• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أسباب تنمية الثقة بالله تعالى في القلب (خطبة)

أسباب تنمية الثقة بالله تعالى في القلب (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/8/2022 ميلادي - 5/1/1444 هجري

الزيارات: 11844

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسباب تنمية الثقة بالله تعالى في القلب

 

الحمد لله الذي نشر بقدرته البشر، وصرَّف بحكمته وقدَّر، وابتعث محمدًا إلى كافة البشر، فدعا إلى الله، فعاداه من كفر، وتبِعه من بالفلاح ظفر، فصلوات الله عليه، وعلى جميع أصحابه الميامين الغرر، وعلى تابعيهم بإحسان على السنة والأثر، صلوات الله عليه ما هطلت الغمائم بتَهْتَانِ المطر، وهَدَلت الحمائم على أفنان الشجر، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

 

فعباد الله، اتقوا الله تعالى، وأحسِنوا به الظن تُفلحوا وتَسعدوا، وثقوا بربكم كلَّ الثقة تفوزوا وترشدوا.

 

المجاهد يقبل بمهجته في أتون كبد الوغى، رابطَ الجأش؛ ثقةً بموعود ربه: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].

 

والمنفق أمواله في مراضي ربه واثق بموعوده، ولا يريد من الخلق جزاء ولا شكورًا، فلا ينتظر منهم حتى كلمة "جزاك الله خيرًا"، أو "شكرًا"؛ لأن صدره مليء بالثقة بما عند ربه وبصدق وعده، دعها فمعها حذاؤها وسقاؤها؛ ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾ [العنكبوت: 5].

 

والمريض المُدْنف ساكن النفس لاهجٌ بحمد ربه، بإنعامه عليه بهذا البلاء، ولكن غير الواثقين لا يعلمون حقائق كنوزِ الرضا وذخائر الثقة، إنه يقرأ في منشور فلاحه وصفًا للمرضيِّ عنهم: ﴿ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ ﴾ [التوبة: 112]، ويتدبر قول ربه: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، فتهفو نفسه الواثقة لمزيد من الثقة، حتى يكون الخبر كالمعاينة.

 

والفقير يكدح بيده قد اكتفى بقوت يومه وليلته له ولمن يعول، بلا استشراف قلق لمستقبل مظلم؛ ثقة أن مَن خلقهم هو مَن تكفَّل برزقهم، وهو يعلم أن من أفضل العبادة انتظار الفرج: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

 

والداعي إلى الله المربي يقابل جيوش الهموم، وكتائب الصِّعاب والغموم بابتسام وصبر ورضًا، مهما تكالبت عليه العوائق، وتحالفت على كبْحِهِ المنغِّصات رغبًا ورهبًا وتعجيزًا؛ لأنه واثق بصدق وعد ربه، أنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، كيف وهذا العمل هو وظيفة المرسلين: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ [فصلت: 33].

 

الوالد المشفق يزرع ذريته في أرض أمِّهم زكية المنبت، ويسقيهم بأدعيته المباركة وإرشاده الصادق وقدوته الحسنة، ويعلم أن أبناءه وبناتِهِ هم مشروع حياته الأعظم، فيجعل لتحصيل هدايتهم وصلاحهم واستقامتهم أفضل أوقاته، وأثمن ممتلكاته، وأوفى جهده، واثقًا بأن المربي الحق، والهادي الحق، والحافظ الحق هو الله الحق، فجثمانه في إصلاح أجسادهم، وروحه معلقة بالحافظ الهادي؛ استمطارًا لإصلاح فلذات كبده، ومُهَجِ حياته، بزادٍ لا ينضُبُ من الثقة بوعد الله وحكمته؛ فهو لهِجٌ مُلِظٌّ بدعوة الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا ينام: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74].

 

المظلوم يتلوى شِلْوَه على مرارة قرع الظالم، وحرارة سِياط مقارعه النفسية والجسدية، لكن قلبه واثق بموعود ربه ونصره للمظلومين، ومهما طالت دولة ظالمِه، وجولة قاهره، ففوقه جبار السماوات والأرضين، الذي يُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلِتْه، فلا تزال عين المظلوم باردة قرى؛ إذ موعد المحكمة الإلهية لظالمه بالمرصاد، وخير للمظلوم لو أُخِّر نكال ظالمه للآخرة، فما أقصر ليل الظالمين! ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]، إلهَ الحق جنِّبنا ظلم أنفسنا بشرك فما دونه، وظلم عبادك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

إن الثقة بالله هي اتكاء إلى جدار عظيم، واستناد إلى ركن شديد، والسعيد من جاوز بثقته طِباق السماوات، ووصل بها بين عالمي الغيب والشهادة، فصار يرى بحسن ظنه، وعظيم ثقته بوعد ربه ما لا يراه المتزعزعون.

 

عباد الله: ومن أسباب تنمية الثقة بالله في القلب:

أولًا: صحة المعتقد، وتحقيق التوحيد، وإخلاص النية، واتباع السنة، وصلاح الظاهر والسريرة.

 

ثانيًا: الدعاء والضراعة، وصدق اللجأ إلى الله سبحانه، والإلحاح عليه بصلاح القلب، واستقامة الجوارح.

 

ثالثًا: التدبر في الآيات الشرعية، فلا تكاد تخلو سورة ولا صفحة في كتاب الله من ذكر هذا الأمر العظيم، أو الإيماء إليه؛ لذا فقراءة القرآن بتدبر وإيمان منمِّيَةٌ له ضرورة، ولم أرَ مثل تدبر القرآن وتلاوته مطلقًا في صلاح القلب واستقامته، وذوق حلاوة الإيمان.

 

ومن أعظم آيات الثناء على الواثقين بوعد الله تعالى قولُهُ سبحانه في سورة الأحزاب: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، وقد وسطها الله تعالى بين آية الأمر بتوحيد الائتساء والاتباع، وبين الثناء على المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وفي ذلك بناء للثقة في القلوب المؤمنة؛ فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 21، 22]، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تَقَلْقَلُوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؛ أي: هلا اقتديتم به، وتأسَّيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

ثم قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة؛ فقال: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [الأحزاب: 22]، قال ابن عباس وقتادة: "يعنون قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]؛ أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب؛ ولهذا قال: ﴿ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

 

وقال العلامة المفسر الفقيه الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، باختصار:

ومن هَدْيِ القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى حل المشاكل العالمية بأقوم الطرق وأعدلها، ونحن دائمًا في المناسبات نبين هدي القرآن العظيم إلى حل ثلاث مشكلات، هي من أعظم ما يعانيه العالم في جميع المعمورة ممن ينتمي إلى الإسلام؛ تنبيهًا بها على غيرها:

المشكلة الأولى: هي ضعف المسلمين في أقطار الدنيا في العَدَدِ والعُدَدِ عن مقاومة الكفار، وقد هدى القرآن العظيم إلى حل هذه المشكلة بأقوم الطرق وأعدلها، فبيَّن أن علاج الضعف عن مقاومة الكفار إنما هو بصدق التوجه إلى الله تعالى، وقوة الإيمان به والتوكل عليه؛ لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء، فمن كان من حزبه على الحقيقة، لا يمكن أن يغلبه الكفار، ولو بلغوا من القوة ما بلغوا.

 

فمن الأدلة المبينة لذلك: أن الكفار لما ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة الأحزاب المذكور في قوله تعالى: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11]، كان علاج ذلك هو ما ذكرنا، فانظر شدة هذا الحصار العسكري، وقوة أثره في المسلمين، مع أن جميع أهل الأرض في ذلك الوقت مقاطعوهم سياسة واقتصادًا، فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن العلاج الذي قابلوا به هذا الأمر العظيم، وحلوا به هذه المشكلة العظمى، هو ما بينه جل وعلا في سورة الأحزاب؛ بقوله: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

 

فهذا الإيمان الكامل، وهذا التسليم العظيم لله جل وعلا؛ ثقةً به، وتوكلًا عليه - هو سبب حل هذه المشكلة العظمى.

 

وقد صرح الله تعالى بنتيجة هذا العلاج؛ بقوله تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25]، فدلَّتِ الآية على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي وغلبته له: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

المشكلة الثانية: هي تسليط الكفار على المؤمنين بالقتل والجراح وأنواع الإيذاء، مع أن المسلمين على الحق، والكفار على الباطل.

 

وهذه المشكلة استَشْكَلها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأفتى الله جل وعلا فيها، وبيَّن السبب في ذلك بفتوى سماوية تُتلى في كتابه جل وعلا.

 

وذلك أنه لما وقع ما وقع بالمسلمين يوم أحد، فقُتِلَ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، ومُثِّل بهما، وقُتل غيرهما من المهاجرين، وقُتل سبعون رجلًا من الأنصار، وجُرح صلى الله عليه وسلم، وشُقَّت شفته، وكُسرت رباعيته، وشُجَّ صلى الله عليه وسلم، استشكل المسلمون ذلك وقالوا: كيف يدال منا المشركون، ونحن على الحق وهم على الباطل؟ فأنزل الله قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165].

 

وقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾، فيه إجمال بيَّنه تعالى بقوله: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ [آل عمران: 152].

 

ففي هذه الفتوى السماوية بيان واضح؛ لأن سبب تسليط الكفار على المسلمين هو فشل المسلمين، وتنازعهم في الأمر، وعصيانهم أمره صلى الله عليه وسلم، وإرادة بعضهم الدنيا مقدمًا لها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن عرف أصل الداء، عرف الدواء، كما لا يخفى.

 

المشكلة الثالثة: هي اختلاف القلوب الذي هو أعظم الأسباب في القضاء على كيان الأمة الإسلامية؛ لاستلزامه الفشل، وذهاب القوة والدولة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، فترى كثيرًا من المسلمين اليوم في أقطار الدنيا يضمر بعضهم لبعض العداوة والبغضاء، وقد بيَّن تعالى في سورة الحشر أن سبب هذا الداء الذي عمت به البلوى إنما هو ضعف العقل؛ قال تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]، ثم ذكر العلة لكون قلوبهم شتى، بقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14]، ولا شك أن داء ضعف العقل الذي يصيبه فيُضعفه عن إدراك الحقائق، وتمييز الحق من الباطل، والنافع من الضار، والحسن من القبيح - لا دواء له إلا إنارته بنور الوحي؛ لأن نور الوحي يحيا به من كان ميتًا، ويضيء الطريق للمتمسك به، فيريه الحق حقًّا، والباطل باطلًا، والنافع نافعًا، والضار ضارًّا؛ قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257].

 

أمة الإسلام: ورابع الأسباب المقوية للثقة بالله تعالى: التدبر والتأمل في الآيات الكونية في الأنفس والآفاق، ومعرفة سنن الله في خليقته، والنواميس التي أقام عليها الكون، وقراءة قصص الأنبياء التي قصها الله تعالى في كتابه، وقصها نبيه صلى الله عليه وسلم، كذلك الصالحين والمصلحين على اختلاف أزمانهم وبقاعهم وأعمالهم، وكذا أضدادهم من الكفرة والفجرة، ومصارعهم بيد الجبار جل جلاله وانتقامه لأوليائه من الظالمين، ونحو ذلك: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وقال سبحانه: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعمُروا قلوبكم بالثقة بموعود ربكم.

 

فخامس الأسباب لعمارة القلب: طول القنوت والعبادة، وإنك لتعجب من حال بعض الدعاة إذا رأيته قد أنفق من عمره سنين عددًا، ثم ترى حظَّه من قيام الليل ثلاث ركعات، أما التهجد، فلا وجود له إلا في رمضان، ثم تراه يشتكي قسوة قلبه، وضعف إرادته، وصعوبة كبح نفسه التي لا زالت مراوحة بين الأمَّارة واللوَّامة، أما المطمئنة، فلا يحس لها بساكن، أين طول القيام حتى يراوح بين قدميه، ويلتذ بصفِّهما لربه في جوف الليل الأوسط والآخر؟! أين ترديد الآي أثناء التهجد والتدبر فيها، والتفكر في مراميها، والتسبيح عندها والتحميد والاستغفار والتأثر... والحياة بها؟! أين طول السجود والبكاء والضراعة والانكسار، وذوق اللحظات اللذيذة لروحه التي هي - لعمر الله - من أمتع لذائذ الأنفس في هذا الوجود؟! وكما قال الإمام أحمد متأوهًا لمن نام عن تهجده من تلاميذه: "يا عجبًا لطالب علم لا يقوم الليل"، فنقول كذلك: يا عجبًا لداعية لا يقومه، ثم أين الصدقة العظيمة الخفية التي يحس بانفساح صدره لها، وقد أخذها من حلها وأنفقها في مرضاة ربه حتى لا تعلم شماله ما أنفقته يمينه؟! ثم أين صيام الهواجر، ومكابدة الجوع والظمأ للشكور سبحانه في يوم بعيد ما بين الطرفين، شديدٍ حره حتى تذوب شهوة النفس في ذياك الأصيل من آصال الملك العلَّام؟! كذلك أين الذكر الطويل المأثور المتدبر في الأوقات الفاضلة بقلب حاضر منتبه لِما يجري على لسانه من ذكر ربه بديمومة عمرية، تكون لروحه وجبة غذائية، لا غِنى لها عنها، مهما اختلجت مشاغله، واشتبكت قواطعه.

 

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي قال: ((غدونا على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يومًا بعدما صلينا الغداة، فسلمنا بالباب، فأذِن لنا، قال: فمكثنا بالباب هنيةً، قال: فخرجت الجارية، فقالت: ألا تدخلون فدخلنا، فإذا هو جالس يسبح، فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذن لكم، فقلنا: لا، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قال: ظننتم بآل ابن أم عبد غفلةً، قال: ثم أقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية، انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت، فإذا هي لم تطلع، فأقبل يسبح، حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية، انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت، فإذا هي قد طلعت، قال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، ولم يهلكنا بذنوبنا)).

 

وقال ابن القيم رحمه الله: "حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغذ هذا الغذاء سقطت قوتي، أو كلامًا قريبًا من هذا، وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر"، أو كلامًا هذا معناه.

 

ولقد ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يبارك لأمته في بكرة النهار؛ فقد روى أبو داود عن صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))، وكان إذا بعث سريةً أو جيشًا بعثهم أول النهار، وكان صخر رضي الله عنه تاجرًا، فكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله.

 

قلت: هذه بركة في الدنيا، فكيف بالبركة في الدين وعمارة القلب بالإيمان والجوارح بالإسلام؟ وقد قيل: يومك مثل جملك، إن أمسكت أوله تبعك آخره، وأعظم الذكر هو تلاوة كلام الله تعالى، ومن جعل شرة ونفاسة وقته للقرآن، رأى البركة في سائر أموره، وقد ذكر أهل العلم والدعوة من أمثلة ذلك ما لا يحصيه كتاب، وعلى قدر اشتغاله بالتلاوة والتدبر يكون الأثر المبارك في سائر قوله وعمله ونيته وأثره في الناس.

 

سادس الأسباب المنمية للثقة بالله تعالى: المحاسبة الجادة للنفس، ففي الدنيا دخان وغين يحيط بالقلب، ولا تكاد النفوس تسلم منه، فتقع في غفلة وركون إلى الخسار وإخلاد إلى الأرض، فإن وفق الله عبده للمحاسبة، استيقظ ونفض عن بصيرته وقلبه غبار الغفلة وقَتَار الظلمة، ولقد تكلم أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله في مداواة النفوس عن تغلبه بعد مجاهدة شديدة على طباعه السيئة من الحقد والشهوة وغيرهما، حتى ترقَّى بها للطمأنينة والسكينة، وبعض الدعاة لا يزال يجاهد نفسه ضد الموبقات كالزنا والخمر والربا، فضلًا عن بقية الكبائر والذنوب التي أصبحت كالعادات له؛ كالغِيبة والنميمة غير المقصودة والكذب مازحًا وجادًّا، إلى شراسة الخلق والصلف وتنفير عباد الله من دين الله، وإدخال الغم والحزن عليهم، وسوء ظنه بالمؤمنين، مع علمه بعيوبه واعترافه، إلا أن السنين لم تزده في تيك الأخلاق الرذيلة إلا إيغالًا، فأين الثقة بالله وبوعده وبلقائه؟! ومتى يأتي اليوم الذي تطمئن فيه نفسه فتطبع على أخلاق المؤمنين، وتدور بطبعها فيه، فتكون من النفوس المطمئنة؟! فإن طال زمانك وأنت تراوح المجاهدة دون تقدم في مستوى إيمانك؛ فراجع مساقيَ قلبك، فلعل هناك دَغَلَ شهوةٍ خاطئة في حاجة لعصف وتهذيب، أو شبهة ردت عنك بركة العلم والذكر والإيمان.

 

إن المؤمن إذا تدبر قول العظيم سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، لتهون في عينه الدنيا وما عليها، فأجل المعاد قريب، وهذي الدنيا القريبة الزائلة بمعالمها الفانية لن تلبث إلا أن تكون كسراب بقيعةٍ، بل كطيف خيال، أو كحُلْمِ منام، فتذهب مشقة الطاعة والمجاهدة، ويبقى الأجر مبذولًا من خزائن الحميد الشكور.

 

سابعًا: صحبة الواثقين بربهم، وهذا ترياق مجرب سريع التأثير على القلب، فمصاحبة من تعلق قلبه بربه ووثق بوعده ولقائه، ورؤية تقلبه في سائر أحواله مع ذينك الأمرين تلقح في الفؤاد رحيق برد الثقة بموعود رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثقة بالله
  • الثقة بالله تعالى
  • حاجتنا إلى الثقة بالله
  • في رحاب الثقة بالله
  • الإيمان والثقة بالله والصبر
  • خطبة: الثقة بالله تعالى
  • حكم زيادة الثقة

مختارات من الشبكة

  • أسباب ضعف الثقة لدى أولادنا (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الأسباب والمسببات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب التخفيف في التكاليف الشرعية(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • أسباب الإعاقة البصرية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صدقة السر سبب من أسباب حب الله لك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدقة السر سبب من أسباب رضى الله عنك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلة الرحم سبب عظيم من أسباب الرزق(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • قيام الليل سبب من أسباب دخول الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضل بناء المساجد: بناء المساجد سبب من أسباب دخول الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • باب فضل ترديد الأذان: التهليل بعد الأذان سبب من أسباب مغفرة الذنوب(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب