• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الأحاديث الطوال (18) حديث الطاعون

الأحاديث الطوال (18) حديث الطاعون
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2020 ميلادي - 9/7/1441 هجري

الزيارات: 37442

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأحاديث الطوال (18)

حديث الطاعون


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ؛ يُتَابِعُ عَلَى عِبَادِهِ السَّرَّاءَ وَالنَّعْمَاءَ، وَيَخْتَبِرُهُمْ بِالضَّرَّاءِ وَالْبَلَاءِ؛ لِيَسْتَخْرِجَ مِنْهُمُ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاء: 35]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبٌّ عَظِيمٌ قَدِيرٌ رَحِيمٌ، يُظْهِرُ لِعِبَادِهِ شَيْئًا مِنْ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ فَيَعْجَزُونَ عَنْ رَدِّ قَدَرِهِ أَوْ تَخْفِيفِهِ، وَيَؤُوبُونَ إِلَيْهِ دَاعِينَ مُتَضَرِّعِينَ مُتَذَلِّلِينَ، فَيُجِيبُ دُعَاءَهُمْ، وَيَكْشِفُ ضُرَّهُمْ، وَيُبَدِّلُهُمْ بِخَوْفِهِمْ أَمْنًا، وَبِجُوعِهِمْ شِبَعًا، وَبِفَقْرِهِمْ غِنًى، وَبِمَرَضِهِمْ وَوَبَائِهِمْ صِحَّةً وَعَافِيَةً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْشَدَ أُمَّتَهُ إِلَى مَا يُنْجِيهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ فِي عَافِيَتِهِمْ وَبَلَائِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ عَلَى خَيْرٍ «وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَاحْمَدُوهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَإِنَّ النِّعَمَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْمَلْجَأُ فِي الْمِحَنِ وَالنِّقَمِ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 53]، وَالْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ إِلَّا بِأَمْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 154]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الرُّومِ: 25]، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يُونُسَ: 107].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

فِي النَّوَازِلِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَنْزِلُ بِالدُّوَلِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا؛ تَحَارُ الْعُقُولُ، وَتَخْتَلِفُ الْأَقَاوِيلُ، وَتَكْثُرُ التَّخْمِينَاتُ وَالتَّحْلِيلَاتُ وَالتَّوَقُّعَاتُ وَيَضْطَرِبُ النَّاسُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ تِلْكَ النَّوَازِلِ، وَيَزْدَادُ قَلَقُهُمْ وَخَوْفُهُمْ. وَفِي الشَّرِيعَةِ إِرْشَادٌ فِي التَّعَامُلِ مَعَ ذَلِكَ، وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الْوَبَاءِ إِذَا نَزَلَ بِالنَّاسِ، وَانْتَقَلَتْ عَدْوَاهُ بَيْنَ الدُّوَلِ؛ إِذْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَاسْتَرْشَدُوا بِالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ؛ فَهُدُوا لِأَحْسَنِ الِاخْتِيَارَاتِ حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَرْبَ، وَأَزَالَ الْوَبَاءَ؛ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى بِعِبَادِهِ، وَابْتِلَاءً لِمَنْ أَصَابَهُمْ.

 

وَهَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ يَرْوِيهِ حَبْرُ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَنِ الطَّاعُونِ الَّذِي وَقَعَ فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَيْفَ تَعَامَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَهُ، فَيَذْكُرُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ (وَهِيَ قَرْيَةٌ بِوَادِي تَبُوكَ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ) لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ، وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. (فَإِنِّي مَاضٍ لِمَا أَرَى فَانْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَامْضُوا لَهُ، قَالَ: فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ (وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ -مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ-: أَمِنَ الْمَوْتِ نَفِرُّ، إِنَّمَا نَحْنُ بِقَدَرٍ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا) فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ تَقَدَّمْنَا فَبِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ تَأَخَّرْنَا فَبِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى) (وَالْمُرَادُ: أَنَّ قُدُومَ الْمَرْءِ عَلَى مَا يُهْلِكُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَجَنُّبُهُ مَا يُؤْذِيهِ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ يُقَدِّرُ اللَّهُ تَعَالَى وُقُوعَهُ فِيمَا فَرَّ مِنْهُ، فَلَوْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمَا مَقَامَانِ: مَقَامُ التَّوَكُّلِ وَمَقَامُ التَّمَسُّكِ بِالْأَسْبَابِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ: أَنَّ الْوَبَاءَ إِذَا حَلَّ بِأَرْضٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحَدٌ كَانَ فِيهَا فِرَارًا مِنْهُ؛ لِئَلَّا يَكُونَ حَامِلًا لِلْوَبَاءِ فَيَنْشُرَهُ فِي النَّاسِ. وَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ هُمْ خَارِجَهَا؛ حِفْظًا لِلنَّفْسِ مِنْ أَسْبَابِ التَّهْلُكَةِ، وَأَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِاتِّخَاذِهَا، وَهُوَ لَا يُعَارِضُ قَدَرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَا تَفْعَلُهُ الدُّوَلُ مِنَ الْحَجْرِ الصِّحِّيِّ فِي الْمُدُنِ الْمَوْبُوءَةِ، أَوْ لِمَنْ هُمْ قَادِمُونَ مِنْهَا لِلتَّأَكُّدِ مِنْ خُلُوِّهِمْ مِنَ الْوَبَاءِ مُوَافِقٌ لِلْإِرْشَادِ النَّبَوِيِّ، وَلِفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ مُحَاصَرَةً لِلْوَبَاءِ، وَمَنْعًا لِانْتِشَارِهِ فِي النَّاسِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَفْنَى أُمَّتِي إِلَّا بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،، هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ: إِثْبَاتُ الْعَدْوَى فِي الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ؛ وَلِذَا يُعْزَلُ مَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ مُعْدٍ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ لِئَلَّا يُعْدِيَهُمْ، كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إِذَا أَصَابَتْهَا أَمْرَاضٌ مُعْدِيَةٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى» فَهُوَ نَفْيٌ لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ مُعْدٍ بِطَبْعِهِ، لَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَيَّنَ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَا عَدْوَى إِلَّا بِقَدَرِهِ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ: «وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا هُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَلَمْ يُصَافِحْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُخَالِطْهُ، وَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ.

 

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ: الْوُقُوفُ عِنْدَ النَّصِّ النَّبَوِيِّ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ اخْتَلَفُوا لَمَّا شَاوَرَهُمْ عُمَرُ أَيَدْخُلُ الشَّامَ وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا الْوَبَاءُ أَمْ يَرْجِعُ، فَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَجَّحَ لَدَيْهِ الرُّجُوعُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عُمَرُ أَنَّ اجْتِهَادَهُ وَافَقَ الْحَدِيثَ، وَوَافَقَهُ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ خَالَفُوهُ، وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ مُعَظِّمًا لِلنُّصُوصِ، وَقَّافًا عِنْدَهَا، وَلَا يَتَجَاوَزُهَا بِرَأْيِهِ أَوْ بِرَأْيِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ مِنَ الزَّائِغِينَ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النُّورِ: 63].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطَّلَاقِ: 2 - 3].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

فِي الْأَزَمَاتِ يُؤْخَذُ بِرَأْيِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ فَاخْتَلَفُوا تَرَكَهُمْ، ثُمَّ اسْتَشَارَ الْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا فَتَرَكَهُمْ، ثُمَّ اسْتَشَارَ مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْفَتْحِ، وَهُمْ أَقَلُّ فَضْلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنْ يَعُودَ عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَلَا يُلْقِيَ بِهِمْ فِي الْوَبَاءِ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِمْ لِحِكْمَتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَتَجْرِبَتِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا أَقَلَّ فَضْلًا مِمَّنْ سَبَقُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْأَوْبِئَةِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ وَإِرْشَادَاتِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ.

 

وَحِينَ تَقَعُ الْأَزَمَاتُ تَكْثُرُ الشَّائِعَاتُ، وَيَنْبَرِي أَهْلُ الْكَذِبِ لِتَهْوِيلِ مَا يَحْدُثُ، وَوَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ تَنْشُرُ ذَلِكَ فِي الْآفَاقِ، وَيَأْثَمُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ أَوْ نَقَلَ كَذِبًا لَمْ يَتَثَبَّتْ فِيهِ، وَيَنْتَشِرُ ذَلِكَ فِي الْآفَاقِ، وَيَأْثَمُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ أَخَافَ النَّاسَ وَرَوَّعَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ تَرْوِيعُ الْمُؤْمِنِ. وَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ عَدَمُ تَلَقِّي أَخْبَارِ الْأَزَمَاتِ إِلَّا مِنْ مَصَادِرِهَا الْمَوْثُوقَةِ؛ حَتَّى تَضْمَحِلَّ الْأَكَاذِيبُ، وَتُبَدَّدَ الشَّائِعَاتُ.

 

وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ مُلَاحَظَةُ عَجْزِ الْبَشَرِ بِدُوَلِهِمْ وَأَطِبَّائِهِمْ وَمُخْتَبَرَاتِهِمْ وَعِلَاجَاتِهِمْ وَإِمْكَانِيَّاتِهِمْ عَنْ مُحَاصَرَةِ فَيْرُوسٍ صَغِيرٍ ضَعِيفٍ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ الدُّوَلِ، وَيَشُلُّ الِاقْتِصَادَ، وَيُغْلِقُ الْحُدُودَ، وَيَفْتِكُ بِالنَّاسِ؛ لِنَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ النَّاسَ مَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّتُهُمْ وَعُلُومُهُمْ فَلَنْ يَقْدِرُوا عَلَى جُنْدِيٍّ وَاحِدٍ مِنْ جُنْدِهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 31]. فَلْنُعَلِّقْ قُلُوبَنَا بِهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ إِيمَانًا بِهِ، وَيَقِينًا بِقُدْرَتِهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَتَضَرُّعًا إِلَيْهِ؛ فَلَا يَدْفَعُ الضُّرَّ سِوَاهُ، وَلَا يَرْفَعُ الْوَبَاءَ غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ. وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأحاديث الطوال (10) في بيت النبوة (1)
  • الأحاديث الطوال (11) في بيت النبوة (2)
  • الأحاديث الطوال (13) حديث الهجرة
  • الأحاديث الطوال (15) حديث الرؤيا
  • هل يدخل الطاعون المدينة النبوية؟ وهل يوجد فرق بين الطاعون والوباء؟
  • الفوائد من حديث الطاعون شهادة لكل مسلم
  • الطاعون في العصر الأموي
  • خبر عمرو بن عبسة رضي الله عنه
  • الأحاديث الطوال (21) قصة هرقل
  • الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة الأحاديث الصحيحة والمختلف في بعض رجالها ويليها الأحاديث المتكلم في أسانيدها في صحيح الترمذي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الاعتماد في تصحيح الأحاديث على سكوت المؤلفين عن الأحاديث في مصنفاتهم (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة جزء من حديث أبي نصر العكبري ومن حديث أبي بكر النصيبي ومن حديث خيثمة الطرابلسي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج ودراسة تسعة أحاديث من جامع الترمذي من الحديث (2995) إلى الحديث (3005) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حديث عيسى ابن مريم وحديث الطير مع أبي بكر وحديث الضب مع النبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حراسة السنة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • اجتماع أهل الحديث على تصحيح الأحاديث حجة على الناس(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • بشرى الأمين في الأحاديث الخمسين: خمسون حديثا مما اتفق عليه الأئمة السبعة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب