• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السنة النبوية وبناء الأمن النفسي: رؤية سيكولوجية ...
    د. حسام الدين السامرائي
  •  
    خطبة: الشهود يوم القيامة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    كيف تترك التدخين؟
    حمد بن بكر العليان
  •  
    خطبة: تهديد الآباء للأبناء بالعقاب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حين تربت الآيات على القلوب
    فاطمة الأمير
  •  
    الرد على شبهات حول صيام عاشوراء
    د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
  •  
    صلة السنة بالكتاب
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: ماذا بعد الحج
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    خطبة في فقه الجزية وأحكام أهل الذمة
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تفسير: (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الستر فريضة لا فضيحة (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    إطعام الطعام من خصال أهل الجنة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    صفة الوضوء
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    التمييز بين «الرواية» و«النسخة» في «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

توقير الكبير وبر الوالدين (خطبة)

توقير الكبير وبر الوالدين (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/10/2024 ميلادي - 9/4/1446 هجري

الزيارات: 3911

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توقير الكبير وبر الوالدين

 

أَمَّا بَعدُ:

فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يُولَدُ الإِنسَانُ ضَعِيفًا لا يَملِكُ مِن أَمرِ نَفسِهِ شَيئًا، غَيرَ أَنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِه أَن يَقذِفَ في قَلبَي وَالِدَيهِ مَحَبَّتَهُ وَالإِشفَاقَ عَلَيهِ، فَمَا يَزَالانِ يَبذُلانِ قُوَّتَهُمَا وَمَا يَملِكَانِ لِرِعَايَتِهِ، حَتَّى يَشِبَّ وَيَكبَرَ وَيَستَوِيَ عُودُهُ، وَمَا يَزَالُ في نُمُوٍّ وَازدِيَادٍ حَتَّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ، ثم يُصبِحُ كَهلًا ثم يَكُونُ شَيخًا كَبِيرًا، فَيَعُودُ إِلى الضَّعفِ مَرَّةً أُخرَى، وَيَحتَاجُ إِلى مَن يَرعَاهُ وَيَأخُذُ بِيَدِهِ وَيَعتَني بِهِ، وَلأَنَّهُ في تِلكَ المَرحَلَةِ يَكُونُ في نَقصٍ مُستَمِرٍّ وَانحِطَاطٍ، فَإِنَّ نُفُوسَ مَن حَولَهُ قَد لا تَتَحَمَّسُ لِخِدمَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَقَد تَتَبَرَّمُ مِنهُ وَتَمَلُّ وَتَكَلُّ، وَتَنصَرِفُ عَنهُ وَلا تَلتَفِتُ إِلَيهِ، وَمِن ثَمَّ حَرِصَ الإِسلامُ وَهُوَ دِينُ الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ وَالرِّفقِ، عَلَى حُقُوقٍ خَصَّ بها كِبَارَ السِّنِّ وَحَثَّ عَلَيهَا وَأَمَرَ بِهَا، وَجَعَلَ عَلَيهَا عَظِيمَ الأَجرَ وَتَوَعَّدَ مَن فَرَّطَ فِيهَا بِالإِثمِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ مِنَّا مَن لم يَرحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِي ُّوَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ وَلا الجَافي عَنهُ، وَإِكرَامَ السُّلطَانِ المُقسِطِ"؛ رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

إِنَّ الكَبِيرَ وَإِن ضَعُفَت قُوَّتُهُ وَحَوَاسُّهُ، أَو وَهَى عَظمُهُ وَرَقَّ جِلدُهُ، أَوِ اشتَعَلَ رَأسُهُ شَيبًا وَابيَضَّ شَعرُهُ، فَهُوَ صَاحِبُ خِبرَةٍ وَدِرَايَةٍ وَمَعرِفَةٍ، وَلَدَيهِ مِنَ العِلمِ وَالحِكمَةِ مَا لَدَيهِ، وَهُوَ أَكثَرُ عَمَلًا صَالِحًا، فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مَن هُوَ أَصغَرُ مِنهُ أَن يَخفِضَ الصَّوتَ بِحَضرَتِهِ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى الاستِفَادَةِ مِن خِبرَتِهِ، وَأَلاَّ يَتَشَاغَلَ مَا دَامَ مَوجُودًا عَنِ صُحبَتِهِ، وَأَلاَّ يَتَكَلَّمَ قَبلَهُ وَلا يَستَعجِلَ في تَخطِئَتِهِ، وَأَلاَّ يَأنَفَ مِنَ الاستِمَاعِ لِتَوجِيهِهِ وَالإصغَاءِ لِنُصحِهِ، وَأَلاَّ يَتَعَالَمَ أَمَامَهُ وَلا يَتَسَرَّعَ في إِبدَاءِ رَأيٍ وَهُوَ مَوجُودٌ، بَل يَكُونُ بَينَ يَدَيهِ مُؤَدَّبًا، مُتَخَلِّقًّا في مُعَامَلَتِهِ بِأَخلاقِ الإِسلامِ وَأَهلِهِ الَّذِينَ يَعرِفُونَ لِلكَبِيرِ حَقَّهُ، وَيَحفَظُونَ لَهُ سَابِقَتَهُ في الخَيرِ.

 

وَقَد جَاءَ في النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ خُلُقُ أَهلِ الإِسلامِ، عَن مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَابنُ عَمٍّ لي فَقَالَ: "إِذَا سَافَرتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكبَرُكُمَا"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ، فَإِن كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ، فَإِن كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم هِجرَةً، فَإِن كَانُوا في الهِجرَةِ سَوَاءً فَأَكبَرُهُم سِنًّا"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَستَنُّ وَعِندَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا أَكبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأُوحِيَ إِلَيهِ في فَضلِ السِّوَاكِ أَنْ كَبِّرْ، أَعطِ السِّوَاكَ أَكبَرَهُمَا؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَاني، وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَسَهلِ بنِ أَبي حَثمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَا أَنَّ عَبدَاللهِ بنَ سَهلٍ وَمُحَيِّصَةَ بنَ مَسعُودٍ أَتَيَا خَيبَرَ، فَتَفَرَّقَا في النَّخلِ، فَقُتِلَ عَبدُاللهِ بنُ سَهلٍ، فَجَاءَ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ سَهلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابنَا مَسعُودٍ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمُوا في أَمرِ صَاحِبِهِم، فَبَدَأَ عَبدُالرَّحمَنِ وَكَانَ أَصغَرَ القَومِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَبِّرِ الكُبرَ"؛ أَيْ: لِيَتَولَّ الكَلَامَ الأَكبَرُ... الحَدِيثَ.

 

وَفي الصَّحِيحَينِ عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ قَالَ: أَتَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنهُ، وَعَن يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصغَرُ القَومِ وَالأَشيَاخُ عَن يَسَارِهِ، فَقَالَ: "يَا غُلامُ، أَتَأذَنُ أَن أُعطِيَهُ الأَشيَاخَ؟! "فَقَالَ: مَا كُنتُ لأُوثِرَ بِفَضلٍ مِنكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأعطَاهُ إِيَّاه"، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَفي صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَومُ الفَتحِ أَتَى أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَلًّا تَرَكتَ الشَّيخَ في بَيتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ"، وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَخبِرُوني بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسلِمِ، تُؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا وَلا تَحُتُّ وَرَقَهَا"، فَوَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ، فَكَرِهتُ أَن أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَم يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ النَّخلَةُ"، فَلَمَّا خَرَجتُ مَعَ أَبي قُلتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا، لَو كُنتَ قُلتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا مَنَعَني إِلاَّ أَنِّي لَم أَرَكَ وَلا أَبَا بَكرٍ تَكَلَّمتُمَا فَكَرِهتُ؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَفي الأَدَبِ المُفرَدِ لِلبُخَارِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَن حَكِيمِ بنِ قَيسِ بنِ عَاصِمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوصَى عِندَ مَوتِهِ بَنِيهِ، فَقَالَ: "اِتَّقُوا اللهَ وَسَوِّدُوا أَكبَرَكُم؛ فَإِنَّ القَومَ إِذَا سَوَّدُوا أَكبَرَهُم خَلَفُوا أَبَاهُم، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصغَرَهُم أَزرَى بِهِم ذَلِكَ في أَكفَائِهِم.

 

إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَأَمثَالَهَا لَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَد تَقَرَّرَ لَدَى أَهلِ الإِسلامِ أَنَّ لِلكَبِيرِ حَقًّا يَنبَغِي أَن يُؤَدَّى إِلَيهِ، وَإِلاَّ فَلْيُستَأذَنْ لِيَتَنَازَلَ عَن حَقِّهِ، وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنهُم وَمَن بَعدَهُم مِن أَجيَالِ المُسلِمِينَ، عَرَفُوا لِلكَبِيرِ مَكَانَتَهُ، وَحَفِظُوا لَهُ حَقَّهُ وَأَكرَمُوهُ وَأَجَلُّوهُ، وَعَلَّمُوا أَبنَاءَهُم ذَلِكَ وَدَرَّبُوهُم عَلَيهِ وَأَلزَمُوهُم بِهِ، بَل لَقَد كَانَت هَذِهِ هِيَ الفِطرَةَ الَّتي كَانَ عَلَيهَا النَّاسُ مُذْ كَانُوا، قَالَ تَعَالى في إِخوَةِ يُوسُفَ: ﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78]، وَقَالَ تَعَالى عَنهُم: ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80].

 

فَهُم أَوَّلًا تَوَسَّلُوا إِلى يُوسُفَ بِشَيخُوخَةِ أَبِيهِم وَكِبَرِ سِنِّهِ، وَثَانِيًا سَمِعُوا كَلامَ كَبِيرِهِم، وَفي هَذَا دِلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ الكِبِيرِ مَعرُوفٌ عِندَ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ، فَلْنَتَقِ اللهَ أَيُهَا المُسلِمُونَ، وَلْنَكُنْ عَلَى هَذَا الخُلُقِ الكَرِيمِ، وَلْيَعلَمْ صِغَارُنَا أَنَّ مَا يَبذُلُونَهُ لِكِبَارِهِم هُوَ أَجرٌ لَهُم، وَقَرضٌ سَيَجِدُونَ وَفَاءَهُ إِذَا كَبِرُوا وَاحتَاجُوا إِلى مَن يَعتَني بِهِم، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَ يُذكَرُ الكِبَارُ وَحُقُوقُهُم، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ أَن يُؤتَى مِنهُم حَقَّهُ الوَالِدَانِ، فَهُمَا أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسنِ صُحبَةِ المَرءِ وَبِرِّهِ وَإِحسَانِهِ، وَهُمَا أَولى النَّاسِ بِأَن يَتَخَلَّقَ ابنُهُمَا مَعَهُمَا بِأَحسَنِ الأَخلاقِ، وَأَن يَتَأَدَّبَ مَعَهُمَا بِأَرقَى الآدَابِ، وَخَاصَّةً عِندَ كِبَرِهِمَا وَانقِطَاعِ سِنِّهِمَا وَضَعفِ أَبدَانِهِمَا، وَاشتِدَادِ حَاجَتِهِمَا لِرَدِّ مَعرُوفِهِمَا وَجَمِيلِهِمَا، وَذَلِكَ وَاجِبٌ مِن أَعظَمِ الوَاجِبَاتِ وَحَقٌّ مِن آكَدِ الحُقُوقِ بَعدَ حَقِّ اللهِ، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

 

إِنَّهُ حِينَ يُذَكَّرُ بِحَقِّ الوَالِدَينِ، فَلا مَجَالَ لِلتَّفكِيرِ في أَيِّهِمَا أَحَقُّ، أَو لِلتَّقصِيرِ في حَقِّ أَحَدِهِمَا وَالانحِيَازِ لِلآخَرِ لِوُجُودِ خِلافٍ بَينَهُمَا، أَجَل أَيُّهَا الأَبنَاءُ، إِنَّ الوَالِدَينِ كَالعَينَينِ في الرَّأسِ، لِكُلٍّ مِنهُمَا حَقُّ العِنَايَةِ بِهِ أَشَدَّ العِنَايَةِ، وَهَل يُمكِنُ أَن يُكرِمَ المَرءُ إِحدَى عَينَيهِ وَيَترُكَ الأُخرَى تَشكُو القَذَى؟! إِنَّ المُوَفَّقَ مَنِ استَطَاعَ أَن يُرضِيَ وَالِدَيهِ كِلَيهِمَا، وَإِن كَانَ بَينَهُمَا خِلافٌ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُصلِحَ وَيُوَفِّقَ بَينَهُمَا وَيَجمَعَ، وَإِلاَّ بَقِيَ بَعِيدًا عَن ذَلِكَ الخِلافِ، وَأَعطَى كُلًا مِنهُمَا حَقَّهُ غَيرَ مَنقُوصٍ وَبِلا مَنٍّ وَلا أَذًى، وَلْيُعلَمْ أَنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ قَرضٌ وَسَلَفٌ، سَيَجِدُهُ كُلُّ ابنٍ في أَبنَائِهِ، فَرَحِمَ اللهُ ابنًا تَدَارَكَ وَالِدَيهِ بِرَدِّ الجَمِيلِ قَبلَ الرَّحِيلِ، رَحِمَ اللهُ مَن لم يَنسَ سَهَرَهُمَا اللَّياليَ وَبَذلَهُمَا النَّفِيسَ وَالغَاليَ، رَحِمَ اللهُ مَن أَعطَاهُمَا كَمَا أَعطَيَاهُ وَأَسعَدَهُمَا كَمَا أَسعَدَاهُ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا الأَبنَاءُ، وَكَمَا بَذَلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا وَأَعطَوا، فَلْنَتَدَارَكْهُم وَهُم أَحيَاءٌ لِنُوَفِّيَهُم حَقَّهُم، وَكَمَا أَكرَمُونَا وَرَحِمُونَا صِغَارًا، فَلْنُحسِنْ إِلَيهِم كِبَارًا، فَإِنَّهُ إِذَا لم يَنَلِ الابنُ الأَجرَ في وَالِدَيهِ عِندَ كِبَرِهِمَا فَأَيُّ حَظٍّ سَيَكُونُ لَهُ وَأَيُّ نَجَاحٍ وَأَيُّ فَلاحٍ؟! عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ"، قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "مَن أَدرَكَ وَالِدَيهِ عِندَ الكِبَرَ أَحَدَهُمَا أَو كِلَيهِمَا ثمَّ لم يَدخُلِ الجَنَّةَ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بر الوالدين (خطبة)
  • صور راقية من بر الوالدين (خطبة)
  • قرة العين في بر الوالدين (خطبة)
  • خطبة: الوصية ببر الوالدين
  • خطبة: أولادنا وتعليمهم بر الوالدين
  • كيف تحب أن يرفع عملك؟! (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • درس وعظي: رمضان وبر الوالدين (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • التوفيق بين الزواج وبر الوالدين(استشارة - الاستشارات)
  • فضل بر الوالدين (وبرا بوالديه)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • هولندا: دورة عن علوم القرآن وندوة عن تربية الأولاد وبر الوالدين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • (مالكم لا ترجون لله وقارا) من أعظم التوقير إحسان الشكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احترام العلماء وتوقيرهم: الجزاء من جنس العمل (أهل الحديث أنموذجا) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • وجوب توقير الصحابة رضي الله عنهم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • احترام كبار السن وتوقيرهم في الإسلام(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/1/1447هـ - الساعة: 8:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب