• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

الانتحار ليس من فعل الأتقياء الأبرار (خطبة)

الانتحار ليس من فعل الأتقياء الأبرار (خطبة)
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2019 ميلادي - 20/9/1440 هجري

الزيارات: 40910

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الانتحار ليس من فعل الأتقياء الأبرار

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

 

إخواني في دين الله؛ الاعتداء على مخلوقات الله دون وجه حقٍّ جريمة لا تغتفر، والاعتداء على الإنسان دون إذنٍ من الشرع محادَّةٌ لله، والنفس أمانةٌ عند صاحبها، والأجساد بما فيها؛ الحواسُّ من أسماع وأبصار ونحوها من نِعَم الله على الإنسان، يجب شكرُ هذه النعم لا التخلص منها، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69].

 

فكيف بمن قتل نفسه التي استودعه الله إياها؟!

إنَّ الانتحارَ ليس من فعل الأتقياء الأبرار.

 

إن قتلَ الإنسانِ نفسَه محرَّمٌ لا يجوز الإقدام عليه، ولا التفكير فيه، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ رضي الله عنه ورحمه: (أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ) -يعني الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة،- (حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: («... وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ»). (خ) (6047).

 

فمن لم يرض بقضاء الله، وتسخَّطَ من فعل الله، وجزع من قدر الله سبحانه وتعالى فقتل نفسه، فحرام عليه الجنة، وجاءت الأحاديث في المنتحرين وقاتلي أنفسهم، فيمن سبقنا من الأمم:

فقد قال صلى الله عليه وسلم: ("كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ)، -أي ما توقف- (حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ"). (خ) (3463).

 

وثبت أنَّ قتْلَ النفسِ وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مقاتل شجاع، يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في إحدى المعارك، ولكنه انتحر لأنّه جزع ولم يصبر على جراحاته، فكان من أهل النار، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَقَى هُوَ وَالـمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً)، -لا يترك لهم نفْسا منفردة ولا فارّة أو هاربة- (إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ)، فَقِيلَ: (مَا أَجْزَأَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»)، -مع أنه مقاتل شجاع، وفعلَ ما لم يفعلْه غيرُه من المسلمين، ولكنه من أهل النار،- فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: (أَنَا صَاحِبُهُ)، -يعني سأتبعه وألاحقه وأراقبه، ما الذي سيجعله من أهل النار- قَالَ: (فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ)، قَالَ: (فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الـمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ) -أي: طرفه- (بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ)، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ!) قَالَ: («وَمَا ذَاكَ؟») -ما الذي دعاك أن تشهد الآن بأني رسول الله؟- قَالَ: (الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا؛ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الـمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: («إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»). (خ) (4202).

 

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بالمغفرة لمنتحر قاتل نفسه، وأنه من أهل الجنة فَقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ")، (م) 184- (116)، كما سنعلم تفصيل ذلك في الخطبة التالية.

 

والانتحارُ -يا عباد الله- يكون بطرُقٍ مختلفة؛ فيكون مباشرة بالخنق أو الطعن بالسكين ونحوه، أو بإطلاق النار بالرصاص، أو التردي من شواهق الجبال، وأعالي الأبراج، أو شُرْبِ الأدوية والسموم، وقد يكون بالتسبب لنفسه بالموت، ليس مباشرة؛ كمن يتعاطى الدخان والترومال، ويشرب الخمر والمخدرات والسموم البيضاء، فتكون سببًا في هلاكه وموته.

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ»). (خ) (1365).

 

وفي رواية: («مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا")، -أي شرب سُمًّا- ("فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ") -أي يطعن- ("بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». (خ) (5778)، (م) 175- (109)، (ت) (2043).

 

فكيف بمن حرَق نفسه؟ الذي يخنقها بحبل أو يخنقها بيديه، أو يخنقها في غرفة يغلق بابها ويفتح الغاز أو ما شابه ذلك، هذا كله خنق.

 

ومن تردّى عمداً من شاهق سواء جبل أو بيت عال، أو برج من الأبراج، أو من فوق شجرة، فسقط فمات فهو في النار.

 

ومن تحسَّى سمًّا، أيّ نوع من أنواع السموم سواء كانت سموما بيضاء؛ من مخدرات ونحوها، أو كانت سموما من الأدوية المعروفة المتداولة لصداع الرأس، أو ما شابه ذلك، فيأخذها بكثرة بنية أن يموت.

 

ومن قتل نفسه بحديدة؛ سكين أو سيف، أو سلاح ناري أو ما شابه ذلك، يدخل في هذا كله أنه يوم القيامة يأتي بما كان سببا في قتله، فيقتل نفسه في نار جهنم مراتٍ عديدة، ليذوق وبال أمره.

 

وهل يصلَّى على قاتل نفسه؟ نعم! يُصلَّى عليه، إذا مات مسلمًا، فعل هذه الفعلة بين المسلمين، ولكن ولا يصلِّي عليه الإمام، والمقصود به الخليفة أو من ينيبه، ويصلي عليه بقية الناس، فقد جاء وثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أنه قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ)، -وهي عبارة عن السهام عريضة النصل- (فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ). (م) 107- (978).

 

قال الترمذي: [وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا]، -أي: في الصلاة على قاتل نفسه- [فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى إِلَى القِبْلَةِ، -الذي يصلي إلى القبلة-، وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ -الإمام- أَحْمَدُ: (لَا يُصَلِّي الإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الإِمَامِ). (ت) (1068).

 

وفي رواية عند النسائي وأبي داود: ("أَمَّا أَنَا") -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- ("فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ"). (س) (1964)، (د) (3185)، -أي: على قاتل نفسه،- قَالَ شَرِيك: [وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَدَبًا]. (جة) (1526) -يعني عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على قاتل النفس تأديباً لغيره، وزجراً لغير قاتل النفس أن يحذو حذوه فيقتل نفسه.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أمّا بعد: أخي في دين الله، اتقِ الله تعالى حقَّ التقوى، وإياك أن تحكمَ على غيرك بما تسمعه من الدعايات، ووسائل الإعلام والشائعات، فتتهمَه بما ليس فيه، فـتدخل النار، أو تدخلَه النار حسب زعمك، أو تدخلَه الجنة حسب هواك! فليسَ كلُّ مخنوق منتحرا، ولا كلُّ مطعون بسكين أو مسموم أو وجدناه ساقطاً من برج أو جبل هو منتحر؛ كلا.

 

فهذا أحد الصحابة الكرام رضي الله عنهم قتل نفسه بسيفه، فحكم عليه أصحابه بالانتحار فبرَّأَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: (أَسْمِعْنَا يَا عَامِرُ) -وعامرٌ عمُّ سلمةَ راوي الحديث، وهو عامر بن الأكوع- (مِنْ هُنَيْهَاتِكَ)، -نريد شيئا من الشعر والإنشاد؛ حتى نقويَ أنفسنا على قتال الأعداء-، (فَحَدَا بِهِمْ)، -أي: أنشدهم- (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -عندما سمع صوتهم-: («مَنِ السَّائِقُ؟») قَالُوا: (عَامِرٌ)، فَقَالَ: («رَحِمَهُ اللَّهُ!») -والنبي إذا قال لإنسان: "رحمه الله" تكتب له الشهادة في تلك الغزوة-، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ)، -لو دعوت له بطول العمر- (فَأُصِيبَ) -عامرٌ- (صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ)، وفي رواية: (فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ)، -أراد أن يقتل اليهودي فرجع السيف إلى ركبة عامر، فنزت ركبته، وهو السائل الذي يكون فيها فمات بعدها-. (خ) (6331).

 

فَقَالَ القَوْمُ: (حَبِطَ عَمَلُهُ، قَتَلَ نَفْسَهُ)، -أي: مات منتحرا- (فَلَمَّا رَجَعْتُ) -هذا سلمة يخشى على عمه- (وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقُلْتُ:

(يَا نَبِيَّ اللَّهِ! فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُه؟!)، فَقَالَ: («كَذَبَ مَنْ قَالَهَا") -أي أخطأ من قالها-، ("إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ»). (خ) (6891)، أي: يزيد الأجر على أجره؟ أي: أجره عظيم عند الله، جاهد نفسه في المشقات، ومجاهد في سبيل الله.

 

فلا ينبغي -يا عباد الله- أن نحكمَ على الأعيان، أو على إنسان مسلم بعينه؛ أنه من أهل الجنة أو من أهل النار؛ إذا مات منتحرا أنه مخلّد في النار؛ بل نكلُ أمرَه إلى الله علاَّم الغيوب، العزيزِ الجبار سبحانه، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: (أَتَى الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ رضي الله عنه إلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم)، -جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من قبيلة دوس من اليمن- فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟) يدعو النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك مكة، ويذهب إلى اليمن ليحميه- -أَيْ: جَمَاعَةٍ يَمْنَعُونَكَ مِمَّنْ يَقْصِدُك بِمَكْرُوهٍ- وهو (حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- (فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ) -أَيْ: كَرِهُوا الْمَقَامَ بِهَا لِضَجَرٍ وَنَوْعٍ مِنْ سَقَم، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَصْلُهُ مِنْ الْجَوَى، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيب الْجَوْف- -تغير عليهم الجوّ، وتغيرت عليهم البيئة، ولم يستطيعوا أن يصبروا على ما فيها- (فَمَرِضَ)، -صاحب الطفيل بن عمرو- (فَجَزِعَ) -أي: لم يصبر- (فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ) –الـمَشَاقِص: جَمْع مِشْقَص، وهُوَ سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيض. النووي (1/ 230)- (فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ) -(الْبَرَاجِم): العُقَدُ التي في ظُهورِ الأصابع، يَجْتمعُ فيها الوَسَخ، الواحدة: بُرْجُمَة. النهاية (1/ 291)- (فَشَخَبَت يَدَاهُ)، -أي: سالت دما- (حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو) -بعد مدة رآه- (فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ)، فَقَالَ لَهُ: (مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟!) فَقَالَ: (غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟!) قَالَ: (قَالَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ)، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ"). (م) 184- (116)، وغيره.

 

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مجاب، وقد غفر الله ليديه إن شاء الله، وهو مات منتحرا لكنه مؤمن بالله، قال النووي رحمه الله: (فيه حجّةٌ لقاعدةٍ عظيمةٍ لأهل السنة؛ أنّ من قتل نفسه، أو ارتكبَ معصيةً غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة)، -يعني حكمه إلى الله-، وقال الترمذي -رحمه الله-: إنّ [الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا تَجِيءُ؛ بِأَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ]، -من شاء أن يعذبهم منها- [ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُمْ يُخَلَّدُونَ فِيهَا]. (ت) (2044).

 

وعليه؛ من قتل نفسه وهو مسلم -من المسلمين-؛ نغسله ونكفنه ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه في مقابر المسلمين، ويدعى له بالرحمة والمغفرة.

 

فهل هناك رسول أرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختاره الله ليكون لهذه الأمة خاتم الأنبياء، فصلى عليه الله، وصلت عليه الملائكة، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى الدين.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

 

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما برحمتك يا رب العالمين.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

 

اللهم اقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وفرج هم المهمومين، وارفع الظلم عن المظلومين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل الانتحار يمثل حلا للمشكلات؟
  • ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها
  • الانتحار وموقف الإسلام منه (خطبة)
  • جريمة الانتحار
  • ظاهرة الانتحار أسباب وحلول
  • الانتحار: الأسباب والوقاية والعلاج
  • التحذير من آفة الانتحار
  • إتحاف الأخيار بالرد المختصر لشبهة محاولة النبي صلى الله عليه وسلم الانتحار
  • ضيقوا الخناق على فكرة الانتحار!

مختارات من الشبكة

  • الانتحار: أسبابه وعلاجه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور الهدي الإسلامي في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية داخل الأسرة المسلمة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • علامات الفعل والحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الانتحار (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • خطبة عن الانتحار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانتحار وأسبابه والوقاية منه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التنمر: من الأذى إلى الانتقام أو الانتحار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الانتحار في ضوء السنة النبوية: دراسة حديثة تحليلية (التعريف، الحكم، الصور، الأسباب، العلاج) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الرغبة في الانتحار تلح علي(استشارة - الاستشارات)
  • فتح العزيز القهار في أحكام الانتحار (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب