• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الإيمان بالقدر
علامة باركود

عقيدة القضاء والقدر وأثرها (خطبة)

عقيدة القضاء والقدر وأثرها (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/12/2024 ميلادي - 15/6/1446 هجري

الزيارات: 4768

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عقيدة القضاء والقدر وأثَرُها


الحمد لله الذي قدَّر الأمور وأمضاها، وعلِم أحوال الخلائق قبل خلقهم وقضاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله، وخيرته من خَلْقِهِ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

أهمية الحديث عن القضاء والقدر:

أيها المسلمون: إنها عقيدة تملأ قلب المسلم تسليمًا ورضاءً، وإرادةً وعزمًا وارتقاء، وإيمان يدفعه للعمل ويحُثُّه على طلب معالي الأمور، وتصوُّرٌ يستلُّ من نفسه الخوفَ من عوائق الطريق، ومسائلُ مَن عرَفها وأدرك حُكْمها وحِكَمَها، سهُلت أمامه مصاعب الحياة، وتخفَّفت نفسه من أثقال المعاناة، فاستلذَّ الصبرَ، واستحلى الْمُرَّ، وانتظر من الله الأملَ والفَرجَ، وعمِل لتحقيق ذلك ولم يتواكل؛ إنها عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ من أركان الإيمان، فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدم، وعِلْمُه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته لها، ووقوعها على حسب ما قدَّرها جل وعلا، وخَلْقُه لها.

 

القرآن والسُّنَّة تحدثاننا عن القضاء والقدر:

أيها المسلمون: لنستمع إلى كلام الله قيُّوم السماوات والأرض، خالقِ كلِّ شيء وهو على كل شيء قدير، وهو يخبر تعالى عن قدرته وحكمته في القضاء والقدر، ومشيئته له وقضائه به؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23]، وقال الله سبحانه: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 19 - 21]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال الله جل شأنه: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال الله عز وجل: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، وقال الله سبحانه: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وقال الله عز وجل: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3]، وقال الله تعالى: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3]، وقال الله تعالى: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... ولو كان لك مِثْلُ أُحُدٍ ذهبًا - أو مثل جبل أحد ذهبًا - تُنفقه في سبيل الله، ما قبِله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلمَ أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وأنك إن متَّ على غير هذا، دخلتَ النار))؛ [صحيح ابن ماجه]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعِنْ بالله ولا تعجِزْ، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت، كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عملَ الشيطان))؛ [رواه مسلم].

 

أثر القضاء والقدر في الفرد والأُمَّة:

أيها المسلمون: إذا آمَن العبدُ بالقضاء والقدر كما جاء في كتاب الله وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، كسَبَ من إيمانه به آثارًا طيبة، ومنافعَ جليلةً؛ من أجَلِّها الرضا والتسليم بأقدار الله تعالى؛ لأن المؤمن بالقضاء والقدر يعتقد أن الله تعالى هو رب العالمين ومليكُهم، يتصرف في أحوال عباده وخلقه بقدرته ومشيئته وحكمته، فيرضى العبد بكل ما يُقدِّره الله، ويُسلِّم لكل ما يقضي، فيشكره ولا يسخطه أو يكفُره؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، ويستشعر العباد كمالَ ربوبية الله سبحانه وتعالى، وحاجةَ العباد وافتقارهم إليه في جميع الأحوال؛ فالله تعالى هو الذي يتصرف في خَلْقِهِ بقدرته ومشيئته المطلقة، ويُصلح شؤونهم بفضله ورحمته، وجميع خلقه محتاجون ومفتقرون إليه؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27]، ومن الآثار العظيمة للإيمان بالقضاء والقدر الإيجابيةُ في النظر إلى الحياة والتعامل مع الحوادث، فيعمل بما كلَّفه الله تعالى، وبما يقدر عليه، ويجتهد في التعرُّف على سنن الله الكونية، ويعمل بمقتضاها في البناء والتعمير، وفي استخراج كنوز الأرض، والانتفاع بما أُودِعَ في الكون من خيرات، فيكون الإيمان بالقدر قوةً باعثة على النشاط والعمل والإيجابية في الحياة، ومن الآثار الجليلة للإيمان بالقضاء والقدر الطمأنينةُ والسلامة والسعادة في النفس، والوقاية من القلق والوسوسة، والشكوك والأوهام؛ لأن الله تعالى يهدي قلب المؤمن بالله وبقضائه وقدره، فيؤمن بحكمة الله تعالى في جميع أفعاله وتصرفاته، فيشكر على الخير، ويصبر على الشر؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]، وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ، فكان خيرًا له))؛ [مسلم]، ومن آثار الإيمان بالقضاء والقدر الشعور بالمسؤولية على أفعاله وتصرفاته التي تصدر منه بمحض إرادته؛ ولذلك يُثاب على الطاعة، ويُمدح بها، ويستحق العقاب على المعصية، ويُذَمُّ بها؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]، ومن الآثار للإيمان بالقضاء والقدر مواجهةُ الصِّعاب والأخطار بقلب ثابت، وشجاعة فائقة النظير؛ لأنه يُوقِنُ بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وفي هذا المعنى أهلُ غزَّةَ يعلموننا الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء والقدر، والتسليم لأمر الله، ألَا تَرَون أولئك الذين يخاطبون ربهم صباحَ مساءَ: يا رب، خُذِ اليوم من أرواحنا حتى ترضى؟ هؤلاء الحامدين الشاكرين لله عز وجل بكلمة "الحمد لله"، وسر تلك الكلمة التي أذهلت العالم في الغرب وغيره، واتخذوها شعارًا لهم على رغم الجحيم، والقتل، والذبح، والتهجير، وقصف المنازل على رؤوس ساكنيها؛ إنه الإيمان بالقضاء والقدر الذي يبعَث الشجاعة في النفوس والقوة والثبات، ويُذكِّرنا هذا بقول السحرة لفرعون بعد إيمانهم بالله: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 72، 73].

 

ضعف عقيدة القضاء والقدر وأثره:

أيها المسلمون: إنَّ قلقَ كثيرٍ من الناس، وخَوَاء أفئدتهم من الإيمان بقضاء الله وقدره، وفَزَعَهم من المستقبل، والشعور بالوَهَنِ عن حمل المصائب يدفعهم الشكُّ إلى ترقُّب الموت كامنًا في كل أُفُق؛ فيفزعون من الهمس، ويألمون من اللمس، ومن فاته حظُّه من الإيمان بالقدر، فرَّق الله عليه ضَيعَتَه، وجعل فَقْرَه بين عينيه، وسيبقى أسيرَ الشَّكِّ والهموم والأحزان، وكَسْفِ البال، ولم يهنأ بعَيشِه، ولم يدركه لطف الله وحنانه في المصائب والمحن، لقد اعترض إبليسُ على ربِّه سبحانه، وسخِط عليه أنْ فضَّلَ آدم عليه السلام، ثم رفض السجود له، فكان جزاؤه أنْ طَرَدَهُ الله من الملكوت الأعلى، ولعنه إلى يوم الدين؛ وقال له: ﴿ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الأعراف: 18]، وثمة انحراف سَرَى في نفوس كثير من الناس منذ القدم، وكان له الأثر السيئ في واقع الأمة؛ وهو تَرْكُ الأخذ بالأسباب الشرعية المادية والمعنوية، التي خلقها الله، وربط بها حصول الْمُسبَّبات، ورتَّب عليها إدراك النتائج، وهذا الانحراف وسوء فَهمِ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، أدى إلى مزيدٍ من الضعف والتأخر، وترك الأخذ بأسباب القوة المادية، والتواكل، وترك السعي في طلب الرزق والعمل، وطلب الشفاء والتداوي، وقصور في قوة المسلمين وضعف في أحوالهم.

 

والإيمان المختلُّ بعقيدة القضاء والقدر، الذي يُسقِط مسؤولية الإنسان عن أعماله، وذلك حين يُخطئ أو يقصِّر بدعوى أن ما يصيبه هو قضاء وقدر لا حيلةَ له فيه، ويدعو إلى الاستسلام السلبي لكل ما يقع، وعدم السعي إلى تغييره بدعوى أن العمل على التغيير هو بمثابة التمرد على قدر الله وعدم الرضا بقضائه، وهذا لَعَمري ضلالٌ مبين، ونقص في الإيمان، ودليل على عدم التوكل على الله، وكل ذلك انحراف وضعف في الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وقد أدى هذا الخلل العقدي في عقيدة القضاء والقدر إلى تواكل سلبي، بدلًا من التوكل الحق، وإلى إهمال اتخاذ الأسباب ومن بينها أسباب القوة التي أمر الله بإعدادها، وإلى انتشار الفقر والمرض والعجز عن نصرة المظلوم، وما تشاهدونه اليومَ خيرُ دليلٍ؛ فإن ما يقرب من سبع وخمسين دولة عربية وإسلامية ما استطاعوا أن يُدخِلوا كِسْرَةَ خبزٍ، ولا شربة ماء، ولا حبَّةَ علاجٍ لأهل غزة، وقد أمَرَ الله المسلمين بالإعداد واتخاذ الأسباب؛ في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 59، 60].


كيف يُحقِّق المسلم عقيدة القضاء والقدر في حياته؟


أيها المسلمون: لا بد لكل مؤمن بالقضاء والقدر من الإقرار بأربعة أمور، هي معنى القضاء والقدر، مَن أقرَّ بها، فقد استكمل إيمانه بهذا الركن، ولا عليه بعد ذلك من تفاصيل العلماء التي دَعَت إليها مجادلة أهل الباطل.

 

أولًا: العلم بأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا: فيؤمن الإنسان إيمانًا جازمًا لا شكَّ فيه بأن الله بكل شيء عليم، وأنه يعلم ما في السماوات والأرض جملةً وتفصيلًا، سواء كان ذلك من فِعْلِهِ أو من فِعْلِ مخلوقاته، وأنه لا يَخْفَى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما مضى وما هو حاضر الآن، وما هو مستقبل؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال الله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

 

ثانيًا: أنْ يعلمَ أنَّ الله كتب كلَّ شيء: فليعلم أن كل شيء من أمور الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه؛ ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلمُ، فقال له: اكتُب، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بنيَّ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا، فليس مني))؛ [صحيح أبي داود]، ويقول الله سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، فكل شيء معلوم عند الله، وهو مكتوب عنده في كتاب، وروى مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلُقَ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)).

 

ثالثًا: أن كلَّ ما في الكون تحت مشيئة الله: فلا يكون شيءٌ إلا إذا شاءه الله سبحانه، سواء من فِعْلِهِ أو من فِعْلِ مخلوقاته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وقال الله تعالى: ﴿ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]، ويقول الله سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ﴾ [الأنعام: 137].

 

رابعًا: الإقرار بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى: قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]، فالله عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق، ما من موجود في السماوات والأرض إلا والله خالقه، حتى الموت خلقه الله تبارك وتعالى؛ يقول سبحانه: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، فإذا علِمَ المؤمنُ ذلك، فليعلم أنَّ خَلْقَه أحْكَمُ خلقٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال الله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من آثار الإيمان بالقضاء والقدر (خطبة)
  • خطبة: الإيمان بالقضاء والقدر
  • الإيمان بالقضاء والقدر (خطبة)
  • قواعد قرآنية في القضاء والقدر
  • القضاء بين الكفار إذا جاءوا يتحاكمون إلينا
  • ليلة القدر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة العين والأثر في عقائد أهل الأثر (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة العين والأثر في عقائد أهل الأثر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة العين والأثر في عقائد أهل الأثر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها التربوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العقائد المشتركة بين اليهود والنصارى وأثرها على العالم الإسلامي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العقيدة وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة(كتاب - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص ثالث)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص ثان)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص أول)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/12/1446هـ - الساعة: 15:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب