• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

أبو بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)

أبو بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)
د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/7/2024 ميلادي - 22/1/1446 هجري

الزيارات: 6503

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أبو بكر الصديق رضي الله عنه


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي ألَّف بين قلوب [المؤمنين]، فجعلهم متحابِّين [متآزرين]، الذي لا تجحد نعمه، [ولا تحصى مننه]، له الحمد كما حمد نفسه، وكما هو أهله، [وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله]، اختاره بعلمه، وائتمنه على وحيه، واختار له [خير العباد] أعوانًا، قذف في قلوبهم تصديقه ومحبته، فآمنوا به وعزروه ووقروه، وجاهدوا في الله حق جهاده، فاستشهد لله منهم من استشهد، على المنهاج الواضح، والبيع الرابح، [وتوفي منهم من توفي على الحق الناصع، والتوحيد الناصح] فصلِّ وسلم يا رب عليهم صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدين، أما بعد:

فأوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله عز وجل، فتقوى الله هي طريقُ النجاة والسلامة وسبيل الفوز والكرامة ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

عباد الله، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فمن شذَّ شذَّ في النار.

 

أيها الناس، لكل أمة أمجاد وأنباء نجاد، وأبناء شداد، لا تزال تفاخر بهم، فتسترجع سيرهم، وتستعرض مسيرتهم، ولذا قال الأول:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جريرُ المجامع

عباد الله، إن التاريخ لم يشهد رجالًا اشتدَّ بالله عزمهم، وصدقت لله نواياهم، في غايات شريفة من الإيمان والإصلاح، نذروا لها حياتهم، صدقوا ما عاهدوا الله عليه في جسارة وتضحية، إنه لم يشهد كما شهد في الرجال من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

 

أيها الإخوة، وهذه وقفة مع سيرة رجل من هؤلاء الرجال، بل إنه رجل لا كالرجال، إنه عبدالله بن عثمان بن عامر القرشي، أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه الصِّدِّيق، خليفة رسول الله الأول، والمؤمن الأول برسول الله من الرجال رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا، حقًّا فقد كان عبدًا لله، عبده حق عبادته، وجاهد فيه حق جهاده، أنفق في سبيله ماله كله، ونافح عن دينه، ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم وصدَّقه وآمن به.

 

وجهل فضله كثير من الناس، وبخسوه حقَّه، سبق إلى الإيمان، وبادر إلى الرفقة، ولازم الصحبة، واختص بالمرافقة في الغار والهجرة: ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: 40].

 

فعن هذا الحبيب للحبيب صلى الله عليه وسلم نتكلم اليوم، ونحن نعرف أننا لن نفيَه حقَّه، ولا بعضًا من حقه.

 

ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم سنة قبل البعثة، وسبق إلى الإسلام واستمر معه طوال إقامته في مكة وفي الهجرة والغار، وشهد معه المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحج بالناس في السنة التاسعة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

أما صفته الخَلْقِية: فقد كان أبيضَ، نحيفًا، خفيف العارضين لا يستمسك إزاره على حقويه؛ لشدة نحافته، معروق الوجه – أي: قليل لحم الوجه – غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأصابع.

 

أما صفاته الخُلُقية: فقد جمع الفضائل كلها، وكان أشبه ما يكون بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان صِدِّيقًا أوَّاهًا شديد الحياء، كثير الورع، حازمًا، رحيمًا، تاجرًا، كريمًا، شريفًا، غنيًّا بماله وجاهه وأخلاقه، لم يشرب الخمر قط؛ لأنه سليم الفطرة، سليم العقل، ولم يعبد صنمًا قط، بل يكثر التبرم منها، ولم يؤثر عنه كذبًا قط، بل كان صِدِّيقًا.

 

فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بادر رضي الله عنه إلى الإيمان به وتصديقه، ولم يتردَّد حين دعاه إلى الإيمان، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم طول إقامته بمكة، وصحبه في هجرته، ولازمه في المدينة، وشهد معه جميع الغزوات، أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة؛ وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالرحمن بن عوف. واشترى سبعة من المسلمين يعذبهم الكفار بسبب إسلامهم فأعتقهم؛ منهم: بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامر بن فهيرة الذي صحبهما في هجرتهما ليخدمهما.

 

وقد أثنى عليه القرآن في ذلك: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].

 

كان رضي الله عنه أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ومدلول كلامه وفحواه، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وقال: ((إن عبدًا خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله))، ففهم أبو بكر رضي الله عنه أن المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، فعجب الناس من بكائه؛ لأنهم لم يفهموا ما فهم.

 

عَظُم اليقين والإيمان في قلبه، فلو وزن إيمان الأمَّة وليس فيها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر.

 

أفضل الصحابة على الإطلاق؛ إذ نقل على ذلك إجماع أهل السنة جمع من أهل العلم، منهم القرطبي وقال: "ولا مبالاة بأقوال أهل التشيُّع ولا أهل البدع".

 

وفي ذلك قال حسَّان رضي الله عنه:

إذا تذكرتَ شجوًا من أخي ثقةٍ
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها
بعد النبيِّ وأوفاها بما حملا
والثانِي التالِي المحمود مشهده
وأول الناس منهم صدَّق الرُّسُلا

 

وقال عمر رضي الله عنه حين قال الصحابة: منا أمير ومنكم أمير، وذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: سيفان في غمد واحد إذن لا يصلحان، ثم أخذ بيد أبي بكر، فقال: من له هذه الثلاث: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ﴾ من صاحبه؟ ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾ من هما؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ مع مَن؟ ثم بايع، فبايع الناس أحسن بيعة وأجملها.

 

أعلم الصحابة وأذكاهم وأفقههم، كان يفتي بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقرُّه، قال أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه: كان أبو بكر أعلمنا. لم تختلف الأمة في عصره في مسألة من الدين إلا فصَّلها، بيَّن لهم موتَ النبي صلى الله عليه وسلم، وثبَّتهم على الإيمان بعد موته، وبيَّن لهم موضع دفنه، والحكم في ميراثه.

 

ارتضاه واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة التي هي عماد الدين، واستعمله على أول حَجَّةٍ خرجت من المدينة عام تسع من الهجرة، قال ابن تيمية رحمه الله: "وعلم المناسك أدقُّ ما في العبادات، وليس في مسائل العبادات أشكل منها، ولولا سعة علمه لم يستعمله"؛ ا هـ.

 

كان أول من يتكلم من الصحابة عند المشورة، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم برأيه في الأمور العظيمة، فإذا خالف أحدٌ رأي أبي بكر عمل النبيِّ برأي أبي بكر دون رأي مخالفه، كما في أسارى بدر وصلح الحديبية، وكان عمر يراجعه في المسائل في عهد النبوة لكمال عقله ورجاحة فهمه، وسعة فقهه، وقدم سبقه في الإسلام.

من لي بمثل سيرك المدلل
تمشي رويدًا وتجيء في الأول

بيته بيت إيمان، لا يعرف بينهم منافق، وليس هذا لأحد سوى أبي بكر، أسلم أبوه وأمُّه وأولاده وأولاد أولاده، وأدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا البيت خرجت الصدِّيقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، أحبُّ نسائه إليه، توفي النبي صلى الله عليه وسلم في حِجْرِها وحُجْرَتِها، فقيهة الصحابة وأم المؤمنين.

 

رجل أسيف، إذا قرأ القرآن لم يملك دمع عينه، سبَّاقٌ إلى الخيرات، كما في صحيح مسلم صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ذات يوم بأصحابه، فلما قضى صلاته قال: ((أيكم أصبح اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا. قال: ((من تبع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا. قال: ((من أطعم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))، ويوم القيامة يدعى من أبواب الجنة كلها، ونزل فيه: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].

 

عباد الله، فمن سرَّه أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر. كيف لا وقد أعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر خطيبًا: ((إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى باب في المسجد إلا باب أبي بكرٍ))؛ متفق عليه.

 

وفي أفراد البخاري: ((إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذب، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!))؛ أخرجه البخاري.

 

ويزداد الأمر وضوحًا ووضاءً حين يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما لأحد عندنا يد إلا وكافيناه بها ما خلا أبا بكر؛ فإن له يدًا يكافيه الله بها يوم القيامة))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.

 

ولقد نقل ابن الجوزي أنَّ السلف كانوا يعلمون أبناءهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن، ولما سُئل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن حب أبي بكر وعمر: هي سنة؟ قال: لا، بل فريضة.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي وعد الموحِّدين بالجنة، وتوعَّد المشركين بالنار، أحمده سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حمى جناب التوحيد من كل ما يخلُّ به ويشينه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

معشر الأحِبَّة في الله، للصديق رضي الله عنه موقفٌ عظيمٌ وهو عندما شاع خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة الكرام كأنجح ما يكون الخبر، وأظلمت سماء المدينة على أهلها، يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيت يومًا قطُّ كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وتقول فاطمة يوم موته عليه الصلاة والسلام: ((يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاه، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاه، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاه))؛ أخرجه البخاري.

 

أما الفاروق فقد أخرجه الخبر عن وعيه فجعل يقول: إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل: إنه مات، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجالًا وأرجلهم يزعمون أنه مات.

 

وكان الصديق خارج المدينة حين ذاك فأقبل، فلما بلغه الخبر أقبل إقبال المؤمن المسلم، فدخل المسجد، ولم يكلم أحدًا، حتى دخل على عائشة فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغَشًّى بثوب، فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه، وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، طبت حيًّا وميتًا، ثم خرج إلى الناس، وكان عمر شاهرًا سيفه يكلم الناس، فقال أبو بكر: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس على الصدِّيق، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، قال الله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].

 

قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس منه كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.

 

قال ابن المسيب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، حتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.

 

ذلكم موقف الحبيب مع حبيبه، لولا الإيمان الذي رجح بإيمان الأمة؛ لما كان له أن يقفه.

 

عباد الله، تولى أبو بكر الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار في الناس سيرة حميدة، وبارك الله في مدة خلافته على قلتها؛ فقد كانت سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليالٍ.

 

ولما مرض رضي الله عنه مرضه الذي مات فيه، قالوا له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعَّال لما أريد.

 

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمِدَ فما زال جسمه يضوى حتى مات.

 

توفي رضي الله عنه يوم الاثنين ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء، لثماني ليالٍ بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة للهجرة النبوية، وكان عمره ثلاثًا وستين عامًا مثل عمر صاحبه صلى الله عليه وسلم.

 

وهذا وصلُّوا- رحمكم الله- على البشير النذير، كما أمركم الله بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

وارض اللهم عن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.

 

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال، اللهم هيِّئ له البطانة الصالحة التي تعينه على الخير، وتدله عليه، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم إنا نحب نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر رضي الله عنه وجميع الصحابة الكرام.

 

فاللهم اجمعنا معهم في دار كرامتك، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم نوِّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسِّر لهم أمورهم.

 

اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك.

 

اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعفِ عنهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقِّهم من الذنوب والخطايا، كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وجازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا.

 

اللهم ما كان لك فتجاوزه عنهم، وما كان لعبادك فتحمله عنهم، وارحمنا برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجَّال، وفتنة المحيا والممات.

 

عباد الله، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه
  • لماذا اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميرا للمؤمنين؟
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه

مختارات من الشبكة

  • أوليات: أبو بكر الصديق رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه: حياته وخلافته (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لقاء إذاعي - أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • أبو بكر رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبو بكر وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبو موسى وعمه أبو عامر الأشعريان وقصة عجيبة دروس وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبو بكر المروزي ومسند أبي بكر الصديق(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب