• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وهل من طلب ليقتل لديه وقت للنظر؟؟
    مصطفى سيد الصرماني
  •  
    قواعد مهمة في التعامل مع العلماء
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: أو قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    من أسباب المغفرة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القوي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    {إن ينصركم الله فلا غالب لكم}
    د. خالد النجار
  •  
    من مشكاة النبوة (5) "يا أم خالد هذا سنا" (خطبة) - ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    خطبة: أفشوا السلام
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطورة إنكار البعث (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    مسألة تلبس الجان بالإنسان
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: المثلية والشذوذ عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    المعتزلة الجدد وتأويل النص القرآني
    د. محمد عبدالفتاح عمار
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الإضرار بالمسلمين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

والعاقبة للتقوى (خطبة)

والعاقبة للتقوى (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2024 ميلادي - 29/1/1446 هجري

الزيارات: 10377

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

والعاقبةُ للتقوى

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وليِّ المتقين، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له مُخلِصًا له الدينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

 

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ - عبادَ اللهِ-، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

تَبَصُّرُ العواقبِ والنظرُ إلى المآلاتِ هو شأنُ العقلاءِ؛ لا يَغترُّونَ ببريقِ الظاهرِ الخالبِ، ولا يُدْهَشون بأوائلِ الأمورِ، ولا تأسِرُهمُ اللحظةُ الحاضرةُ؛ فيَظلُّونَ حبيسي واقعٍ مُشاهَدٍ على أنه قَدَرٌ لا يتغيّرُ. وإنَّ من شأنِ تلك العواقبِ الخفاءَ والجهلَ بما ستسقِرُّ عليه وتُفضي إليه؛ إذ لا يَعلمُ مصيرَ الأمورِ ومستقَرَّها إلا مَن بيدِه مقاليدُها -جلَّ شأنُه-. غيرَ أنَّ مِن العواقبِ الخفيَّةِ عاقبةَ رُشْدٍ جميلةً وإنْ طالَ انتظارُها وتوارى وجهُها الحَسَنُ خلفَ حُلكةِ الواقعِ المُرِّ، قد أبانَها اللهُ، وضَمِنَ لأهلِها في مواضعَ من كتابِه تحقُّقَها إنْ هم حقَّقُوا شرطَها؛ تلكم هيَ عاقبةُ التقوى، كما قال تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وقال: ﴿ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]، وقال: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. تأكيدٌ ربانيٌّ مُكرَّرٌ في عَدَدِه وأسلوبِ خبرِه الذي لا يعتريه كذبٌ ولا خُلْفٌ ولا شكٌّ؛ إذ لا أصدقَ قيلًا من اللهِ، ولا أوفى منه عهدًا -جلَّ وعلا-!

 

عبادَ اللهِ!

إنَّ ضمانَ اللهِ حُسْنَ العاقبةِ للمتقين من آثارِ ربوبيتِه التي انفردَ بها بالمُلكِ والتصرفِ، كما قال تعالى: ﴿ فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى ﴾ [النجم: 25]. وشأنُ العواقبِ ولِمَنْ تكونُ من مفرداتِ انفرادِه -سبحانه- بالخلقِ والأمرِ؛ ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41] ﴿ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]. وضمانُ عاقبةِ الحُسْنِ لأهلِ التقوى من مقتضياتِ سُنَّةِ المُجازاةِ بالإحسانِ لأهلِ الإحسانِ والوفاءِ لأهلِ الوفاءِ، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، كما هي من مقتضياتِ وِلايتِه عبادَه المتقين ورحمتِه بهم، كما قال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19]. هذا، وقد أبانَ اللهُ سبيلَ الظفرِ بتلك العاقبةِ حين يَسلُكُ العبدُ جادَّةَ التقوى مُتَدَرِّعًا بأعظمِ زاديْنِ من أزوادِها التي لا يُمكنُ السيرُ ولا الثباتُ إلا بها؛ ذلكم هو زادُ التوكلِ بالاستعانةِ باللهِ حين يَعْلُمُ العبدُ علمَ يقينٍ بكفايةِ اللهِ، ويمتلئُ قلبُه بالثقةِ به وحُسْنِ اختيارِه له؛ فيرضى بما يفعلُه به ويَختارُه له. والزادُ الآخرُ الصبرُ على امتثالِ أمرِ اللهِ ونهيِه ومصابرةِ مُرِّ قدَرِه وانتظارِ فرَجِه، كما قال موسى -عليه السلامُ- لقومِه حين استبدَّ فرعونُ وطغى، وجرَّعَهم غُصصَ الذُّلِ والهوانِ والعذابِ بعد أن ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 127، 128]. فكان وعْدُ اللهِ لهم مُحقَّقًَا حين امتثلوا وصيةَ نبيِّهم -عليه السلامُ- بالتوكلِ والصبرِ إذ قالَ: ﴿ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 84 - 86]، فقال سبحانَه: ﴿﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137]. وهكذا كانتِ العاقبةُ لنوحٍ -عليه السلامُ- ومَن نجا معه في الفُلكِ، بل هي عاقبةُ كلِّ مَنِ استعانَ باللهِ وصَبَرَ، كما قال تعالى: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 48، 49]. وما كان زادُ التوكلِ والصبرِ إلا لأجلِ تخطِّي عقابيلَ الابتلاءِ التي لا يخلو منها طريقُ التقوى المفضي إلى جميلِ العاقبةِ، كما قال هِرَقْلُ لأبي سفيانَ عندما سأله عن قتالِهم نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا؛ يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، ‌وَكَذَلِكَ ‌الرُّسُلُ ‌تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

 

أيها المسلمون!

إنَّ حُسْنَ العاقبةِ التي قد ضمنَ اللهُ حصولَها للمتقين إخبارٌ مؤكَّدٌ عامٌّ؛ يَنْظِمُ أمورَ الدنيا والآخرةِ كلَّها؛ فلا يَشذُّ منه شيءٌ؛ وذلك مما يُعطي الأمرَ قدْرَه، ويُظْهِرُ شرفَه؛ لِيوليَه العبادُ عنايتَهم. ومن جميلِ صورِ عُقبى التقوى في الدنيا النجاةُ من الكروبِ وتيسيرُ العسيرِ وإجابةُ الدعاءِ؛ ﴿ ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، والتمكينُ في الأرضِ والنصرُ على الأعداءِ؛ ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، وحصولُ البُغيةِ بخيرةِ اللهِ وبركةُ الرزقِ وغنى قناعةِ القلبِ وهناءُ العيشِ وجمعُ الشَّمْلِ؛ ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وحفظُ الكرامةِ، ورفعةُ المنزلةِ، ووضعُ القبولِ ومحبةُ العبادِ؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96].

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنَّ مما يجدرُ التنبيهُ عليه ولفتُ النظرِ إليه أنَّ وعْدَ اللهِ المتقين بعُقبى الدنيا قد يُعارَضُ بالواقعِ المريرِ الذي يعيشونَه، بل قد يموتُ بعضُهم في ذِروةٍ من بُؤسِ الدنيا، وذاك لا يُخالِفُ وعدَ اللهِ لهم بحسنِ العاقبةِ؛ إذ وعدُه حقٌّ لا يتخلَّفُ؛ فحُسْنُ العاقبةِ إنما يكونُ بميزانِ اللهِ لا ميزانِ الخلقِ الجهولِ، وله أَمَدُه الذي يختارُه اللهُ بحكمتِه؛ وذاك ما أفصحُ عنه مَنطِقُ الصحابيِّ الجليلِ حرامِ بنِ مِلْحانَ -رضيَ اللهُ عنه- حين طعنَه الغادرُ مِنْ خَلْفِهِ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ: ‌فُزْتُ ‌وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! رواه مسلمٌ. وأجلُّ صورِ عُقبى التقوى في الدنيا العوضُ الإيمانيُّ الخفيُّ الذي وصفَه ابنُ القيِّمِ بقولِه: " وأجلُّ ما يُعوَّضُ به الأنسُ باللهِ، ومحبتُه، وطمأنينةُ القلبِ به، وقُوَّتُه، ونشاطُه، وفرحُه، ورضاه عن ربِّه -تعالى- ". فذاك العوضُ أعظمُ نعيمِ الدنيا على الإطلاقِ؛ إذ هو غايةُ الأُنْسِ والرضا الذي يَسعى لتحقيقِه كلُّ البَشَرِ وإنْ تباينتْ طرائقُهم في طلبِه؛ وهو الزادُ الذي لا تطيبُ الحياةُ إلا به وإنِ استحكمتْ بلاءً. وقد عبَّرَ عن ذلك النعيمِ مَن ذاقَهُ قائلًا: " إنَّ في الدنيا جنةً مَن لم يَدْخُلْها لم يَدخلْ جنةَ الآخرةِ! "، " ‌لَوْ ‌يَعْلَمُ ‌الْمُلُوكُ ‌وَأَبْنَاءُ ‌الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ! "، " إنّه لَيمرُّ بالقلبِ أوقاتٌ أقولُ: إنْ كان أهلُ الجنةِ في نعيمٍ مثلِ هذا إنَّهم ‌لَفي ‌عيشٍ ‌طيِّبٍ! ". فالاطمئنانُ النفسيُّ، والثقةُ بموعودِ اللهِ، والفرحُ بنعمتِه، والاسترواحُ بانتظارِ فرجِه، والثباتُ على دينِه حتى انتهاءِ الأجلِ، والرضا بما قَسمَ الإلهُ كلُّها عواقبُ خيرٍ لأهلِ التُّقى، ونسائمُ سرورٍ إيمانيٍّ تُطيفُ بقلوبِهم؛ لِتُذهِبَ عنها الأحزانَ، وتُداويَ الجراحَ. مَرَّ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ بِرَجُلٍ أَعْمَى مَجْذُومٍ مُقْعَدٍ عُرْيَانٍ، وَبِهِ وَضَحٌ (أي: بَرَصٌ)، وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ مَعَ وَهْبٍ: أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْكَ مِنَ النِّعْمَةِ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟! فَقَالَ الرَّجُلُ: ‌ارْمِ ‌بِبَصَرِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَانْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ أَهْلِهَا، أَوَ لَا أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ أَنَّهُ‌‌ لَيْسَ أَحَدٌ فِيهَا يَعْرِفُ اللَّهَ غَيْرِي؟! وكان الفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ بالكوفةِ، فقدِمَ عليه عبدُاللهِ بنُ المُباركِ، فقال له الفُضَيلُ: إنَّ ها هُنا رجلًا من المتعبِّدينَ قد خرجَ عن دُنيا؛ فامضِ بنا إليه ننظرْ عقلَه، فجاؤوا إليهِ وهو عليلٌ وعليه عباءةٌ وتحتَ رأسِه قطعةُ لبنةٍ، فسلّمَ ابنُ المباركِ عليهِ، ثم قال: يا أخِي، بلغَنا أنّه ما تَرَك عبدٌ شيئًا للهِ إلا عوّضَه اللهُ ما هو أكثرُ منه، فما عوّضكَ؟ قال: الرِّضا بما أنا فيه، فقال ابنُ المباركِ: حسبُكَ! وقاما على ذلك.

 

عبادَ اللهِ!

وأما عُقبى الآخرةِ - مَحَطِّ نظرِ المتقين- فهي لهم صافيةٌ باقيةٌ، كما قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35]. بل إنها بلسمٌ يُنسيهم كلَّ بؤسٍ ذاقوه في الدنيا، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ -يَا رَبِّ-، مَا مَرَّ بِي ‌بُؤْسٌ ‌قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ " رواه مسلم.

وخيرُ زادِك ما كان مِن التقوى
وعُقبى أمرِها دومًا إلى رَشَدِ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • والعاقبة للتقوى
  • تفسير: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: ماذا بعد الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قواعد قرآنية في تقوية الحياة الزوجية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • رمضان زاد للتقوى وبناء النفس(مقالة - ملفات خاصة)
  • الصيام سبب الوصول للتقوى(مقالة - ملفات خاصة)
  • الصيام أعظم مولد للتقوى في قلوب العباد(مقالة - ملفات خاصة)
  • تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الشهود يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: المثلية والشذوذ عند الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/1/1447هـ - الساعة: 15:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب