنبعث هذه المحبة على كل من حوله من أهله ومجتمعه؛ ليعيشوا متحابين متآلفين.

 

ليس الحب مجرد كلمات أو كروت، أو هدايا أو شعارات، أو أزهار حمراء أو صفراء أو زرقاء.

 

الحب الذي ندعو إليه هو حب الأصالة والقيم، لا حب الخيالات والوهم، ذلك الذي يُغرَس اليوم في نفوس مجتمعاتنا؛ ليشوِّه لنا معنى الحب؛ لنفقد معناه.

 

إنها لغة سامية للحب ينبغي أن ننشرها، وأمانيُّ رائعة تلاحق الخيال والحس، ودعوة من القلب أن نجعل أيامنا كلها حبًّا وإخاءً وصفاءً؛ كي تتسع دائرة المحبة بيننا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحب بين الالتزام الديني ومحدثات العصر
  • المربون وقضية الحب بين الجنسين
  • تنمية الحب بين الزوجين

مختارات من الشبكة

  • كلمات الحب في حياة الحبيب عليه الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحب الشرعي وعيد الحب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الحب في عيد الحب(مقالة - ملفات خاصة)
  • أردتُ معرفة الحب، فحرمني أبي من الحب(استشارة - الاستشارات)
  • بالحب في الله نتجاوز الأزمات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويوم ينتهي الحب تطلق النحلة الزهرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • زوجي الحبيب رحيلك يسعدني !(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • "حب بحب" حب الأمة لحاكمها المسلم "مسؤوليات الأمة تجاه الحاكم"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • اختناق الحب بالحب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الحب في الله وحب الأنصار )(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب