• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (خطبة)

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2019 ميلادي - 17/4/1441 هجري

الزيارات: 38612

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

 

الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 19]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ إخلاصٍ وتوحيد، ألا إن ربي قوي مجيـد، لطيف جليل غنـي حميد، والكل له عبيـد، ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 2]، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، ومصطفاه وخليله:

سلامٌ على ذاك النبيِّ فإنه
إليه العلا والفضل والفخر يُنسَبُ
نبيٌّ رضيٌّ بل عظيم مبجَّلٌ
كريم جَوَادٌ صادق الوعد أطيبُ
صِفُوه بما شئتم فوالله ما انطوى
على مثله في الكون أمٌّ ولا أبُ

 

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لسخطه ومعصيته، واعلموا يا عباد الله أن تقوى الله هي خير ما تزودتم، وأحسن ما عمِلتُم، وأجمل ما أظهرتم، وأكرم ما أسررتم، وهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

أيها الأحبة الكرام، اسمعوا لما يقوله ربكم جل جلاله عن كتابه العظيم: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]، ووالله إن حياة العبد وانشراح صدره، وأنس قلبه، وصلاح أمره - لن تكون إلا بالقرآن الذي ما إن تمسكنا به فلن نضلَّ أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43].

 

القرآن الكريم مأرز الإيمان وبُحْبُوحتُه، وبستان العلم وجنَّتُه، وميدان الحق وساحتُه، وعمود الإسلام وقاعدته؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2].

 

القرآن المجيد حبلٌ وثيقٌ عروته، ومعقِلٌ منيعٌ ذروته، وبرهانٌ دامغةٌ حجتُه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33].

 

أبهر الحكماء، وتحدَّى البلغاء، وأفحم الخطباء، وحيَّر الشعراء، وأدهش الأذكياء؛ متانة بنيان، وإشراقة بيان، وقوة برهان، وظهور سلطان، ومعانٍ حسان؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، تلاوته درجات، واتباعُه نجاةٌ، ومطالعتُه بركات، وتدبره فتوحات، وكل حرف منه بعشر حسنات، مع حُسنِ نظام، وروعة إحكام، وشمول أحكام، ودقة وانسجام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].

 

القرآن العزيز عزٌّ تليدٌ لمن تولاه، وسُلَّمٌ رفيع لمن ارتقاه، وهدًى مبين لمن استهداه؛ قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51].

 

القرآن الكريم كتابُ الله الدالُّ عليه، وطريقه الموصلة إليه، ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

 

ألا وإن أهمَّ وصفٍ للقرآن الكريم، وأكثره ورودًا وذكرًا: كونُه هدًى يهدي للتي هي أقوم، يهدي الأفراد والأمم لما يصلحها في كل شؤونها؛ قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وفي أول سورة البقرة: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وهداية القرآن جامعة للمصالح العاجلة والآجلة، ومحققة لمنافع الدنيا والآخرة، وما ترك القرآن شيئًا من أمور الدنيا والآخرة إلا وهدى المسلم إلى الحق والصواب فيه؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، وقال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، ولقد تكرر وصف القرآن بأنه هدًى في آيات كثيرة: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، ﴿ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 2]، ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [لقمان: 3]، ﴿ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [غافر: 54]، ﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]، وأمثالها كثير، لكن الملاحظ فيها جميعًا أن وصف القرآن بالهداية لم يحدَّد في مجال معين، ولا بزمان معين، ولا بقيد معين؛ ليدل على أنه هدًى في كل شيء، وأن من اهتدى بالقرآن فإنه يهدي للأصوب والأقوم والأحسن والأفضل، والمتتبع لآيات الكتاب الحكيم، يجد أن هذا الوصف الجميل للقرآن الكريم - أعني: وصف الهداية - أكثر من اختصَّ به هم المؤمنون أو المتقون أو المحسنون؛ لأنهم هم الذين قبِلُوا هداه، وعمِلوا بمقتضاه، وإلا فالأصل أن القرآن هدًى للناس أجمعين، لكن الكفار والمنافقين أعرضوا عن هدايته فلم ينتفعوا بها؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61]، ولقد هدى الله تعالى بالقرآن بشرًا كثيرًا في القديم والحديث، ولا زلنا نسمع كل يوم قصص المهتدين بالقرآن ممن سمعوه، أو وقع في أيديهم فقرؤوه، بل إن منهم من قصد قراءته لنقده والطعن فيه وصَرْفِ الناس عنه، فمنَّ الله عليه واهتدى به، وللمستشرقين والمثقفين الغربيين أعاجيبُ في ذلك، وقبلهم اهتدى بالقرآن عددٌ هائلٌ من أئمة الكفر وصناديد الجاهلية حتى صاروا من أعلام الصحابة، وكبار سادة الأمة، وكم من عاصٍ لله عز وجل مسرف على نفسه بالعصيان، مؤذٍ للناس - هَدَتْهُ آية من كتاب الله، فكان بهداية القرآن إمامًا من أئمة المسلمين!

 

ولم يكن الاهتداء بالقرآن خاصًّا بالإنس فقط، وإنما اهتدى به الجنُّ أيضًا؛ قال تعالى عنهم: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ [الجن: 1، 2].

 

يقول الإمام ابن القيم: "ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معانيه؛ فإنه يورث المحبة والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل والرضا، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجره عن كل الصفات والأفعال المذمومة، التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، ولو أن قارئ القرآن إذا مرَّ بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه، وعلاج دائه، كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة كاملة؛ فإن قراءةَ آيةٍ بتفكر وتفهُّمٍ خيرٌ وأنفعُ للقلب من قراءة ختمة كاملة بغير تدبر وتفهم".

 

إذًا فلنهتدِ يا عباد الله بالقرآن العظيم؛ فقد قال الله تعالى عن كتابه الكريم: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، اللهم اجعلنا من أهل القرآن العظيم الذين هم أهلك وخاصَّتُك.

 

اللهم ارفعنا وانفعنا وأسعدنا بالقرآن الكريم، واجعله حُجَّةً لنا لا علينا يا أكرم الأكرمين، اللهم ذكِّرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته وتدبره على أحب الوجوه التي ترضيك عنا يا أرحم الراحمين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

 

وبارك الله لي ولكم ...

♦    ♦    ♦

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا من الصادقين، وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

معاشر المؤمنين الكرام، لقد أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون بعده اختلافٌ كثيرٌ، ونصحنا صلى الله عليه وسلم نصيحةَ مُودِّع؛ فقال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))، وأخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وبشَّرَ الغرباء الثابتين؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء))، وفي الحديث الصحيح: ((أنه صلى الله عليه وسلم خطَّ خطًّا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا، وخط عن يمينه وشماله ثم قال: وهذه السُّبُلُ، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153])).

 

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليك بطريق الهدى وإن قلَّ السالكون، واجتنب طريق الردى وإن كثر الهالكون".

 

أخي المسلم، اعلم وتيقَّن أن الله حين مَنَّ عليك بطريق الهداية، فليس لتميُّزٍ خاصٍّ فيك، وإنما هو محض رحمة من الله وفضل، وقد ينزعها منك في أي لحظة، فهو أعلم بمن اهتدى؛ تأمل جيدًا كيف خاطب الله تعالى رسوله الكريم بقوله: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]، فإذا قيل هذا في حق أفضل الخلق، وأقواهم إيمانًا، وأكثرهم هداية وثباتًا، فكيف بغيره؟

 

ثم اعلموا يا عباد الله أن الثبات على الهداية له أسباب كثيرة؛ أولها:

الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلُّمًا وعملًا وتدبرًا؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والعروة الوثقى لمن تمسَّك به؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية العمل بالعلم والمواعظ، فالثبات على الهداية يكون بالعمل بهذه المواعظ، وتطبيق ما فيها من الهداية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]، ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية قراءة سير وقصص الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية الإلحاحُ على الله بالدعاء؛ قال الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ [الفرقان: 77]، وقد كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، وما سُمِّيَ القلبُ قلبًا إلا لكثرة تقلُّبِه.

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية نصرةُ الحق وأهله؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية تركُ الظلم؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية الصحبةُ الصالحة؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

 

نسأل الله عز وجل لنا جميعًا الثباتَ على الحق والهدى، والعزيمة على الرشد، ونسأله تبارك وتعالى موجباتِ رحمته وعزائمَ مغفرته، وأن يَقِيَنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن.

 

ويا ابن آدم عِشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، وأَحْبِبْ مَن شئتَ فإنك مفارقه، واعمل ما شئتَ فإنك مجزيٌّ به، البرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى، والديَّان لا يموت، وكما تدين تدان، اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا)
  • خطبة: الرجوع إلى الله تعالى
  • القرآن حجة لك أو عليك
  • إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم
  • وكان هذا القرآن (خطبة)
  • تأملات في قوله تعالى: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } (2)

مختارات من الشبكة

  • الصدق يهدي إلى الجنة والكذب يهدي إلى النار (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الصدق يهدي إلى البر والكذب يهدي إلى الفجور(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • تفسير: (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ (10)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ (9)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (8)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (7)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } (6)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (5)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (4)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب