• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

(مادامت روحك بين جنبيك فها هي أفضل أيام الدنيا بين يديك) (خطبة)

(مادامت روحك بين جنبيك فها هي أفضل أيام الدنيا بين يديك) (خطبة)
يحيى بن حسن حترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/12/2023 ميلادي - 1/6/1445 هجري

الزيارات: 10661

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(مادامت روحك بين جنبيك فها هي أفضل أيام الدنيا بين يديك)


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:

أيها المسلمون عباد الله: لقد خلق الله خلقه وفاضل بينهم، وجعل ملكه، وفضله، متفاوتا، ومختلفا بينهم، ليبلوهم، وليختبرهم، ففضل دين الإسلام على الأديان والملل، وفضل أمة الإسلام على جميع الأمم والنحل، وفضل الرسل من بين المخلوقات، وأيدهم بالآيات والمعجزات، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، واختار من بينهم نبينا محمدًا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأيده بأعظم وأكرم المعجزات.

 

وكما فضل الله من شاء من خلقه، كذلك جعل التفاضل بين جميع مخلوقاته، فجعل من الأماكن ما هو أشرف من غيرها، ومن الأزمنة ما هو أفضل من بعضها، فأشرف مكان هو بيت الله الحرام، وأفضل شهور الزمان: هو شهر رمضان، وأشرف ليلة هي ليلة القدر، وأشرف يوم هو يوم النحر، وأفضل أيام الدنيا هي أيام العشر - أعني العشر الأُول من ذي الحجة، والتي هي موضوع حديثنا في هذه الجمعة المباركة.


أيام العشر، وما أدراكم ما هي أيام العشر! أيامٌ دل الكتاب العظيم، وسنة نبينا الكريم، على شرفها، وعظيم شأنها، وتفضيلها على غيرها.

 

وحتى تعظم هذه الأيام في نفوسنا، وتشرئب لقدومها، واستقبالها، أعناقنا، وأجسادنا؛ دعونا نستعرض شيئًا من فضلها، وكيف عظم الله من أمرها، وشأنها، وماذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم عنها - وما هي المناقب، والمزايا، والفضائل، والعطايا التي وردت فيها، وفي بعض أيامها.

 

دعونا نعرف السر في تفضيل أيامها، ولماذا جُعلت أفضل أيام الدنيا دون غيرها، دعونا نتعرف على فضلها، قبل حث أنفسنا على استغلالها؛ فلا يقدِّر الأشياء إلا من عرفها، ومن جهل حقيقة الأشياء أنكرها.

 

فإليكم شيئًا من فضائلها، وعظيم شأنها:

أولًا: عند خالقها، ومنشئها يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ 1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، وليال عشر: هي العشر الأول من ذي الحجة، عند جمهور المفسرين، فانظر-رحمك الله - انظر لعظم شأنها، وكيف أقسم الله بها، فقد تقرر عند المفسرين، وفي حس المسلمين، أن العظيم لا يقسم إلا بعظيم.

 

معاشر المسلمين: العشر الأول من ذي الحجة: هي الأيام المعلومات التي أمر الله بذكره فيها بقوله: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وهي خاتمة الأشهر المعلومات التي قال الله عنها: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197] وهي شوال، وذو القعدة، والعشر من ذي الحجة، وهي العشر التي أتمها الله لنبيه موسى عليه السلام حين
واعده بالكلام في جبل الطور بقوله: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴾ [الأعراف: 142]، كما نقل ذلك الطبري في تفسيره، عن مجاهد وغيره - رحمة الله عليهم أجمعين[1].


أما فضلها من خلال الأعمال العظام التي حصلت، وتحصل فيها، فاعدُد منها، وابدأ بأعظمها: ألا وهو الركن العظيم، الذي تتجلى فيه المصالح العظيمة، والرهيبة، والمهيبة، للمسلمين، ويكون فيها ما يكون من البركات، والرحمات، من رب العالمين.

 

فهي أيام عظيمة ذات فضائل عميمة لجميع المسلمين، فكيف بالحجاج الذين اجتمع لهم شرف الزمان، والمكان، فتراهم طائفين، وملبين، يرجعون إلى بيوتهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، سالمين، غانمين، قد غفر الله لهم أجمعين، نسأل الله الكريم من فضله!

 

ومما يكون في هذه الأيام المباركة: يوم عرفة وما أدراك يوم عرفة؟!

يوم يقوم الحجاج في صعيد واحد، فيفيض الله عليهم من ألطافه، ورحماته، ما تعجز الأذهان عن تصوره، واللسان عن تصويره، فقد روى الإمام النسائي، وصححه الألباني رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبدًا، أو أمة من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ سبحانك ما أعظمك، وما أحلمك، وما أكرمك!»[2].

 

وروى ابن خزيمة، وصححه الألباني - رحمهما الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا» [3]، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك!

 

هذا هو يوم عرفة، هذا هو اليوم الذي أكمل الله فيه دينه، وأتم على عباده نعمته، - سبحانه -. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، أيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا! قال: أيُّ آية؟! قال: ﴿ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 3].

 

فقال عمر رضي الله عنه: قد علمنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام «وهو قائم بعرفة، في يوم جمعة»[4].

 

يوم عرفة، وما أدراكم ما يوم عرفة! هو اليوم المشهود؛ الذي أقسم الله به في كتابه، بقوله: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]، فالشاهد هو يوم الجمعة، ويوم عرفة هو اليوم المشهود، كما قال ذلك علي، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، رضي الله عنهم إلى يوم الخلود.

 

يوم عرفة أيها المسلمون: هو اليوم الذي مَن صامَه كفر الله عنه ذنوب سنتين؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم «عن صوم يوم عرفة، فقال يكفر السنة الماضية، والباقية»[5].

 

يوم عرفة أيها الناس، أيها الراجون، الراغبون، يا من تشكون من الهموم، والغموم، والديون، هو أعظم يوم للدعاء، وأرجى ما تكون فيه الإجابة من رب الأرض، والسماء؛ فقد أخرج الترمذي، وصححه الألباني - رحمة الله عليهما- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»[6].

 

كذلك من فضائل هذه الأيام المباركة أن اليوم العاشر فيها، هو أعظم يوم، وأعظم أيام الله على الإطلاق، ألا وهو يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر؛ فقد روى الإمام أبو داود، وصححه الألباني- رحمهما الله - عن عبدالله بن قُرط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى هو يوم النحر!»[7].

 

فلا إله إلا الله، أي عطايا، وأي فضائل، ومزايا جعلها الله، وجمعها في العشر الأول من ذي الحجة؟!

 

فإذا تبين لك ما يكون في هذه العشر الأوائل، وسمعت ما سمعت فيها، من العطايا، والفضائل، فلا تعجب من تعظيم قدر، وشرف هذه الأيام عند أعلم الخلق بالحق - سبحانه - فقد أوصى عليه الصلاة والسلام باغتنام الأعمال الصالحة فيها، بقوله: كما روى الإمام أبو داود، وصححه الألباني رحمهما الله: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام! – يعني: العشر- قالوا: يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء»[8].

 

سبحان الله! تأمل، ثم تأمل ببصرك، وفؤادك، وكيانك إلى عظيم، وعظمة هذه الأيام عند الله تعالى، ثم تأمل مرة أخرى، إلى سؤال المستغرِب، المتعجب، من قبل أحرص الخلق على الحق رضي الله عنهم، وأرضاهم- وهم يسألون رسولهم، وحبيبهم، بقولهم: ولا الجهاد، يا رسول الله؟! ولماذا السؤال عن الجهاد؟ ولماذا خصوا الجهاد من بين سائر الأعمال؟ الجواب: لأنه قد استقر في نفوسهم عظمة ذروة سنام هذا الدين، ولما يعرفون ما أعده الله للمجاهدين الذين يبذلون أرواحهم- وهي أعز ما لديهم - في سبيل رب العالمين، قال: «ولا الجهاد»، ثم استثنى حالة خاصة، خالصة، بقوله: «إلا رجل خرج بنفسه، وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».


لا يسعني، ولا يسعنا بعد كل ما سمعنا من فضائل هذه العشر الأيام المباركة، إلا أن نجهز نوايانا، ونعد عدتنا، لاستقبال هذه الأيام التي ستدخل علينا، وأرواحنا - بإذن الله - ما زالت بين جوانحنا، وما يكون من أعمال صالحة لاستقبال هذه الأيام المباركة، نتعرف عليه في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

 

(الخطبة الثانية)

الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده، ورسوله.

 

أيها المسلمون عباد الله: لقد جمع الله في هذه الأيام الأولى من ذي الحجة من الفضائل العظام، وأمهات الأعمال ما لم يجعله في غيرها من الأيام، وهذا هو السر في جعلها خير الأيام، وتفضيلها على بقية أيام العام، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله.

 

فماذا بعد كل هذا الإكرام؟! ماذا بعد كل هذا الإكرام؟! وما هو المطلوب، والمرغوب منا يا أمة الإسلام؟! إن المطلوب منا، ومن كل عاقل يعيش معنا مع هذه النصوص، ألا يتعامل معها كسائر الأيام، فلئن كان كثير منا يجِدُّ، ويجتهد، ويحرص على استغلال أيام رمضان، ولياليها، وخاصة العشر الأواخر منها؛ فالعشر من ذي الحجة أولى، وأحرى أن يحرص عليها؛ فهي خير أيام الدنيا كلها، وخير من أيام رمضان دون لياليها الأخيرة، ولئن كان في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، ففي العشر الأوائل من ذي الحجة: يوم النحر، الذي هو خير أيام الدهر، بل وأعظم يوم عند رب العالمين، كما قال رسول الله - صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

فهيا إلى الجد والتشمير، وهلمُّوا إلى شكر العليم الخبير، وإلى تعظيم هذه العشرة الأيام، التي عظمها الكريم الرحيم، ورغب بها رسول الله عليه الصلاة وأتم التسليم -.

 

فعظموا ‐ رحمكم الله ‐ هذه الأيام العظام، كما كان يعظمها سلفنا الكرام، فقد كان سعيد بن جبير رحمه الله: «إذا دخلت العشر الأول من ذي الحجة، يجتهد اجتهادًا عظيمًا حتى ما يكاد يُقدر عليه، رحمة الله عليه»[9].

 

وكان يحث على العبادة في ليالي العشر، ويقول: «لا تطفؤوا سُرجكم في ليالي العشر».

 

ويقول أبو عثمان النهدي رحمه الله: «كانوا يعظمون ثلاث عشرات، العشرة الأخيرة من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم»[10].

 

فقوموا - أيها الناس - إلى طاعة ربكم، قوموا إلى طاعة ربكم يا أمة الإسلام على ما حباكم، في هذه الأيام العظام، وأقول لكم من هذا المقام، ولكل من متعه الله بحياته، وجعل العافية تدب في جسده: ما دامت روحك بين جنبيك، فهذه خير أيام الدنيا بين يديك، أرِ الله - يا عبدالله - في هذه الأيام كل ما تقدر عليه، من طاعته، وذكره، وشكره، وكلِّ ما يقربك إليه، ومن ذلك ما أمر به ربنا في كتاب الكريم، وحث عليه رسول الله -عليه صلوات رب العالمين -، ألا وهو ذكره سبحانه، وتكبيره، وتهليله في هذه الأيام، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، بما في ذلك تكبيره، وتحميده، وتهليله - سبحانه وتعالى.

 

فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال في هذه الأيام: «فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد»[11].

 

ويعظُم تكبيره سبحانه وتعالى في هذه الأيام برفع الصوت بالتكبير؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه: أن ابن عمر، وأبا هريرة رضي الله عنهم «كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر، ويكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما» [12].

 

ويقول ميمون بن مهران: «أدركت الناس وإنهم ليكبِّرون في العشر، حتى كنت أُشبهه بالأمواج من كثرتها!»[13].

 

فكبروا ربكم - رحمكم الله - كبروا ربكم في هذه الأيام ليبلغ تكبيركم عنان السماء، وأكثروا على الله من الدعاء، والثناء، واستشعروا حال تكبيركم معنى التكبير، وأن الله فوق كل كبير، وتفاءلوا بنصر الله عند تكبيركم؛ فالله على كل شيءٍ قدير.

 

وتكبير الله في هذه الأيام على نوعين: مطلق، ومقيد.

 

فالمطلق: هو في جميع أيام العشر، وينتهي مع آخر يوم من أيام التشريق، ويكون في جميع الأحوال والأوقات.

 

والمقيد: يبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج، وللحاج من ظهر يوم النحر، وينتهي بعد عصر يوم ثالث أيام التشريق.

 

ومما يُحرص في هذه الأيام على فعله، واستغلاله، بعد كثرة ذكر الله، وتكبيره، وتهليله، كما هي وصية رسوله عليه الصلاة والسلام هو: قراءة القرآن، الذي هو روح الحياة، وحياة الروح، وخير أنيس، وجليس، وأعظم نافع، وخير شافع!


فأكثروا من قراءة القرآن يا أمة القرآن في هذه الأيام، عيشوا مع آيات الرحمن، واغترفوا من حسناته، لتنعموا بشفائه، ولتسعدوا يوم القيامة بشفاعته؛ فهو الذي يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، كما قال عليه الصلاة والسلام.

 

كذلك من القربات العظيمة التي يحرص المسلم عليها في هذه الأيام الكريمة هو الصوم من بداية هذه الأيام، كما هو مرغوب فيه، ومستحب عند أئمة المذاهب الأعلام.

 

فالصوم جنة أيها الناس، وللصائمين باب خاص من أبواب الجنة، وهو العمل الوحيد الذي خصه الله لنفسه، ووعد بالثواب العظيم للمجازاة به، فتزودوا من الصيام في هذه الأيام فهي سريعة الذهاب، والانصرام، وستنسى أتعابها، ويبقى لكم أيها الصائمون أجرها، وثوابها.

 

كذلك من الأعمال الصالحة - وهي كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، والترغيب بها- لكن من أفضلها: الاهتمام بالمحافظة على الصلوات بأوقاتها، والتزود من نوافلها، ورواتبها، والتدبر والخشوع بها، وبقراءة القرآن، والأذكار التي تقال فيها.

 

كذلك الدعاء، والتضرع بين يدي خالق الأرض والسماء، خاصة في هذه الأيام التي ضاقت المعيشة بأهلها، وتكالب أعداء أمة الإسلام عليها.

 

كذلك أفعال الخير، المتعدية للغير من الإحسان بالصدقات، والمخاطبة، والكلام بأحسن الكلمات، والنصح بأجمل العبارات، فالكلمات الطيبات من أعظم الصدقات، كذلك الإحسان إلى الأرحام، والقرابات، ووصل العمات والخالات، والأخوات، والحذر من الظلم، فالظلم ظلمات، خاصة في هذه الأيام التي هي من الأشهر المحرمات، والتي قال الله فيها: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، إلى غير ذلك من أعمال البر التي لا تخفى عليكم.

 

وخلاصة المقام، وآخر الختام، وقبل أن ينسلخ علينا يوم من هذه الأيام، أو ساعة من ساعات هذه الأيام العظام، أن نقول لمن متعه الله بحياته، وصحته، ما دامت روحك بين جنبيك، وما دامت العافية تدب بين أضلعيك، فها هي خير أيام الدنيا بين يديك.

 

فالله الله باستغلال أيامها ولحظاتها، مادامت بين يديك، والحرص عليها قبل أن تذهب عليك.

 

أسأل الله العظيم بمنه، وكرمه أن يوفقنا لاستغلال هذه الأيام، وأن يجعلنا من المحافظين على طاعته طوال العام! نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته! اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وحسن ختامنا! اللهم تقبل دعاءنا، وتولَّ أمرنا، واكفنا ما أهمنا، اللهم بارك لنا في أعمارنا، وحياتنا، وأرزاقنا من فضلك يا خالقنا! اللهم أعد إلى أمتنا عظمتها، وهيبتها، واقذف الرعب في قلوب أعدائها منها يا رب العالمين.......



[1] تفسير الطبري (24/ 396- 397).

[2] رواه النسائي (3003).

[3] رواه ابن خزيمة (2839).

[4] رواه البخاري (45)، ومسلم (3017).

[5] رواه مسلم (1162).

[6] رواه الترمذي (3585).

[7] رواه أبو داود (1765).

[8] رواه أبو داود (2438).

[9] رواه البخاري (2/ 20).

[10] مختصر قيام الليل، لابن نصر المروزي (ص 247).

[11] رواه أحمد في مسنده (6154).

[12] رواه البخاري (2/ 20).

[13] تفسير ابن رجب (1 /157). وأخرجه البخاري في صحيحه معلقا (2/ 457 رقم الباب 11)، فضل العمل في أيام التشريق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أفضل أيام الدنيا
  • عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا
  • أفضل أيام الدنيا (خطبة)
  • خطبة: أعظم وأفضل أيام الدنيا (فضائل وأحكام)
  • منغصات الدنيا

مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • تصالح مع روحك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تكبل روحك بمخاوف الأوهام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • وطن روحك على الارتقاء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المؤاخاة في العهد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب