• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (2) (خطبة)

أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (2) (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/6/2022 ميلادي - 28/11/1443 هجري

الزيارات: 6052

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (2)


الحمد لله الذي خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن من الأخطاء في مفهوم الرضا بالقضاء تركُ الدعاءِ أو الإلحاحِ فيه بحجّة الرضا، وهذا باطل؛ فالدين وِعاءُ الدعاء، والله يحب أن يُدعى، وقد أمر كثيرًا بالدعاء، والدعاءُ الملحّ بصلاح أمور الدين واضحُ المشروعية مؤكَّدُ الاستحباب، أما في أمور الدنيا فمشروع كذلك بشرط سكون القلب بما قسم الله له، وربنا تعالى يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وقال: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] وقال عزّ وجل: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]، والآيات في هذا كثيرة.

 

وفي صحيح مسلم[1] بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بَدْر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدَّ يديه، فجعل يهتف بربه: ((اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ))، فما زال يهتف بربِّه مادًّا يديه، مستقبلَ القبلة، حتى سقط رِداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربَّكَ، فإنه سيُنجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9] فأمدَّه الله بالملائكة.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَا يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ))[2]، فإذا كان سؤال الله يرضيه، لم يكن الإلحاح فيه منافيًا لرضاه.

 

أمَّا سؤال العباد، وإهراق ماء حياة الوجه تحت لُعَاعَتِهم، فذلك عيبٌ في صدق التديُّن، فإنه يُطفئُ الرضا، ويُذهِب بهجته، ويُبدِّل حلاوتَه مرارةً، ويُكدِّر صفوه شوبًا دنيئًا.

فإنَّ إرَاقَةَ ماءِ الحَيَاة
دُونَ إراقَةِ ماءِ المُحَيَّا

ومن قال: إن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فالجواب عليه: إن الطلب من الله ليس ممنوعًا، بل هو عبادة من أجلِّ العبادات التي أمر الله بها، وكرَّر أمره به، وأبدأ فيه وأعاد؛ لأهميته بل لضرورة العبد له، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 12][3]، ومن مأثور الإمام الشافعي رحمه الله:

أتهزأُ بالدُّعاءِ وتَزْدَرِيه
ومَا تَدْري بما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ اللَّيلِ لا تُخْطي ولكن
لها أمَدٌ وللأمَدِ انْقِضاءُ

 

واعلم أنَّ القلوبَ ضعيفةٌ، والشُّبَهَ خطَّافةٌ، وأن الأفكار والتصوُّرات والعلوم لها واردات عقليّة إن لم يكُنْ صاحبُها مُحَصَّنًا بأَثَارَةٍ من علم الوحي، مُعتصِمًا بأَثرِ الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم، مُقتفيًا آثَارَ السلف الصالح في معتقده وسلوكه وهديه وسَمْتِه وقصده وقوله وعمله؛ فهو على شفا جُرُفٍ هار، والمحفوظ المُوفَّق من حفظه الله ووفَّقه، فادع الله تعالى أن يُنجيك من شبكة الشبهات، وادْعُه دعاء الغرِق لعلَّه ينظُر إليك نظرَ رحمةٍ وإجابةٍ وقَبولٍ، فيُنجيك من شرِّ نفسِك وشرِّ الشيطان وشركه، وتأمَّل وصيَّةَ ابن المبارك رحمه الله تعالى ومرِّرها على عقلك، واضعًا يدك على قلبك، لَهِجًا بدعاء ربِّك أن يعصمَك من سوء الفتن، قال رحمه الله تعالى: "إنَّ البُصَراء لا يأمنون من أربع: ذنبٍ قد مضى لا يُدرى ما يصنع فيه الربُّ عز وجل، وعُمُرٍ قد بقي لا يُدرى ما فيه من الهلَكة، وفَضْلٍ قد أُعطيَ العبدُ لعله مَكرٌ واستدراج، وضلالةٍ قد زُيِّنتْ يراها هُدًى، وزيغِ قلبٍ ساعةً، فقد يُسلبُ المرءُ دينَه ولا يشعر!"[4].

 

"وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريقُ أنبياء الله ورسله وجميعِ أوليائه السابقين المقرَّبين وأصحاب اليمين، كما في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بعض أصحابه: ((كيف تقول في دعائك؟))، قال: أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أُحْسِن دَنْدَنَتَكَ ولا دَنْدَنَةَ مُعاذ! فقال: ((حولهما نُدَنْدِن))[5]، فقد أخبر أنه هو صلى الله عليه وسلم ومعاذ - وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم - إنما يُدَنْدِنُون حول الجنة، أفيكون قول أحد فوق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ ومن يصلي خلفهما من المهاجرين والأنصار؟!

 

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ للهِ تعالى ملائكةً يطُوفُون في الطُّرُق يلتمسون أهلَ الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ عز وجل، تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم، فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم - وهو أعلم -: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبِّحونك، ويكبِّرونك، ويُحمِّدونك، ويُمجِّدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟! قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لكَ عبادةً، وأشدَّ لك تمجيدًا، وأكثرَ لك تسبيحًا، فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنةَ، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حِرْصًا، وأشَدَّ لها طَلَبًا، وأعظمَ فيها رغبةً، قال: فمِمَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: يتعوَّذُون من النار، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله، ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟! قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فرارًا، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجُلَساءُ لا يشقى بهم جليسُهم))[6].

 

وفي صحيح مسلم[7] وغيره، عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، نادى مُنادٍ: يا أهلَ الجنةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فيقولون: ما هو؟ ألم يُبيِّض وجُوهَنا، ويُثقِّل موازينَنا، ويُدْخِلنا الجنةَ، ويُجِرْنا من النارِ، قال: فيُكشَف الحجابُ، فينظُرونَ إليه، فما أعطاهم شيئًا أحَبَّ إليهم من النَّظَرِ إليه))، وكلما كان الشيء أحَبَّ، كانت اللذة بنيله أعظم، وهذا مُتَّفَق عليه بين السلف والأئمة ومشايخ الطريق، كما روي عن الحسن البصري أنه قال: "لو علم العابدون بأنهم لا يرون ربهم في الآخرة؛ لذابت نفوسُهم في الدنيا شوقًا إليه".

 

والواجب أن يُعلم أن كل ما أعدَّه الله للأولياء من نعيم بالنظر إليه، وما سوى ذلك هو في الجنة، كما أن كل ما وعد به أعداءه هو في النار، وقد قال تعالى: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله: أعْدَدْتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قلْبِ بَشَرٍ، بلْهَ [8] ما أطلعتُهُم عليه))[9].[10]

 

وبعد يا عباد الله، فعلى المؤمن ألا يستحسر عن الدعاء، فهو من أعظم أسباب التوفيق في الدنيا والآخرة، وألّا يزيغ بظن عدم جدواه، أو أنه معارِضٌ لرضا القلب، بل عليه أن يسأل ربَّه ما شاء من مطالب الدنيا والآخرة، وأن يُعلي همته في مطالبه، وألا ينكل عن سؤال ربِّه ما يؤرق راحته ويُكدِّر صفوه، فإن الروح إذا كلَّت عميت أو كادت، وربَّ أمرٍ صغيرٍ تُبنى عليه كبريات الأمور، والله المستعان، فيا نازفًا همَّه بدموعه، ومُرسلًا شجنه بأنينه، وباثًّا شكايته بزفرات، أبشِرْ ببُشْرى الله لك: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 186].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد:

فاتَّقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن من الأخطاء في باب الرضا بالله تعالى: الظن بأن التنعُّم بالمباحات يُنقِص الرضا، وهذا ظن باطل، فإن الله تعالى يقول: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حبَّب الله إليه النساء والطيب، وكان لا يردُّ موجودًا ولا يتكلَّف مفقودًا، وربَّ مُباحٍ أعان على طاعة وَرَدَّ عن شهوة حرام، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "ما زال جماعة من المتزهِّدين يُزْرُون على كثير من العلماء إذا انبسطوا في مباحات، والذي يحملهم على هذا الجهل، فلو كان عندهم فضل علم ما عابوهم؛ وهذا لأن الطباع لا تتساوى، فرُبَّ شخصٍ يصلح على خشونة العيش، وآخر لا يصلح على ذلك، ولا يجوز لأحد أن يحمل غيرَه على ما يُطيقُه هو غير أن لنا ضابطًا هو الشرع، فيه الرخصة وفيه العزيمة، فلا ينبغي أن يُلام من حصر نفسه في ذلك الضابط، ورُبَّ رخصةٍ كانت أفضلَ من عزائم؛ لتأثير نفعها.

 

ولو علم المتزهِّدون أن العلم يُوجِب المعرفة بالله تعالى، فتنبتّ القلوب من خوفه، وتنحلّ الأجسام للحذر منه، فوجب التلطُّفُ حفظًا لقوة الراحلة، ولأن آلة العلم والحفظ القلب والفكر، فإذا رُفِّهت الآلة جاد العمل، وهذا أمر لا يُعلم إلا بالعلم، فلجَهْل المتزهِّدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا، وظنُّوا أن المراد إتعاب الأبدان، وإنضاء الرواحل، وما علموا أن الخوف المضني يحتاج إلى راحةٍ مقاوِمة، كما قال القائل: "روِّحوا القلوب تعي الذكر"[11].

 

ولكن لا يعني هذا أن تكون الدنيا هي المقصد، فقد خاب من أولاد آدم من كان سعيه لها دون الدار الحيوان الآخرة، قال تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ))[12].

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.

أَظَهَروا لِلنّاسِ نُسكًا
وعَلى المَنقوشِ داروا
وَلَهُ قاموا وَقالوا
وَلَهُ حَلُّوا وساروا
لو غَدا فَوقَ الثُّرَيَّا
وَلَهُم ريشٌ لَطاروا

 

والمقصود أن تنعُّم المؤمن فيما آتاه الله تعالى مما أباحه لا ينافي الرضا ولا ينقصه، وقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم قائم على القناعة وإحسان سياسة النفس بما تيسَّر من الطيّبات، فالموجود لا يردُّه، والمفقود لا يطلبُه، وكان يحب الطيبات من النساء والطيب والحلواء والعسل والدُّبَّاء واللحم وغيرها، ولم يَهْتَدِ به من منع نفسَه اللحم ظانًّا أن هذا من هدي الشريعة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأكله، بل وذكر حبّه له، ورسول الله لا يحبُّ إلا طيِّبًا.

 

ومن فُتح له باب زهد فليحمد الله تعالى عليه، ولكن لا يحمل الناس على مذهبه ولا يلزمهم ما لم تُلزِمْهم به الشريعة، وكل مُيسَّر لما خُلِق له، فقد يكون من ظاهره الترف أعلى درجة عند الله ممن ظاهره الزهد، فقد تكون تلك المظاهر معينة له على ضبط إيمانه بسياسة نفس حكيمة وبطرائق مشروعة، وله خبايا لا يعلم بها إلا الله، وقد كان زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله تعالى- فيما ذكره الذهبي عن ابن إسحاق – يُبخّل؛ لأنّه كان يُنفق سرًّا ويظن أهله أنه يجمع الدراهم، فلما مات فقده أهل مئة بيت في المدينة لم يكونوا على علم بمن يضع لهم الطعام عند أبوابهم ليلًا حتى رحل لربه رحمه الله تعالى، ولما غسَّلوه وجدوا بظهره أثرًا مما كان ينقل الجُرُبَ بالليل إلى منازل الأرامل، فالاعتبار ليس بالظاهر.

 

وعن عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى قال: جاء رجل إلى وهيب بن الورد رحمه الله، فجعل كأنه يذكر الزهد، قال: فأقبل عليه وهيب فقال: "لا تحمل سعة الإسلام على ضيقة صدرك"[13]، وقال أيوب رحمه الله تعالى: "إن زَهَدَ رجلٌ فلا يجعلنَّ زُهدَه عذابًا على الناس"[14].

 

ولِمَن زُوي عنه شيءٌ يريده من رزق الله تعالى؛ أبْشِرْ، فإنّك بعينِ الله تعالى وعلمه، فقد خار لك صالحَك، وسوف يسوق رزقك المناسب لك في أوانه المناسب لك، فهو القائل: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12]، وتدبر عموم (كل شيء) فلا تخفى عليه خافيتك يا عبدَهُ، فهو عليم بك، وبحاجتك، ورغبتك، وبما يُصلح دينك ودنياك، فاحمده واشكره وارضَ عنه وأرضِهِ، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله.



[1] مسلم (1763).

[2] أحمد (9701)، ومسند أبي يعلى (6655) وحسنه حسين سليم أسد، والترمذي (5 / 456)، وحسنه الألباني.

[3] وانظر: الرضا بالقضاء، د. سالم بن محمد القرني، عن: مجلة جامعة أم القرى (5 / 341 - 350).

[4] شعب الإيمان (٢/ ‏٢٦٠) وسير أعلام النبلاء: (٨/ ٣٥٩). ولعله لو قال: خمس، كان أولى، ولعله قصد أن زيغ القلب مبنيٌّ على الضلالة، والله أعلم.

[5] وفي رواية: "حولها نُدَنْدِن"، والحديث عند أحمد (3/ 474) بسند صحيح، وأبو داود (1 / 292) (792) وصححه الألباني.

[6] البخاري 8/ 107 (6408)، ومسلم 8/ 68 (2689) (25).

[7] مسلم (291).

[8] قال الجوهري في الصحاح (6/ 2227): "بَلْه: كلمة مبنية على الفتح، مثل: كيف، ومعناها: دع. قال كعب بن مالك يصف السيوف:

تذرُ الجماجم ضاحيًا هاماتها
بلْه الأكفّ كأنها لم تُخلقِ

[9] البخاري 4/ 143 (3244) ومسلم 8/ 143 (2824) (2).

[10] الفتاوى الكبرى (2 / 401- 412) باختصار.

[11] صيد الخاطر (1 / 30).

[12] البخاري 8/ 114 ( 6435 ) والقطيفة: كساء له خمل، والخميصة: ثوب خزّ أو صوف معلّم؛ النهاية (2/ 81 ، 4/ 84).

[13] تهذيب الحلية (3 /35).

[14] موسوعة ابن أبي الدنيا (5 /191).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (1) (خطبة)
  • الرضا بالله ربا وإلها (1) (خطبة)
  • شروط الرضا بالله تعالى (1)
  • طرق تحصيل الرضا بالله تعالى (1) (خطبة)
  • فضل الرضا بالله تعالى (1) (خطبة)
  • آداب الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • الرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا (خطبة)
  • قالوا عن الرضا بالله تعالى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أخطاء المزكين: من أخطاء الناس في باب الزكاة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملاحظات يقع فيها بعض الحجاج ينبغي التنبه لها(مقالة - ملفات خاصة)
  • الخطأ الطبي إشكالية قانون أم ضمير؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من أخطاء بعض طلاب العلم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تغافل المعلم عن أخطاء المتعلمين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أخطاء الطَّواف(مقالة - ملفات خاصة)
  • أخطاء ما قبل الإحرام(مقالة - ملفات خاصة)
  • أخطاء شائعة في المداواة (أو التداوي): (من الممارسة اليومية) (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخطاء شائعة في المداواة (أو التداوي): (من الممارسة اليومية) (3)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخطاء شائعة في المداواة (أو التداوي): (من الممارسة اليومية) (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب