• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتاوى الطلاق الصادرة عن سماحة مفتي عام المملكة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    عناية النبي بضبط القرآن وحفظه في صدره الشريف
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    على علم عندي
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    عظمة الإسلام وتحديات الأعداء - فائدة من كتاب: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: أهمية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نصيحتي إلى كل مسحور باختصار
    سلطان بن سراي الشمري
  •  
    الحج عبادة العمر: كيف يغيرنا من الداخل؟
    محمد أبو عطية
  •  
    تفسير سورة البلد
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    فضل يوم عرفة
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    خطبة: فضل العشر الأول من ذي الحجة
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: اغتنام أيام عشر ذي الحجة والتذكير بيوم عرفة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الأم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    من مائدة العقيدة: شروط شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

{ليبلوكم فيما آتاكم} (خطبة)

{ليبلوكم فيما آتاكم} (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2023 ميلادي - 15/4/1445 هجري

الزيارات: 12287

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ وفضله، اهْتدى المهتدون، وبعدلهِ وحِكمته، ضلَّ الضَّالون، ولحُكمِهِ ومشيئته خضعَ الخلقُ كلُّهم أجمعون، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ [الروم: 26]، سبحانهُ وبحمده، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88].. وأشهدُ أن محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الطيبينَ الطاهرينَ، وصحابتهِ الغرِّ الميامين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا..

 

أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: المُؤمِنُ الَّذِي يَنظُرُ بِنُورِ اللهِ، وَيَتَفَكَّرُ فِيمَا حَولَهُ بِعَينِ البَصِيرَةِ، ويتأملُ في آيات اللهِ وحِكمته، يجدُ أنَّ هذه الدنيا ميدانُ سباقٍ وامتحان، ومِضمارُ اختبارٍ وابتلاء، يَختبُر الله تعالى فيها عباده، ويبلوَهم فيما آتاهم: تأمل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165].. فالله جلَّ وعلا خلقَ السمواتِ والأرض، وخلقَ الموتَ والحياة، وجعلَ الناسَ شعوبًا وقبائل، وجعلهم أجيالًا متعاقبة يخلف بعضهم بعضا، ومنحهم كلَّ ما في أيديهم من الزينة والمتاع الدنيوي، كُلُّ ذلك ليختبرهم ويبتليهم، ومادةُ الاختبار الأساسيةِ هي العبادة: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].. فالإنسانُ منذُ تكوِّنهِ في بطن أُمه، وإلى أن يودَعَ في بطن الأرض، وهو في ابتلاءٍ واختبارٍ متواصلٍ لا يتوقف، ولا تمرُّ عليهِ لحظةٌ واحدة، إلا وهو في اختبارٍ وامتحان: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ [الملك:2]، واسئلةُ الاختبار، وموادُ الامتحانِ شاملةٌ ومتنوعة.. وإنها والله لحقيقةٌ مهمةٌ جدًّا يا عباد الله: فكلُ ما في هذه الحياة إنما وضعَ للابتلاء والاختبار: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]، يُبتلى الانسانُ ويختبرُ بأعضائه وحواسه وجوارحه: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 2]، يُبتلى الإنسانُ ويختبر، بالخير والشر: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، يبتلى الإنسانُ ويختبرُ بالحسنات والسيئات: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف:168]، يُبتلى ويختبرُ بأشياء كثيرةٍ ومتنوعة: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، يُبتلى الانسانُ ويختبرُ بأعدائه: ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]، يبتلى الانسانُ ويختبرُ بأصدقائه وبكلِّ مَنْ حوله: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20]، حتى إنَّ الانسانَ ليبتلى ويختبرُ بأحبابه وأغلى ما لديه: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، ولذا اقْتَضتْ حِكْمَةُ اللهُ تَعالى أن تتقلبَ حَياة الانسان بين الشِدة والرَخاء، والعُسْر واليُسْر، والفَرح والحُزن، والرَاحَة والتَعب، والصِحَة والمَرض، والغِنى والفَقْر؛ ليضلَ الإنسانُ في ابتلاءاتٍ واختباراتٍ متواصلةٍ مُتنوعة، لا ينتهي اختبارٌ إلا ليبدأ آخر.. وأما الإجابةُ على هذه الاختبارِات، فهي تصرفات الانسانِ وردودُ أفعاله تجاه تلك المواقف المتنوعة التي تمر به.. وأمَّا الحكمةُ من هذا الاختبار الطويل المتنوع، فاسمع قول الله تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2]، الحكمة: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك:2]، ذلك أن دين الله عزيز، وشريعتهُ غالية؛ وجنته عالية، فلا ينالها إلا من يستحقها: جاءَ في صَحِيحِ البخاري، قالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُم؛ فمَن رَضِيَ فلهُ الرضَا، ومَن سِخِطَ فلهُ السُخْط".. فالإيمانُ حقيقةٌ ذاتُ تكاليفَ شاقة، وأعباءَ ثقيلة، يحتاجُ إلى عزيمةٍ قوية، وإلى همِّة عالية، وإلى عمل دؤوب، وإلى جدِّ واجتهاد، ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]، ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]..

 

هذه المقدمةُ الطويلةُ يا عباد الله: لنخرج منها بنتيجةٍ مهمةٍ، غاية في الأهمية، وهي أنَّ فهمَ هذا الابتلاءِ والاختبار، والعملَ بمقتضاه، وعدمُ الغفلةِ عنه، هو سبيلُ الفوز والنجاة.. وأنَّ الجهلَ به أو الغفلةَ عنه، هو سببُ الخسارةِ والهلاك، تأمل: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنبياء: 1]، ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]، ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97]، ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]..

 

نعم يا عباد الله: فمن النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ وُجُودَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ أَجْلِ جَمْعِ الْمَالِ، فَصَارَ جمع الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، هو هَمُّهُ بالليل والنهار.. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يظَنَّ أَنَّهُ وجِدَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ أَجْلِ الْمَنَاصِبِ وَالْمَرَاتِبِ، فَصَارَ هَمُّهُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْبَنَانِ، وَأن يكون ذكره عَلَى كُلِّ لِسَانٍ.. ومنهم من يظنُّ أنه وجدَ في هذه الحياة صدفةً وعبثًا، فهو فيها كالأنعام بل هو أضلُ سبيلا، وَمِنْهُمْ مَنْ يظنَّ أَنَّ وُجُودَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ أَجْلِ الاستمتاع بمَلَذَّاتها ومُتعها، فصارت هي كُلُّ همِّهِ وشُغله، إلى غير ذلك من الهموم والمشاغل التي صرفت أكثر الناسِ عمِّا خُلِقوا له، حَتَّى يفَاجَأَهُمُ الْمَوْتُ، فَيتَمَنَّى الوَاحِدٍ مِنْهُمُ أن يرجعَ لِيَعْمَلَ صالحًا، وَهَيْهَاتَ: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ‌ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99].. فالغفلة عن هذه الحقيقةِ الهامة، أمرٌ خطيرٌ يا عباد الله، ومما يزيدُ الأمرَ خطورةً، أنَّ الغافلَ يملكُ مقوِّماتِ اليقظةِ والهداية، لكنَّهُ يُفضلُ ما هو فيه من غفلةٍ وضلال، ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55].. تمرُّ بهم الآياتُ البينات، وتأتيهم الدلائلُ والعظات، ويرون نجاحَ ورسوبَ غيرهم في الاختبارات، فلا يُعيرونها أي اهتمام: ﴿ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7]، ولذا قال العلماء: الغفلةُ هي أشدُّ ما يُفسِدُ القلوب..

 

فتعاهد نفسك يا عبدالله، فالقلب الغافل له علامات: أبرزها اتباع الهوى، وعدمُ المبالاة، وقسوةُ القلب عند المواعظ، وقلةُ الذكر، وصُحبةُ البطالين، وعدمُ الاهتمامِ بالوقت، والانشغالُ بالتوافه عما هو مهم.. فَافْهَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ هذه الحَقِيقَةَ الهامَّة، وأنَّ سرَّ وجودِكم فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ: (ليبلوكم فيما آتاكم)، فَاغْتَنِمْوا رحمكم الله فُرْصَةَ وُجُودِكَم، ولا تنسوا أن الْآخِرَةِ هي مُسْتَقْبَلُكَم الحقيقي، ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، وفَي الْحَدِيثِ الصَّحِيح يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»، وتأمل قَوْل اللهِ تَعَالَى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ‌نُوَفِّ ‌إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15]..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]..

أقول ما تسمعون..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

أما بعد: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: القلبُ هو محلُ نظرِ اللهِ من العبد، بصلاحه تصلحُ أحوالُ العبدِ كلِها؛ وبفساده تفسد، في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب".. بالقلبِ يَعرِفُ العبدُ ربَّه، وبهِ يُحبهُ ويخافُه ويرجوه، وبالقلبِ يُفلحُ العبدُ وينجو يومَ القيامة، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88]..

 

القلبُ! وما أدراك ما القلب: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، القلب إذا صلح، استنارت بصيرةُ الانسان، وطهُرت سريرته، وصحت نيته، وأمتلأَ بتعظيم الله وهيبته، وخوفهِ وخشيتهِ، ورجائهِ ومحبته، ولذا كانت أكثرُ يمينِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: "لا، ومقلب القلوب"، وكان أكثرُ دعائه صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك".. ويقول الإمام ابن القيّم رحمه الله: أشرفُ ما في الإنسان قلبه، فهو العالمُ بالله، السَّاعي إليه، والمحبُّ له، وهو محلُّ الإيمانِ والعرفان، وهو المخاطبُ المبعوثُ إليه الرسل، المخصوصُ بأشرف العطايا من الإيمان والعقل، وإنما الجوارحُ أتباعُ للقلب.. فالاهتمامُ بإصلاح القلبِ يا عباد الله: أمرٌ في غاية الأهميةِ والخطورة، إذ هو أصلُ كلِّ صلاح، وما أُوتي كثيرٌ من الناس إلا من إهمالِ قلوبهم، وعدمِ الاهتمام بها، فلابدَّ لهذه القلوب من تعاهُدٍ ومراعاة، وتغذيةٍ وإصلاحٍ ومداواة، وإلا فإنها تضعفُ وتمرضُ بالغفلة، وتقسو من قلة الذكر، وتصدأُ ويَعلوها الرانُ بتواليِ الذنوب وتتابعها.. ومن ثمَّ فلا يزدادُ صاحبُها إلا بعدًا عن الله تعالى، وتوغلًا في الذنوب والمعاصي عياذًا بالله.. واعلموا يا عباد الله: أنه ما رقّ قلبٌ لله عزَّ وجلَّ، إلا كان صاحبهُ مُشمّرًا في الطاعات، سبَّاقًا إلى الصالحات، حريصًا على الخيرات، كثيرُ الذكرِ في الخلوات، مُبتعدًا عن المحرمات والشبهات ومضيعات الأوقات، ومواطنِ الفتن والغفلات.. قال ابنُ المبارك رحمه الله: رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ.. وقد يورثُ الذلُّ إدمانَها.. وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ.. وخيرٌ لنفسِك عصيانُها.. وصدق الله: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

 

فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في صلاح قلوبكم، وسلامة صدوركم، وخذوا بالأسباب التي تحيا بها قلوبكم وتلين، وتجنبوا الأسباب التي بها تقسو وتمرض وتفسد، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.. اللهم صل..

اللهم صل على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ليبلوكم أيكم أحسن عملا
  • ليبلوكم
  • تفسير: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)

مختارات من الشبكة

  • ليبلوكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحذر من عدو الله وعدونا الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصف الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحث على شكر النعم والحذر من تبدلها بالنقم(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • التحذير من الشيطان وغروره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الاغترار بالدنيا وطول الأمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطفل وسؤال الطهر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حرث الدنيا وحرث الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع أيضا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 0:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب