• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

غيث الأوام بمقاصد الصيام (خطبة)

غيث الأوام بمقاصد الصيام (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2023 ميلادي - 25/7/1444 هجري

الزيارات: 17047

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غيث الأوام بمقاصد الصيام

 

الحمد لله الذي أعْظَم على عباده المنَّةَ، ودفع عنهم كيد الشيطان ومنَّه، ورد أمله وخيَّب ظنَّه، وجعل الصوم حصنًا لأوليائه وجُنَّة، ورياضةً روحيةً للنفوس المطمئنة، وفتح لهم به أبواب الوصول إلى الجنة، وعرفهم ما تكون به القلوب رضيةً مستكنَّة.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أتقن بحكمته ما فطر وبنى، وشرع الشرائع رحمةً وحكمةً طريقًا وسننًا، وأمرنا بطاعته لا لحاجته بل لنا، يغفر الذنوب لكل من تاب إليه ودنا، ويجزل العطايا لمن كان محسنًا، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير المستبشرين بقدوم رمضان، وأصدق من أخبر بتفضيله على سائر الأزمان، ونسبة الصيام للذات العلية من بين سائر الأركان، وأن ثوابها جاوز قانونَ التقدير والحسبان، صلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه، ومن تبعهم بإحسان.

 

أما بعد:

استعدوا تهيؤوا للعناق
حضروا حالكم ليوم التلاقِ
رمضان شهر الصيام تجلى
حسنه للأنام حلو المذاقِ
يحمل الهَدْيَ والهُدَى والهدايا
فانهلوا من مَعينه يا رفاقي
شمِّروا عن سواعد الجد حالًا
ومن الآن قبل بدء السباقِ!



أيها المسلمون، هذا هلال الصوم قد دنت ولادته، واقتربت إطلالته، الأعناق ترقبه، والساعات تقرِّبه، وكم قلبٍ يتوق، وصبٍّ مَشوق.

رمضان يوشك أن يهب هبوبه
وتذوب في نفحاته أرواحُنا
هذي نسائمه وتلك طيوبه
كالأمنيات البيض إذ تجتاحنا
الحزن طالت بالقلوب دروبه
ولديك يا كل المُنى أفراحنا

 

ساعات جليلة، وأوقات مباركة، وليالٍ عظيمة، وأيام فاضلة، وشهر مبارك قد آذن الله بفتح أبوابه، وفرد صحائفه، فيَلِج الناس سوقه العامرة بالخيرات والبركات، والغنائم والمغانم.

فالنفس تدأب في قولٍ وفي عملٍ
صومُ النهار وبالليل التراويحُ

 

أيها الناس، هذا رمضان قد انقضت أيام فراقه، وأزلفت لحظات لقائه وعناقه، وقربت ساعاته، وفُتحت صفحاته، وهبت نفحاته، وأقبلت أفراحه.

رمضانُ يا أمل النفو
س الظامئات إلى السلام
يا شهر بل يا نهر ينهل
من عذوبته الأنام
طافت بك الأرواح سا
بحةً كأسراب الحمام
بيض يجللها التقى
نورًا ويصقلها القيام


فأيامه لحظات تُختلس من الدنيا، تمضي الدنيا وتفنى وتبقى أيامه ضحًى ممتدًا في الزمن الخالد، شهر، هو أيام قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا، قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي؛ فيُقبل العالم كله على حالةٍ نفسيةٍ بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجهٍ آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أُجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أُفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو، وكأنما أُلزمت معاني التقوى كما أُلزمها هو.

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

أقبِل على البشرى وعِشْ متفائلًا
ماذا جنى من شؤمه المتشائمُ؟
واصرخ على ليل المواجع قائلًا
رمضان يا ليلَ المواجع قادمُ


إن الصوم مدرسة ربانية، ومحضَنٌ إيماني، يتلقَّى فيه الصائم دروس الأخلاق، ويتربَّى على جميل الطباع، ورفيع الخِلال، وتتحقق من خلاله معانٍ عظيمة، ومقاصد سامية.

 

وإذا علمنا أن العبادات – عمومًا - مقصودها تحقيق العبودية لله، وإصلاح النفس وتزكيتها، وإصلاح المجتمع وبناؤه على أساس محكَم ومتين - فإن أعظم المقاصد والمعاني لعبادة الصيام هي تحقيق العبودية التامة لله، والاستسلام له، والامتثال لأوامره، دون جدل أو مواربة، وجعل المسلم في أحواله مستعدًّا، إذا أُمر أن يُقدِمَ أقْدَمَ، وإذا أُمِر أن يُحجم أحجم.

هو للناس قاهر دون قهرٍ
وهو سلطانهم بلا سلطانِ
قال: جوعوا نهاركم فأطاعوا
خشُّعًا يلهجون بالشكرانِ


عباد الله، إن الصيام طاعة خالصة بين العبد وربه، يأتيها الفقير الهالك ابتغاء رضوان الله، ويأيتها الغني الواجد ابتغاء رضوان الله، ويأتيانها جميعًا ليخرجا - معًا سواءً - من سلطان الطعام والشراب، ومن سلطان الشهوات، بل من سلطان كل نقيصة.

 

إن الصيام عتق للنفس الإنسانية من كل رِقٍّ؛ من رق الحياة ومطالبها، ومن رق الأبدان وحاجاتها، ومن رق النفس وشهواتها، ومن رق العقول ونوازعها، ومن رق المخاوف حاضرها وغائبها، حتى تشعر بالحرية الخالصة؛ حرية الوجود، وحرية الإرادة، وحرية العمل؛ فتحرير النفس المسلمة هو غاية الصيام، فإن الله الذي استخلفها في الأرض لا يرضى لها أن تذل لأعظم حاجات البدن؛ لأنها أقوى منها، ولا لأعتى مطالب الحياة؛ لأنها أسمى منها، ولا لأطغى قوى الأرض؛ لأنها أعز سلطانًا منها، ولما أراد الله أن يكرم هذه العبادة أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن ربه أنه قال: ((الصوم لي))[1]، فاستأثر به الله دون سائر العبادات؛ فهو الذي يقبله عن عبده، وهو الذي يجزي به كما يشاء.

من ناله داء الهوى بذنوبه
فليأتِ في رمضان باب طبيبِهِ
فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا
أشهى من المسك السحيق وطيبِهِ
أوَليس هذا القول قول مليككم
"الصوم لي" وأنا الذي أجزي بِهِ

 

عباد الله، وكما أن الصيام تحقيق العبودية التامة لله، فهو قطع أسباب التعبد لغير الله، فمن معاني قول العبد: إني صائم؛ أي منقطع عن الخلق إلى رب الخلق؛ منقطع أكلًا وشربًا وشهوةً، ومنقطع خطرة وفكرة وعبارة، ومنقطع جسمًا ونفسًا، فلم يبقَ مني لغير الله شيء، إنه إقبال على الله بالهمم العلية، وتحرير النفس من الأمور الدنيَّة، وإبعاد الذهن عن الأفكار الدنيوية، وكف القلب عما سوى الله بالكلية، إنه انقطاع عن كل صخب أو صراخ أو ضجيج، وانقطاع عن كل جدل عقيم أو مِراء يجرُّ إلى ذلك، وانقطاع عن كل ما يمهد أو يُذكِّر بالشهوات، ومن كان لله لم يكن لغيره، فالصائم نشيده:

أنا بالله عزيز
عزتي في سجداتي
أنا عبد الله
لا عبد الهوى والشهواتِ
فنيتْ نفسي عن نفسي
فسدتُ الكائناتِ

 

أيها المسلمون، إن أشواق الروح بطبيعتها لا تنتهي، فيعارضها الجسم بجعل حاجاته غير منتهية، وأن يغلب الحيوانية على الروحانية، فإذا أتى الصوم، كفَّه وأمات أكثر نزعاته، ووضع لكل حاجة حدًّا ونهاية.

 

إن الصيام أعظم مربٍّ للإرادة، وأقوى كابحٍ لجماح الأهواء، فإن لم يكن شهر رمضان شهر تخليةٍ من شوائب الملهيات، فلن يكون للنفوس تجلية للمَكْرُمات، وإن لم يكن شهر رمضان شهر إقبالٍ واغتنام؛ فهو إلى الإدبار والخسران أقرب.

ومن البلاء وللبلاء علامة
ألَّا يُرى لك من هواك نزوعُ
العبد عبد النفس في شهواتها
والحر يشبع تارةً ويجوعُ

 

وقد قيل: الصيام عن الطعام يكسِرُ تطلع النفس للآثام، فإن لم يكفَّها عن الآثام، ولم يكسرها عن فضول الكلام، وأخلاق اللئام، ما كان صومًا، بل أورث عتبًا ولومًا؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرَّفَثِ، فإن سابَّك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم))[2].

ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ
إلا نهاني الصيام والكرمُ
فلا إلى منكرٍ مددتُ يدي
ولا مشتْ بي لريبةٍ قدمُ


وقال صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش))[3].

 

وقال: ((من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه))[4].

يا مديم الصوم في الشهر الكريمِ
صُم عن الغِيبة يومًا والنميمِ
وإذا صليت خَفْ من تعبدُ
كم مصلٍّ ضج منه المسجدُ


وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصوم جنة ما لم يخرقها))[5]، فلا إله إلا الله، ما أكثر الذين يواقعون الزور والجهل في شهر الخيرات والبركات والرحمات، تاركين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، ليكون حظُّهم من صيامهم الجوع والعطش، ومن قيامهم التعب والسهر.

من لم يهذبه الصيام
فليس يمكن أن يُهذَّب
من لم يعلمه الصيام
فإنه للجهل أقرب
الصوم أطهر ما ينقي
القلب من درنٍ وأعذب
ليس الصيام فقط بمنع
النفس من أكلٍ ومشرب
من لم تصم منه الجوارح
لم ينَلْ أجرًا ومكسب
الله حببه لنا
فنعم ما الرحمن حبب
والله قال الصوم لي
وجزاؤه للعبد يُكتب


ومن مقاصد الصوم يا عباد الله - بل أحلى أعطياته وأغلى معانيه - تحقيق الإخلاص لله، والإخلاص لله خلاص.

 

فيا للصوم من عبادة أسُّها ولُحمتها وسَداها الإخلاص، وفيه من النيران الخلاص، والجنة لا تطلب إلا قلبًا خالصًا لله؛ ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79].

نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل
وننقضي وكأن العمر لم يطُل
ونستلذ الأماني وهي مروية
كشارب السمِّ ممزوجًا مع العسل


والإخلاص هو الحرية في أرقى صورها وأكمل مراتبها؛ ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]. العمل صورة، والإخلاص روح، والإخلاص اليسير كثير، وخليج صافٍ أنفع من بحر كَدِر.

 

لما أخذ دود القز ينسج أقبلت العنكبوت تتشبه، وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية بنات الملوك ونسجك شبكة الذباب، وعند مسِّ النسيجين يَبِينُ الفرق.

إذا اشتبكت دموع في خدود
تبيَّن من بكى ممن تباكى


والأمة أحوج ما تكون إلى إخلاص أبنائها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم))[6]، وفي الإخلاص خلاصُ الأمة ورفعتها؛ فعن أبيِّ بن كعب قال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب))[7].

ذمَّ المنازل بعد منزلة اللِّوى
والعيشَ بعد أولئك الأقوامِ

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله بنى السماء فأحكم ما بنى، أحمده سبحانه وأشكره أجزل العطاء لمن كان محسنًا، وغفر الذنب لمن أساء وجنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسِرًّا ومعلنًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدالله ورسوله، دعا إلى الله فما ضعُف وما ونى، صلـى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أهل العز والسنا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

عباد الله، ومن أعظم مقاصد الصيام ومعانيه ومطالبه تحقيق التقوى، فالله سبحانه خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لعبادته وتقواه عز وجل؛ فقد قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

إذًا فالتقوى هي مطلب لله من العباد؛ قال الله: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

الصوم غايته تقوى الإله فصُمْ
عن الذنوب وعما لذ أو طابا


ثم تعالوا - يا رعاكم الله - لنتساءل في شهر التقوى والرحمة؛ هل عرف معنى التقوى من لم يجدد إيمانه مع بزوغ هلال شهره وتباشير فجره؟!

هل قام بحق التقوى من وطَّن نفسه على نومِ جُلِّ نهاره، والتفكُّه بسهره وأسماره؟!

هل أدرك معنى التقوى من يوم صيامه ويوم فطره سواء، كلاهما بلا رقة ولا قرآن؟!

أيفهم معنى التقوى من استعبدتْهُ الملذات وطغت عليه الملهيات والمسلسلات؟!

 

أي تقوى حققها ذاك الذي عناه الشاعر بقوله:

تلحظه في صومه بائسًا
كسلان في حالاته ناعسا
لكنه في وقت إفطاره
يعشق الرابع والخامسا
يجرف كالإعصار ما حوله
ويأكل الأخضر واليابسا؟


أين حقيقة التقوى في صيام من بات شبعان، وحوله جائع يستطيع إشباعه، فلم يفعل؟!

وهل قام بحق الشهر من رأى نفسًا مؤمنة بائسة يستطيع إسعادها، فلم يفعل؟!

أي تقوى هذه في قلب من لم يرحم اليتيم والأرملة والمتعفف والمسكين وابن السبيل؟!

 

بل أين التقوى في قلب الذي جعل من رمضان موسمًا لتوسيع تجارته، وزيادة أرباحه، فاستغل الأزمات، واحتكر الضروريات، وأخفى الاحتياجات، واستأثر بالحاجيات، وأشعل الأسعار، وبالغ في الأرباح، وشقَّ على الناس، وضيَّق على المساكين، وضاعف معاناة المحتاجين، وأصبح هذا ديدنه في كل موسم، ونغمته في كل مناسبة، وتصرفه عند كل بلية؟

 

هل حقق التقوى من عرف سمات المؤمنين، وقرأ صفات المتقين، وطالع صحائف الأبرار، وعايش الجوع والحصار ثم عمل بأعمال الفجار، وتحققت فيه وفي أمثاله هذه الأشعار؟!

تصوم عن الحلال ولا تبالي
بما اقترفت يداك من الحرامِ
وتسأل حكم بلع الريق فيه
وكم أسرفت في ظلم الأنامِ
وجارك يشتكي جوعًا ولما
يرق له سوى ريح الطعامِ
غنيٌّ أنت عن صومٍ كهذا
ولم تفقه به معنى الصيامِ

 

يا أيها التجار، يا من تخافون الواحد القهار:

أدوا الحقوق وحاذروا الطغيانا
لا تنقصوا المكيال والميزانا
لا تجعلوا الرحمن جل جلاله
خصمًا لكم لا تظلموا إنسانا
وتحللوا من كل من أذنبتم
في حقهم ولتسألوا الغفرانا
لن ينفع المرء البكاء إذا أتى
جُرمًا ولا يجديه تبت الآنا


ونحن يا أيها الصائمون:

لو لجأنا إلى القوي تعالى
وقصدناه واعتمدنا عليه
وقطعنا ما دونه من رجاءٍ
ونثرنا أحلامنا في يديه
ما غرقنا في الذل والعار يومًا
أو وصلنا لما وصلنا إليه

يا أيها البائسون والمعانون والمحتاجون:

كِلوا أمركم للطيف الخبير
بكم واطمئنوا إلى عدله
ومدوا فراش القناعة ماذا
استفاد الذي تاه في جهله؟!
واسقوا بماء الرضا حر أنفا
سكم وتفيؤوا سنا ظله
ولا تقتلوا الوقت في الأمنيات
سدى واسألوا الله من فضله

 

‏اللهم فجُدْ علينا بجزيل النعماء، وأسعفنا بتتابع الآلاء، وعافِنا من نوازل البلاء، وقِنا شماتة الأعداء، وأعِذْنا من درك الشقاء، وحُطْنا برعايتك الكريمة في الصباح والمساء.

 

إلهنا وسيدنا ومولانا، عليك نتوكل في حاجاتنا، وإليك نتوسل في مهماتنا، لا نعرف غيرك فندعوه، ولا نؤمل سواك فنرجوه، اللهم فجُدْ علينا بعصمة مانعة من اقتراف السيئات، ورحمة ماحية لسوالف الخطيئات، ونعمة جامعة لصنوف الخيرات، يا من لا يضل من أصحبه إرشاده وتوفيقه، ولا يزِلُّ من توكل عليه وسلك طريقه، ولا يذل من عَبَدَهُ وأقام حقوقه.

 

اللهم نجِّنا من موارد الهلكات، وسلمنا من اقتحام الشبهات، وعمَّنا بسحائب البركات، ولا تخلنا من لطفك في جميع الأوقات.

 

اللهم جلِّلنا بجُودك سُرادق النعم، وغشِّنا بمنك سرابيل العصم، وبلِّغنا بفضلك نهايات الهمم، واقشع عنا غيابات النقم، ولا تخلنا من تفضُّلك يا ذا الجود والكرم.



[1] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب قول الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 15] (9/ 143)، ورواه مسلم، باب فضل الصيام (2/ 807).

[2] رواه ابن خزيمة في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب النهي عن اللغو في الصيام (3/ 241)، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر البيان بأن أقل ما يجب على المرء اجتنابه في صومه الأكل والشرب (8/ 256)، ورواه الحاكم في المستدرك، باب حديث شعبة (1/ 595)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب الصائم ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة (4/ 449)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 625).

[3] رواه أحمد في المسند، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب مسند أبي هريرة (14/ 445)، وأبو يعلى في مسنده، باب مسند أبي هريرة (11/ 429)، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، باب نفي ثواب الصوم عن الممسك عن الطعام والشراب مع ارتكابه ما زُجر عنه (3/ 242)، ورواه الطبراني في المعجم الكبير، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (12/ 382)، ورواه الحاكم في المستدرك، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب حديث شعبة (1/ 596)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 625، 626).

[4] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم (3/ 26)، وفي باب قول الله تعالى: ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30] (8/ 17).

[5] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، من حديث أبي عبيدة رضي الله عنه، باب ما ذكر في فضل الصيام، وثوابه (2/ 273)، والدارمي في سننه، باب الصائم يغتاب فيخرق صومه (2/ 1081) وحسنه، ورواه النسائي في السنن الكبرى، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب (4/ 167)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب فضائل شهر رمضان (5/ 246)، ضعفه الألباني، السلسلة الضعيفة (36/ 980).

[6] رواه النسائي في السنن الكبرى، من حديث مصعب بن سعد، عن أبيه، باب الاستنصار بالضعيف (6/ 45)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب استحباب الخروج بالضعفاء والصبيان (3/ 480)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 105).

[7] رواه أحمد في المسند، باب حديث أبي العالية الرياحي عن أبي بن كعب (35/ 146، 47، 48)، والحاكم في المستدرك، كتاب الرقائق (4/ 346)، ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 255)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب إخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء (9/ 155)، وفي باب الزهد وقصر الأمل (12/ 537)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 117).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وجوب الصيام وفضله
  • الصيامُ عبادةٌ وصِحّة
  • ألبانيا: ندوة علمية عن الصيام آداب وأحكام
  • فتاوى علماء البلد الحرام في الصيام
  • كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي
  • مقاصد الصيام (1) الإخلاص والتقوى (خطبة)
  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة نزول الغيث ( نقد غيث الأدب الذي انسجم في شرح لامية العجم للصفدي )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غيث القلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غصون رمضانية (15) أيادي الندى(مقالة - ملفات خاصة)
  • السحب والغيوم والغيث في ديوان: يا ساكنة القلب للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نعمة الغيث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آثار الذنوب تأخر الغيث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وينزل الغيث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغيث... واللغو(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • نور الأمل وغيث الحياة: رحلة في جوهر المساعدة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب