• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: العدل ضمان والخير أمان
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصلاة دواء الروح
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    فضل ذكر الله تعالى
    أحمد عز الدين سلقيني
  •  
    قواعد قرآنية في تربية الأبناء
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    مائدة التفسير: سورة الماعون
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)

حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2023 ميلادي - 13/6/1445 هجري

الزيارات: 12848

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حَيَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَىٰ:

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بُعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثِ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ البَعْثَةِ ».


أَيُّهَا النَّاسُ - كَانَتْ حَيَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ البَعْثَةِ حَيَاةً فَاضِلَةً شَرِيْفَةً لَمْ تَعْرِفْ لَهُ هَفْوَةً، وَلَمْ تُحْصَ عَلَيْهِ فِيْهَا زَلَّةً، لَقَدْ شَبَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُوِطُهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِعِنَايَتِهِ، وَيَحْفَظُهُ مِنْ أَقْذَارِ الجَاهِلِيَّةِ لِمَا يُرِيْدُهُ لَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، حَتَّى صَارَ أَفْضَلَ قَوْمِهِ وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً حَتَّى صَارَ مَعْرُوفًا بَيْنَ قَوْمِهِ بِالأَمِيْنِ.

 

وَلَقَدْ قَامَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَعْيَةِ الغَنَمِ لِيُعَلِّمَنَا الجِدَّ وَالعَمَلَ وَخِدْمَةِ النَّفْسِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ مَا أَكَلَ ابْنُ آَدَمَ مِنْ عَمَلَ يَدَيْهِ.

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[1]، مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟، فَقَالَ: « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ».

 

وَالقَرَارِيطُ - أَيُّهَا النَّاسُ - هُوَ جُزْءٌ مِنَ الدِّيْنَارِ أَوْ الدِّرْهَمِ.

 

وَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[2]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ -أَيْ: النَّضِيْجُ مِنْ ثَمَرِ الأَرَاكِ- فَقَالَ: « عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ ؛ فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ»، قَلْنَا: وَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا ».

 

وَالحِكْمَةُ - أَيُّهَا النَّاسُ - مِنْ رَعْيَةِ الأَنْبِيَاءِ لِلغَنَمِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: قَالَ العُلَمَاءُ: « الْحِكْمَةُ فِي إِلْهَامِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَرُّنُ بِرَعْيِهَا عَلَى مَا يُكَلَّفُونَهُ مِنَ الْقِيَامِ بِأَمْرِ أُمَّتِهِمْ، وَلِأَنَّ فِي مُخَالَطَتِهَا مَا يُحَصِّلُ لَهُمُ الْحِلْمَ وَالشَّفَقَةَ، لِأَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا عَلَى رَعْيِهَا وَجَمْعِهَا بَعْدَ تَفَرُّقِهَا فِي الْمَرْعَى، وَنَقْلِهَا مِنْ مَسْرَحٍ إِلَى مَسْرَحٍ، وَدَفْعِ عَدُوِّهَا مِنْ سَبُعٍ وَغَيْرِهِ كَالسَّارِقِ، وَعَلِمُوا اخْتِلَافَ طِبَاعَهَا وَشِدَّةَ تَفَرُّقِهَا مَعَ ضَعْفِهَا وَاحْتِيَاجِهَا إِلَى الْمُعَاهَدَةِ، أَلِفُوا مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرَ عَلَى الْأُمَّةِ، وَعَرَفُوا اخْتِلَافَ طِبَاعَهَا وَتَفَاوُتَ عُقُولِهَا، فَجَبَرُوا كَسْرَهَا وَرَفَقُوا بِضَعِيفِهَا، وَأَحْسَنُوا التَّعَاهُدَ لَهَا، فَيَكُونُ تَحَمُّلُهُمْ لِمَشَقَّةِ ذَلِكَ أَسْهَلَ مِمَّا لَوْ كُلِّفُوا الْقِيَامَ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ التَّدْرِيجِ عَلَى ذَلِكَ بِرَعْيِ الْغَنَمِ، وَخُصَّتِ الْغَنَمُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا أَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ تَفَرُّقَهَا أَكْثَرُ مِنْ تَفَرُّقِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، لِإِمْكَانِ ضَبْطِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ بِالرَّبْطِ دُونَهَا فِي الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ، وَمَعَ أَكْثَرِيَّةِ تَفَرُّقِهَا فَهِيَ أَسْرَعُ انْقِيَادًا مِنْ غَيْرِهَا »[3].

 

أَيُّهَا النَّاسُ -لَقَدْ عَصَمَ اللهُ نَبِيَّهُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِنْ أَعْمَالِ الجَاهِلِيَّةِ الَّتِي يَعْمَلُهَا قَوْمُهُ، فَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ عَنِ الكُفْرِ قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا تَعَمُّدُ الكَبَائِرِ فَهُوَ مَعْصُومٌ عَنْهَا بَعْدَ الوَحْيِ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَتَجُوزُ عَمْدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَعْدَ الوَحْيِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِهِمْ عَدَمُ امْتِنَاعِ صُدُورِ الكَبَائِرِ عَنْهُ قَبْلَ الوَحْيِ»[4].

 

قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ العَبَّاسُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ يَقِيكَ مِنْ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: « إِزَارِي » فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ. وَالحَدِيْثُ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[5].

 

فَدَلَّ الحَدِيْثُ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَلَى حِفْظِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَوْرَتَهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فِي حِيْنِ أَنَّ كَشْفَ العَوْرَةِ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ عَارَةً، مُتَجَرِّدِيْنَ مِنْ كَامِلِ ثِيَابِهِمْ، وَحَتَّى النِّسَاءِ.

 

وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ - مَعْصُومًا مِنَ الكُفْرِ فَلَمْ يَتَقَرَّبْ لِصَنَمٍ أَوْ يَتَمَسَّحْ بِهِ.

 

فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ السِّيْرَةِ»[6]، مِنْ حَدِيْثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ صَنَمًا مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُ:( إِسَافُ وَنَائِلَةُ )، يَتَمَسَّحُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا، فَطَافَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَا تَمَسَّهُ »، قَالَ زَيْدٌ: فَطُفْنَا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَأَمَسَّنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُولُ، فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « أَلَمْ تُنْهَ؟».


قَالَ زَيْدٌ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ بِالَّذِي أَكْرَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ.

 

وَفِي مُسْتَدْرِكِ « الحَاكِمِ»، بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ، صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ السِّيْرَةِ» [7]، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطَعِمِ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِنَّمَا تَدْفَعُ مِنَ (الْمُزْدَلِفَةِ) وَيَقُولُونَ: نَحْنُ (الْحُمْسُ) فَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَقَدْ تَرَكُوا الْمَوْقِفَ عَلَى عَرَفَةَ. قَالَ: « فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، ثُمَّ يُصْبِحُ مَعَ قَوْمِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَيَقِفُ مَعَهُمْ، وَيَدْفَعُ إِذَا دَفَعُوا ».

 

فَفِي هَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - دَلِيْلٌ عَلَى اتِّبَاعِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِلَّةَ أَبِيْهِ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامِ- وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ قَطٌّ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - دَائِمًا أَبَدًا.

 

وَمِمَّا شَهِدَهُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ البِعْثَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - حِلْفُ الفُضُولِ.

 

وَفِي مُسْتَدْرِكِ « البَيْهَقِيُّ»، بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ، صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «حَاشِيَةِ فِقْهِ السِّيْرَةِ» [8]، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النِّعَمِ، وَإِنِّي أَنْكُثُهُ ».

 

وَحِلْفُ الْفُضُولِ هُوَ كَمَا قَال مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ:« تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ لِشَرَفِهِ، وَسَنِّهِ، فَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مَنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، إِلَّا كَانُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَظْلَمَتَهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ »[9].

 

قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ -:

« وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمِعَ بِهِ وَأَشْرَفَهُ فِي الْعَرَبِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ زُبَيْدٍ قَدِمَ مَكَّةَ بِبِضَاعَةٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَحَبَسَ عَنْهُ حَقَّهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الغَرِيْبُ أَهْلَ الفَضْلِ فِي مَكَّةَ، فَخَذَلَهُ فَرِيْقٌ، وَنَصَرَهُ الآخَرُ، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ وَتَحَالَفُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا بِاللهِ: لَيَكُونُنَّ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ حَتَّى يُؤَدَّيَ إِلَيْهِ حَقُّهُ …، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَانْتَزَعُوا مِنْهُ مَالَ الغَرِيْبِ، فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِ »[10].

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

زَوَاجَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ- أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَبْلَ البِعْثَةِ، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ «زَوَاجِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- ».


وَمِمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ البِعْثَةِ الزَّوَاجُ مِنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَهِيَ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ بْنِ أَسَدٍ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنِ قُصَيٍّ.

 

قَالَ الحَافِظُ فِي «الفَتْحِ»: «تَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُصَيٍّ وَهِيَ مِنْ أَقْرَبِ نِسَائِهِ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قُصَيٍّ غَيْرَهَا إِلَّا أُمَّ حَبِيبَةَ »[11].

 

وَكَانَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا ؛ كُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى الزَّوَاجِ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ[12].

 

تَزَوَجَتْ عَتِيْقَ بْنُ عَائِذٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُومِيِّ، فَوَلَدَتْ لَهُ جَارِيَةً اسْمُهَا هِنْدٌ، ثُمَّ هَلَكَ عَتِيْقَ عَنْهَا فَخَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو هَالَةَ بْنُ زَرَارَةَ التَّمِيْمِيِّ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامَيْنِ: هِنْدًا، وَهَالَةً الصَّحَابِيَّتَيْنِ، ثُمَّ هَلَكَ أَبُو هَالَةَ عَنْهَا، فَقَضَتْ مُدَّةً طَوِيْلَةً وَهِيَ تَرْفُضُ الكَثِيْرِيْنَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، حَتَّى خَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَنَى بِهَا سَنَةَ خَمْسَ وَعِشْرِيْنَ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي قَوْلِ الجُمْهُورِ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ بِقَلِيْلٍ، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، وَهُمْ: القَاسِمُ وَهُوَ أكْبَرُ وَلَدِهِ، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ زَيْنَبُ، ثُمَّ رُقَيَّةُ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمُّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ عَبْدُ اللهِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الطِّيبُ وَالطَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ.

 

وَقَدْ مَاتَ الذَّكَرَانِ صَغِيْرَيْنِ، وَأَمَّا البَنَاتُ فَكُلُّهُنَّ أَدْرَكْنَ الإِسْلَامَ، فَأَسْلَمْنَ وَهَاجَرْنَ مَعَهُ، إِلَّا أَنَّهُنَّ أَدْرَكَتَهُنَّ الوَفَاةُ فِي حَيَاتِهِ، سِوَى فَاطِمَةَ، فَقَدْ تَأَخَّرَتْ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ كَانَتْ أَوَّلَ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ »[13].

 

وَلِخَدِيْجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - مِنَ الفَضَائِلِ العَظِيْمَةِ، فَمِنْ فَضَائِلِهَا أَنَّ جِبْرِيْلَ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَبْلَغَهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[14]، مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ ».

 

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «الزَّادِ»[15]: « وَهِيَ فَضِيْلَةٌ لاَ تُعْرَفُ لِامْرَأَةٍ سِوَاهَا».

 

وَمِنْ فَضَائِلِهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ.

 

فَفِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ الجَامِعِ»[16]، وَالوَادِعِيُّ فِي «الجَامِعِ الصَّحِيْحِ» عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».

 

وَمِنْ فَضَائِلِهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهَا خَيْرُ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[17]، مِنْ حَدِيْثِ عَلِيِّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ ».

 

وَمِنْ فَضَائِلِهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

 

وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» [18]، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «لَمْ يَتَزَوَّجْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ ».

 

وَمِنْ فَضَائِلِهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - كَثْرَةُ ذِكْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَنَاؤُهُ لَهَا، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [19]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهَا، قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَأَمَرَهُ رَبُّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ».

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [20]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: « إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ ».

 

وَفِي رِوَايَةٍ: « وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: « أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ». قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا».

 

تَمُرَّ الصَّبَا صَفْحًا بِسُكَّانِ ذِي الْغَضَا
وَيَصْدَعُ قَلْبِي أَنْ يَهُبَّ هُبُوبُهَا
قَرِيْبَةُ عَهْدٍ بِالحَبِيْبِ، وَإِنَّمَا
هَوَى كُلِّ نَفْسٍ حَيْثُ حَلَّ حَبِيْبُهَا

 

تِلْكَ - أَيُّهَا النَّاسُ - قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرِ فَضَائِلِهَا، وَكَانَتْ وَفَاتُهَا فِي رَمَضَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لِيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ [21]، سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ البِعْثَةِ قَبْلَ الهِجْرَةَ بِثَلاثِ سِنِيْنَ [22]، وَقَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاَةُ [23]، وَدُفِنَتْ بِالحُجُونِ [24]، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَبْرِهَا [25]، وَحَزِنَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُزْنًا شَدِيْدًا، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ المِحَنُ بَعْدَ مَوْتِهَا.

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ -: « تَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَصَائِبُ بِهَلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، يَشْكُو إلَيْهَا ».

 

وَلِلهِ دَرُّ القَائِلِ:

فَلَوْ كَانَتْ النِّسَاءُ كَمِثْلِ هَذِي
لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ
فَمَا التَّأْنِيْثُ لاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ
وَلَاَ التَّذْكِيْرُ فَخْرٌ لِلهِلَالِ

 

اللهُمَّ لَاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هِيَ لَكَ رِضَا، وَلَنَا فِيْهَا صَلَاحٌ إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

 

وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 2262).

[2] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3225)، وَمُسْلِمٌ (2050).

[3] «فَتْحُ البَارِيّ» ( 4/ 441).

[4] «لَوَامِعُ الأَنْوَار البَهِيَّة» لِلسَّفَارِيْنِي ( 2/ 305).

[5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 1582)، وَمُسْلِمٌ (340).

[6] (صَحِيْحٌ)أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ(4665)، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ – فِي «صَحِيْحِ السِّيْـرَةِ» (32).

[7] (صَحِيْحٌ)أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ (1/ 464)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «صَحِيْحِ السِّيْـرَةِ» (34).

[8](صَحِيْحٌ)أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ»(2/ 38)،وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «حَاشِيَةِ فِقْهِ السِّيْرَةِ»(75).

[9] «سِيْـرَةُ ابْنُ هِشَامٍ» (1/ 134-135).

[10] «السِّيْـرَةُ لابْنِ كَثِيْـرٍ» (1/ 259).

[11] «فَتْحُ البَارِيُّ» (7/ 167).

[12] «سِيْـرَةُ ابْنُ هِشَامٍ» (1/ 142).

[13] «سِيْـرَةُ ابْنُ هِشَامٍ» (1/ 142)، و«الفَتْحُ» (7/ 507)، و«البِدَايَةُ وَالنِّهَايَة»(5/ 331- 332)، وَبَيْنَ المَصَادِر اخْتِلاَفٌ يَسِيْـر أَخَذْنَا مَا هُوَ الرَّاجِح مِنْهَا.

[14] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3820)، وَمُسْلِمٌ (2432/ 17).

[15] «زَادُ المِعَاد» (1/ 105).

[16] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد (3/ 135)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «صَحِيْحِ الجَامِعِ» (3143)، وَالوَادِعِيُّ فِي «الجَامِعِ الصَّحِيْحِ» (202).

[17] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3432)، وَمُسْلِمٌ (2430).

[18] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2436).

[19] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3817)، وَمُسْلِمٌ (2435).

[20] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3818)، وَمُسْلِمٌ (2435) وَاللَّفْظُ لَهُ.

[21] «أَزْوَاجُ النَّبِيّ -صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» (1/ 105).

[22] «الإِصَابَةُ» (4/ 283) وَ«الاسْتِعَابُ» (4/ 289)، وَثَبَتَ هَذَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيُّ حَدِيْثِ ( 3896).

[23] أَيْ : الصَّلَوَاتُ الخَمْس، وَإِنَّمَا فُرِضَ لَيْلَةَ الإِسْرَاء، وَأَمَّا أَصْل الصَّلَاة فَقَدْ وَجَبَ فِي حَيَاةِ خَدِيجَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

[24] «السِّيَرُ» (2/ 111) وَ الحُجُون : جَبَل بِمَكَّة وَهِيَ مَقْبَرَة مَعْرُوفَة.

[25] «طَبَقَاتُ ابْنُ سَعْدٍ» (8/ 18) وَ«الإِصَابَةُ» (4/ 283).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
  • اليتم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
  • الاستغفار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
  • التسبيح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
  • تذكرة الأبرار بعشر صفحات من حياة النبي المختار قبل البعثة (خطبة)
  • الصدق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
  • ما جاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه
  • كيف نستثمر حياة قلوبنا؟ (خطبة)
  • خطبة: فائدة التاريخ
  • شعرات النبي صلى الله عليه وسلم: دراسة حديثية تاريخية
  • من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
  • طفولة النبي صلى الله عليه وسلم
  • مقاصد البعثة ميزان التوازن والوسطية
  • إرهاصات نبوته - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي

مختارات من الشبكة

  • أبي والإباحيات(استشارة - الاستشارات)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى جمع له في الوحي مراتب عديدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كثرة تلاوته صلى الله عليه وسلم القرآنَ على فراشه وفي بيته(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الملائكة تصلي على من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بركات الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من فضائل النبي: سرور الفرس بركوب النبي وخضوع البراق له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: الوحش يتأدب عند دخول النبي بيته وإسراع جمل جابر الأنصاري طاعة له(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 9:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب