• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مكانة العمل وآدابه في الإسلام (خطبة)

مكانة العمل وآدابه في الإسلام (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2024 ميلادي - 12/11/1445 هجري

الزيارات: 14187

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة مكانة العمل وآدابه في الإسلام

 

الخطبة الأولى

الحمد لله فاطر الأرض والسماوات، عالم الأسرار والخفيَّات، المطَّلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شيء علمًا، ووسِع كل شيء رحمة وحلمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمًا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون به علمًا، لا تدركه الأبصار، ولا تغيِّره الدهور والأعصار، ولا تتوهمه الظنون والأفكار، وكل شيء عنده بمقدار، أتقن كل ما صنعه وأحكمه، وأحصى كل شيء وقدَّره، وخلق الإنسان وعلَّمه:

فلك المحامد والثناء جميعه
والشكر من قلبي ومن وجدانِ
فَلَأنت أهلُ الفضل والمنِّ الذي
لا يستطيع لشكره الثَّقَلانِ
أنت القوي وأنت قهار الورى
لا تعجزنك قوة السلطانِ
فلك المحامد والمدائح كلها
بخواطري وجوانحي ولساني

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عرف الحق والتزمه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسائر من نصره وكرَّمه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعـد:

فإن للعمل في الإسلام – عباد الله - مكانة عالية، ومنزلة رفيعة، به يُنال الأجر والثواب، وهو عبادة عظيمة لله، وامتثال لأمره، عن طريقه تقوم الحياة، وتعمر الديار، وتزدهر الأوطان، ويحدث الاستقرار؛ أمَرَ به سبحانه وتعالى فقال: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 11]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

 

واعتبر الإسلام العملَ نوعًا من أنواع الجهاد في سبيل الله؛ فقد رأى بعض الصحابة شابًّا قويًّا يسرع إلى عمله، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تقولوا هذا؛ فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان))؛ [صحيح الجامع للألباني (1428)]، إن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلًا عن معانيه التعبُّدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكن أفرادها ظلَّت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف، والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة! لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح الذي من وراءه بسط الرزق، والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: ((من سَرَّه أن يُبسَط له في رزقه، أو يُنسَأ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه))؛ [البخاري (2067)، ومسلم (2557)]، لقد جعل الله الأرض مستقرَّ حياة الإنسان ومعاشه في هذه الدنيا، وأوجد فيها الكثير من النعم، وسخر جميع المخلوقات لخدمته، ونوَّع له أبواب الرزق وطُرُقَه، وأمَرَه بالسعي والعمل الصالح النافع، الذي جعله سببًا لمعاشه وعزته وقوته؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 107]، والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحًا، وإلى أبواب الرزق ساعيًا، ولكن قلبه معلَّق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره؛ قال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37].

 

أيها المؤمنون، عباد الله، إن نظام هذه الحياة يتطلَّب السعيَ والعمل، فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجدٍّ، وتعمل بنشاط، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرًا بشعار الجد والنشاط، طارحًا القعود والكسل وراءه ظهريًّا، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعته الإنسانية، وهي سُنَّة الله في خلقه، وبما أوحت إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلًّا على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رَحَى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده))؛ [رواه البخاري]، ويقول أيضًا: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها، فَلْيَفْعَل))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد (479)]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان آدم عليه السلام حرَّاثًا، ونوح نجَّارًا، وإدريس خيَّاطًا، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجرًا، وداود حدادًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سبأ: 10، 11]، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاةً للأغنام، وعمِل صلى الله عليه وسلم أيضًا في التجارة، فخرج إلى الشام في تجارة عمه وزوجه خديجة رضي الله عنها؛ قال لقمان الحكيم لابنه يومًا: "يا بني استعِنْ بالكسب الحلال؛ فإنه ما افتقر أحد قــط إلا أصابه ثلاث خِصــال: رِقَّة في دينه، وضعفٌ في عقله، وذَهاب مروءته، وأعظم من هذه الخصــال استخفاف الناس به".

 

لقد عظَّم الإسلام من شأن العمل، مهما كان هذا العمل في المصنع، أو في المتجر، أو في المستشفى، أو في الوزارة، أو في السوق، أو في بناء العمارات وتشييد المباني، أو في الزراعة وحراثة الأرض، أو حتى كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض، أو حتى كان في القضاء والفصل بين الناس، أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها، فإنها تُؤجَر عليه، فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

أيها المسلمون، عبــاد الله: وإذا كان العمل بهذه الأهمية والمكانة، فإن له آدابًا وواجباتٍ، ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها، وهو يقوم بأي عمل من الأعمال، فعليه ابتداءً أن يتقن عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن؛ لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإتقان في الأعمال؛ فقد قال: ((إن الله يحب إذا عمِل أحدكم عملًا أن يُتقنه))؛ [السلسلة الصحيحة (1113)]، فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة، يُربِّيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تُحدِث التغيير في سلوكه ونشاطه، ولأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عمل مقبول عند الله، يُجازى عليه، سواء كان عملَ دنيا أم آخرة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

ومن الآداب أن الإسلام نهى أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يعرِّضها لذُلِّ السؤال، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غِنًى، ومن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومن يستَغْنَ يُغْنِه الله))؛ [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَأن يأخـذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خيرٌ له من أن يأتي رجلًا، فيسأله، أعطاه أو منعه))؛ [البخاري].

 

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعُدَنَّ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة"، ويقول أيضًا رضي الله عنه: "إني لَأرى الرجل فيعجبني، فأقول: أَلَهُ حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني"، فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.

 

يقول الشاعر:

بقدر الكَدِّ تُكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهِر الليالي
ومن طلب العلا من غير كدٍّ
أضاع العمر في طلب المحالِ

 

ومن آداب العمل في الإسلام أن يكون العامل قويًّا أمينًا، والقوة تتحقق بأن يكون عالمًا بالعمل الذي يُسند إليه، وقادرًا على القيام به، وأن يكون أمينًا على ما تحت يده؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وأن يكون العامل بعيدًا عن الغش والتحايل؛ فالغش ليس من صفات المؤمنين؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غَشَّ فليس مني))؛ [مسلم، وأبو داود، والترمذي]، وقد ((مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعامًا حبوبًا فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بَلَلًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء - أي المطر - فقال عليه الصلاة والسلام: فهلَّا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشَّنا ليس منا))؛ [رواه مسلم]، ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم الالتزام بالمواعيد، والنصح لصاحب العمل، وتحرِّي الحلال، والبعد عن الأعمال المحرمة، ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد خارج عمله عن أمور تعتبر من أسرار العمل، وعليه أن يلتزم بقوانين العمل، ويجب على العامل أيضًا أن يحافظ على أداء الصلوات وإيتاء الزكاة، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئ مسلم تحضُره صلاة مكتوبة، فيُحسِن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفَّارة لِما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله))؛ [رواه مسلم]، ومن هذه الآداب الالتزام بالدوام والتبكير إلى العمل؛ حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأُمَّتي في بكورها))؛ [الترمذي وابن ماجه]، هذه آداب العمل وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير، فيها الراحة والسعادة، والأمن والأمان للفرد والمجتمع، وفيها رضا الله، وسعة رزقه، وتتابع برِّه، وحلول بركته، اللهم تقبَّل أعمالنا، وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:

فعندما كان المسلمون يتعاملون بهذه القيم وبهذه الأخلاق عبادَ الله، كان العامل المسلم في أي مجال من مجالات العمل يستشعر هذه المسؤولية، وهذه الأمانة، ويقوم بواجبه على أكمل وجه، لا تغرُّه المناصب، ولا تستهويه وتفسده الأموال؛ لقد دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيد بن عامر الجمحي إلى مؤازرته، وقال: يا سعيد، إنَّا مُولُّوك على أهل حِمْصٍ، فقال سعيد: يا عمرُ، ناشدتك الله ألَّا تفتني، فغضب عمر، وقال: ويحكم، وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني، والله لا أدَعُك، ثم ولَّاه على حمص، ثم مضى إلى حمص وما هو إلا قليل من الزمن، حتى وفد على أمير المؤمنين بعضُ مَن يثق بهم من أهل حمص، فقال لهم: اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسُدَّ حاجتهم، فرفعوا كتابًا، فإذا فيه: فلان وفلان وسعيد بن عامر، فقال: ومن سعيد بن عامر؟ فقالوا: أميرنا، قال: أميركم فقير؟! قالوا: نعم، ووالله إنه لَيَمُرُّ عليه الأيام الطِّوال، ولا يُوقَد في بيته نار، فبكى عمر حتى بلَّلت دموعه لحيته، ولم يمضِ على ذلك طويلُ وقتٍ، حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها، فلما نزل بحمص لقِيَه أهلها للسلام عليه، فقال: كيف وجدتم أميركم؟ قالوا: نِعْمَ الأمير يا عمر، إلا أنهم شكَوا إليه ثلاثًا من أفعاله، كل واحد منها أعظم من الأخرى، قال عمر: اللهم لا تخيِّب ظني فيه، وجمعهم به، ثم قال: ما تشكون من أميركم؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، فقال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ فسكَتَ قليلًا، ثم قال: والله إني كنت أكره أن أقول ذلك، أما وإنه لا بد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريَّث قليلًا حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس، قال عمر: وما تشكون منه أيضًا؟ قالوا: إنه لا يجيب أحدًا بليلٍ، قال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضًا، فإني قد جعلت النهار لهم، ولربي الليلَ، ثم قال عمر: وما تشكون منه أيضًا؟ قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غشية، فيغيب عمن في مجلسه، قال عمر: وما هذا يا سعيد؟ فقال: شهِدت مصرعَ خُبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريشًا تقطع جسده، وهي تقول: أتُحِبُّ أن يكون محمد مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أن أكون آمِنًا في أهلي وولدي، وأن محمدًا تَشُوكُه شَوكةً، وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم، وكيف أني تركت نصرته، إلا ظننتُ أن الله لا يغفر لي، وأصابتني تلك الغشية، عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك.

 

هذا هو العمل، وهكذا يكون تحمُّل المسؤولية، وهكذا تُؤدَّى الأمانات؛ علوٌّ في الحياة، وفي الممات، وفي الآخرة عند خالق الأرض والسماوات.

 

إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجعٍ الخيانةَ في العمل، وعدم الوفاء بأمانة العمل، إما عن طريق أن يُوسَّد العمل لغير أهله، وإما بإهدار المال العام، وكلاهما أبشع أنواع الخطر على تقدُّم المجتمع وحضارته، أما توسيد العمل لغير أهله، فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة، وعدم استقرارها وثباتها، وفي التأكيد على المحافظة على الاستقرار، كان توجيه الإسلام واضحًا في بيان أن الأمر إذا وُسِّد لغير أهله، فلننتظر الساعة؛ كناية عن انتهاء الحياة والاستقرار، وعندما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة وقال له رجل: متى الساعة؟ قال: ((إذا ضُيِّعت الأمانة، فانتظر الساعة، فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر لغير أهله، فانتظر الساعة))؛ [رواه البخاري].

 

وأما إهدار المال العام، فإنه يتمثل في صور كثيرة؛ من سوء استخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله تعالى فيما يعمل وفيما يأخذ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك، فهو غُلُول))، وفي رواية أخرى: ((من استعملناه منكم على عملٍ، فَكَتَمَنا مخيطًا فما فوقه، كان غُلُولًا يأتي به يوم القيامة))؛ [رواه الإمام أحمد في المسند (17723)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورجاله ثقات رجال الشيخين].

 

عبـاد الله، وأخيرًا، فقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكل منهما حقوقًا وواجبات، فقد ضمِن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية، وهي دفع الأجر المناسب له؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير أجرَه قبل أن يجفَّ عَرَقه))؛ [ابن ماجه]، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خَصَمْتُه: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعْطِه أجره))، ومن ذلك الحقوق البدنية، وهي الحق في الراحة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم))؛ [متفق عليه].

 

وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفِّر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية وأدوات، وغير ذلك من متطلبات العمل.

 

فإلى العمل والإنتاج لنرضي ربنا، ونحقق طموحاتنا، ونبني أوطاننا، فاللهم خُذْ بنواصينا إلى كل خير، هـــذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أحوالنا، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم، ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وارحمهما كما ربَّونا صغارًا، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفهوم العمل الجماعي وأهميته
  • العمل الجماعي في الكتاب والسنة (1)
  • 4 إشكاليات تعترض البت في مشروعية العملات الرقمية
  • العمل الجماعي في الكتاب والسنة (2)
  • العمل الجماعي وأثره في الاجتهاد والقضاء
  • الإخلاص في القول والعمل (خطبة)
  • النقود والعملات في بلاد الشام في العصر الزنكي (521 - 579ه / 1127 - 1183م)
  • الجزاء من جنس القول والعمل كما تدين تدان، وكما تزرع تحصد، والله لك كما تكون لخلقه
  • خير العمل أدومه (بطاقة)
  • الغنائم المحققة للمطلوب في العمل
  • الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غير الإسلام فهو كافر من أهل النار (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة أتباعه في شعر الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مكانة صلاة الجمعة في الإسلام وأحكامها وآدابها في القرآن والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: مكانة صلاة الجمعة في الإسلام مع ذكر واجباتها وأحكامها وسننها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: مكانة المساجد في الإسلام ووجوب المحافظة عليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة الجمعة ومكانتها في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضرورة حفظ الأنفس ومكانتها في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة كبار السن في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة الشباب في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: مكانة العلم وفضله(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب