• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

كيف نستثمر حياة قلوبنا؟ (خطبة)

كيف نستثمر حياة قلوبنا؟ (خطبة)
الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2024 ميلادي - 2/7/1445 هجري

الزيارات: 11549

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف نستثمر حياة قلوبنا؟

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رُسُلَه حجةً على العالمين ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنته إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله، العاقل الحصيف الذي يعرف مواضع قوته وضعفه، فيعرف طريق صلاح نفسه وزيادة إيمانه، والإنسان متقلب بين قوة الإيمان وضعفه، فمن كان له من داخله باعث للتوبة إذا ذُكِّر بربه وآياته فليحمد الله.

 

عباد الله، يمر بقلوبنا حالات يقوى داعي الخير فيها، فيندم الإنسان على عصيانه وتفريطه، ويجل قلبه، ويقشعر بدنه، وتدمع عينه، فيخبت القلب لربه، وتلك حياة القلب، قال الله جل جلاله: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].

 

يقول ابن القيم رحمه الله: "فبالحياة -أي حياة القلوب- تكون قوته وسمعه وبصره وحياؤه وعفته وشجاعته وصبره وسائر أخلاقه الفاضلة ومحبته للحسن وبغضه للقبيح، فكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات، وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات"؛ ا هـ، رحمه الله.

 

فمن لم يتألم للشر ولا يفرح للخير إذا رآه، فهو ميت في صورة حي، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "ميت الأحياء من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه".

 

عبد الله، قف هنيهةً وتذكَّر موقفًا وجل فيه قلبك، وذرفت عينك، تَذَكَّرْه وعِشْ تفاصيله، ثم سَلْ نفسَك: هل استفدت منه، فتغير حالك وقويت علاقتك بربك، أم أن الأمر غير ذلك!

 

أخي، كم مرة عزمت فيها على التوبة بعد سماع آيات القرآن وتردد المواعظ على الآذان، أو كم من موقف راجعت فيه حساباتك فعزمت وقررت ثم عدت كما كنت؟! كلنا ذاك الرجل إلا من رحم الله، فكيف نستثمر حياة قلوبنا ولحظة يقظتها؟ لنفوز مع مَنْ فاز، فنؤوب إلى ربنا، ونعود بالنية الصادقة والإصرار والعزيمة على استغلال الفرصة معتمدين بذلك على ربنا تبارك وتعالى، آخذين الأمر بشدة وحرص وقوة ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، فيقظة القلب وحياته هي رسالة الله لك لترجع إليه، وحقيق بدعوة الله أن تُجاب.

 

لنتذكر حلم الله على العاصين حين عصوه وجهروا بعصيانهم وفاخروا، ثم تذكر نعمة الله عليك حين أحيا قلبك، ورد عليك صواب رأيك، فاشكر الله الذي أحيا قلبك بالاستقامة على صراطه وتتبع رضوانه.

 

يا أخي، ألا يكفي أن الله يحب منك أن تعود إليه؟! ألا يكفي أن تعلم أن الله يحب منك أن تعود إليه وتتقرب منه فيغفر لك ويدنيك؟! فتكون لله وليًّا، فيحبك الله وينصرك ويؤيدك، وعلى طريق الخير يدلك ويعينك ويثبتك، فيذيقك حلاوة الإيمان، فلا تبغِ عنها بعد ذلك بديلًا.

 

تأمَّل معي في قصة سحرة فرعون، كانت أغلى أمنياتهم القرب من فرعون ونيل الأعطيات، والقرب من أصحاب الهيئات، فلما رأوا آيات ربهم أطاعوه وعزموا وسجدوا بين يديه، فقَرَّبهم ربُّهم وأدناهم ورضي عنهم وأدخلهم الجنة.

 

يا أخي، يا من يريد استثمار حياة قلبه، توجَّه إلى ربك، وتضرَّع بين يديه، وسَلْهُ الثبات على الأمر، فهو الهادي إلى الصراط المستقيم، إذا رأى منك المجاهدة بعد المجاهدة ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

 

يا باغي صلاح قلبه واستثمار يقظته وحياته الصبر والمصابرة وتكرار المحاولة بعد الإخفاق مرة بعد أخرى، وحذار حذار من اليأس والقنوط من التوبة وتصحيح المسار، فهي بغية الشيطان أن يقنطك من رحمة الله جَلَّ وعلا.

 

وأضع بين مسامعك وملء فؤادك حديث أبي هريرة الذي فيه بلسم كل من حاول ثم رجع ثم حاول ثم رجع، فصلى الله على رسول الله الذي لم يترك شيئًا إلا دَلَّنا عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: "أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا، فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ، اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ -لاحظ حفاوة ربك حين تؤوب إليه- قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ".

 

التوبة وظيفة العمر وربنا ما سمى نفسه توَّابًا رحيمًا إلا لأنه كثير التوبة والمغفرة، يتجاوز عن عباده، ويقبل توبتهم؛ بل ويفرح بها، فلا تمل من قرع باب السماء، واستغفر ربك، واطلب رحمته، واسأله عونه سبحانه وتعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

يا باغي صلاح قلبه وحياته، عليك بكتاب ربك قراءةً وتدبرًا وعملًا، يا أيها المؤمنون، ما لنا عن كتاب الله معرضون؟! ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

 

أقبل على كتاب ربك قراءةً وتدبرًا وعملًا، استمع لمواعظه وهداياته، وسمِّع نفسك المواعظ، واحرص على مجالس الذكر في بيوت الله أو ما تيسَّر من وسائل التواصل، فالمواعظ سياط القلوب، هي التي تذكر العبد وترجعه إلى ربِّه، وتعرف على نفسك، فكل واحد منا له باب يصلح قلبه فاطرقه، إن كان تلاوة فافعل، وإن كان سماعًا لآيات القرآن من قارئ تحب سماع قراءته فافعل، المهم أن ينصلح حال قلبك.

 

تعرف على نفسك وانظر فيما يؤثر فيها فالزمه، واعلم أن فائدة سماع المواعظ العمل بها؛ لأنها المثبتة بعد الله جل وعلا، قال الله جل جلاله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 66 - 68].

 

وقال الله جل جلاله في أوصاف أهل الإيمان- سلك الله بي وبكم سبيلهم-: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

 

يا أخي، أهمس في أُذُنك: استثمر في قلبك، كلما رأيت في قلبك حياةً ترجم هذه الحياة بعبادة لم تكن تفعلها وداوم عليها، حتى إذا سألتك نفسك: ماذا استفدت من خطبة الجمعة من سماع آيات القرآن، تقول: استحدثت عبادة ما كنت أفعلها.

 

قرر أي عبادة كانت، إن كانت حزبًا من كتاب الله جل وعلا ولو وجهًا واحدًا وحافظ عليه تكن استثمرت حياة قلبك، أو استغفارًا أو صلاة على المصطفى عليه الصلاة والسلام، المهم أن تداوم عليها، فخيرُ الأعمال وأحَبُّها إلى الله أدومُها وإنْ قلَّ.

 

واحرص على خبيئة من عمل صالح، عمل بينك وبين الله جل وعلا، لا يطَّلِع عليه أحد، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ"، والمداومة هي سبيل الصالحين، فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يوصيه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل" فما ترك قيام الليل حتى مات.

 

يا مريد صلاح قلبه واستثمار حياته، أتقن عبادتك وأدِّها كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن الوقوف بين يدي الله، واسأله الهداية والثبات، فكل خير من الله جل جلاله.

 

يا مريد صلاح قلبه وما أحضركم إلى بيت الله إلا أنكم تريدون صلاح قلوبكم، أركان الفلاح في سورة العصر، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

 

الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، فالبيئة البيئة والجليس الجليس، لها بالغ الأثر على ثبات العبد على الصراط المستقيم، هذا أمر مفصلي يجب أن تتخذ فيه القرارات الحاسمة الصارمة، الذي لا يقربك إلى الله لا تفرح بمجالسته، فالصحابة الكرام حين عجزوا عن إقامة الإسلام في مكة هاجروا إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة مرة أخرى؛ بل نبيك صلى الله عليه وسلم غادر مكة أحبَّ البقاع إليه؛ طلبًا لإقامة الدين في المدينة.

 

الجليس له بالغ الأثر على جليسه، ففتش في جلسائك، فتش فيمن تجالس وتخالط، تعرف نفسك واهتماماتك، وكلكم يعرف قصة من قتل تسعة وتسعين نفسًا، سأل راهبًا: أله توبة؟ قال: لا، فأكمل به المائة، ثم سأل عالمًا فأرشده العالم، قال: انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء.

 

يا أخي، أريدك أن تعيش معي هذه اللحظات الحاسمة لتعلم خطر الجليس، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن مِلَّة عبد المطلب؟! فلم يزل رسولنا صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على مِلَّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك"، فنهى النبي عن الاستغفار له.

 

يا الله خسر الآخرة وصحبة ابن أخيه! يا للجليس من أثر على مجالسه! يا أخي، تأمل في جليسك، في أسرتك وزميلك، في عملك وصاحبك، في حياتك وحتى جهاز جوَّالك، من تتابعهم عبر وسائل التواصل، كل أولئك لهم أثر عليك، فمن جالس من يُقرِّبه إلى ربِّه ويُرغِّبه فيما عنده صلح حاله وقرب من ربه، والعكس بالعكس.


بالله عليك من تتابعه في وسائل التواصل ما حاله؟ أولئك جلساؤك فقرب إلى نفسك من يقربك إلى ربك، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسك.

 

وتذكر وهي شبهة يلقيها الشيطان على من أراد ترك رفقة السوء، تذكر يا من خفت من ترك جلسائك أن في الله جل وعلا عوضًا عن كل مفقود.

 

يا مريد صلاح قلبه، البيئة الصالحة نعمة وأي نعمة، إن وجدتها فالزمها، وإن لم تجدها فابحث عنها في مسجدك وعملك، أو في أي بيئة كانت، إن لم تجدها فابحث عن الصحبة الصالحة في البيئات الافتراضية في وسائل التواصل فيمن تتابع عبر وسائل التواصل في مجموعات تدلك على الخير، وابتعد كل البعد عن كل مجموعة لا تقربك إلى ربك تبارك وتعالى.

 

غيِّر جلساءك بالقراءة في سير السلف الصالح رحمهم الله، يا من أراد حفز همته لعمل صالح، أكثِر القراءة في فضائله، فيا من أراد صلاة الفجر في جماعة، ينبغي عليك أن تقرأ في فضل صلاة الفجر، وأدم القراءة فيها، يا من قصَّر في الذكر بعد الصلاة، اقرأ في فضائل الذكر بعد الصلاة مرةً بعد أخرى، يا من فرَّط في صلة الأرحام، اقرأ في فضل صلة الأرحام، يا من فرط في كلام الله جل وعلا، يلزمك أن تقرأ في فضل قراءة القرآن مرةً بعد أخرى حتى تحب ذلك العمل.

 

وإذا أردت أن تعرف خطورة الجليس فاسمع قصة عقبة بن أبي معيط، كان من عادته إذا قدم من سفر يصنع طعامًا، فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعامًا، فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرب الطعام، قال رسول الله: "ما أنا بآكلٍ طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله".

 

فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان عقبة صديقًا لأُبَيِّ بن خلف، فلما أخبر أبيّ بن خلف قال له: يا عقبة صبأتَ؟ قال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييتُ أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدًا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، فكانت نهاية عقبة أن قُتل يوم بدر، وفي عقبة وأبي يوم أحد نزل قول الله: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29].

 

تنبَّه ولنتنبه جميعًا قبل أن نقول كما قالوا.

 

اللهم أعنا على ما يرضيك، واغفر لنا يا رحمن يا رحيم.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله، يا أخي أخاطبكم مخاطبة المشفق على نفسه والمشفق عليك، إذا أحيا قلبك فأناب إلى ربه ورجع، فهي فرصة، والفرصة قد لا تتكرر، فاستثمرها وخذ الأمر بقوة وعزيمة، وتعلَّق بربك مرةً بعد أخرى، وسل الله الثبات والعون على الرشاد، وليكن دائمًا في حياتك وذاكرتك أن الناس يوم القيامة يفترقون إمَّا إلى جنة وإمَّا إلى نار.

 

اللهم بلِّغنا رضوانك وجنَّتك، اللهم بلِّغْنا رضوانك وجنتك، اللهم بلِّغنا رضوانك وجنتك.

 

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوتك يا جبار السماوات والأرض.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

 

اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.

 

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، يا رب العالمين.

 

اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، ووفِّقْنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

 

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حقٌّ علينا يا رب العالمين.

 

اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182] وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكنى في حياتنا
  • دروس مستفادة من حياة أبي بكر الصديق
  • حياة أبي بكر الصديق في مكة
  • ماذا قدمت لحياتك؟!
  • السعادة في الحياة، الأمان.. العافية.. الرزق
  • الحياة الطيبة وعد من الله لمن آمن وعمل صالحا
  • جوانب العظمة في حياة أبي بكر الصديق رضى الله عنه قبل الإسلام وبعده
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف تختار المرأة زوجها وكيف يختارها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبدأ الأمور وكيف ننجزها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تنظر إلى ذاتك وكيف تزيد ثقتك بنفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (3) صفات السن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (2) الأساليب الخاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فلنتعلم كيف ندعو الله وكيف نسأله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب